الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التعاون
لا يمكن لأي إنسان مهما آتاه الله من أسباب، أن يعيش على الأرض منفردًا فهذا ضد طبيعته وإمكاناته وما جبل عليه ابن آدم، فالفرد يحتاج للناس والناس تحتاج إليه، حتى تسير الحياة للجميع بأفضل صروة وهذا هو "التعاون".
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بالتعاون شرط أن يكون على البر والتقوى، ونهاهم أن يكون تعاونهم على الإثم والعدوان.
يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، يأمر تعالى عباده المؤمنين بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر، وترك المنكرات وهو التقوى، وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم.
قال ابن جرير: الإثم: ترك ما أمر الله بفعله، والعدوان: مجاوزة ما حد الله في دينكم ومجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" قيل: يا رسول الله هذا نصرته مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال:"تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره"[رواه البخاري].
وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرًا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر عل أذاهم".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً: "الدال على الخير كفاعله".
وقال صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا"[رواه البخاري].
وللتعاون على البر والتقوى وفعل الخيرات صورًا كثيرة نذكر منها:
1 - التعاون مع إخوانك
أحس شيخ كبير بقرب أجله، فجمع أولاده الثلاثة، ليوصيهم بوصية تنفعهم في
حياتهم، فأعطاهم حزمة كبيرة من الحطب، وطلب من كل منهم أن يكسرها بمفرده، فحاول كل واحد أن يكسرها، لكنه، لم يستطع لشدة قوتها وصلابتها.
أخذ الأب الحزمة، وفكها إلى أعواد، وأعطى كل واحد منهم عودًا، فكسره بسهولة فقال الأب لأبنائه: إنكم يا أبنائي مثل هذه الحزمة إذا اتحدتم وكنتم يدًا واحدة فلن يستطيع أحد مهما بلغت قوته أن يغلبكم، وإن تفرقتم فسوف يصيبكم لضعفكم، ويتمكن عدوكم منكم، فعليكم يا أولادي بالتعاون في قضاء أموركم فإن في التعاون قوة.
الوزير النبي:
طلب سيدنا موسى عليه السلام من ربه أن يكون أخوه مساعدًا له يتعاون معه على تبليغ رسالته فقال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35)} [طه: 29 - 35].
وهكذا لا يستطيع الداعية أن يؤثر في الناس بمفرده لابد أن يتعاون مع إخوانه في دعوة الآخرين بشتى الطرق.
حفر الخندق
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشترك مع الصحابة في حفر الخندق، يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: رأيته صلى الله عليه وسلم ينقل تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه، وكان كثير الشعر، فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل التراب، ويقول صلى الله عليه وسلم:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا
…
ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا
…
وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا
…
وإن أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد بها صوته بآخرها.
لم يتكبر الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه بل تعاون معهم في أشد اللحظات وأصعب الأمور، وما أعظمه من قائد!
تعاون في بناء المسجد الأول
كانت أول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة هي إقامة المسجد النبوي، ففي
المكان الذي بركت فيه ناقته أمر ببناء هذا المسجد، واشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وساهم في بنائه بنفسه، فكان ينقل اللبن والحجارة ويقول:
اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة
…
فاغفر للأنصار والمهاجرة
هل تشارك إخوانك في أمورهم الخاصة والعامة؟
مساعدة المسئول
دعا عمر بن الخطاب سعيد بن عامر إلى مساعدته وقال: يا سعيد إنا مولوك على أهل حمص، فقال: يا عمر نشدتك الله ألا تفتني فغضب عمر وقال: ويحكم وضعتم هذا الأمر في عنقي ثم تخليتم عني!! والله لا أدعك، ثم ولاه على حمص وقال: ألا نفرض لك رزقًا؟ قال: وما أفعل به يا أمير المؤمنين؟! فإن عطائي من بيت المال يزيد عن حاجتي، ثم مضى إلى حمص (1).
إذا كنت جنديًا فاحرص على مساعدة مسئولك في إنجاز مهمته بما يرضي الله.
لا تمنع أخاك
روى مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيي المازني عن أبيه أن الضحاك بن خليفة ساق خليجًا له من العريض فأراد أن يمر به في أرض محمد بن مسلمة، فأبى محمد، فقال له الضحاك، لم تمنعني وهو لك منفعة تشرب به أولاً وآخرًا ولا يضرك، فأبى محمد، فكلم فيه الضحاك عمر بن الخطاب، فدعا عمر بن الخطاب محمد بن مسلمة، فأمره أن يخلي سبيله، فقال محمد: لا، فقال عمر: لم تمنع أخاك ما ينفعه وهو لك نافع تسقي به أولاً وآخرًا وهو لا يضرك، فقال محمد: لا والله، فقال عمر: والله ليمرن به ولو على بطنك، فأمره عمر بن الخطاب أن يمر به، ففعل الضحاك، وكان هذا قياسًا من عمر على حديث أبي هريرة الذي قال فيه إن النبي قال:"لا يمنع أحدكم جاره خشبة يغرزها في جداره" ثم قال أبو هريرة: ما لي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم.
تعاون الصغار
يقول الإمام الشهيد البنا في مذكراته: ونحن طلاب في المدرسة الإعدادية كنا
(1) صور من حياة الصحابة: 21.