الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العداوات ضد الشيعة مما حمل بعضهم على الذهاب إلى المدينة يشكون لعلوييها ما يلقاه اخوانهم من الاضطهادات والظلم. على أنه يجب أن نرجع إلى الوراء لنعرف الأسباب الحقيقية لمجريات الأحداث فإن هذه الثورة كانت على صلة بثورة محمد بن عبد اللَّه المعروف بالنفس الزكية وأخيه إبراهيم سنة 145 هـ (762 م). ومن ناحية أخرى فقد ثار أحدهم بالمدينة واسمه الحسين العلوى الذى عرف بصاحب فخ فقد ظل يقاوم قوات بنى العباس أحد عشر يوما خرج بعدها إلى مكة والتحم بعسكر العباسيين يوم التروية (أى الثامن من ذى الحجة 169 - 786) عند سفح "جبل البرود" بفخ، ورفض الحسين أن ينزل بالأمان وقتل فى المعركة إلى جانب آخرين من العلويين وظلت أجسادهم فى العراء فكانت مدعاة لإلهاب خيال الشعراء فنظمت فيهم المراثى الكثيرة. وقد نجح فى الفرار من هذه المذبحة العلوى إدريس ابن عبد اللَّه بن الحسين فهرب إلى مصر ثم تمكن من تأسيس دولة الأدارسة فى المغرب.
المراجع:
أولًا: العربية
(1)
ياقوت: معجم البلدان، جزء 3، ص 854.
(2)
الطبرى: مروج الذهب، جزء 6 ص 662 - 862. الكامل
(3)
ابن الأثير: ليدن 1851 - 1876. جزء 4 ص 60 - 64.
ثانيًا: الأجنبية
(1)
F.Wustenfeld: Die Chroniken der Stodt Mekka Leipzig 1857 - 1959، 1،435،501 F.، ii، 185 and index
د. حسن حبشى [ل. فيشيا فلجيرى L.Veccia Valgieri]
الفخار
(1)
يعد الخزف أحد مفاخر الفن الإسلامى وكان يصنع فى كافة الأقطار الإسلامية.
وللمنتوجات الخزفية مكانتها فى العمارة الإسلامية سواء كأداة للتطعيم
(1) استخدم المؤلف هذه اللفظة كمصطلح عام يدل على كافة المنتجات الخزفية من بلاطات وأوانٍ. [المترجم]
أو كبلاطات خزفية [وتعرف بترابيع القاشانى] كما أنها تتمتع بمكانة هامة فى مجال الفنون التطبيقية [تعرف أيضا بالفنون الزخرفية أو الفنون الصناعية أو الفنون الصغرى].
وإنه لمن الأنسب، لكى نقدم دراسة مختصرة واضحة لهذا الموضوع الواسع، أن نمهد لذلك بإعطاء نبذة يسيرة عن الأساليب الصناعية [وهى التقنيات] المختلفة المستخدمة فى صناعته قبل أن نتطرق إلى ذكر مراكز صناعته الرئيسية والمراحل التاريخية التى ازدهرت خلالها.
ويمكن القول، بادئ ذى بدء، أن المادة الأساسية للمنتوجات الخزفية هى الطين المحروق الذى يتحول إلى سليكوز [السليكا أى الرمل الناعم جدا] أو البلاستيك [مادة لدائنية أى طرية ليسهل تشكيلها] حسب المادة السائدة فى تكوينه.
وإما أن يُترك الطين عاريا وفى هذه الحالة يبدو فى مظهره كالطوب [الآجر] أو يغطى بطبقة البطانة التى تخفى اللون الحقيقى يمكن إضافة أنواع متعددة من الزخارف والطين وهو لا يزال طريا [لينا] كما يمكن حز الآنية بخطوط غائرة [أخاديد] أثناء دورانها على العجلة [أى الدولاب] أو تزخرف بزخارف بارزة على طبقة البطانة حيث يتم ضغط العناصر الزخرفية وتوضع جنبا إلى جنب فى قالب أو تختم بصبغات منفصلة.
