الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلوب وقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدت معهم منعوا لأجلي فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فعاله وقال:
إلهي وسيدي عصيتك أربعين سنة وأمهلتني وقد أتيتك طائعًا فاقبلني، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء فأمطرت كأفواه القرب.
فقال موسى: إلهي وسيدي بماذا سقيتنا وما خرج من بين أظهرنا أحد؟ فقال: يا موسى سقيتكم بالذي منعتكم. فقال موسى: إلهي أرني هذا العبد الطائع. فقال: يا موسى إني لم أفضحه وهو يعصيني أأفضحه وهو يطيعني.
توبة هارون الرشيد
حكي عن أبي يوسف رحمه الله أنه أُشهد عنده أمير من عظماء جيش أمير المؤمنين هارون الرشيد، وكان من أقربائه، فلم يقبل شهادته، فشكا إلى هارون، فقال هارون: لم رددت شهادته؟
قال: لأني سمعته يومًا بين يديك يقول: أنا عبد أمير المؤمنين، فإن كان صادقًا؛ فلا شهادة للعبد، وإن كان كاذبًا؛ فلا شهادة للكاذب.
فقال هارون: إن شهدت فهل تقبل شهادتي؟ قال: لا.
فقال: ولم؟ قال: لأنك تتكبر على الله فلا تخرج إلى الجماعة، ولا تصلي مع عامة المسلمين، وهذا تكبر على الله، ولا يليق بالعبد هذا.
فتاب هارون على ذلك، واتخذ مسجدًا للعامة على بابه، وكان يخرج إليه عند كل صلاة.
توبة مالك بن دينار
روي عن مالك بن دينار أنه سئل عن سبب توبته، فقال: كنت شرطيا وكنت منهمكا على شرب الخمر، ثم إنني اشتريت جارية نفيسة، ووقعت مني أحسن موقع، فولدت لي بنتا، فشغفت بها، فلما دبت على الأرض ازدادت في قلبي حبا، وألفتني وألفتها، قال: فكنت إذا وضعت المسكر بين يدي جاءت إلي وجاذبتني عليه وهرقته على ثوبي، فلما تم لها سنتان ماتت، فأكمدني حزنها، فلما كانت ليلة النصف من شعبان، وكانت ليلة الجمعة، بت ثملا من الخمر، ولم أصل فيها العشاء الآخرة، فرأيت فيما يرى النائم كأن القيامة قد قامت، ونفخ في
الصور، وبعثرت القبور، وحشر الخلائق وأنا معهم، فسمعت حسًّا من ورائي، فالتفت، فإذا أنا بتنين أعظم ما يكون أسود أزرق قد فتح فاه مشرعا نحوي، فمررت بين يديه هاربا فزعا مرعوبا، فمررت في طريقي بشيخ نقي الثوب طيب الرائحة فسلمت عليه فرد السلام، فقلت: أيها الشيخ، أجرني من هذا التنين أجارك الله، فبكى الشيخ وقال لي: أنا ضعيف وهذا أقوى مني وما أقدر عليه، ولكن مر وأسرع فلعل الله أن يتيح لك ما ينجيك منه، فوليت هاربا على وجهي، فصعدت على شُرُف من شرف القيامة، فأشرفت على طبقات النيران، فنظرت إلى هولها، وكدت أهوى فيها من فزع التنين، فصاح بي صائح: ارجع فلست من أهلها، فاطمأننت إلى قوله ورجعت ورجع التنين في طلبي، فأتيت الشيخ فقلت: يا شيخ سألتك أن تجيرني من هذا التنين فلم تفعل، فبكى الشيخ وقال: أنا ضعيف ولكن سر إلى هذا الجبل، فإن فيه ودائع المسلمين، فإن كان لك فيه وديعة فستنصرك، قال: فنظرت إلى جبل مستدير من فضة، وفيه كوى مخرمة وستور معلقة فلما نظرت إلى الجبل وليت إليه هاربا والتنين من ورائي، حتى إذا اقتربت منه صاح بعض الملائكة: ارفعوا الستور فلعل لهذا البائس فيكم وديعة تجيره من عدوه، فإذا الستور قد رفعت، فرأيت أطفالاً بوجوه كالأقمار، وقرب التنين مني فتحيرت في أمري، فصاح بعض الأطفال: ويحكم، أشرفوا وإذا أنا بابنتي التي ماتت قد أشرفت على معهم، فلما رأتني بكت وقالت: أبي والله، ثم وثبت في كفة من نور كرمية السهم حتى مثلت بين يدي، فمدت يدها الشمال إلى يدي اليمنى فتعلقت بها ومدت يدها اليمنى إلى التنين فولى هاربا، ثم أجلستني وقعدت في حجري وضربت بيدها اليمنى إلى لحتي وقالت: يا أبت {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16]، فبكيت وقلت: يا بنية أخبريني عن التنين الذي أراد أن يهلكني، قالت: ذلك عملك السوء قويته فأراد أن يغرقك في نار جهنم، قلت فأخبريني عن الشيخ الذي مررت به في طريقي، فقالت: يا أبت ذلك عملك الصالح أضعفته حتى لم يكن له طاقة بعملك السوء، قلت: أي بنية! وما تصنعون في هذا الجبل؟ قالت: نحن أطفال المسلمين قد أسكنا فيه إلى أن تقوم الساعة ننتظركم تقدمون علينا فنشفع لكم، قال مالك: فانتبهت فزعًا وأصبحت فأرقت المسكر وكسرت الأنية وتبت إلى الله، وهذا كان سبب توبتي.