الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
A.S. Marmmerdji: Textes geographiques Arabes sur la Palestine
parkes: The emergeace of the Jewish problem (1898 - 1939)
Heyde: Ottoman Documents on Palestine
بهجت عبد الفتاح [د. سورديل D. Sourdel]
2 - الانتداب البريطانى:
انتهى الحكم التركى لفلسطين مع الحرب العالمية الأولى التى أدت إلى تمزيق أوصال الإمبراطورية العثمانية، تمزيقا أقرته معاهدة سيفر فى عام 1920 م، ثم مرة أخرى فى معاهدة لوزان عام 1923 م، وطلبت بريطانيا "العظمى"(التى كانت قد احتلت فلسطين فى أثناء الحرب)، من عصبة الأمم فى عام 1919 م أن تعهد إليها بإدارة هذه الأراضى فى شكل انتداب دولى (فقد دخل جنرال اللينبى القدس فى التاسع من ديسمبر عام 1917 م)، وقد وافق مجلس عصبة الأمم فى يوليه 1922 م على الاقتراح البريطانى الذى جرى تعديله فى عام 1920 م، وأصبح الانتداب سارى المفعول فى سبتمبر عام 1923 م، أى بعد عقد معاهدة لوزان (يوليه 1923 م) وقبل أن يبدأ تنفيذها (فى أغسطس 1924 م)؛ وقد نظمت هذه المعاهدة مستقبل الأراضى التى اقتطعت من الإمبراطورية العثمانية. وعلى الرغم من أن الانتداب البريطانى كان يشتمل على كل الأراضى الواقعة على جانبى الأردن، إلا أن الإدارة البريطانية المباشرة استقرت فقط فى المنطقة التى تقع إلى الغرب من النهر. أما المنطقة التى تقع فى شرقيه فكانت تشكل إمارة ما وراء الأردن (شرق الأردن) التى تتمتع بالحكم الذاتى، وتتحدد سلطاتها بمعاهدة أبرمتها مع بريطانيا.
وكانت سياسة حكومة الانتداب البريطانى فى فلسطين متأثرة منذ البداية بالوعد الذى قطعته بريطانيا على نفسها لليهود بإقامة وطن قومى لهم فى فلسطين. وفى أغسطس من عام
1897 م حدد مؤتمر بازل مفهوم الصهيونية فى الصيغة التالية: "إن هدف الصهيونية هو إقامة وطن فى فلسطين للشعب اليهودى يكفله القانون العام" أما تنفيذ هذا البرنامج فقد تعهدت به منظمة صهيونية التزمت بالعمل السياسى بتشجيع خاص من بريطانيا العظمى، والتى حققت نجاحا كبيرا فى عام 1917 م عندما أعلنت بريطانيا رسميا أن "حكومة جلالته تنظر بالعطف والتأييد إلى إقامة وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، وسوف تبذل أفضل المحاولات والجهد لتسهيل تحقيق هذا الهدف، ويجب أن يفهم بوضوح أنه لن يحدث شئ قد يضر بالحقوق المدنية والدينية للجماعات غير اليهودية الموجودة فى فلسطين"(إعلان بلفور، الثانى من نوفمبر 1917 م). وقد قبلت فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة فيما بعد السياسة التى تحددت فى الإعلان.
وبالتوازى مع الالتزامات التى أخذتها بريطانيا العظمى على نفسها تجاه المنظمة الصهيونية، كانت ملتزمة أيضا بوعود الاستقلال التى قطعتها على نفسها للشريف حسين لتشجيعه على الثورة ضد الأتراك (مراسلات حسين - مكماهون 1915 م) ومن ثم أعلنت الحكومة البريطانية أن فلسطين قد استبعدت من الأراضى التى وعدت بها العرب لدولتهم المستقلة، وأكثر من ذلك فقد ذكرت فى مذكرة تشرشل فى يونيه 1922 م -والتى قبلتها المنظمة الصهيونية- أن شروط الإعلان المشار إليه لا تتوقع أن تتحول فلسطين ككل إلى وطن قومى يهودى، وأن مثل هذا الوطن يجب أن يقام فى فلسطين "فقط". ثم قدمت للعرب توكيدات عديدة بأن حكما ذاتيا سوف يقام فى فلسطين، ولكن العرب الذين خابت آمالهم، وانزعجوا للهجرات اليهودية الحاشدة والتى وصلت فى عام 1939 م إلى أربعمائة ألف شخص، رفضوا أن
يتعاونوا مع إدارة فلسطين. وبإيعاز من اللجنة العليا لفلسطين برئاسة الحاج أمين الحسينى مفتى القدس، رد العرب بكثير من العنف، ففى أعوام 1928، 1929، 1933، 1936، 1939 م اندلعت الاضطرابات الدموية فى القدس ويافا وحيفا.