وبعد أن يجف الإناء ويحرق فى الفرن يزجج أى يغطى بطلاء زجاجى مخلوط بالرصاص مما يضفى عليه مظهره اللامع ويمنع فى نفس الوقت رشح الماء وقد يلوّن هذا الطلاء أو يترك كما هو بدون تلوين.
هذا ويستطيع الخزاف أن يضفى على آنيته طابع الثراء بإضافة الألوان المتعددة إليها وما تحدثه من تأثيرات حيث يمكن الحصول على عدد كبير من الطلاءات الزجاجية الملونة المختلفة بواسطة مزج الأكاسيد المعدنية بمواد مذابة عديمة اللون.
وفضلا عن أكسيد القصدير الذى يعطى اللون الأبيض فإن لوحة الألوان
تضم أكسيد الكوبالت لأعطاء اللون الأزرق وأكسيد النحاس لإعطاء اللون الأخضر واللون الأزرق التركوازى [الفيروزى] وأكسيد المنجنيز لأعطاء اللون البنى واللون البنفسجى الباذنجانى.
هذا وترسم الزخارف بفرشاة على طبقة البطانة التى كل تغطى جسم الآنية ومن ثم تظهر هذه الزخارف تحت طبقة الطلاء الزجاجى وهذه هى الطريقة المستخدمة فى صناعة أوانى السيلكوز، أو ترسم الزخارف على طبقة الطلاء الزجاجى المعتم [غير الشفاف] نتيجة إضافة أكسيد القصدير إليها وهذه هى الطريقة المستخدمة فى صناعة الأوانى المطلية بالطلاء الزجاجى القصديرى [أى المعتم].
وقد كانت منطقة غرب آسيا هى أول بقعة شهدت ميلاد صناعة الخزف الإسلامى التى يرجع أصلها من غير شك إلى الطّوب المزجج فى القصور الأخمينية والمنتوجات الخزفية الغارثية [أو البارثيه] والساسانية.
ومهما يكن من أمر فإن الخزف الإسلامى لم يكن معروفا لدينا حتى بداية العصر العباسى (القرن 3 هـ/ 9 م)، ونحن ندين بمعلوماتنا الأولية والدقيقة عن هذه المنتوجات الخزفية إلى الحفائر التى أجريت فى مدينة سامراء (عاصمة الخلافة العباسية فيما بين 223 - 269 هـ/ 838 - 883 م) وقد زودتنا هذه الحفائر بالعديد من الأوانى والقطع الخزفية التى تتميز بالتنوع الشديد والمهارة الفائقة فى التنفيذ وهو الأمر الذى يدعو إلى الاعتقاد بوجود عدد من مراحل التطور السابقة والتى لا نعرف عنها شيئا [حتى الآن].
وقد وجدت فى سامرا، (علاوة على أنواع الخزف سواء المزجج أو غير المزجج أو المخروز أو المختوم) وثلاثة أنواع رئيسية من المصنوعات الخزفية: النوع الأول هو الخزف الأبيض المزخرف بالنقاط والعناصر الكتابية غير المقروءة المنفذة باللون الأزرق الزرنيخ [بين الأزرق والأخضر].
النوع الثانى هو الخزف ذو الزخارف المتعددة الألوان ومن الواضح
أنه مستوحى من المنتوجات الحجرية الصينية التى ترجع إلى عصر أسرة تانج (القرنان 1 - 2 هـ/ 7 - 8 م).
والنوع الثالث والأخير هو الخزف المميز والمعروف بالخزف ذى البريق المعدنى [الفضار المذهب] ويمكن الحصول على زخَارف هذا النوع من الخزف عن طريق مزج أكسيد الحديد مع بودرة الفضة أو النحاس الذى ينفصل عند درجة الانصهار ويوضع كسائل رقيق فوق الطبقة الزجاجية المعتمة [كنتيجة لإضافة القصدير إليها وتكون شفافة عند إضافة الرصاص إليها].
