الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرفق
حث الإسلام على الرفق، فعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق"[رواه أحمد].
عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ومن أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير"[رواه الترمذي].
وعن عائشة رضي الله عنها عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به"[رواه مسلم].
أنواع الرفق
الرفق في الدين:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة"[رواه البخاري].
قال ابن حجر: والمشادة بالتشديد: المغالبة، يقال: شاده مشادة إذا قاواه، والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عجز وانقطع فيغلب.
الدلجة: السير من أول الليل، والغدوة: الخروج أول النهار، والروحة: الخروج آخر النهار.
عن عائشة رضي المته عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرفق لا يكون في شىء إلا زانه ولا يترع من شىء إلا شأنه"[رواه مسلم].
اعلم أخي الحبيب أن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فلا تضغط على نفسك في البداية في العبادة ثم تتوقف نهائيا، ولكن عليك بالتدرج، ابدأ بقراءة جزء يوميا من القرآن ثم اجتهد في الزيادة مع الدوام.
الرفق في التبليغ:
كان عبد الله بن مسعود يذكر الناس في كل خميس فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوددت أنك ذكرتنا كل يوم، فرد عليه تلميذ النبوة بجواب مليء بفقه الدعوة:"أما إنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملكم، وإني أتخولكم بالموعظة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولنا بها مخافة السآمة علينا"[رواه البخاري].
يخاف السآمة على جيل التابعين فكيف بجيل القرن العشرين؟! ولا ينفرد ابن مسعود بهذا الفقه دون الصحابة، بل إن ذلك سمة بارزة فيهم -رضوان الله عليهم جميعا- فهذا عمر رضي الله عنه يقول على المنبر: أيها الناس لا تبغضوا الله إلى عباده.
فقيل: كيف ذاك أصلحك الله؟
قال: يجلس أحدكم قاصا فيطول على الناس حتى يبعض إليهم ما هم فيه، ويقوم أحدهم إماما فيطول على الناس حتى يبغض إليهم ما هم فيه.
وهذا ابن عباس يقول: حدث الناس كل جمعة، فإن أكثرت فمرتين، فإن أكثرت فثلاثا، ولا تمل الناس من هذا القرآن ولا تأت القوم وهم في حديث فتقطع عليهم حديثهم، وقال: أنصت، فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه، وإياك والسجع في الدعاء فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلونه.
وإذا أخذت بأقوال الصحابة وفقههم فإنك في مأمن من أن تكون من النفر الستة الذين ذكرهم ابن عبد البر حين قال: كان يقال: ستة إذا أهينوا فلا يلومون إلا أنفسهم:
- الذاهب إلى مائدة لم يدع إليها.
- وطالب الفضل من اللئام.
- والداخل بين اثنين في حديثهما من غير أن يدخلاه فيه.
- والمستخف بالسلطان.
- والجالس مجلسا ليس له بأهل.
- والمقبل بحديثه على من لا يسمع منه ولا يصغى إليه (1).
(1) المصفى من صفات الدعاة (1/ 38، 39).
الرفق مع الجهلة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بال أعرابي في المسجد فثار الناس إليه ليقعوا به، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوه وأريقوا على بوله ذَنوبا من ماء أو سَجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"[رواه البخاري]، السجل بفتح السين وإسكان الجيم، وهي الدلو الممتلئة ماء.
إنها قمة من قمم الرفق لا يبلغها إلا من اتصل بمشكاة النبوة اتصالا لا يعرف الملل، وذلك نابع من استشعار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن هذا التصرف الشاذ لا ينتج إلا من جاهل، ولنا أن نسأل أنفسنا: هل سيكون لنا نفس الموقف الذي وقفه الرسول صلى الله عليه وسلم من الأعرابي إذا ما شاهدنا يوما تصرفا شاذا من أحد الناس؟ وهل نرفق به ولا نعنفه وننصحه بهدوء أن يقلع عن ذلك؟ أم أننا نسيء الظن فيه، ونحسبه قد تعمد ذلك ونثور كما ثار الصحابة رضوان الله عليهم في بداية الأمر؟! (1).
الرفق مع المبتديء:
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني، سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني (زجرني وعبس في وجهي) ولا ضربني ولا شتمني، قال:"إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبر وقراءة القرآن"[رواه مسلم].
يقول الحاج أحمد أبو شادي: حدث أن أحد الإخوان كان في طبعه حدة وعصبية فكان يثور دائما لأوهى الأسباب، ويسبب بثورته ضيقا في نفوس الإخوان ويحاول بعضهم أن يقضي على ثورته الجامحة ويهديء من روعه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وكان الإمام كثيرا ما يتدخل في ثورة هذا الأخ العصبي فتهدأ نفسه إلى حين ثم يعود بعدها إلى ثورة جديدة.
(1) المصفى في صفات الدعاة (1/ 40).
ولما طفح الكيل وضاق الإخوان وأستاذهم ذرعا بهذا الأخ الذي لا يتورع عن إيذاء الإخوان وتجريحهم انتفض الأستاذ غاضبا، وطلب إليه أن يخرج من دار المركز العام إلى بيته، فما كان من الأخ الثائر إلا أن قال للأستاذ: لن أخرج من هذه الدار، إنها ليست داركم ولكنها دار الإخوان المسلمين، فما كان من الأستاذ إلا أن سيطر على غضبه ولم يندفع في ثورته على هذا الأخ فأجابه في هدوء وسكينة: صدقت في قولك يا أخي إنها ليست داري وإنما دار الإخوان، لكن لا تنس أنني أبو هؤلاء الإخوان جميعا، وإننا جميعا مستاءون من تصرفاتك معنا وثورتك المستمرة علينا، وأوعز الأستاذ للإخوان بمقاطعته فقاطعوه ولم يكلموه ولم يردوا عليه، وترك الأستاذ الإمام مكانه في الغرفة وخرج الإخوان معه كلهم في صورة احتجاج ومقاطعة لهذا الأخ، وظل هذا الأخ في الغرفة وحيدا حزينا يفكر في موقفه الذي ساقته إليه ثوراته وجمحاته وشطحاته، وظل هكذا وحيدا يفكر فيما جنت يداه على نفسه، وعلى إخوانه، وعلى مرشده، واغرورقت عيناه بالدموع، دموع الندم والتوبة.
