الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفن الفاطمى:
يشكل التاريخ السياسى للفاطميين حجر الزاوية لفهم تطور فنونهم. كما يمكننا من أن نميز بين حقبتين متعاقبتين: الأولى هى الحقبة الإفريقية التى تمتد من عام 308 هـ/ 908 م/ التى هى تاريخ استقرار المهدى فى القيروان وتأسيس المهدية وتنتهى عام 362 هـ/ 973 م وهو تاريخ مغادرة المعز [لافريقية] وتأسيس القاهرة كعاصمة للخلافة، أما الحقبة الثانية فهى الحقبة المصرية التى تمتد من عام 362 هـ/ 973 م حتى سقوط الخلافة الفاطمية عام 567 هـ/ 1171 م.
ويجب أن نضيف إلى هذا التقسيم التاريخى التقسيم الجغرافى الذى لابد أن يوضع فى الاعتبار.
إن هذا الفن الذى حمله الفاطميون إلى مصر ظل مزدهرا هناك [أى بإفريقية] بفضل أتباعهم الزيريين والحماديين كما امتد تأثيره أيضا إلى صقلية سواء فى عصرها الإسلامى أو فى عهد النورمانديين.
وما تزال المهدية، (وهى مدينة المهدى على الساحل التونسى) تحتفظ ببعض تحصيناتها الفاطمية والجامع وبقايا قصر القائم، وعلى الرغم من أن الجامع قد تعرض لتغييرات كثيرة فإنه ما زال محتفظا بمدخله التذكارى البارز ويكتنف ممره الأوسط من جانبيه حنايا فى طابقين.
إن هذا التصميم الذى يذكرنا بأقواس النصر الرومانية قد أصبح من سمات الطراز الفاطمى فى مصر. وما يزال قصر القائم (322 - 334 هـ/ 934 - 946 م) الذى يقع تجاه قصر أبيه المهدى، قائما بأسواره المشيده الجميلة وبمدخله البارز عن الواجهة وقاعة الحكم التى كسيت أرضيتها بالفسيفساء الحجرية وتعتبر النموذج الأخير لاستخدام هذا النوع من الارضيات فى شمال إفريقية.
أما قصر صبرة -المنصورية على أبواب القيروان- فيبدو أن يؤرخ بعهد الخليفة الفاطمى المنصور (334 - 341 هـ/ 946 - 953 م) وتشاهد هنا [أى فى هذا القصر] قاعة كبيرة تعد بمثابة
حجرة أمامية تفتح على ثلاث حجرات عميقة وتخلو الحجرة الوسطى من جدارها الأمامى ولذلك فهى تشبه الإيوان.
ويذكرنا هذا التصميم المعمارى لقصر صبرة الفاطمى بالبيوت الطولونية بالفسطاط وهو الأمر الذى يكشف عن الصلة بين مصر وإفريقية قبل مغادرة الخليفة المعز.
وحتى قبل مغادرة الخليفة المعز قام القائد الفاطمى جوهر الصقلى ببناء الجامع الأزهر فى القاهرة والذى تم توسيعه فيما بعد ليصبح جامعة إسلامية كما نعرفه الآن.
ويعكس حرم الجامع الأصلى [أى المقدم الذى يرجع إلى العصر الفاطمى نفسه] من حيث تخطيطه وزخارفه استمرار التقاليد الطولونية ومع ذلك فإن التاثير الإفريقى [أى التونسى] موجود أيضا ذلك أن الأروقة [البلاطات] الخمسة الموازية لجدار القبلة كما فى جامع ابن طولون، يقطعها فى الوسط رواق عمودى [يعرف خطأ بالمجاز القاطع فى جميع الكتب الأجنبية والعربية] أكثر اتساعا وتعلوه [أى عند بدايته من جهة الصحن ونهايته من جهة المحراب] قبة.
ومن الأرجح أنه متأثر فى ذلك بجامع القيروان.
ويضم جامع الحاكم (384 - 394 هـ/ 990 - 1003 م) عناصر مستوحاة من إفريقية وأخرى باقية من العمارة الطولونية فالمدخل التذكارى البارز فى واجهة المبنى وممره المغطى بقبو والذى يفتح على صحن كبير مستوحى من جامع المهدية بإفريقية [أى تونس].
أما تأثير الجامع الطولونى فيظهر فى بيت الصلاة [الصواب مقدم الجامع] بأروقته [بلاطاته] الخمسة الموازية [أى الجدار القبلة] وعقودها التى ترتكز على دعامات من الآجر وضعت فى أركانها أعمدة مدمجة.