وتتدرج ألوانه من اللون الذهبى الباهت [الشاحب] إلى اللون الأحمر الياقوتى، أما درجات انعكاس للك الألوان فتختلف حسب سقوط الضوء عليها.
وقد عثر فى مدينة سوسة على قطع أخرى مشابهة ولاشك أنها معاصرة خزف سامراء فى القرن 3 هـ/ 9 م]
ولقد كانت هذه المنتوجات الخزفية سواء فى بغداد أو فى غيرها من مراكز الخلافة العباسية تنافس فى مظهرها الأوانى المعدنية النفيسة ولكنها لم تتعرض مثلها إلى التحريم من جانب المتشددين [أى الفقهاء الذين أجمعوا على تحريم استعمال الأوانى الذهبية والفضية] ومن ثم صارت إحدى السلع التجارية الرائجة فى مجال التصدير إلى كافة الأقطار الإسلامية ويؤكد ذلك ما عثر عليه فى حفائر مدينة الزهراء الأندلسية من قطع عديدة تشبه مثيلتها فى سامراء، وأيضا أروع مجموعة من البلاطات الخزفية وصلت إلينا (ويقدر عددها بنحو 150 بلاطة [وفى رأى آخر 139 بلاطة) أرسلت من بغداد أو أى مركز صناعى آخر) وهى التى تكسو محراب جامع القيروان [بتونس].
وكانت مصانع الفسطاط بمصر هى أول من استخدمت أسلوب الزخرفة بالبريق المعدنى [وهو يشير بذلك إلى بعض القطع الزجاجية المزخرفة بالبريق المعدنى والتى ترجع إلى الربع الثالث من القرن 2 هـ/ 8 م] حيث ستقابلنا هذه المنتوجات مرة أخرى.
وقد قامت بلاد فارس بدور بارز فى تطور المنتوجات الخزفية منذ وقت مبكر، ويبدو أنها استفادت من التقاليد الأجنبية فضلًا عن التقاليد السابقة على العصر الإسلامى ويظهر ذلك جليا فى النوع المسمى بخزف "جيرى" وكانت زخارفه تنفذ بواسطة عمل حزوز كبيرة أو صغيرة فى طبقة البطانة التى تغطى جسم الآنية تحت طلاء زجاجى شفاف لامع وتتكون هذه الزخارف من رسوم تخطيطية تذكرنا بالحضارة الفارسية القديمة وقوامها مذابح النار فضلا عن أشكال الكائنات الحية من رسوم الأشخاص والحيوانات والطيور والأسود والتنين المنفذة بأسلوب شديد التحوير.
وتعتبر مدينة الرى (وتقع أطلالها الآن قرب طهران) من أقدم مراكز إنتاج الخزف فى إيران وقد استمر نشاطها الفنى مزدهرا حتى القرن 7 هـ/ 13 م وهو يعد من أحسن الأنواع المعروفة لجامعى هذا النوع من التحف [أى تجار العاديات] وتظهر المنتوجات الخزفية لهذه المدينة تنوعا كبيرًا سواء فى الشمل أو الأسلوب الصناعى [التقنية].
إن المنتوجات الخزفية المنفذة بالبريق المعدنى الذى غالبا ما يكون ذا لون ذهبى مائل للاخضرار قد مثلت بحرية تامة، وقد أنتجت الرى أيضا، علاوة على البلاطات الخزفية [ترابيع القاشانى] التى تكسو أسطح الجدران والمشكلة على هيئة تخوت ثمانية مدببة العقد أو على هيئة أشكال صلبان ذات ثمانى أذرع متساوية، والقوارير والمزهريات المشكلة على هيئة رسوم حيوانية أو المزخرفة بالحيوانات البرية المنفذة بالحفر البارز.
