الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رب جليل، ولا أدري أيؤمر بي إلى الظل الظليل، أم إلى شر مقيل، إني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخا لا عفو معه.
قالت: فاسترح قليلا.
فقال: الراحة أطلب؟ أتضمنين لي الخلاص؟
قالت: فمن يضمنه لي؟
قال: فدعيني وما أنا عليه، كأنك يا أماه غدا بالخلائق يساقون إلى الجنة وأنا أقاد إلى النار. فمرت به في بعض الليالي في قراءته:{فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)} [الحجر: 92 - 93].
ففكر فيها، وبكى وجعل يضطرب كالحية حتى خر مغشيا عليه، فجاءت أمه إليه ونادته، فلم يجبها فقالت: قرة عيني، أين الملتقى؟
فقال بصوت ضعيف: إن لم تجدني في عرصة القيامة فاسألي مالكا عني.
ثم شهق شهقة مات فيها، فجهزته وغسلته، وخرجت تنادي: أيها الناس، هلموا إلى الصلاة على قتيل النار، فجاء الناس فلم ير أكثر جمعا ولا أغزر دمعا من ذلك اليوم.
تذكر يوم القيامة
شاب يافع لديه طموح الشباب، كان يعيش مثل بعض أقرانه لا يأبهون بأوامر الله، وذات ليلة أراد الله به خيرا، فرأى في المنام مشهدا أيقظه من غفلته، وأعاده إلى رشده.
يحدثنا هذا الشاب عن قصته فيقول: في ليلة من الليالي ذهبت إلى فراشي كعادتي لأنام، فشعرت بمثل القلق يساورني، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم ونمت، فرأيت فيما يرى النائم، أن شيئا غريبا وضخما قد وقع من السماء على الأرض .. لم أتبين ذلك الشيء، ولا أستطيع وصفه، فهو مثل كتلة النار العظيمة، رأيتها تهوي فأيقنت بالهلاك .. أصبحت أتخبط في الأرض، وأبحث عن أي مخلوق ينقذني من هذه المصيبة.
قالوا: هذه بداية يوم القيامة، وإن الساعة قد وقعت، وهذه أولى علاماتها، ففزعت، وتذكرت جميع ما قدمت من أعمال، الصالح منها والطالح، وندمت أشد الندم .. قرضت أصابعي بأسناني حسرة على ما فرطت في جنب الله .. قلت والخوف قد تملكني: ماذا
أفعل الآن؟ وكيف أنجو؟
فسمعت مناديا يقول: اليوم لا ينفع الندم .. سوف تجازى بما عملت .. أين كنت في أوقات الصلوات؟ أين كنت عندما أتتك أوامر الله؟ لتمتثل الأوامر وتجتنب النواهي؟ كنت غافلا عن ربك .. قضيت أوقاتك في اللعب واللهو والغناء، وجئت الآن تبكي .. سوف ترى عذابك .. زادت حسرتي لما سمعت المنادي يتوعدني بالعذاب .. بكيت وبكيت ولكن بلا فائدة.
وفي هذه اللحظة العصيبة استيقظت من نومي .. تحسست نفسي فإذا أنا على فراشي.
لم أصدق أني كنت أحلم فقط حتى تأكدت من نفسي .. تنفست الصعداء، ولكن الخوف ما زال يتملكني، ففكرت، وقلت في نفسي: والله إن هذا إنذار لي من الله .. ويوم الحشر لابد منه، إذن لماذا أعصي الله؟ لم لا أصلي؟ لم لا أنتهي عما حرم الله؟ أسئلة كثيرة جالت في خاطري حتى أنجو في ذلك اليوم العظيم، أصبح الصباح، وصليت الفجر، فوجدت حلاوة في قلبي، وفي ضحى ذلك اليوم نزلت إلى سيارتي .. نظرت بداخلها فإذا هي مليئة بأشرطة الغناء .. أخرجتها واكتفيت ببعض الأشرطة الإسلامية النافعة، بقيت على هذه الحال، في كل يوم أتقدم خطوة إلى طريق الهداية التي أسأل الله أن يثبتني وإياكم عليها ..
ويقول ابن الجوزي: ابك على نفسك قبل أن يبكى عليك، وتفكر في سهم قد صوب إليك، وإذا رأيت جنازة فاحسبها أنت، وإذا عاينت قبرا فتوهمه قبرك، وعد باقي الحياة ربحا (1).
تفكر في مشيك والمآب
…
ودفنك بعد عزك في الزاب
إذا وافيت قبرا أنت فيه
…
تقيم به إلى يوم الحساب
وفي أوصال جسمك حين تبقى
…
مقطعة ممزقة الإهاب
فلولا القبر صار عليك سترا
…
لأنتنت الأباطح والروابي
خلقت من التراب فصرت حيا
…
وعُلمت الفصيح من الخطاب
وعدت إلى التراب فصرت فيه
…
كأنك ما خرجت من التراب
(1) المدهش 373.