الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة، تحميه وتمنعهم منه إذا أرادوه بشر.
فقال: دعوني فإن الله سيمنعني ويحميني، ثم ذهب إلى المسجد حتى أتى مقام إبراهيم في الضحى، وقريش جلوس حول الكعبة، فوقف عند المقام وقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم رافعا بها صوته {الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)} [الرحمن1 - 4] ومضى يقرأها، فتأملته قريش، وقالت: ماذا قال ابن أم عبد؟ تبًّا له، إنه يتلو بعض ما جاء به محمد، وقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه والدم يسيل منه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك.
فقال: والله ما كان أعداء الله أهون في عيني منهم الآن وإن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: لا، حسبك لقد أسمعتهم ما يكرهون (1).
الشيخ محمد فرغلي
يقول الشيخ حسن البنا عن الشيخ محمد فرغلي: حين تم بناء المسجد الذي طالب به عمال الشركة بالجباسات بالإسماعيلية انتدب للإمامة والتدريس فضيلة الأخ محمد فرغلي، المدرس بمعهد حراء حينذاك، وصل الأستاذ فرغلي وتسلم المسجد، وأعد له سكن خاص بجواره، ووصل روحه القوية بأرواح هؤلاء العمال الطيبين، فلم تمض عدة أسابيع وجيزة حتى ارتفع مستواهم الفكري والنفساني والاجتماعي ارتفاعا عجيبا، لقد أدركوا قيمة أنفسهم، وعرفوا سمو وظيفتهم في الحياة، وقدروا فضل إنسانيتهم، فنزع من قلوبهم الخوف والذل والضعف والوهن، واعتزوا بالإيمان بالله وبإدراك وظيفتهم الإنسانية في هذه الحياة؛ خلافة الله في أرضه، فجدوا في عملهم، عفوا عما ليس لهم، فلم تأسرهم المطامع التافهة، ولم تقيدهم الشهوات الحقيرة، وصار أحدهم يقف أمام رئيسه عالي الرأس في أدب، شامخ الأنف في وقار، يحدثه في حجة ومنطق، لا يقول ولا يقبل منه كلمة نابية، أو لفظة جافية، أو مظهرًا من مظاهر التحقير والاستصغار، كما كان ذلك شأنهم من قبل، تجمعوا على الأخوة، واتحدوا على الحب والجد والأمانة، ويظهر أن هذه السياسة لم تعجب الرؤساء وقرروا أنه إذا استمر الحال على ذلك ستكون السلطة كلها لهذا الشيخ، ولن يستطيع أحد بعد ذلك أن يكبح جماحه وجماح العمال.
(1) صور من حياة الصحابة 105: 107.
فكر الرؤساء في الشركة في إقصاء هذا الشيخ القوي الشكيمة عن العمل، وأرسل إليه الرئيس المباشر، فلما توجه إليه قال له: إن المدير أخبرني بأن الشركة قد استغنت عن خدماتك وأنها تفكر في انتداب أحد العمال للقيام بعملكم في المسجد، وهذا حسابكم إلى اليوم حسب أمر المدير.
فكان جواب الشيخ له بكل هدوء: ما كنت أظن يا مسيو فرانسوا أنني موظف بشركة جباسات البلاح، لو كنت أعلم هذا ما قبلت العمل معها، ولكني أعلم أنني موظف من قبل الإخوان المسلمين بالإسماعيلية، وأتقاضى راتبي منهم محولا عليكم، وأنا متعاقد معهم لا معكم على هذا الوضع، وأنا لا أقبل منك مرتبا لا حسابا، ولا أترك عملي في المسجد ولو بالقوة، إلا إذا أمرني بذلك رئيس الجمعية التي انتدبتني هنا، وهو أمامك بالإسماعيلية اتفقوا معه كما تريدون. واستأذن وانصرف.
وسقط في يد إدارة الشركة وصبرت أياما لعل الشيخ يطلب منها مرتبه، ولكنه اتصل بالبنا في الإسماعيلية فأوصاه بالتمسك بموقفه وألا يدع مكانه بحال، وحجته مقبولة ولا شيء لهم عنده، لجأت الشركة إلى الإدارة، واتصل مديرها بمحافظ القنال الذي اتصل بدوره بالمأمور بالإسماعيلية وأوصاه أن يقوم على رأس قوة لعلاج الموقف، وحضر المأمور ومعه قوته، وجلس في مكتب المدير، وأرسل في طلب الشيخ الذي اعتصم بالمسجد وأجاب الرسول: لا حاجة لي عند المأمور، ولا عند المدير، وعملي بالمسجد، فإذا كان لأحدهما حاجة فليحضر إلي، وعلى هذا فقد حضر المأمور إلى الشيخ، وأخذ يطلب منه أن يستجيب لمطالب المدير، ويترك العمل ويعود إلى الإسماعيلية، فأجاب بمثل ما تقدم، وقال له: تستطيع أن تأتيني من الإسماعيلية بكلمة واحدة في خطاب فانصرف، ولكنك إذا أردت استخدام القوة، فلك أن تفعل ما تشاء، ولكني لن أخرج من هنا إلا جثة لا حراك بها. ووصل النبأ إلى العمال، فتركوا العمل في لحظة واحدة، وأقبلوا متجمهرين صاخبين، وخشي المأمور العاقبة فترك الموقف وعاد إلى الإسماعيلية، واتصل بالإمام البنا للتفاهم على الحل، يقول البنا: (ولكني اعتذرت له، بأنني مضطر إلى التفكير في الأمر، وعقد مجلس إدارة الجمعية للنظر ثم أجيبه بعد ذلك، وفي هذه الأثناء يؤسفني أن أقول إنني حضرت إلى القاهرة لمقابلة العضو المصري الوحيد في مجلس إدارة الشركة، فوجدت منه كل إعراض عن مصالح العمال، وكل انحياز إلى آراء الشركة ومديرها، وكل