ولقد كان الخزافون يفضلون تمثيل مناظر الكائنات الحية وهو الأمر الذى يعد أحد السمات المعروفة للذوق الفارسى إذ نشاهد فى داخل الأطباق وعلى حوافها وعلى الأبدان المنتفخة للقوارير وفى البلاطات الخزفية جنودا وصيادين على ظهور الخيل والحكام والموسيقيين الجالسين ذوى الوجوه والأجسام الممتلئة وهى تذكرنا بمثيلتها فى تصاوير المخطوطات المعاصرة وقد نفذت هذه الأشكال الصغيرة على أرضية بيضاء أو زرقاء باهتة [شاحبة] وهم يرتدون ملابس ملونة رقيقة
موشاة بالذهب والكتابات ذات حروف مذهبة وهى تحكى الأساطير الإيرانية القديمة المرسومة على مثل هذه المنتوجات الخزفية وعلى الرغم من خراب الرى على يد جنكيز خان المغول 624 هـ/ 1227 م [الصواب 617 هـ/ 1220 م] وما أصاب صُناع خزفها من ضعف وفقر إلا أنهم استمروا فى إنتاج المنتوجات الخزفية بأساليبهم المعهودة ويوجد عدد من القطع الخرفية المزخرفة بأسلوب الظل الأسود [السلويت] على خلفية خضراء وهى ترجع إلى تلك الفترة ومن الواضح وجود صلة بين وصول المغول وبين إقامة عدد من المخازن التى وجدت فى حفائر جرجان فالقطع التى اكتشفت سليمة تماما كانت قد حفظت فى جرار كبيرة أو دفنت أثناء الغزو وترجع هذه المنتوجات إلى أواخر القرنين 5 - 6 هـ/ 11 - 12 م وربما يرجع بعضها إلى فترة سابقة عن ذلك.
وتشتمل هذه القطع على أوان ذات أرضية زبدية اللون أو "تركوازية"، كما توجد أيضا بعض الأوانى التى يبدو أنها مستوردة من مدينة ساوة. هذا وقد استمرت صناعة الخزف مزدهرة خلال فترة السيطرة المغولية وخاصة فى المناطق الفارسية وفى آمل وساوة وقاشان فضلا عن شمال شرق سمرقند.
ويعتقد أن الأوانى ذات الزخارف الهندسية والنباتية والحيوانية المنفذة بتحوير شديد والمحفورة فى طبقة البطانة [أى تحت الطلاء] والملونة بلمسات من اللون الأخضر والأرجوانى قد صُنعت فى آمل فيما بين القرنين 5 - 7 هـ/ 11 - 13 م.
وبرزت خلال العصر المغولى مراكز صناعية جديدة مثل سلطان آباد وقد كان للتأثير الصينى أثره الواضح على حكام إيران الجدد الذين عولوا على إحضار الخزافين الصينيين فضلا عن استقدام المصورين إلى الأراضى المحتلة.
وقد استمرت التأثيرات الصينية باقية حتى زمن الصفويين ويشهد على ذلك أوان تنسب إلى كرمان وتؤرخ
بعصر الشاه عباس (995 - 1037 هـ/ 1587 - 1628 م) وقوام زخرفتها رسوم الحيوانات الخرافية المفعمة بالحيوية والمتأثرة بمثيلتها فى أوانى الشرق الأقصى [أى الأوانى الخزفية الصينية].
وقد أثبتت الحفائر الأثرية التى أجراها الأمريكان قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ازدهار صناعة الخزف فى نيسابور ببلاد ما وراء النهر [إقليم خراسان أو آسيا الوسطى أو التركستان الغربية] وقد بلغت هذه الصناعة الغاية خلال العصر السامانى من الثانى إلى الخامس الهجرى 8 - 11 م، وعلى ما يبدو فإن تلك الأوانى هى الأولى التى غطيت بطبقة زجاجية لامعة شفافة وتتراوح ألوانها بين الأصفر الليمونى والأخضر والأحمر الطوبى أما زخارفها فمجموعات غير متجانسة من الزخارف الهندسية والعناصر الكتابية غير المقروءة والأزهار والحيوانات وأشكال الكائنات الحية وتحدد هذه الزخارف خطوط سوداء وربما تكون مشتقة من فارس القديمة.
