الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذوي الدخل المحدود قبل كل شيء، ليكون هذا المرعى المجاني مصدرا لزيادة ثروتهم الحياتية، وزيادة دخلهم منها، ليستغنوا بذلك عن طلب المعونة من الدولة، وهذا الهدف واضح في وصية عمر للذي ولاه على هذا الحمى للإشراف عليه، فقد قال له: اضمم جناحك عن الناس، واتق دعوة المظلوم فإنها مجابة، وأدخل رب الصُّريمة والغنيمة (الصريمة: الإبل القليلة، الغنيمة: الغنم القليلة) ودعني من نعم ابن عفان، ونعم ابن عوف (أي إبل الأثرياء وغنمهم) فإنهما إن أهلكت ماشيتهما رجعا إلى نخل وزرع (أي لهم ثروات ومصادر أخرى للدخل) وإن هذا المسكين (أي رب الصريمة والغنيمة) إن هلكت ماشيته جاءني ببنيه، يصرخ: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبا لك؟ فالكلأ أيسر علي من الذهب والورق (النقود الفضية).
فتجب عناية الدولة الإسلامية بذوي المال القليل والدخل الضئيل، وإتاحة الفرصة ليكسبوا ولو كان ذلك بالتضييق على ذوي الثروات الكبيرة وحرمانهم مما يتيح للفئات الضعيفة من وسائل الكسب، وكل إنسان في كنف الدولة الإسلامية من حقه إن هلك مصدر دخله وضاع مورد رزقه أن يصرخ في وجه الحاكم المسئول مطالبا بحقه وحق بنيه في خزانة الدولة والسياسة الراشدة هي التي تعمل على توفير مصادر الدخل للفقراء لتستغني بجهدهم عن طلب المعونة، وتكليفها عبء الإنفاق عليهم من خزانتها.
هل تحرص على العدل بين الموظفين في العمل، وبين أولادك في المنزل؟
عدل يفوق الخيال
في أثناء الفتوح الإسلامية حاصر جيش المسلمين مدينة سمرقند وكانت مدينة حصينة ومنيعة، يصعب على أي جيش أن يدخلها مهما كان قويًا بسبب حصونها وقلاعها، ولما طال الحصار فكر قائد جيش المسلمين قتيبة بن مسلم في خطة ليدخل المدينة، وبدأت الخطة بأن دخل عدد من جنود المسلمين الشجعان في هيئة تجار يبيعون سلعًا وبضائع، وبعد أن صاروا داخل المدينة هاجموا الحصون والقلاع واستولوا عليها، ثم فتحوا الأبواب، فدخل بقية جيش المسلمين، واستسلم عندئذ أهل سمرقند وسقطت المدينة في أيدي المسلمين.
واجتمع أهل سمرقند عند كبير الكهنة، وسألوه النصيحة، فقال لهم: "سأطالب
بمحاكمة قائد جيش المسلمين".
قال أحدهم: "ومن سيوافقنا على محاكمة قائد جيش المسلمين وهم المنتصرون؟!! ".
فأجاب كبير الكهنة: "خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز فهو رجل عادل".
وأرسل كبير الكهنة أحد أعوانه إلى الشام، وقابل الخليفة عمر بن عبد العزيز، فأحسن استقباله، واستمع إليه جيدًا، وقال له:"اطمئن واهدأ بالاً، فالإسلام لا يعرف غير العدل" وأعطاه خطابًا إلى الوالي حاكم المسلمين في سمرقند، وذهب كبير الكهنة بالخطاب إلى حاكم سمرقند المسلم فقرأه فوجد الخليفة يأمره بأن يختار أحد القضاة المسلمين ليحكم في الشكوى التي قدمها كهنة سمرقند واختار الوالي قاضيًا يثق فيه، وحدد موعدًا للمحاكمة.
استمع القاضي إلى كبير الكهنة الذي تكلم عن أهل سمرقند وقال: "نحن نعرف أن دينكم قد حدد ثلاثة أمور لنشر دعوته أولها: الدعوة إلى الدخول في الإسلام، فمن لم يقبل فعليه دفع الجزية مقابل توفير الأمن والدفاع عنه وهذا هو الثاني، فإن رفض الدخول في الإسلام ورفض دفع الجزية يأتي دور الحرب والقتال، ولكن جيشكم لم يفعل هذا ودخل مدينتنا بالخديعة".
فسأل القاضي قائد المسلمين: "هل هذا ما حدث؟ ".
أجاب القائد المسلم: "أصلح الله القاضي! إن الحرب خدعة وهذا البلد أنقذه الله على أيدي جنودنا وهداه إلى طريق الحق والنور".
فقال القاضي: "وهل خيرتم أهله بين واحدة من ثلاث: إما الإسلام، وإما الجزية، وإلا فالحرب؟ ".
قال القائد: "لا أيها القاضي".
عندئذ أصدر القاضي المسلم أعجب حكم في التاريخ قال: "قد حكمت على جيش المسلمين بأن يخرج من سمرقند ويسلم البلاد إلى أهلها، ثم يعرض عليهم الدخول في الإسلام، فإن لم يقبلوا فالجزية، وإلا فيعلق عليهم الحرب والقتال".