المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الثقة الثقة من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، - موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق - جـ ٢

[ياسر عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

- ‌الشجاعة

- ‌أنواع الشجاعة:

- ‌الدفاع عن الدين

- ‌حرق أعصاب الظالم

- ‌هكذا كانوا

- ‌ما حجتك عند الله

- ‌استحضر هيبة الله

- ‌بين منذر بن سعيد وعبد الرحمن الناصر

- ‌الترفع عن الذلة

- ‌شجاعة المعتصم

- ‌لطمة على وجه اليهودي

- ‌الشيخ الإنباني

- ‌شجاعة غلام:

- ‌الاعتدال

- ‌الاعتدال في العبادة

- ‌ومن أمثلة الاعتدال في العبادة:

- ‌النصيحة

- ‌معنى النصيحة

- ‌أهمية النصيحة

- ‌طلب النصيحة

- ‌أين من ينصحك

- ‌وجوب النصيحة

- ‌الفرق بين الغيبة والنصيحة

- ‌نصيحة في السجن

- ‌نصيحة مؤثرة

- ‌آداب الناصح

- ‌آداب المنصوح

- ‌بر الوالدين

- ‌الأدب مع الوالدين

- ‌طاعة لأمي

- ‌أحمد بن حنبل

- ‌موعظة

- ‌البَر

- ‌مفاهيم تتصل ببر الوالدين

- ‌حق الأم في البر أكثر

- ‌من صور البر

- ‌رجل يخاف من عقوق الوالدين

- ‌موقف إسماعيل مع أبيه

- ‌البر مفتاح الفرج

- ‌صور من العقوق

- ‌جريج العابد

- ‌افعل ما شئت كما تدين تدان

- ‌قصة شاب

- ‌الجزاء

- ‌تذكر أمك الحنون

- ‌أفعال تتنافى مع بر الوالدين

- ‌الشورى

- ‌حتى في الأمور الخاصة

- ‌تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب

- ‌مجلس عسكري استشاري

- ‌الحباب خبير عسكري

- ‌في سقيفة بني ساعدة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير

- ‌رؤيا رسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بيت المقدس

- ‌مفاوضات

- ‌استشارة أم سلمة

- ‌جمعية عمومية

- ‌الشورى البناءة

- ‌عدم الاستقلال بالرأي

- ‌جمع القرآن الكريم

- ‌شوري أبي بكر

- ‌استخلاف الصديق للفاروق

- ‌اختيار الولاة

- ‌شورى خامس الخلفاء الراشدين

- ‌التعاون

- ‌1 - التعاون مع إخوانك

- ‌2 - تعاون بين الزوجين

- ‌3 - تعاون الملائكة في بدر

- ‌4 - قضاء حوائج الناس

- ‌5 - تعاون الأبناء مع الأباء

- ‌6 - التعاون من أجل مصلحة الوطن

- ‌تعاون مرفوض:

- ‌سبب إسلامه:

- ‌صلة الرحم

- ‌طريق الجنة

- ‌من ثمارها

- ‌وصية

- ‌تدفع ميتة السوء

- ‌تيسير الحساب وتدخل صاحبها الجنة

- ‌ترفع الدرجات يوم القيامة

- ‌ليس الواصل بالمكافيء

- ‌احذر قطيعة الرحم

- ‌مثل شائع خاطيء

- ‌العدل

- ‌من أنواع العدل

- ‌عدل عمر مع أهل الذمة

- ‌عدل الرسول

- ‌عدل الصحابة

- ‌العبد الصالح

- ‌ضربة وحجة

- ‌موقف رائع

- ‌عدل يفوق الخيال

- ‌عدل المسلمين

- ‌المساواة من العدل

- ‌عبادة بن الصامت

- ‌عمر والعدل

- ‌رد المظالم

- ‌اشتري مظلمته

- ‌رجل يضرب الأمير

- ‌قميص عمر

- ‌مجلس القضاء

- ‌الرسالة

- ‌دعوة المظلوم مستجابة

- ‌القاضي شريح وابنه

- ‌بين شريح وعلي بن أبي طالب

- ‌الراعي والرعية رحمة وعدل

- ‌عدل وثبات

- ‌الولاء والبراء

- ‌حكم الإسلام

- ‌مظاهر الولاء للكفار

- ‌من قصص الولاء والبراء

- ‌العزة

- ‌عزة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌كن عزيزا

- ‌عزة ربعي بن عامر

- ‌فزع رستم

- ‌خوف قيصر ملك الروم

- ‌ما أعزكم آل الخطاب

- ‌العز بن عبد السلام وعزة العلماء

- ‌إن الذي يمد رجليه لا يمد يده

- ‌طاوس والخليفة

- ‌هذا الشبل من ذاك الأسد

- ‌نحن في ظل الله

- ‌يسرني أن أكون آخرهم

- ‌دعهم لا يرون منا إلا البشاشة

- ‌الشهيد سيد قطب

- ‌أخالف البروتوكول

- ‌الهضيبي وفاروق

- ‌حمية العرب في الجاهلية

- ‌الأخ حافظ

- ‌وقفة قرآنية

- ‌الرنتيسي

- ‌من الطرائف

- ‌الذكاء

- ‌دار الأرقم

- ‌المناظرة بين خليل الله والنمرود

- ‌طريق اليمن في الهجرة

- ‌الإبل المذبوحة

- ‌الحجر الأسود

- ‌حيلة يوسف

- ‌داود وسليمان

- ‌قصة الرجل الحكيم

- ‌الفطنة

- ‌خالد بن الوليد في مؤتة

- ‌في غزوة الأحزاب

- ‌حيلة أبي بصير

- ‌الصنم والكلب

- ‌الفتى الذكي

- ‌صديق الوالي

- ‌بيت أبي تمام

- ‌الشاعر واللص

- ‌الخياط الأعور

- ‌القارب العجيب

- ‌المال الضائع

- ‌العاطس الساهي

- ‌الرجل المجادل

- ‌الشكاك

- ‌الخليفة والقاضي

- ‌براءة

- ‌القاضي والحلوى

- ‌ما تقول في المسكر

- ‌الفراسة

- ‌السارق الحقيقي

- ‌قمة في حسن التخلص

- ‌مروءة وذكاء

- ‌اتصال

- ‌مباحث

- ‌فطنة في الإجابة

- ‌سلامة الصدر

- ‌تحذيرات

- ‌ابن الحنفية وأخيه الحسن

- ‌التغافر خير من العتاب

- ‌الحسد

- ‌عاقبة حاسد

- ‌لا تحسد أخاك

- ‌رجل من أهل الجنة

- ‌المصابون بالحسد

- ‌فرق بين الحسد والغبطة والمنافسة

- ‌نهاية مؤلمة

- ‌علاج مرض الحسد

- ‌موقف عظيم

- ‌مثل شائع خاطيء

- ‌الاعتذار عند الخطأ

- ‌كيف تصلحان غيركما

- ‌الصلح بين عائلتين

- ‌ما أراد إلا الحسد

- ‌لفتة طيبة

- ‌أمثلة رائعة

- ‌سلامة الصدر عند قبول النصيحة

- ‌حتى مع الخصوم

- ‌من شيم الكرام

- ‌خلق رفيع

- ‌حفظ اللسان

- ‌آفات اللسان

- ‌احذروا الغيبة

- ‌قصة مؤثرة

- ‌الأعذار المرخصة في الغيبة

- ‌شر النمام عظيم

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌مهمة المسلم

- ‌نصيحة

- ‌الأعداء يخططون

- ‌الفعل قبل القول

- ‌الرسول قدوة في الدعوة

- ‌حب الخير للناس

- ‌بائع أشرطة الفيديو:

- ‌تفسير آية

- ‌أليس لها ثمن

- ‌تعرف على الآخرين

- ‌رجل الدعوة

- ‌وصايا غالية

- ‌فن الدعوة إلى الله

- ‌أمنية

- ‌دعوة صادقة

- ‌طرفة غالية

- ‌كلمتان خفيفتان على اللسان

- ‌أكبر همه

- ‌يدعو وهو مريض

- ‌حال الجامعة

- ‌شبهات وردود

- ‌الفهم

- ‌القرآن يصحح المفاهيم

- ‌فهم خاطيء

- ‌فهم الرسول

- ‌فهم الأولويات

- ‌أولوية الأعمال

- ‌رجل يفهم رسالته

- ‌فهم مشقات الطريق

- ‌دعوتنا لكل الناس

- ‌ابحثوا عن لافتة أخرى

- ‌نعمة كبيرة

- ‌تربية واعية

- ‌تأخير الصلاة بعذر

- ‌الإسلام والأديان المعاصرة

- ‌فهم رائع

- ‌هكذا كان عبد الله بن المبارك

- ‌فهم علم من أعلام السلف

- ‌إمكانيات أعدائك ماذا أعددت لها

- ‌لا أنقد حكومتي خارج وطني

- ‌العمل للإسلام

- ‌الأعداء يعلمون لإنجاح مخططهم

- ‌احرص على العمل

- ‌من الذين هدى الله

- ‌إسلام المغول

- ‌إخلاص وعمل

- ‌الفهم الجيد للإسلام

- ‌العزيمة القوية

- ‌لو خرجنا بواحد لكفى

- ‌الجهاد

- ‌الجهاد في كتاب الله

- ‌جهاد النفس

- ‌الجهاد بالمال

- ‌تحويل شيك للمجاهدين

- ‌الجهاد التعليمي

- ‌الجهاد السياسي

- ‌جهاد الأعداء

- ‌ستار القدرة

- ‌وقفة

- ‌عزاء والد الشهيد

- ‌الرحمة في الجهاد الإسلامي

- ‌من جهاد الأبطال

- ‌المسلمون = جهاد

- ‌حب الشهادة

- ‌نموذج المجاهد

- ‌خطبة ثورية

- ‌حزن عميق

- ‌الخوف من الله دفعه للشهادة

- ‌يا فلسطين

- ‌البطل الليبي

- ‌اللهم احشرني من حواصل الطير

- ‌صور أخرى

- ‌التضحية

- ‌من أنواع التضحية

- ‌أين التضحية

- ‌فهم خاطيء

- ‌أريد أن أطأ بعرجتي في الجنة

- ‌تضحية علباء بن جحش

- ‌وفاة خالد بن الوليد

- ‌في وقعة البويب

- ‌لا تفعل

- ‌أستاذ جديد في فن التضحية

- ‌عز الدين القسام

- ‌الشيخ أحمد ياسين

- ‌يحيى عياش

- ‌الثبات

- ‌صور الثبات

- ‌سنة الدعوات

- ‌ننتصر على الغرب بثباتنا

- ‌الأخوة في الله

- ‌الأخوة طريق الجنة

- ‌أمر إلهي

- ‌حقوق الأخوة الخاصة

- ‌موقف مؤثر

- ‌نقاتل أعداءنا بالحب

- ‌الثقة

- ‌أنواع الثقة:

- ‌لا تتعجل النصر

- ‌سؤال

- ‌الجدية والانضباط

- ‌الجدية في طلب العلم:

- ‌الجدية في تحمل المسئولية

- ‌تنفيذ الأوامر

- ‌طاعة بعد الموت

- ‌العزيمة

- ‌فورية التنفيذ

- ‌إذن ننشيء له مدرسة

- ‌تسخير الإمكانات

- ‌الالتزام بالعبادة

- ‌قطع شجرة الرضوان

- ‌إلغاء الرحلة

- ‌محاسبة النفس

- ‌الانضباط المالي

- ‌القوة

- ‌القوة في الحق

- ‌استحضار نية الجهاد

- ‌قوة بدنية فائقة

- ‌قوة في الرمي

- ‌قوة لرد الحق لأهله

- ‌الكلوب الخطير

- ‌الجلوس المتعب

- ‌نماذج للأقوياء

- ‌أسامة بن زيد

- ‌مواقف بطولية

- ‌في وقعة الجسر

- ‌فتح مصر

- ‌عبد الله بن الزبير

- ‌أضرار عدم ممارسة الرياضة

- ‌نصائح لقوة الجسم:

- ‌قادر على الكسب

- ‌الحث على العمل

- ‌فهم خاطيء

- ‌انتبه

- ‌اجتهاد الإمام أحمد

- ‌معنى العبادة الشامل

- ‌مكتب محاماة بالقاهرة

- ‌استغل الإجازات

- ‌هكذا كانوا

- ‌شيخ يعمل

- ‌الزهد والتجارة

- ‌كن أميناً في كسبك

- ‌دعابة

- ‌التوازن

- ‌بين الدنيا والآخرة

- ‌سليم العقيدة

- ‌صبر علي عقيدته

- ‌الإيمان الحق

- ‌رجل من أهل خيبر

- ‌إبليس الملعون

- ‌آية ربانية

- ‌عاقبة الخوف من الله

- ‌يؤثرون على أنفسهم

- ‌توقف مع القرآن

- ‌احذر المعصية

- ‌زيادة الإيمان بالتفكر

- ‌التجرد لله

- ‌لا تحزن والله معك

- ‌صلاح الدين

- ‌ذاك هو الله

- ‌التمسك بالعقيدة الصحيحة

- ‌دخل في الإسلام حديثًا

- ‌أسلم بعقيدة سليمة

- ‌اعتراف الغرب

- ‌الله ينتقم لدينه

- ‌صحيح العبادة

- ‌الفهم الشامل

- ‌روح الصلاة

- ‌الخوف من فساد الأعمال

- ‌العلم طريق الوصول

- ‌العبادة الصحيحة

- ‌ومن أنواع العبادات:

- ‌الحلم عبادة

- ‌الصدق عبادة

- ‌الورع عبادة

- ‌تقديم النصيحة عبادة

- ‌طلب العلم عبادة

- ‌رد الجميل عبادة

- ‌الانتفاع بالوقت

- ‌صديق ودود أو عدو لدود

- ‌جريمة سرقة

- ‌البركة في البكور

- ‌نظرة خاطئة

- ‌الوقت في القرآن

- ‌خصائص الوقت

- ‌من علامات المقت إضاعة الوقت

- ‌جريمة انتحار

- ‌انتبه

- ‌البدار البدار:

- ‌الاعتبار بمرور الأيام

- ‌لكل وقت عمله

- ‌فضل الله بعض الأيام على بعض

- ‌احذر هؤلاء

- ‌كم عمرك

- ‌ماذا فعلت لما بعد الموت

- ‌وقفة

- ‌هكذا استغلوا أوقاتهم

- ‌تربية الأبناء

- ‌أنت والمصحف

- ‌إضاعة الوقت

- ‌ليس لدي فراغ

- ‌النظام

- ‌خلية النحل

- ‌النمل

- ‌الله يحب النظام

- ‌هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌في غزوة بدر

- ‌في غزوة أحد

- ‌في اليرموك

- ‌عدم النظام من عوامل الهزيمة

- ‌نظام أبي بكر

- ‌الأسقف الأمريكي الذي أسلم بسبب النظام

- ‌انضباط في المواعيد

- ‌هكذا كانوا

- ‌آفات قاتلة للنظام

- ‌إياك والعقوق

- ‌فن الراحة

- ‌حوار مع لحظة

- ‌كيف تنظم وقتك

- ‌نصائح لتنظيم مكان العمل

- ‌نفع الآخرين

- ‌أحب الناس إلى الله

- ‌الرسول قدوة

- ‌الصديق يحلب للحي:

- ‌هجرة أبي بكر

- ‌لفتات طيبة

- ‌فكرة للأستاذ مصطفى أمين حول الأستاذ الهضيبي

- ‌من المواقف المؤثرة

- ‌كريم رغم الفقر

- ‌مساعدة عاجلة

- ‌الخاتمة ويوم القيامة

- ‌وفاة الرسول:

- ‌وفاة أبي بكر الصديق:

- ‌وفاة عمر بن الخطاب:

- ‌وفاة عثمان بن عفان:

- ‌وفاة علي بن أبي طالب:

- ‌وفاة معاوية بن أبي سفيان:

- ‌وفاة معاذ بن جبل:

- ‌وفاة بلال بن رباح:

- ‌وفاة الأصيرم:

- ‌وفاة سعد بن أبي وقاص:

- ‌وفاة عروة في الزبير:

- ‌وفاة أبي هريرة:

- ‌وفاة عبد الملك بن مروان:

- ‌وفاة عمر بن عبد العزيز:

- ‌وفاة هارون الرشيد:

- ‌وفاة المأمون:

- ‌وفاة ابن المنكدر:

- ‌وفاة عامر في عبد القيس:

- ‌وفاة الجنيد:

- ‌وفاة أحد التابعين:

- ‌أحس باقتراب أجله

- ‌وفاة محمد في واسع:

- ‌خاتمة الصالحين:

- ‌سوء الخاتمة

- ‌وفاة مرتد

- ‌خاتمة عبيد الله بن جحش

- ‌وفاة العصاة

- ‌وفاة الزناة

- ‌وفاة أليمة

- ‌وفاة مدخن

- ‌وفاة المفسدين

- ‌أي موتة هذه

- ‌وجهه أسود

- ‌وفاة تارك الصلاة

- ‌وفاة أثناء سماع الأغاني

- ‌وفاة في سجدة باطلة

- ‌وفاة في المرقص

- ‌سوء خاتمة رجل عاص

- ‌نعوذ بالله من سوء الخاتمة

- ‌عاقبة تأخير الصلاة

- ‌أهوال يوم القيامة

- ‌أرض المحشر

- ‌الحساب

- ‌الميزان

- ‌الصراط

- ‌المراجع

- ‌القرآن وعلومه:

- ‌السنة وعلومها:

- ‌التاريخ السير والتراجم:

- ‌تزكية وأخلاق وعقائد:

- ‌البيت المسلم:

- ‌أدب - لغة:

الفصل: ‌ ‌الثقة الثقة من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون،

‌الثقة

الثقة من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمر العاملون، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].

‌أنواع الثقة:

1 -

الثقة في كلام الله

قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] فألقت أم موسى ابنها في اليم وهو عين الثقة بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه وجريانه إلى حيث ينتهي أو يقف.

إن المسلم يوقن بأن الله لن يتركه ولن يضيعه إذا ما تخلي الجميع عنه، فثقته ويقينه بما عند الله أكبر من يقينه بما في يده، لذلك تراه دائمًا هاديء البال، ساكن النفس، إذا ما ادلهمت عليه الخطوب وازدادت الغيوم، فهو يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه.

وعندما فر سيدنا موسى بمن معه من فرعون فأتبعهم فرعون فأصبح البحر أمامه وفرعون خلفه، فقال له بنو إسرائيل:{إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)} [الشعراء: 61] ولكنه بيقين قال {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62].

وفي الهجرة عندما اقترب المشركون من غار ثور قال أبو بكر: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:"ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما"[رواه البخاري]، ونزل قوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39) إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَة

ص: 256

اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)} [التوبة: 39 - 40].

لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم على يقين بأن الله سينجيه من الكفار، فاستشعر معية الله سبحانه وتعالى.

عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت: {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} [الروم: 1 - 5]، وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث، فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: 1 - 4]. فقال ناس من قريش لأبي بكر: فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين، أفلا نراهنك على ذلك؟ -وذلك قبل تحريم الرهان- فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان، قالوا لأبي بكر: كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين؟ اقسم بيننا وبينك وسطًا ننتهي إليه، قالوا: فسموا بينهم ست سنين، قال: فمضت ست سنين قبل أن يظهروا، فأخذ المشركون رهن أبي بكر، فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس، قال: فعاب المسلمون على أبي بكر تسميته ست سنين لأن الله قال: في بضع سنين ولم يقل في ست سنين، فأسلم عند ذلك ناس كثير [رواه الترمذي].

كان أبو بكر على يقين بما قاله الله تبارك وتعالى، فتواعد مع الكفار على موعد محدد.

الله قال هذا؟!

عن أبي عبد الله مردنيش المغربي أنه أغار يومًا فغنم غنائم كثيرة، واجتمع عليه من الروم كثر من ألف فارس، فقال لأصحابه وكانوا ثلاثمائة فارس: ما ترون؟ فقالوا: نشغلهم بترك الغنائم، قال: ألم يقل الله {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال: 65]، فقال أصحابه: يا رئيس، الله قال هذا؟ فقال: الله يقول هذا وتقعدون عن لقائهم؟! قال: فثبتوا فهزموا الروم.

ص: 257

المسلمون تذكروا الآية الكريمة، فَعَلَتْ همتهم وزاد يقينهم بأن النصر حليفهم، فقاتلوا بكل شجاعة وبسالة.

2 -

الثقة بالثواب

قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121)} [التوبة: 120 - 121].

عن عمرة بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني سرقت جملاً لبني فلان فطهرني! فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا افتقدنا جملاً لنا، فأمر به، قال ثعلبة: لأنا أنظر إليه حين قطعت يده وهو يقول: الحمد لله الذي طهرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النار [رواه ابن ماجه].

إنه على يقين بأن الله غفر له وأجزل له الثواب، فالمسلم الذي يبذل مجهودًا لنشر دين لا بد أن يكون علي يقين بالثواب الجزيل من الله طالما أنه أخلص نيته.

3 -

الثقة في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم

قال الكفار لأبي بكر رضي الله عنه: هل لك في صاحبك، يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟! فقال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: إن قال ذلك فقد صدق، فقالوا: قد صدقته أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟! قال: نعم إني لأصدقه مما هو أبعد من ذلك، أصدقه في خبر السماء غدوه ورواحه.

لم يسبقنا أبو بكر بصلاة ولا صيام، وإنما سبقنا بشيء وقر في صدره .. هذا الشيء اسمه اليقين.

اسقه عسلاً

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه، فقال:"سقه عسلاً"، ثم أتي الثانية فقال:"سقه عسلاً"، ثم أتي الثالثة، فقال:"سقه عسلاً"، ثم أتاه فقال: قد فعلت، فقال:"صدق الله وكذب بطن أخيك .. اسقه عسلاً"، فسقاه، فبرأ [رواه البخاري].

ص: 258

العسل شفاء من كل داء، ونحن علي يقين بما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين، فاحرص على تناوله وأنت على يقين بالشفاء من مرضك إن شاء الله.

شهادة رجل بشهادتين

النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسًا من أعرابي واستتبعه ليقبض ثمن فرسه، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم وأبطأ الأعرابي، وطفق الرجال يتعرضون للأعرابي فيسومونه بالفرس (أي يزيدون في ثمن الفرس بعد استقرار البيع) وهم لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم في السوم على ما ابتاعه به منه، فنادي الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس وإلا بعته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداءه فقال:"أليس قد ابتعته منك"، قال: لا والله ما بعتكه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قد ابتعته منك" فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وما يتراجعان، وطفق الأعرابي يقول: هلم شاهدًا يشهد أني قد بعتكه، قال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بعته، قال: فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: "بم تشهد؟ " قال: بتصديقك يا رسول الله، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين [النسائي].