كذلك فإنه يتضح من أوانى داغستان فى الجنوب الغربى للقوقاز وفى الأطباق المنسوبة إلى مدينة كوباجى الصغيرة بقاء التأثيرات الصينية المتأخرة فضلا عن الخصائص المميزة للخزف التركى فى آسيا الصغرى [الأناضول وهى تركيا الآن]. وقوام زخارفها المرسومة تحت الطلاء، والذى إما أن يكون عديم اللون أو ذا لون أخضر أو أزرق وغالبا ما تكون به تشققات، عبارة عن رسوم أزهار محورة وحيوانات منفذة عادة بأسلوب الظل [السلويت] أو أشخاص مصممون على أرضية نباتية
وقد أنتجت بلاد فارس أيضا، علاوة على أشكال [الفاظات] المزهريات والأطباق إنتاجا وفيرا من المنتوجات الخزفية الأخرى للأغراض المعمارية مما أضاف البهجة والرونق إلى تلك المبانى ذات النسب المعمارية والفنية الدقيقة. .
ومن بينها الفسيفساء الخزفية والبلاطات الخرفية التى تكسو العمائر سواء من الداخل أو الخارج فضلا عن القباب والمآذن الممشوقة والمداخل وقوام
زخارفها عبارة عن زخارف هندسية وكتابية ونباتية وأهم الألوان المستخدمة هى الأزرق الفاتح أو الداكن.
كذلك شاعت المحاريب الخزفية وبصفة خاصة التى صنعت فى قاشان وهى عبارة عن حشوات وسطى مسطحة [غير مجوفة] تكتنفها من جانبها أعمدة تتوجها عقود فارسية.
وقد ترتب على استقرار الأتراك السلاجقة فى آسيا الصغرى [الأناضول] انتشار الفن الفارسى انتشارًا ملحوظًا حيث ذخرت قونية (التى أصبحت عاصمة سلطنة سلاجقة الروم وشيد بها السلاطين المنشآت المتعددة) بالعديد من الصناع لاسيما الخزافين من أهل خراسان كنتيجة طبيعية للغزو المغولى لبلادهم.
وترجع إلى القرنين 6 - 7 هـ/ 12 - 13 م بضعة أسوار رائعة مكسوة من الداخل بالطوب المزجج من جهة أو بلاطات الفسيفساء والبلاطات المتعددة الألوان من جهة ثانية.
ولقد توقفت صناعة الخزف فى الأناضول بسقوط سلطنة سلاجقة الروم فى قونية فى مستهل القرن الثامن الهجرى (14 م) ولكنها سرعان ما عادت إلى الازدهار بفضل الأتراك العثمانيين الذين اتخذوا بورصة [أوبروسه] عاصمة لهم فى عام 726 هـ/ 1326 م وقاموا بتجميلها بالعمائر الرائعة المكسوة بالبلاطات الخزفية التى كانت سمة سائدة وقتئذ وكانت المساجد والترب هى أكثر هذه العمائر إتقانا وبالرغم من ذلك لم تكن بورصة مركزا للصناعة وإنما كانت مدينة أزنيق [مدينة نيقية القديمة] التى لا تبعد كثيرا عنها والتى استمرت مركزا مزدهرا لمدة قرنين (من أواخر القرن 8 هـ/ 14 م إلى أواخر القرن 10 هـ/ 16 م) ومرت الصناعات الخزفية خلالهما بمراحل مختلفة من التطور فى الأسلوب الفنى والصناعى.
كان التأثير الايرانى ما يزال واضحا جدا فى بداية القرن 10 هـ/ 16 ولكن منذ أواخر هذا القرن بدأ الخزافون يحررون أنفسهم من هذه التقاليد حيث بلغت منتوجات أزنيق
الخزفية المتعددة الألوان الغاية واكتسبت الخصائص التركية المميزة.
هذا وقد رسمت الزخارف فوق طبقة البطانة وأضيفت إلى الألوان المستخدمة بالفعل (وهى الأزرق الزرنيخى والتركواز والأخضر النحاسى) اللون الأسود لتحديد المساحات الملونة واللون الأحمر الطماطمى الرائع الذى يظهر بارزًا على سطوح البلاطات والأوانى الخزفية.
