الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهدمها الرسول إلا في العام الحادي والعشرين من البعثة أي قبل وفاته بعامين، فلقد حرص الرسول أن يهدم الأصنام الموجودة داخل النفس البشرية قبل تحطيم الأصنام التي كانت في جوف الكعبة وعلى سطحها، بل إنه صلى الله عليه وسلم طاف وأصحابه حول الكعبة في عمرة القضاء والأصنام لا تزال موجودة داخل وحول الكعبة (1).
صلاة الجمعة فرضت في العهد المكي ولكن الرسول لم يجمع بالمسلمين في مكة وذلك مخافة بطش المشركين بهم، وفي الوقت نفسه جمع أسعد بن زرارة بالمسلمين في المدينة قبل قدومه.
يقول الإمام القرطبي: قال ابن سيرين: جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة وهم الذين سموها الجمعة .. فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا فذبح لهم أسعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم، فهذه أول جمعة في الإسلام (2).
فهم الأولويات
في صلح الحديبية أرسل المشركون سهيل بن عمرو ممثلاً عنهم ليكتب بينهم وبين المسلمين كتابًا بالصلح، فلما جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابًا، فدعا النبي الكاتب وكان الكاتب عليًا رضي الله عنه فيما رواه مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"اكتب: باسمك اللهم"، ثم قال:"هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله"، فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد ابن عبد الله، فقال رسول الله:"والله إني لرسول الله وإن كذبتموني. اكتب: محمد بن عبد الله"، وفي رواية لمسلم فأمر عليًا أن يمحوها، فقال علي: لا والله لا أمحوها، فقال رسول الله:"أرني مكانها" فمحاها، فقال له النبي:"على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف فيه"، فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام القادم.
وليس مع المسلمين إلا السيوف في قرابها فقال سهيل: وعلى ألا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا، ومن جاء منكم لم نرده عليكم، فقال المسلمون: سبحان الله! كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟ والتفتوا إلى رسول الله يسألونه:
(1) من فقه الأولويات في الإسلام: 99.
(2)
الجامع لأحكام القرآن: (9/ 6577).
أنكتب هذا يا رسول الله؟ قال: "نعم إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجًا وخرجًا" رواه مسلم.
وفي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ألست نبي الله حقًا؟ قال: "بلى"، قلت: ألست على حق وعدونا على باطل؟ قال: "بلى"، قلت: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى"، قلت: ففيم نعطي الدنية في ديننا إذن؟! قال: "إني رسول الله ولست، أعصيه وهو ناصري"، قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف فيه؟ قال: "بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا؟ " قلت: لا. قال: "فإنك آتيه ومطوف به"، فلم يصبر عمر بن الخطاب حتى أتى أبا بكر فسأله مثل ما سأل النبي فقال له: يا ابن الخطاب، إنه رسول الله ولن يعصي ربه ولن يضيعه الله أبدًا .. فما هو إلا أن نزلت سورة الفتح على رسول الله فأرسل إلى عمر فأقرأه إياها، فقال: يا رسول الله أوفتح هو؟ قال: "نعم"، فطابت نفسه [البخاري ومسلم].
لقد كانت بنود الصلح في ظاهرها، وكما ينظر الإنسان بعقله القاصر كأنها في مصلحة المشركين، ولا تحقق مصلحة للمسلمين، ولكنها في حقيقتها وآثارها كانت في مصلحة المسلمين، يقول سيد قطب: كان فتحًا في الدعوة، يقول الزهري: فما فتحٌ في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه، إنما كان القتال حيث التقى الناس، فلما كانت الهدنة، ووضعت الحرب، وأمن الناس بعضهم بعضًا، والتقوا وتفاوضوا في الحديث والمنازعة، ولم يكلم أحد في الاسلام يعقل شيئًا إلا دخل فيه، ولقد دخل في تلك السنين (بين صلح الحديبية وفتح مكة)، مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر. قال ابن هشام: والدليل على قول الزهري أن رسول الله خرج إلى الحديبية في ألف وأربعمائة في قول جابر بن عبد الله، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف، وكان ممن أسلم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.
وكان فتحًا في الأرض، فقد أمن المسلمون شر قريش، فاتجه رسول الله إلى تخليص الجزيرة من بقايا الخطر اليهودي بعد التخلص من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وكان هذا الخطر يتمثل في حصون خيبر القوية التي تهدد طريق الشام، وقد فتحها الله على المسلمين، وغنموا منها غنائم ضخمة جعلها الرسول فيمن حضر الحديبية دون سواهم.
وكان فتحًا في الموقف بين المسلمين في المدينة وقريش في مكة وسائر المشركين حولها،