الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يبحث عنه فوجده نائما في الطريق، فجلس عند رأسه، وأخذ يوقظه برفق، حتى استيقظ،
فقال له ضاحكا: تنام الليل والنهار؟ لك الليل ولنا النهار (1).
اللهم إني صفحت عنه فاصفح عنه
أبصر عامر بن عبد الله رجلا من أعوان شرطة البصرة، وقد أمسك بخناق رجل من أهل الذمة وجعل يجره جرا والذمي يستغيث بالناس، ويقول: أجيروني أجاركم الله، أجيروا ذمة نبيكم يا معشر المسلمين، فأقبل عامر بن عبد الله عليه وقال: هل أديت جزيتك؟
فقال: نعم أديتها، فالتفت إلى الرجل الممسك بخناقه، وقال: ما تريد منه؟
قال: أريد أن يذهب معي ليكسح (ينظف) حديقة صاحب الشرط.
فقال للذمي: أتطيب نفسك بهذا العمل؟
فقال: كلا، فذلك يهد قواي، ويشغلني عن كسب قوت عيالي، فالتفت عامر إلى الرجل وقال؟ دعه، فقال: لا أدعه، فما كان من عامر إلا أن ألقى رداءه على الذمي وقال: والله، لا تُخفر ذمة محمد وأنا حي. ثم تجمع الناس، وأعانوا عامرا على الرجل، وخلصوا الذمي بالقوة، فما كان من أعوان صاحب الشرط إلا أن اتهموا عامرا بنبذ الطاعة ورموه بالخروج على السنة والجماعة وقالوا: إنه امرؤ لا يتزوج النساء ولا يأكل لحم الحيوانات وألبانها، ويتعالى على غشيان مجالس الولاة، ورفعوا أمره إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
أمر الخليفة واليه على البصرة بأن يدعو عامر بن عبد الله إلى مجلسه، وأن يسأله عما نسب إليه، وأن يرفع له خبره، فاستدعى والي البصرة عامرا وقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أسألك عن أمور نسبت إليك.
فقال: سل عما أمر به أمير المؤمنين.
فقال: ما لك تعزف عن سنة رسول الله، وتأبى أن تتزوج؟
(1) أعلام المسلمين 73.
فقال: ما تركت الزواج عزوفا عن سنة النبي، فأنا أشهد أنه لا رهبانية في الإسلام، وإنما أنا امرؤ رأى أن له نفسا واحدة، فجعلها لله عز وجل، وخشي أن تغلبه الزوجة عليها.
فقال: ما لك لا تأكل اللحم؟
فقال: بل آكله إذا اشتهيته ووجدته، أما إذا لم أشتهه، أو اشتهيته ولم أجده فإني لا آكله.
فقال: ما لك لا تأكل الجبن؟
فقال: إنا بمنطقة فيها مجوس يصنعون الجبن، وهم قوم لا يفرقون بين الميتة والمذبوحة، وإني لأخشى أن تكون المنفحة (مادة تستخرج من بطن الجدي وتوضع في الحليب فيصير جبنًا) التي صنع بها الجبن من شاة غير مذبوحة، فما شهد شاهدان من المسلمين على أنه جبن صنع بمنفحة شاة مذبوحة أكلته.
فقال: وما يمنعك من أن تأتي الولاة، وتشهد مجالسهم؟
فقال: إن في أبوابكم كثيرا من طلاب الحاجات، فادعوهم إليكم، واقضوا حوائجهم لديكم واتركوا من لا حاجة له عندكم.
رفعت أقوال عامر بن عبد الله إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فلم يجد فيها نبذًا لطاعة، أو خروجا على السنة والجماعة، غير أن ذلك لم يطفئ نار الشر، وكثر القيل والقال حول عامر بن عبد الله، وكادت تكون فتنة بين أنصار الرجل وخصومه، فأمر عثمان بتسييره إلى بلاد الشام، واتخذها دار إقامة له، وأوصى واليه على الشام معاوية بن أبي سفيان أن يحسن استقباله، وأن يرعى حرمته، وفي اليوم الذي هم فيه عامر بالرحيل عن البصرة خرج خلق كثير من إخوانه وتلاميذه لوداعه، وشيعوه.
فقال دهم: إني داع فأمنوا على دعائي، فاشرأبت إليه أعناق الناس، وسكنت حركاتهم، وتعلقت به عيونهم، فرفع يديه وقال: اللهم من وشى بي وكذب علي وكان سببا في إخراجي من بلدي، والتفريق بيني وبين صحبي، اللهم إني صفحت عنه فاصفح عنه، وهبه العافية في دينه ودنياه، وتغمدني وإياه وسائر المسلمين برحمتك وعفوك