أما تكوين الحشوات المصنوعة فى بلاطات مستطيلة فيعتمد بصفة أساسية على الزخارف النباتية حيث نشاهد الزهور الأربع التقليدية وهى: الورد والياسمين والخشخاش والتوليب [زهرة اللاله].
وقد توقفت أزنيق عن الانتاج خلال القرن 11 هـ/ 17 م وحلت محلها مدينة كوتاهية التى كان إنتاجها نسخة مكررة من إنتاج أزنيق سواء فى الأسلوب الصناعى أو الفنى ولكن دون أن تصل إلى نفس الدرجة من الإتقان.
كذلك انتقل مجد أزنيق الآفل إلى أسطنبول حيث أنشئت الأفران [المصانع] فى منطقة "تكفورسراى" فى بداية القرن 12 هـ/ 18 م.
وينسب إلى دمشق بعض الأطباق الرائعة الشبيهة بالأوانى الأناضولية إلا أنها تختلف عنها كثيرا سواء من حيث الألوان حيث لم يستخدم اللون الأحمر الطماطمى واستخدم اللون الأرجوانى والأخضر أو من حيث رسم التصميمات الزخرفية التى كانت على درجة أقل من حيث واقعيتها [الأسلوب الطبيعى أو الواقعى] وحساسيتها فضلا عن إعطاء درجة كبيرة من الاهتمام بالخلفية.
ومن المعروف أن صناعة الزجاج قد بدأت أولا فى مصر، وقد صنع المصريون القدماء أيضا الخزف كما عرفوا استخدام الترجيج [أى طلاء المواد المصنوعة من الطين أو الحجر بمادة الزجاج الذائب].
وإذا لم يكن البريق المعدنى قد ابتكر أولا فى مصر كما يعتقد بعض العلماء فإنه على الأقل قد صنع فيها منذ فترة
مبكرة جدا كتقليد لمثيله فى العراق حيث توجد بعض القطع من الخزف ذى البريق المعدنى تشبه مثيلتها فى سامراء. وهى مؤرخة بالقرن 3 هـ/ 9 م أى خلال العصر الطولونى أو قبله بقليل. وتتكون زخارف هذه الأوانى من أشكال آدمية غريبة إلى حد ما وعناصر كتابية غير مقروءة وتمتاز هذه الزخارف بكبر حجمها وسذاجة رسمها. هذا ولم تلبث أن تطورت هذه الأوانى تطورًا كبيرًا خلال القرنين 5 - 6 هـ/ 11 - 12 م تحت حكم الفاطميين.
إن التنوع الكبير للقطع والأطباق والمصابيح والتماثيل الصغيرة يوضح ليس فقط التحرير من الاعتقاد المتشدد تجاه التصوير وإنما يؤكد أيضا طابع الرقى الذى صبغ فنون العصر الفاطمى قاطبة.
وقد زينت الأسطح المغطاه بالبريق المعدنى الذهبى الرائع بتفاصيل من مادة البريق نفسها حددت بدقة شديدة مما أضفى عليها مظهرًا فخما، وتضم قائمة هذه الزخارف الحيوانات ذوات الأربع والطيور أو الأسماك وأيضا الأشكال الآدمية من رجال معممين ونساء مسترسلات الشعور.
كذلك فإن رسم الصليب وتمثيل السيد المسيح [عليه السلام] وفوق رأسه هالة يدعونا للاعتقاد بوجود صناع أقباط [أى من مسيحيى مصر]
وقد شهد العصر ذاته ازدهار نوع آخر من الخزف هو المعروف بالخزف ذى الزخارف المحفورة تحت طلاء زجاجى ذى لون واحد وخاصة لون السيلادون الصينى الأخضر الضارب إلى الرمادى.
إن كميات القطع الخزفية [الكسرات] التى ألقاها الخزافون على أكوام النفايات لتكشف عن مدى نشاط الأفران [المصانع] فى الفسطاط.