وبعد فترة قصيرة من الوقت دخل عليه الأستاذ فوجده على هذه الحال، فما رآه الأخ حتى سارع إلى تقبيل يده، والاعتذار إليه وإلى الإخوان الذين أساء إليه هم مرارا، فما كان من الأستاذ إلا أن ضمه إليه ضمة الحب والرحمة والإشفاق، وقبله قبلة الأخ الرحيم والمربي الحكيم، وأقبل عليه الإخوان يصافحونه، ويعانقونه بعد أن اعتذر إليهم، فما كان منه إلا أن استقام أمره، ولم يعد إلى ما كان منه من جمحات وشطحات. وهكذا استطاع الأستاذ الإمام أن يعالج مشكلة هذا الأخ الجامح، فلم يعالجه بالشدة والغلظة والزجر والثورة، وإنما عالجه باللين والرفق، ناهجا في ذلك نهج النبي الكريم والمربي العظيم الذي كان يقول:"إن الله يحب الرفق في الأمر كله"[البخاري](1).
يقول سيد قطب: فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يشق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ومن يحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء،
(1) رحلتي مع الجماعة الصامدة 161 - 163.
وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
الرفق في الدعوة:
من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم الحكيمة فعله مع الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه، فقد أسلم الطفيل قبل الهجرة في مكة، ثم رجع إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فبدأ بأهل بيته، فأسلم أبوه وزوجته، ثم دعا قومه إلى الله عز وجل فلم يسلموا، فجاء الطفيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر أن دوسا قد عصت وأبت، وطلب أن يدعو عليهم، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه فقال الناس: هلكوا، فقال:"اللهم اهد دوسا، وائت بهم، اللهم اهد دوسا وائت بهم"[رواه أحمد].
فاستجاب الله دعاءه، وحصل على ثمرة الصبر والتأني وعدم العجلة، فقد رجع الطفيل إلى قومه، ورفق بهم فأسلم على يديه خلق كثير، ثم قدم على النبي وهو بخيبر فدخل المدينة بثمانين أو تسعين بيتا من دوس، ثم لحقوا بالنبي بخيبر، فأسهم لهم مع المسلمين.
كن رفيقا في تعليم الناس:
كان عبد البديع صقر رحمه الله إذا دخل بيتا ووجد فيه تمثالا كسره أو رماه أو شوه وجهه دون موافقة صاحب البيت، وقد يكون صاحب البيت حديث عهد بالإخوان أو بالدعوة فيصيبهم نفور من عبد البديع، وكثرت الشكوى من تصرفه هذا، وبلغت الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله فقال لعبد البديع: لا نريد منك أن تحطم أصنام الناس، ولكننا نريدك أن تجعلهم يحطمونها بأيديهم!!
وهكذا رسم له طريق الدعوة الصحيح، وبين له المهمة الأساسية للداعية (2).
الرفق بالمساكين:
يقول محمد إقبال: جاء سائل فطرق بابنا بعنف، فضربته بعصا على رأسه، فتناثر ما جمعه، فتألم والدي وسال الدمع من عينيه، وقال: يا بني، غدا تجتمع أمة خير البشر أمام
(1) الظلال (1/ 501).
(2)
حكايات عن الإخوان 58، 59.
مولاها، ويحشر أهل الملة البيضاء حكماؤها والشهداء والعلماء، والعصاة، ويأتي هذا السائل المسكين صائحا شاكيا، فماذا أقول إذا قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أودعك شابا مسلما، فلم تؤدبه بأدبي، بل لم تستطع أن تجعله إنسانا، فانظر يا ولدي عتاب النبي الكريم ومقامي في خجلي بين الخوف والرجاء، أتفضح أباك أمام مولاه؟ يا ولدي كن برعما في غصن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكن وردة من نسيج ربيعه، وخذ من خلقه الطيب بنصيب (1).
الرفق بالوالدين:
ذكر العلماء أن رجلا كان عنده والد كبير، فتأفف من خدمته ومن القيام بأمره، فأخذه وخرج إلى الصحراء ليذبحه، فلما وصل إلى صخرة أنزله هناك قال: يا بني ماذا تريد أن تفعل بي؟ قال: أريد أن أذبحك، قال: يا بني هذا جزاء الإحسان؟ قال الابن: لابد من ذبحك فقد أسأمتني وأمللتني، فقال الأب: يا بني إن أبيت إلا ذبحي فاذبحني عند الصخرة التالية ولا تذبحني هنا؛ فتعجب الابن وسأل: وما الفرق بين هنا أو هناك؟ قال: يا بني إن كان الجزاء من جنس العمل فاذبحني عند الصخرة التالية فلقد ذبحت أبي هناك ولك يا بني مثلها (2).
الرفق بالعصاة:
قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، وكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب، فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار"[رواه أبو داود].
وكتب عدي بن أرطأة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من عدي بن أرطأة .. أما بعد، أصلح الله أمير المؤمنين، فإن قبلي أناسا من العمال قد اقتطعوا من مال الله عز وجل مالاً
(1) أعلام المسلمين 253.
(2)
قصص وعبر- محمود المصري (2/ 45).