هل أنت على يقين بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم بأن النصر لمن يتمسكون بالإسلام؟!

وعن أم عمار قالت: اشتكى عمار رضي الله عنه فقال: لا أموت في مرضي هذا، حدثني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لا أموت إلا قتيلاً بين فئتين مؤمنتين.

وجاء معاوية إلى عمار يعوده، فلما خرج من عنده قال: اللهم لا تجعل منيته بأيدينا! فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تقتل عمار الفئة الباغية"[رواه مسلم].

ولما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته، فقال: لا تبكي، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا منهم:" ليموتن منكم رجل بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين"، وليس من أولئك النفر رجل إلا قد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذي أموت بفلاة، فأبصري الطريق وأول ركب يمر بكم فقولي: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعينونا على دفنه، وأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق. فقالوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا علي دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "تمشى وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك" ودفنوه.

ص: 259

وسمع أنس بن مالك رضي الله عنه بعض الممارين في الدين يتكلمون في الحوض، فقال لقد تركت عجائز خلفي ما تصلي واحدة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.

إنهم كانوا على يقين بوجود حوض النبي صلى الله عليه وسلم

ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك أكثر من مرة وكان من دعائه له: "اللهم ارزقه مالاً وولدًا، وبارك له"، وقد استجاب الله سبحانه دعاء نبيه، فكان أنس أكثر الأنصار مالا، وأوفرهم ذرية، حتى إنه رأي من أولاده وحفدته ما يزيد على المائة، وقد بارك الله له في عمره حتى عاش قرنًا كاملاً وفوقه ثلاث سنوات، وكان أنس شديد الرجاء لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم له يوم القيامة، فكثيرًا ما كان يقول: إني لأرجو أن ألقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة فأقول له: يا رسول الله، هذا خويدمك أنس. (1)

لقد كان على يقين في البركة في رزقه وأولاده، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له بذلك. بشره بالجنة: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط (بستان) من حيطان المدينة، وجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له، فإذا أبو بكر، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، ففتحت له فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم استفتح رجل، فقال لي صلى الله عليه وسلم: افتح له وبشره بالجنة، على بلوي تصيبه، فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله ثم قال: الله المستعان [رواه البخاري].

وبالفعل كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه مليئة بالفتن، وقتل شهيدًا في نهاية حياته.

ثقة عمر

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيُقتل، وسيلقي الله شهيدًا، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحد وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم،

(1) صور من حياة الصحابة 14 - 16.

ص: 260

فقال: "اثبت أحد، فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان"[رواه البخاري].

هل أنت على يقين بأن الله سيغفر للشهيد ذنوبه مع أول دفعة من دمه؟ فهل تتمني الشهادة وتعمل لها؟

ما احترق

جاء رجل إلى أبي الدرداء رضي الله عنه فقال: يا أبا الدرداء احترق بيتك.

قال: ما احترق.

ثم جاء آخر فقال: يا أبا الدرداء انبعثت النار حتى انتهت إلي بيتك وطفئت.

قال: قد علمت أن الله عز وجل لم يكن ليفعل.

قال: يا أبا الدرداء! ما ندري أي كلامك أعجب؟ قولك: ما احترق، أو قولك: قد علمت أن الله لم يكن ليفعل ذلك.

قال: ذاك كلمات سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من قالهن حين يصبح لم تصبه مصيبة حتى يمسي: "اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش الكريم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم"[البيهقي].

حافظ أخي على هذا الدعاء، وكن على ثقة ويقين بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم.