وقد ظهر خلال القرن 7 هـ/ 13 م أسلوب صناعى جديد لرسم الزخارف على بدن الآنية تحت طلاء زجاجى وسميك ولامع وغالبا، ما تكون به تشققات، أما الزخارف فترسم بالفرشاة وتتكون من رسوم الحيوانات المنقذة بإسلوب الظل [السلويت] المظلل باللون الأسود وحتى يمكن أن نكمل
هذه الدراسة السريعة عن فن الخزف فى مصر يجب أن نذكر شيئًا عن الخزف ذى الزخارف المحفورة تحت طلاء زجاجى أصغر أو أخضر [وهو المعروف باسم الفخار المطلى بالميناء المتعددة الألوان].
وتشتمل هذه الأوانى التى كانت مخصصة أصلا للاستخدام المنزلى على نقوش كتابية ورنوك الأمراء وهى شارات تدل على الوظائف المختلفة وقد تكون بسيطة أو مركبة] وقد صنعت هذه الأوانى لهؤلاء الأمراء كما صنعت كل من سوريا وفلسطين أوانى من نفس هذا النوع خلال ذلك العصر أيضا [أى العصر المملوكى].
أما بالنسبة لشمال إفريقية فقد كانت على الأقل حتى القرن 6 هـ/ 12 م امتدادًا فنيا للشرق الأدنى ومصر فقد أرسلت إلى القيروان بلاطات من الخزف ذى البريق المعدنى [الفضار المذهب] من بغداد فى القرن 3 هـ/ 9 م [حوالى منتصف هذا القرن على وجه التحديد] ومن الجائز قيام صناع الخزف المحليين بإكمال هذه المجموعة.
وقد عثر فى قصر بقلعة بنى حماد بالجزائر يؤرخ بالقرن 5 هـ/ 11 م على أرضية مصنوعة من البلاطات الخزفية ذات البريق المعدنى وهى على هيئة أشكال نجمية ومتقاطعة ورغم أنها تتطابق مع الطراز الفارسى إلا أنه من المحتمل جدًا أنها من الانتاج المحلى.
إن الكميات الكبيرة من خزف قلعة بنى حماد والزبريين فى القيروان (بتونس) تتميز بخصائص ذات سمات مستقلة [أى محلية] للغاية.
وبالإضافة إلى العناصر المعمارية والمقرنصات (المقربصات) والأوانى المزججة باللون الأخضر ذات الزخارف المحزوزة أو المختومة، كشفت الحفائر الأثرية عن أوانٍ ذات طلاء زجاجى متعدد الألوان رسمت زخارفها فوق طبقة البطانة وقد نفذت هذه الزخارف المتنوعة والدقيقة بأسلوب الظل [السلويت] وقوام هذه الزخارف أشكال مثلثة وبيضاوية وأشكال آدمية وحيوانية يمكن أن نميزها عن النماذج الشرقية أما الألوان فتنحصر فى اللون البنى المنجنيزى والأخضر النحاسى
ونادرًا ما يستخدم اللون الأصفر كما استخدم اللون الأزرق الزرنيخى فى فترة متأخرة.
وقد أنتجت بجاية خلال القرن 6 هـ/ 12 م الخزف المتعدد الألوان بعد أن رحل إليها الصناع من القيروان والقلعة (أى قلعة بنى حماد) كنتيجة لغزو العرب الرحل لبلادهم. ومن جهة أخرى فقد استفادت بجاية، وهى المدينة الساحلية، من واردات الأندلس إليها.
وقد أنتجت أسبانيا الأوانى الخزفية الرائعة وكشفت الحفائر الأثرية فى مدينة الزهراء عن كميات كبيرة من الخزف المزخرف بخطوط ملونة باللون البنى المنجنيزى أما الأسطح فملونة باللون الأخضر النحاسى، وتؤرخ هذه الأوانى مثلها فى ذلك مثل المدينة بالقرن 4 هـ/ 10 م وهى مشابهة لنماذج مغربية ترجع إلى تاريخ متأخر.
