الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول الحسن البصري: إن لسان المؤمن من وراء قلبه، فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه، وإن لسان المنافق أمام قلبه، فإذا هم بشيء أمضاه بلسانه، ولم يتدبره بقلبه.
وقيل لبكر بن عبد الله المزني: إنك لتطيل الصمت؟
فقال: إن لساني سبع، إن تركته أكلني.
قد أفلح الساكت الصموت
…
كلامه قد يعد قوت
ما كل نطق له جواب
…
جواب ما يكره السكوت
آفات اللسان
1 -
الكلام فيما لا يعنيك:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيها [رواه الترمذي].
من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، قل خيرًا تغنم أو اسكت عن سوء تسلم، إن من شأن الساعي إلى الكمال على الطريق أن يقبل على كل أمر ينفعه، فالسبل المفضية إلى ما رامه وأمله، يجتنب كل أمر يعوقه ويقطع سيره، ويتأبى بنفسه عن كل ما من شأنه أن ينزل قدره، ويقضي على وقته وحياته ورأس ماله، فتراه مترفعًا عن اللهو واللغو، قد شغل نفسه بما يفيدها في حياته؛ إن رأى أمرًا من اللغو أعرض عنه وأكرم نفسه عنه، إذ زمنه عنده ثمين، فلا متسع عنده للهو أو للغو مهين.
ورحم الله بشار يوم قال متحدثًا بنعمة الله عليه: منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر عنها.
مجالسهم مثل الرياض أنيقة
…
لقد طاب منها اللون والريح والطعم
وقال مالك بن ضيغم: جاء رياح القيسي يسأل عن أبي بعد العصر، فقلنا: هو نائم، فقال: أنوم في هذه الساعة؟ أهذا وقت نوم، ثم ولى منصرفًا، فاتبعناه رسولاً، فقلنا: قل له: ألا نوقظه لك؟ قال: فأبطأ علينا الرسول، ثم جاء وقد غربت الشمس، فقلنا: أبطأت جدًا، فهل قلت له؟ قال: هو كان أشغل من أن يفهم عني شيئًا، أدركته وهو يدخل
المقابر، وهو يعاتب نفسه، ويقول: قلت: نوم هذه الساعة؟ أفكان هذا عليك؟ ينام الرجل متى شاء، وقلت: هذا وقت نوم؟ وما يدريك أن هذا ليس بوقت نوم؟ تسألين عما لا يعنيك، وتتكلمين بما لا يعنيك، أما إن لله عليَّ عهدًا لا أنقضه أبدًا ألا أوسدك الأرض لنوم حولاً، إلا لمرض حائل أو لذهاب عقل زائل، سوءة لك، أما تستحيين؟ كم توبخين؟ وعن غيك لا تنتهين؟
قال: وجعل يبكي وهو لا يشعر بمكاني، فلما رأيت ذلك انصرفت وتركته (1).
2 -
فضول الكلام من فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع.
قال مجاهد: سمعت ابن عباس رضي الله عنه يقول: خمس لهن أحب إلي من الدُّهُم الموقوفة: لا تتكلم فيما لا يعنيك فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر.
- ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعًا.
- ولا تمار حليمًا ولا سفيهًا.
- واذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به.
- واعمل عمل رجل يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإساءة.
3 -
التفحش وبذاءة اللسان
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش"[رواه أحمد].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"[رواه البخاري].
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه" قيل: يا رسول الله كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يلعن الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه"[رواه البخاري].
قال أبو الدرداء: إن ناقدت الناس ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك، فالعاقل من وهب نفسه وعرضه ليوم فقره، وما تجرع مؤمن جرعة أحب إلى الله
(1) خير القرون (2/ 304).
عز وجل من غيظ كظمه، فاعفوا يعزكم الله، وإياكم ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام.
وقال عبد الله بن مسعود: أعظم الخطايا الكذب، وسب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يغفر يغفر الله له، ومن صبر على الرزية يعقبه الله خيرًا منها (1).
4 -
اللعن
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه: قال رسول الله:"لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بجهنم"[رواه الترمذي].
وعن عمران بن حصين قال: بينما رسول الله في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك صلى الله عليه وسلم فقال:"خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة" قال عمران: فكأني أراها تمشي في الناس وما يعرض لها أحد [رواه مسلم].
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن اللعانين لا يكونون شهداء ولا شفعاء يوم القيامة"[رواه مسلم].
واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله تعالى. واللعن ثلاث مراتب:
الأولى: اللعن بالوصف العام، قولك: لعنة الله على الكافرين والفاسقين.
الثانية: اللعن بأوصاف أخص، قولك: لعنة الله على اليهود والنصارى والمجوس والظلمة وآكلي الربا.
الثالثة: اللعن للشخص المعين وفيه خطر كبير كقولك: لعنة الله على زيد أو هو كافر إلا ما ثبتت لعنته شرعًا كفرعون وأبي جهل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك"[رواه البخاري].
(1) بحر الدموع: 69.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا"[رواه البخاري].
5 -
الغيبة
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه"[رواه مسلم].
وقال ابن عباس رضي الله عنه: إذا أردت أن تذكر عيوب أخيك فاذكر عيوبك.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: تبصر القذى في عين أخيك ولا تبصر الجذع في عين نفسك.
الغيبة هى ذكرك أخاك بما يكرهه لو بلغه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول، قال:"إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته"[رواه مسلم].
الغيبة لا تقتصر على اللسان
عن أبي حذيفة أن عائشة رضي الله عنها حكت امرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت قصتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قد اغتبتيها"[رواه أحمد].
ومن ذلك المحاكاة يمشي متعرجًا فهو أشد من الغيبة.
جاء في صحف إبراهيم عليه السلام: على العاقل أن يكون بصيرًا بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظًا للسانه.
وعن مالك بن دينار رحمه الله أنه قال: إذا رأيت قساوة في قلبك، أو وهنًا في بدنك، أو حرمانًا في رزقك، فأعلم أنك تكلمت بما لا يعنيك.
وقال لقمان لابنه: يا بني من رحم يُرحم، ومن يصمت يسلم، ومن يفعل الخير يغنم، ومن فعل الشر يأثم، ومن لم يملك لسانه يندم (1).
ويروى أن رجلاً اغتاب الحسن البصري، فما كان منه إلا أن أرسل إليه بطبق من
(1) بحر الدموع: 146.