الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المداومة على القراءة
كان الشيخ محمد نجيب المطيعي الذي ولد عام 1917 يقرأ كل يوم خمس عشرة ساعة متصلة، لا يقطعها سوى الصلوات والطعام، وظل حتى قبل وفاته يحافظ رغم كبر سنه على اثنتي عشرة ساعة في اليوم، وإني أشهد الله أني ما سمعت أعلم من الشيخ المطيعي، كنت تستمع إليه فتشعر أنك بين يدي عالم في الله، والحديث والقرآن والفقه والأصول والحكم والأمثال والنوادر.
لقد كان يحفظ كل كتب الصحاح والأسانيد والسنن متنًا وسندًا متصلاً حتى أن الرواة ليزيد عددهم عن عشرة ويذكرهم واحدًا بعد الآخر دون أن يتلعثم، فإذا سألته عن أحد الرواة حدثك حديث العارف به كأنه يعايشه.
ومن أعظم آثاره العلمية الخالدة تكملة كتاب الجموع شرح المهذب، وهو الكتاب الذي كتب منه الإمام النووي خمسة مجلدات ثم توفاه الله، فجاء الشيخ المطيعي ليكمل الجموع إلى خمسة وعشرين مجلدًا، وكان يود لو أكمله إلى الثلاثين. وهذا الكتاب يعتبر أفضل موسوعة فقهية مقارنة في العصر الحديث (1).
الاستقامة على العفة
قال خارجة بن زياد: هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجت من المسجد، فعرفت ذلك مني فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت: نعم، قالت: وما هي؟ قلت: مودتك، قالت: دع ذلك ليوم التغابن. قال: فأبكتني، والله ما عدت إلى ذلك (2).
مناظرة بين القلب والعين
يقول ابن القيم تحت عنوان: في ذكر مناظرة بين القلب والعين ولوم كل منها صاحبه والحكم بينهما: لما كانت العين رائدًا وباعثًا وطالبًا، وهذه لها لذة الرؤية، وهذا له لذة الظفر، كانا في الهوى شريكَيْ عنان، ولما وقعا في العناء واشتركا في البلاء أقبل كل منهما يلوم صاحبه ويعاتبه، فقال القلب للعين: أنت الذي سقتني إلى موارد الهلكات، وأوقعتني في الحسرات، بمتابعتك اللحظات ونزهت طرفك في تلك الرياض،
(1) حكايات عن الإخوان، عباس السيسي (34، 35).
(2)
غض البصر (79).
وطلبت الشقاء من الحدق المراض، وخالفت أحكام الحاكمين، فمن الملوم سوى من رمى صاحبه بالسهم المسموم؟ أو ما علمت أنه ليس شيء أضر على الإنسان من العين واللسان؟!
فقالت العين: ظلمتني أولاً وآخرًا، وبؤت بإثمي ظاهرًا وباطنًا، وما أنا إلا رسولك الداعي إليك، ورائدك الدال عليك .. فأنت الملك المطاع، ونحن الجنود والأتباع، أركبتني في حاجتك خيل البريد، ثم أقبلت عليَّ بالتهديد والوعيد، فلو أمرتني أن أغلق علي بابي وأرخي عليَّ حجابي لسمعت وأطعت، ولما رعيت في الحمي ورتعت، أرسلتني لصيد قد نصبت لك حبائله وأشراكه، واستدارت حولك فخاخه وشباكه، فغدوت أسيرًا بعد أن كنت أميرًا، وأصبحت مملوكًا بعد أن كنت مليكا، هذا وقد حكم لي عليك سيد الأنام وأعدل الحكام عليه الصلاة والسلام حيث يقول:"إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لهما سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب"[مسلم].
وقال أبو هريرة: القلب ملك والأعضاء جنوده، فإن طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبث جنوده، ولو أنعمت النظر لعلمت أن فساد رعيتك بفسادك، وصلاحهما ورشدها برشادك، ولكنك هلكت وأهلكت رعيتك، وحملت على العين خطيئتك، وأصل بليتك أنه خلا منك حب الله وحب ذكره وكلامه وأسمائه وصفاته، وأقبلت على غيره وأعرضت عنه، وتعوضت بحب من سواه والرغبة فيه منه.
فلما سمعت الكبد تحاورهما في الكلام وتناولهما الخصام قالت: أنتما على هلاكي تساعدتما، وعلى قتلي تعاونتما، ولقد أنصف من حكى مناظرتكما، وعلى لساني متظلمًا منكما
عاتبت قلبي لما
…
رأيت جسمي نحيلا
فألزم القلب طرفي
…
وقال كنت الرسولا
فقال طرفي لقلبي
…
بل كنت أنت الدليلا
فقلت كُفَّا جميعا
…
تركتماني قتيلا
ثم قالت: أنا أتولى الحكم بينكما، أنتما في البلية شريكا عنان، كما أنكما في اللذة والمسرة فرسا رهان، فالعين تلتذ والقلب يتمنى ويشتهي .. وإن لم تدرككما عناية مقلب