الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-واسمه صخر بن المبارك- عن ذلك فيقول: "كنا غلمانا في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك برجل يخطب، فطالت خطبته، فلما انتهى قال لي ابن المبارك: قد حفظتها فقلت له: فأعدها علي إن كنت حفظتها كما تدعي، فأعادها عليه ابن المبارك وقد حفظها ولم يخطيء في لفظ منها.
ومن وصايا لقمان الحكيم: يا بني اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنك إن تكن عالما نفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلموك، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم، وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادك الله غيا -أو عيا- ولعل الله أن يطلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم. (الدارمي).
وكان الرشيد معجبا بذكاء ابنه وانصرافه إلى العلم، فحين دخل على المأمون، وهو ينظر في كتاب، قال له: ما هذا؟
فأجاب المأمون: كتاب يشحذ فكرة، ويحسن العشرة.
فقال الرشيد: الحمد لله الذي رزقني من يرى بعين قلبه أكثر مما يرى بعين جسمه.
ويحكى أن الرشيد أراد الحج فدخل الكوفة وطلب المحدثين علماء الحديث فلم يتخلف إلا عبد الله بن إدريس، وعيسى بن يونس، فبعث إليهما الأمين والمأمون، فحدثهما ابن إدريس بمائة حديث، فقال المأمون: يا عم أتاذن لي أن أعيدها من حفظي؟ فأداها فعجب ابن إدريس من حفظه.
الذكاء والعلم
جاءت امرأة إلى المأمون، وقالت له: مات أخي، وترك ستمائة دينار، فأعطوني دينارا واحدا، وقالوا: هذا ميراثك من أخيك.
ففكر المأمون وقال: أخوك ترك أربع بنات؟
قالت: نعم.
قال: لهن أربعمائة دينار (ثلثا الميراث).
قالت: نعم.
قال: ترك أمًا، فلها مائة دينار (سدس الميراث) وزوجة لها خمسة وسبعون دينارا (ثمن الميراث) بالله ألك اثنا عشر أخا؟
قالت: نعم.
قال: لكل واحد ديناران، ولك دينار.
ويقول أحد التلاميذ: ترددت على مجلس الحسن عشر سنين، فليس من يوم إلا وأسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك.
وكان الحسن البصري يبكي كثيرا ولما سئل عن ذلك قال: نضحك ولا ندري لعل الله قد اطلع على أعمالنا، فقال: لا أقبل منكم شيئا.
وقال الحسن البصري ناصحا تلميذا له: إذا جالست العلماء فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول، وتعلم حسن الاستماع تتعلم حسن الصمت، ولا تقطع على أحد حديثه وإن طال حتى يمسك.
وقال سحنون: لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع، ولا لمن يهتم بغسل ثوبه.
وقال الربيع: لم أر الشافعي آكلا بالنهار، ولا نائما بليل، لاهتمامه بالتصنيف.
يقول الشافعي:
لا يدرك الحكم في عمره
…
من يكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتى
…
خال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذي
…
سارت به الركبان بالفضل
بلي بفقر وعيال لما
…
فرق بين التبن والبقل (1)
ويقول الشافعي: لو كلِفت شراء بصلة لما فهمت مسألة.
(1) الديوان 71.
وعن جعفر بن محمد قال: رواية الحديث وبثه في الناس أفضل من عبادة ألف عابد.
وقال عبد الله بن عباس: معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحوت في البحر.
وقال سلمان: إنما مثل العالم مثل رجل حمل سراجا في طريق مظلم يستضيء به من به، وكل يدعو له بالخير.
ويروى أن فقيها أعاد الدرس في بيته مرارًا كثيرة فقالت له عجوز في بيت: قد -والله- حفظته أنا.
فقال: أعيديه، فأعادته، فلما كان بعد أيام، قال: يا عجوز أعيدي ذلك الدرس.
فقالت: ما أحفظه.
قال: أنا أكرر عند الحفظ لئلا يصيبني ما أصابك.
أ- حسن النية:
قال ابن عباس: إنما يحفظ الرجل على قدر نيته.
ب- إحياء المحفوظ بالعمل به:
قال بعض السلف: كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به.
ج- التخلي عن المعاصي:
قال الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي
…
فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور
…
ونور الله لا يهدى لعاصي
وقال مالك بن أنس: ليس العلم بكثرة الرواية وإنما هو نور يضعه الله في القلب.
وعن ابن مهدي قال: سأل رجل مالكا عن مسألة فقال: لا أحسنها، فقال الرجل: إني ضربت إليك من كذا وكذا لأسالك عنها، فقال له مالك: فإذا رجعت إلى مكانك وموضعك فأخبرهم أني قلت لك: لا أحسنها.
وقال أبو هريرة: إنكم تقولون: ما بال المهاجرين لا يحدثون عن رسول الله بهذه
الأحاديث؟ وما بال الأنصار لا يحدثون بهذه الأحاديث؟ وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم صفقاتهم في الأسواق، وإن أصحابي من الأنصار كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها وإني كنت امرأ معتكفا وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وإن النبي حدثنا يوما فقال:"من يبسط ثوبه حتى أفرغ من حديثي ثم يقبضه إليه فإنه ليس ينسى شيئا مني أبدا" فبسطت ثوبي. ثم حدثنا فقبضته إلي، فوالله ما نسيت شيئًا سمعته منه، وايم الله لولا آية من كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبدا {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]. [متفق عليه].
ويقول الشافعي:
تعلم فليس المرء يولد عالما
…
وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده
…
صغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالما
…
كبير إذا ردت إليه المحافل (1)
وقال سعيد بن المسيب: إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد (2).
وقال أحمد بن حنبل: رحلت في طلب العلم والسنة إلى الثغور، والشامات، والسواحل، والمغرب، والجزائر، ومكة، والمدينة، والحجاز، واليمن، والعراقين جميعا، وفارس، وخراسان، والجبال، والأطراف ثم عدت إلى بغداد (3).
ويقول ابن عباس:
ما أكثر العلم وما أوسعه
…
من ذا الذي يقدر أن يجمعه
إن كنت لابد له طالبا
…
محاولا فالتمس أنفعه
ويقول الإمام النووي: كان السلف لا يعلمون الحديث والفقه إلا لمن كان يحفظ القرآن، وقد مثل الداعية الذي يحفظ القرآن بالرجل يتحلى بثوب حسن في الظاهر،
(1) ديوان الشافعي 105.
(2)
أخلاق الدعاة 100.
(3)
أخلاق الدعاة 100.