وترتفع مئذنتا الجامع فى ركنى الواجهة الأمامية [وهى الواجهة
الشمالية الغربية أو الواجهة البحرية] ولكل منهما قلب أسطوانى محاط بكتلة مصمتة [أطلق عليها المقريزى مصطلح "بدنه" وعبر عنها بعض العلماء بمصطلح مصطف أو غلاف خارجى] وهى ذات تصميم مربع كما هو الحال فى المدخل التذكارى البارز وقوام زخرفة هاتين المئذنتين المنفذة بالحفر الغائر اشكال هندسية ونباتية وهى تمثل خطوة هامة فى تطور الفنون الزخرفية الإسلامية.
إن جامع الأقمر (519 هـ/ 1125 م) والذى بنى بعد جامع الحاكم بنحو مائة واثنتين وعشرين سنة لجدير بالمشاهدة أيضا نظرًا لزخارف واجهته، ويزدان مدخلة البارز عن سمت الواجهه الأمامية بزخارف شديدة البروز تكتنفها حنايا فى طابقين.
أما جامع الصالح طلائع (555 هـ/ 1160 م) فيعتبر آخر الجوامع الفاطمية وقد بنى فوق حوانيت، وتتكون واجهته الأمامية من جزءين بارزين يربط بينهما سقيفة أما الحرم [أى مقدم الجامع] فيشمل على ثلاثة أروقة موازية [لجدار القبلة].
وبالإضافة إلى هذة الجوامع فإن العصر الفاطمى شهد أيضا إقامة عدد كبير من الأضرحة مثل الجعفرى والسيدة عاتكة والحصواتى والشيخ يونس، ويتكون تخطيطها عادة من حجرة مربعة تعلوها قبة مقامة على منطقة انتقال من الحنايا الركنية فى الأركان الأربعة، وقد تطورت هذه الحنايا خلال القرن 6 هـ/ 12 م بمضاعفة عدد حطاتها التى يعلو بعضها البعض وهو الأمر الذى نتج عنه ظهور المقرنصات التى ترجع نماذجها الأصلية (على ما يبدو) إلى بلاد فارس وتعتبر المقبرة عنصرا أساسيا من مشهد الجيوش الذى بنى بأمر الوزير بدر الجمالى أعلى جبل المقطم فى عام 478 هـ/ 1085 م وذلك ليدفن فيه عقب مماته.
ويتكون هذا المشهد من أربعة أجزاء: جزء أمامى يحوى باب الدخول تعلوه المئذنة، وجزء أوسط عبارة عن صحن
محاط بحجرتين [من الغرب والشرق] ويوجد فى الخلف الحرم [أى المقدم] وهو عبارة عن ثلاثة أروقة [بلاطات] مغطاه بأقبية متقاطعة وقبة كبيرة تجاه المحراب [أى تعلو المنطقة المربعة التى تتقدم المحراب]، وأخيرًا توجد حجرة المقبرة نفسها.
ويمكن أن نلاحظ فى هذا الأثر بعض الخصائص الجديدة التى أصبحت من سمات الفن المصرى: ومنها المئذنة التى تتكون من ثلاثة طوابق يعلو بعضها البعض فيكون الطابقان الأول والثانى مربعين أما الثالث فمثمن وتعلوه قبة، ويتوج الطابق المربع الأول إفريز من المقرنصات.
ومن الممكن اعتبار هذه المئذنة النموذج الأصلى لمآذن القاهرة التى بنيت بعدها.
وقد قام بدر الجمالى أيضا فيما بين عامى 480 و 484 هـ/ 1087 - 1091 م ببناء سور القاهرة الجديد، وهو أرمنى المولد وقد أحاط نفسه بقوات أرمنية، كما أحضر من بلده معماريين يرجع الفضل لثلاثة منهم فى بناء أبواب القاهرة الثلاثة: وهى باب زويله وباب النصر وباب الفتوح. إن هذه البوابات العظيمة بتصميمها وزخارفها وروعة الاسوار والأقبية والعقود نصف الدائرية مستوحاة من التقاليد الهيلنستية.
لقد اندثرت القصور التى تعرفنا عليها من خلال المصادر التاريخية [المخطوطة والمطبوعة] والتى بناها الخلفاء الفاطميون فى وسط القاهرة، بينما قصور قلعة بنى حماد ما تزال باقية وربما تعد سجلا لعمائرهم المدنية.
وقد بنيت هذه العاصمة البربرية بين الجبال فى شرق الجزائر فى بداية القرن 5 م/ 11 م ولكنها ازدهرت ازدهارا رائعًا بعد غزو بنى هلال للقيروان وتخريبهم إياها.