كذلك فإن الخزف الإسلامى فى صقلية (القرن 6 هـ/ 12 م) مشابه تماما لتلك الأنواع.
والحق أن هذا المظهر لهذه المجموعة الواحدة والمتجانسة تماما من أوانى الغرب الإسلامى يثير مشكلة عن كيفية ايجاد مبرر لهذا الطابع.
وقد أثبتت حفائر مدينة الزهراء أن أسبانيا فى القرن 4 هـ/ 10 م كانت على دراية بأوانى البريق المعدنى المستورد من الشرق ومع ذلك فإن شبه جزيرة أيبريا كانت تملك مراكز صناعية أيضا ومنها مالقه التى أنتجت فيما بين القرنين السابع والتاسع الهجرى (13 - 15 م) أطباقًا من ذات البريق المعدنى الذهبى وجرارًا [قدورًا] كبيرة من النوع المعروف برسم جرار [أو قدور] الحمراء والذى يعد أكثرها شهرة.
إن جمال ودقة تلك الجرار الخزفية الكبيرة نجد صداه فى المزهريات ذات الزخارف البارزة والتى يبدو أنها تنتمى إلى نفس الأصل وربما تؤرخ بنفس الفترة أيضا وقد تترك العجينة دون طلاء زجاجى أو تغطى بالميناء الزجاجية الخضراء، أما الزخارف فترتب فى صفوف أفقية يعلو بعضها البعض وهى تشتمل على البائكات الصماء والنقوش الكتابية والعناصر المتداخلة أو المتشابكة وأحيانا الرسوم
الحيوانية، وقد وجد نفس الأسلوب الصناعى والزخرفى فى الآبار والخزانات الموجودة فى الأندلس وكذلك المغرب ومنها مجموعة رائعة بسيدى بو عثمان شمال مراكش وربما ترجع إلى القرن 6 هـ/ 12 م. ومنذ هذا القرن لعب الخزف فى كل من أسبانيا والمغرب دورًا هاما فى الزخرفة المعمارية.
إن البلاطات المزججة التى ظهرت أولا فى فارس ثم فى إفريقية [أى تونس] قد ارتبطت بزخرفة المآذن وجعلت على هيئة حشوات كسيت بها الحجرات، وإن مهارة الصناع، ولاسيما المتخصصون فى الزليج، فى قطع وتشكيل البلاطات ذات اللون الواحد وتجميعها على هيئة أشكال من الزخارف الهندسية والكتابية والنباتية لهو شئ يدعو للدهشة حقا.
وكانوا على نفس الدرجة من المهارة فى نوع من الخزف المعروف المحفور والذى يقوم على كشط طبقة الطلاء الزجاجى بأداة حفر، ولذلك تترك العناصر الزخرفية كما هى. ونتوقف أخيرًا عند الخزف ذى الفواصل الجافة وهو المعروف فى الأسبانية بإسم (الكورداسيكا) وتستخدم فيه نفس العناصر الزخرفية الهندسية المتداخلة أو المتشابكة.
والتى توحى من بعيد بإحساس كما لو كانت أحد الأعمال المفعمة وهو أسلوب صناعى قديم جدا يشبه الطوب المزجج فى القصور الأخمينية بسوسة.
وهناك خط أسود يحدد كل سطح ولهذا الخط مكانة هامة فى التكوين حيث يمنع اختلاط الألوان القريبة بعضها ببعض هذا ولم يستخدم مثل هذا الأسلوب الصناعى أى واحد من خزافى سامرا ومدينة الزهراء وإنما استخدم فى شمال إفريقيا فى القرنين الخامس والسادس للهجرة 11، 12 م.
وقد بلغت مراكز الصناعة الأسبانية وبخاصة اشبيلية درجة عالية من المهارة فى استخدام كل من الأسلوبين الصناعيين (الكورداسيكا والكونكا) حيث حل محل الخط الأسود خط رفيع محزوز فى العجينة لفصل الألوان بعضها عن بعض.