وبالرغم من رد الفعل العربى إلا أن الصهاينة واصلوا جهودهم بنجاح، فدعموا موقفهم الدولى بإنشاء الوكالة اللهودية (مؤتمر زيورخ 1929 م) التى ضمت أيضا ممثلين لليهود غير الصهيونيين. وقد أزعج الموقف فى فلسطين اللجنة الدائمة للانتداب فى عصبة الأمم، التى أدانت بشدة فى عام 1930 م الإدارة البريطانية لفشلها فى أن تلبى احتياجات العرب واليهود وأن توفق بينها. وهنا أكدت الحكومة البريطانية أنه لن توضع أراض أخرى تحت تصرف المهاجرين اليهود ومع ذلك فإن هذا الإجراء قد خفت حدته بتوكيد قدمته بريطانيا للصهيونيين بأنه لن يكون هناك تحريم مطلق على شراء الأراضى بل يكتفى بفرض بعض القيود. ومع ذلك، وبسبب المعارضة القوية الصلبة من العرب، اضطرت بريطانيا التى كانت تعزز حاميتها باستمرار لإخماد أية اضطرابات، إلى تقديم تفسير أكثر تقييدا لإعلان بلفور. وبعد محاولة فاشلة للجمع بين الوفود العربية واليهودية لتسوية خلافاتهم (مؤتمر المائدة المستديرة لندن، فبراير - مارس 1939 م) نشرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض (مايو 1939 م) الذى وضع حدا لشراء اليهود للأراضى وللهجرة، ووضع تصورا لإقامة دولة فلسطين بعد عشر سنوات يشترك فى حكمها العرب واليهود معًا. وهكذا استبعد الحل الذى افترضته الحكومة البريطانية بإنشاء وطن قومى لليهود، وأعقب نشر الكتاب الأبيض انفجار العنف من جانب اليهود. وازداد الموقف سوءًا فى أثناء الحرب العالمية الثانية. فاليهود الذين عاشوا بعد ما يسمى بالمحرقة تطلعوا بأمل إلى فلسطين وبدأت السلطات البريطانية تجبر المهاجرين على العودة، وقامت المنظمات السرية اليهودية بحملات من العنف ضد البريطانيين الذين أعلنوا الأحكام العرفية فى عام 1946 م.
وفشلت جهود بريطانيا العظمى للتوفيق، ولذلك أحالت المسألة إلى الأمم
المتحدة، وقامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بتعيين لجنة خاصة من عشرة أعضاء فى عام 1947 م، وبحثت تقريرها لجنة فلسطين فى الجمعية، والتى خرجت بخطة للتقسيم أقرتها الجمعية فى التاسع والعشرين من نوفمبر 1947 م، مع تصور وجود دولتين مستقلتين إحداهما لليهود والأخرى للعرب، ومنطقة دولية تشمل نطاق القدس تحت إشراف الأمم المتحدة.
وقبل اليهود خطة التقسيم (مشروع التقسيم) ورفضها العرب، وقام الفدائيون العرب بمهاجمة القوات اليهودية التى كانت تبذل جهودها لاحتلال المناطق التى تحددت لها فى خطة التقسيم، واندلع القتال فى نطاق القدس، وتحقق للقوات اليهودية بعض النجاح، وتأثر الرأى العام العربى بذلك ودعا إلى تدخل الجيوش العربية النظامية، ولكن ظهرت اختلافات فى الرأى فى الجامعة العربية وبين الحكومات العربية.
وبعد أن أعلنت بريطانيا انتهاء الانتداب يوم 15 مايو 1948 م، سحبت قواتها من فلسطين، وكان دافيد بن جوريون قد أعلن فى اليوم السابق مولد دولة إسرائيل. وتقدمت الجيوش العربية، ولكن اليهود واجهوها فى كل مكان، وفرض مجلس الأمن هدنة قبلها اليهود والعرب، ولكن جهود الأمم المتحدة للتوفيق باءت بالفشل، وفى ديسمبر 1948 م، بدأت المعركة من جديد ولكن مصر كانت هى الدولة العربية الوحيدة التى كانت تحارب، ذلك لأن العراق وسوريا وشرق الأردن منعوا قواتهم من الاشتراك فى العمليات الحربية، ورغم التفوق العددى للقوات المصرية إلا أنها انسحبت أمام اليهود الذين أوقفهم وقف إطلاق النار الذى فرضه مجلس الأمن بعد حدودهم بعشرين كيلو مترا. . وكانت اتفاقية هدنة بين إسرائيل ومصر التى وقعت فى رودس فى 24 فبراير 1949 م، (*)
(*) ولكن تلك الهدنة لم تكن هدنة دائمة فى الحقيقة، ولم تكن تمثل السلام الذى يرضى للعرب، وهم يرون تشريد أكثر من 700000 فلسطينى وتحولهم إلى لاجئين يعيشون فى مخيمات أعدتها لهم هيئة إغاثة وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، إلى جانب الأعداد الكبيرة التى تعيش داخل "الدولة" الجديدة التى اعترف بها العالم ولم يعترف بها العرب، ناهيك بآلاف الفلسطينيين الذين هاجروا إما إلى أوربا وأمريكا واستراليا وإما إلى البلدان العربية المجاورة طلبًا للرزق ريثما -تحل المشكلة.
وكانت الحرب التى دارت بين العرب واليهود سببّا فى تحولات سياسية عميقة داخل بعض البلدان العربية نفسها، وأصبح ما يسمى بقضية فلسطين القضية الأولى التى تهم العرب جميعا، =