وشهدت فى نهاية القرن نفسه فترة قصيرة من الازدهار وفى عام 1908 م تم اكتشاف مسجد تطل مئذنته على مساحة كبيرة من الخرائب، وبقايا قصور من بينها قصران هما قصر
المنار ودار البحر، وتزود هذه الآثار المكتشفة معرفتنا بما كانت عليه العمارة فى شمال إفريقية التى تأثرت بالتأثيرات الشرقية المستوحاة من مصر والعراق وبلاد فارس على حد سواء.
ويكفينا أن نتذكر صفوف الحنايا الطويله التى تزين واجهة المئذنة ولكن القصور تعد هذه الحنايا من السمات الرئيسية المميزة للعمارة الساسانية، كذلك فإن المرآة المائية فى صحن دار البحر وأعمال الخزف المطعم والخزف ذى البريق المعدنى فى الأرضيات والقاعات الكبيرة وأخيرًا المقرنصات تعد من الابتكارات الايرانية واستخدمت لأول مرة فى الضرب الإسلامى فى مبانى قلعة بنى حماد.
إن الاكتشافات التى تمت فى قلعة بنى حماد قد قامت بسد النقص الكبير فى معلوماتنا فإن مدينة بجاية التى انتقل إليها بنو حماد فى أوائل القرن 6 هـ/ 12 م لم تمدنا بنفس القدر من الثراء حيث لم يتبق من مبانى عاصمة بنى حماد الثانية سوى بعض أجزاء من سور المدينة والعقد الحجرى الكبير الذى كان يشكل المدخل إلى ميناء المدنية وسفنها. ورغم ما تقدم فإننا يجب أن نعتبر بجاية خطوة هامة على طريق انتقال تأثير الفن الفاطمى إلى صقلية وهناك الكثير من المؤشرات التى تدعم هذا الاعتقاد.
إذ إنه مما لاشك فيه أن اليرمو قد تأثرت فى تصصيم الجواسق فى ضواحيها ببجانة فضلا عن المهدية فى عهد بنى زيرى أو من تونس فى عهد بنى خراسان أكثر من تأثرها بالقاهرة.
إن قصور بنى حماد تساعدنا أن نتفهم بصورة أفضل قصور ملوك النورمانديين مثل قصر القبة وقصر العزيزة. وفى الواقع إن مصر الفاطمية قد أنتجت كما كبيرًا فى مجال الفنون الزخرفية وأصابت تطورًا هائلا فى الفخامة.
ولقد حدثنا عن الثراء الفاحش الذى كان عليه الخليفة وكبار الموظفين جماعة من المؤرخين العرب مثل المقريزى الذى وصف كنوز الخليفة المستنصر وابن
ميسر الذى بيّن ثراء الوزير الأفضل ابن بدر الجمال وإن الابتكارات الفنية للعصر الفاطمى تعد درة كنوز المتاحف والكنائس الأوروبية وقد ازدهرت خلال القرنين الخامس والسادس للهجرة (5 هـ/ 11 - 12 م) الأساليب المتعلقة بالتحف البرونزية والخزفية والزجاجية فضلا عن البللور الصخرى والمجوهرات والمنسوجات كما أنها تظهر بحق الذوق الفنى الرفيع.
وقد استخدمت نفس العناصر الزخرفية كما فى المنحوتات التذكارية مثل العناصر الخطية والمتداخلة سواء على هيئة أشكال نجمية وهندسية أو قائمة على أرضية نباتية وأحيانا عناصر حيوانية.
والواقع أنه بالرغم من التحفظ الشديد لدى السنة فقد ظهر الكثير من مناظر تمثل الكائنات الحية سواء من الإنسان أو الحيوان ومنها ما هو محفوظ فى متحف القاهرة [متحف الفن الإسلامى] مثل أفاريز من الخشب المحفور من القصر الفاطمى قوام زخرفها رسوم موسيقيين وراقصين وصيادين ومنها أباريق وأجزاء من نافورات مصنوعة من البرونز ومن أشهرها عقاب محفوظ فى "كامبوسانتو" فى بيزا ومنها الخزف المذهب [أى ذو البريق المعدنى] الممثل عليه رسوم الأشخاص ومنها منسوجات الديباج المزخرفة برسوم الحيوانات المتقابلة.
هذا ويرجع موقف الفنانين من التصوير إلى الحرية التى تمتع بها السادة الشيعة وذلك على عكس أهل السنة، ويمكن أن تضيف عاملًا آخر وهو شخصية الفنانين أنفسهم والتقاليد التى حافظوا على استمرارها.
مما سبق يمكن القول بأن الفن الفاطمى يعد معبرا للتأثيرات المختلفة، فبالإضافة إلى العناصر المعمارية من إفريقية [أى تونس] والتراث الطولونى والعراقى والإسهامات السورية التى تتضح فى العمارة الحربية نرى التراث الفارسى الذى كان شائعا بين سادة مصر فضلا عن التراث الهيلنستى عن