الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمنحنا قبسًا منها، نستعين به على معاناة الحياة، بل إن الضراعة وحدها كفيلة بأن تزيد قوتنا ونشاطنا، ولن تجد أحدًا ضرع إلى الله مرة إلا عادت هذه الضراعة بأحسن النتائج.
وإذا كان هذا هو أثر الصلاة بعامة، فإن الصلاة الإسلامية بخاصة أبعد غورًا وأعمق آثارًا (1).
صلاة تليق بمعبودك
يا واقفًا في صلاته بجسده والقلب غائب، ما يصلح ما بذلته من التعبد مهرًا للجنة فكيف ثمنًا للجنة. رأت فأرة جملاً فأعجبها فجرت خطامه فتبعها فلما وصل إلى باب بيتها وقف ونادى بلسان الحال، إما أن تتخذي دارًا يليق بمحبوبك أو محبوبًا يليق بدارك.
خير من هذا إشارة إما أن تصلي صلاة تليق بمعبودك أو تتخذ معبودًا يليق بصلاتك.
نماذج للخاشعين
كان سعيد بن جبير يقول: ما عرفت من على يميني ولا من على شمالي في الصلاة منذ أربعين سنة، منذ سمعت ابن عباس يقول: الخشوع في الصلاة ألا يعرف المصلي من على يمينه وشماله.
وقال سعيد بن عبيد: كان سعيد بن جبير يؤم قومه فقرأ في صلاته قوله تعالى: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72)} [غافر: 71 - 72] فجعل ينشج بنشيج يقطع أكباد سامعيه حتى سقط مغشيًا عليه.
وكان الربيع بن خثيم إذا سجد كأنه ثوب مطروح؛ فتجيء العصافير فتقع عليه.
ويقول عمر بن الخطاب: إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام، وما أكمل الله له صلاة.
قيل: وكيف ذلك؟
فقال: لا يتم خشوعها ولا تواضعها، ولا إقباله على الله فيها.
ويقول التابعي حسن بن عطية وغيره: إن الرجلين ليكونان في الصلاة، مناكبهما جميعًا، وإن ما بين صلاتيهما كما بين السماء والأرض.
(1) الإيمان والحياة (301).
قالوا له: وكيف ذلك؟
قال. يكون أحدهما مقبلاً على الله بقلبه، والآخر ساهٍ غافلٌ في صلاته.
فأين نحن من هؤلاء الصالحين، فما عملنا إلا كالسراب، وقلوبنا من التقوى خراب، وذنوبنا عدد الرمال والتراب، ثم نطمع بعد ذلك في الكواعب والأتراب، هيهات هيهات لنا، فنحن قوم سكارى بغير شراب.
وعن عبد الله بن شداد قال: سمعت عمر يقرأ في صلاة الصبح سورة يوسف، فسمعت نشيجه وإني لفي آخر الصفوف، وهو يقرأ قوله تعالى:{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86].
وقال ابن عمر: صليت خلف عمر فسمعت حنينه من وراء ثلاثة صفوف، وكان في وجهه خطان أسودان من البكاء.
وزار القيرواني أبا جعفر القمودي فوجده يصلي، فأطال أبو جعفر صلاته، وأطال القيرواني القعود، وهو منتظر له، فلما انتهى من صلاته قال له القيرواني: يا أبا جعفر، بأقل من هذا التعب وهذا التكلف تصل إلى المقصود وتدرك المطلوب إن شاء الله.
فقال له أبو جعفر يا مسكين لو ذقت حلاوة "الله أكبر" ولذتها لما لمت من التعب من الاستكثار منها.
يقول رجل لحممة العابد -وكان من خيار- عباد الله الصالحين في عصر التابعين-:
ما أفضل عملك الذي ترجوه عند ربك؟
قال: ما أتتني صلاة قط إلا وأنا مستعد لها ومشتاق إليها، وما انصرفت من صلاة قط إلا كنت إذا انصرفت منها أشوق إليها من حيث كنت فيها، ولولا أن الله أنزل الفرائض متقطعة بين الأوقات لأحببت أن أكون ليلي ونهاري ساجدًا راكعًا لله.
أيها المصلي طهر سرك قبل الطهور، وفتش على قلبك قبل الشروع، حضور القلب أول منزل، فإذا نزلته انتقلت إلى بادية العمل، فإذا انتقلت عنها أنخت بباب المناجي، وأول قري ضيف اليقظة كشف الحجاب لعين القلب، وكيف يطمع في دخول مكة منقطع قبل الكوفة، همك في الصلاة متشبث، وقلبك بمساكنة الهوى متلوث، ومن كان متلطخًا بالأقذار لا يغلف،