إنه سيعود

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعلى عيال، ولي حاجة شديدة، قال: فخليت عنه فأصبحت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ " فقلت: يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال "أما إنه قد كذبك وسيعود"، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فرصدته، فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني

ص: 261

فإني محتاج، وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت: يا رسول الله شكا حاجة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله، قال:"أما إنه كذبك وسيعود"، فرصدته الثالثة. فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات إنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال: دعني فإني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هو؟ قال: إذا أويت إلي فراشك فاقرأ آية الكرسي: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] حتى تختم الآية، فإنها لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما فعل أسيرك البارحة؟ " قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله، قال:"ما هي؟ " فقلت: قال لي: إذا أويت إلي فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان، حتى تصبح. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟ " قلت لا، قال:"ذاك شيطان"[رواه البخاري].

صدقت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم في أنه سيعود؛ ولذلك تربص به أبو هريرة، فاعلم بأن الشيطان سيعود إليك دائمًا ويوسوس لك، لتفعل المعاصي فهل تتربص به، وتنتبه لوساوسه؟

4 -

الثقة في القيادة

رأينا أعداء الإسلام يستخدمون سلاح التشكيك في القيادة في كل وقت، كما حدث بعد أن أمر الرسول بإحراق نخل يهود بني النضير، فقالوا: يا محمد، قد كنت تنهي عن الفساد وقطع الشجر، فما بالك تفعله؟

فحاك ذلك في صدور بعض المسلمين فأنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5](1).

وكان صلح الحديبية 6 هـ على خلاف أكثر الآراء والأهواء والرغبات، ولكن القيادة ذات الرؤية (الأبعد والأثقب) رأت إنفاذه، فكان من الجنود السمع والطاعة والالتزام

(1) ابن كثير (4/ 333).

ص: 262

والانضباط، وإن كانت هناك (تساؤلات) أو (ضيق قلبي) فلا بأس بشرط ألا يكون لهما آثار بعد (القرار).

وهذه الثقة في القيادة هي التي عصمت -بفضل الله- حذيفة بن اليمان في غزوة الأحزاب من خطأ (الاجتهاد الفردي)، حيث أمره الرسول بعبور الخندق واستطلاع أخبار الأحزاب وقال:"لا تحدث شيئًا"، وفي رواية "لا تذعرهم علينا"، أي لا تهيجهم ولا تثرهم، وهناك رأي أبا سفيان -قائد جيش الكفار في هذا الوقت- يكشف ظهره ويستدفيء بالنار، فهم أن يرميه بسهم، ولكنه تذكر أمر الرسول فأعاد السهم موضعه. وما أعظمه من درس! فالمسلمون في ساعة حرب، وأبو سفيان (محارب)، بل قائد المحاربين، ويستحق وقتها القتل، وهو صيد سمين سيؤثر في نفوس جيشه لو قتل .. إلخ، ولكن (المصلحة العليا) والقيادة قررت غير ذلك! (1)

5 -

الثقة في الجنود

أرسل عمر بن الخطاب إلي عمرو بن العاص مددًا فيه أربعة رجال وقال له: أرسلت إليك أربعة رجال الواحد فيهم بألف.

وكان خالد بن الوليد يقول لقادة الروم والفرس: "جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة".

ولما استعصي فتح الحديقة على المسلمين في معركة اليمامة ضد مسليمة الكذاب قال خالد للبراء بن مالك: إليهم يا فتى الأنصار، فكان على يديه بإذن الله. (2)

6 -

الثقة في الأخوة

فزع أهل الأندلس من حملات النصارى عليهم والتهامهم بلدًا بعد الآخر، فذهب الفقهاء والعلماء والأعيان إلي المعتمد بن عباد ليري لهم حلاً فعقد مجلسًا للشوري، فاقترح بعضهم الاستعانة بيوسف بن تاشفين زعيم (المرابطين) في المغرب، فاعترض بعض الحاضرين، ومنهم الرشيد بن المعتمد الذي قال لأبيه: يا أبت أتستبدل عدواً بعدو؟!

(1) عدة المجاهدين 80 - 81.

(2)

عدة المجاهدين 81 - 82.

ص: 263