المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الثبات قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ - موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق - جـ ٢

[ياسر عبد الرحمن]

فهرس الكتاب

- ‌الشجاعة

- ‌أنواع الشجاعة:

- ‌الدفاع عن الدين

- ‌حرق أعصاب الظالم

- ‌هكذا كانوا

- ‌ما حجتك عند الله

- ‌استحضر هيبة الله

- ‌بين منذر بن سعيد وعبد الرحمن الناصر

- ‌الترفع عن الذلة

- ‌شجاعة المعتصم

- ‌لطمة على وجه اليهودي

- ‌الشيخ الإنباني

- ‌شجاعة غلام:

- ‌الاعتدال

- ‌الاعتدال في العبادة

- ‌ومن أمثلة الاعتدال في العبادة:

- ‌النصيحة

- ‌معنى النصيحة

- ‌أهمية النصيحة

- ‌طلب النصيحة

- ‌أين من ينصحك

- ‌وجوب النصيحة

- ‌الفرق بين الغيبة والنصيحة

- ‌نصيحة في السجن

- ‌نصيحة مؤثرة

- ‌آداب الناصح

- ‌آداب المنصوح

- ‌بر الوالدين

- ‌الأدب مع الوالدين

- ‌طاعة لأمي

- ‌أحمد بن حنبل

- ‌موعظة

- ‌البَر

- ‌مفاهيم تتصل ببر الوالدين

- ‌حق الأم في البر أكثر

- ‌من صور البر

- ‌رجل يخاف من عقوق الوالدين

- ‌موقف إسماعيل مع أبيه

- ‌البر مفتاح الفرج

- ‌صور من العقوق

- ‌جريج العابد

- ‌افعل ما شئت كما تدين تدان

- ‌قصة شاب

- ‌الجزاء

- ‌تذكر أمك الحنون

- ‌أفعال تتنافى مع بر الوالدين

- ‌الشورى

- ‌حتى في الأمور الخاصة

- ‌تشكيل الحكومة الإسلامية بالانتخاب

- ‌مجلس عسكري استشاري

- ‌الحباب خبير عسكري

- ‌في سقيفة بني ساعدة

- ‌الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير

- ‌رؤيا رسول صلى الله عليه وسلم

- ‌بيت المقدس

- ‌مفاوضات

- ‌استشارة أم سلمة

- ‌جمعية عمومية

- ‌الشورى البناءة

- ‌عدم الاستقلال بالرأي

- ‌جمع القرآن الكريم

- ‌شوري أبي بكر

- ‌استخلاف الصديق للفاروق

- ‌اختيار الولاة

- ‌شورى خامس الخلفاء الراشدين

- ‌التعاون

- ‌1 - التعاون مع إخوانك

- ‌2 - تعاون بين الزوجين

- ‌3 - تعاون الملائكة في بدر

- ‌4 - قضاء حوائج الناس

- ‌5 - تعاون الأبناء مع الأباء

- ‌6 - التعاون من أجل مصلحة الوطن

- ‌تعاون مرفوض:

- ‌سبب إسلامه:

- ‌صلة الرحم

- ‌طريق الجنة

- ‌من ثمارها

- ‌وصية

- ‌تدفع ميتة السوء

- ‌تيسير الحساب وتدخل صاحبها الجنة

- ‌ترفع الدرجات يوم القيامة

- ‌ليس الواصل بالمكافيء

- ‌احذر قطيعة الرحم

- ‌مثل شائع خاطيء

- ‌العدل

- ‌من أنواع العدل

- ‌عدل عمر مع أهل الذمة

- ‌عدل الرسول

- ‌عدل الصحابة

- ‌العبد الصالح

- ‌ضربة وحجة

- ‌موقف رائع

- ‌عدل يفوق الخيال

- ‌عدل المسلمين

- ‌المساواة من العدل

- ‌عبادة بن الصامت

- ‌عمر والعدل

- ‌رد المظالم

- ‌اشتري مظلمته

- ‌رجل يضرب الأمير

- ‌قميص عمر

- ‌مجلس القضاء

- ‌الرسالة

- ‌دعوة المظلوم مستجابة

- ‌القاضي شريح وابنه

- ‌بين شريح وعلي بن أبي طالب

- ‌الراعي والرعية رحمة وعدل

- ‌عدل وثبات

- ‌الولاء والبراء

- ‌حكم الإسلام

- ‌مظاهر الولاء للكفار

- ‌من قصص الولاء والبراء

- ‌العزة

- ‌عزة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌كن عزيزا

- ‌عزة ربعي بن عامر

- ‌فزع رستم

- ‌خوف قيصر ملك الروم

- ‌ما أعزكم آل الخطاب

- ‌العز بن عبد السلام وعزة العلماء

- ‌إن الذي يمد رجليه لا يمد يده

- ‌طاوس والخليفة

- ‌هذا الشبل من ذاك الأسد

- ‌نحن في ظل الله

- ‌يسرني أن أكون آخرهم

- ‌دعهم لا يرون منا إلا البشاشة

- ‌الشهيد سيد قطب

- ‌أخالف البروتوكول

- ‌الهضيبي وفاروق

- ‌حمية العرب في الجاهلية

- ‌الأخ حافظ

- ‌وقفة قرآنية

- ‌الرنتيسي

- ‌من الطرائف

- ‌الذكاء

- ‌دار الأرقم

- ‌المناظرة بين خليل الله والنمرود

- ‌طريق اليمن في الهجرة

- ‌الإبل المذبوحة

- ‌الحجر الأسود

- ‌حيلة يوسف

- ‌داود وسليمان

- ‌قصة الرجل الحكيم

- ‌الفطنة

- ‌خالد بن الوليد في مؤتة

- ‌في غزوة الأحزاب

- ‌حيلة أبي بصير

- ‌الصنم والكلب

- ‌الفتى الذكي

- ‌صديق الوالي

- ‌بيت أبي تمام

- ‌الشاعر واللص

- ‌الخياط الأعور

- ‌القارب العجيب

- ‌المال الضائع

- ‌العاطس الساهي

- ‌الرجل المجادل

- ‌الشكاك

- ‌الخليفة والقاضي

- ‌براءة

- ‌القاضي والحلوى

- ‌ما تقول في المسكر

- ‌الفراسة

- ‌السارق الحقيقي

- ‌قمة في حسن التخلص

- ‌مروءة وذكاء

- ‌اتصال

- ‌مباحث

- ‌فطنة في الإجابة

- ‌سلامة الصدر

- ‌تحذيرات

- ‌ابن الحنفية وأخيه الحسن

- ‌التغافر خير من العتاب

- ‌الحسد

- ‌عاقبة حاسد

- ‌لا تحسد أخاك

- ‌رجل من أهل الجنة

- ‌المصابون بالحسد

- ‌فرق بين الحسد والغبطة والمنافسة

- ‌نهاية مؤلمة

- ‌علاج مرض الحسد

- ‌موقف عظيم

- ‌مثل شائع خاطيء

- ‌الاعتذار عند الخطأ

- ‌كيف تصلحان غيركما

- ‌الصلح بين عائلتين

- ‌ما أراد إلا الحسد

- ‌لفتة طيبة

- ‌أمثلة رائعة

- ‌سلامة الصدر عند قبول النصيحة

- ‌حتى مع الخصوم

- ‌من شيم الكرام

- ‌خلق رفيع

- ‌حفظ اللسان

- ‌آفات اللسان

- ‌احذروا الغيبة

- ‌قصة مؤثرة

- ‌الأعذار المرخصة في الغيبة

- ‌شر النمام عظيم

- ‌الدعوة إلى الله

- ‌مهمة المسلم

- ‌نصيحة

- ‌الأعداء يخططون

- ‌الفعل قبل القول

- ‌الرسول قدوة في الدعوة

- ‌حب الخير للناس

- ‌بائع أشرطة الفيديو:

- ‌تفسير آية

- ‌أليس لها ثمن

- ‌تعرف على الآخرين

- ‌رجل الدعوة

- ‌وصايا غالية

- ‌فن الدعوة إلى الله

- ‌أمنية

- ‌دعوة صادقة

- ‌طرفة غالية

- ‌كلمتان خفيفتان على اللسان

- ‌أكبر همه

- ‌يدعو وهو مريض

- ‌حال الجامعة

- ‌شبهات وردود

- ‌الفهم

- ‌القرآن يصحح المفاهيم

- ‌فهم خاطيء

- ‌فهم الرسول

- ‌فهم الأولويات

- ‌أولوية الأعمال

- ‌رجل يفهم رسالته

- ‌فهم مشقات الطريق

- ‌دعوتنا لكل الناس

- ‌ابحثوا عن لافتة أخرى

- ‌نعمة كبيرة

- ‌تربية واعية

- ‌تأخير الصلاة بعذر

- ‌الإسلام والأديان المعاصرة

- ‌فهم رائع

- ‌هكذا كان عبد الله بن المبارك

- ‌فهم علم من أعلام السلف

- ‌إمكانيات أعدائك ماذا أعددت لها

- ‌لا أنقد حكومتي خارج وطني

- ‌العمل للإسلام

- ‌الأعداء يعلمون لإنجاح مخططهم

- ‌احرص على العمل

- ‌من الذين هدى الله

- ‌إسلام المغول

- ‌إخلاص وعمل

- ‌الفهم الجيد للإسلام

- ‌العزيمة القوية

- ‌لو خرجنا بواحد لكفى

- ‌الجهاد

- ‌الجهاد في كتاب الله

- ‌جهاد النفس

- ‌الجهاد بالمال

- ‌تحويل شيك للمجاهدين

- ‌الجهاد التعليمي

- ‌الجهاد السياسي

- ‌جهاد الأعداء

- ‌ستار القدرة

- ‌وقفة

- ‌عزاء والد الشهيد

- ‌الرحمة في الجهاد الإسلامي

- ‌من جهاد الأبطال

- ‌المسلمون = جهاد

- ‌حب الشهادة

- ‌نموذج المجاهد

- ‌خطبة ثورية

- ‌حزن عميق

- ‌الخوف من الله دفعه للشهادة

- ‌يا فلسطين

- ‌البطل الليبي

- ‌اللهم احشرني من حواصل الطير

- ‌صور أخرى

- ‌التضحية

- ‌من أنواع التضحية

- ‌أين التضحية

- ‌فهم خاطيء

- ‌أريد أن أطأ بعرجتي في الجنة

- ‌تضحية علباء بن جحش

- ‌وفاة خالد بن الوليد

- ‌في وقعة البويب

- ‌لا تفعل

- ‌أستاذ جديد في فن التضحية

- ‌عز الدين القسام

- ‌الشيخ أحمد ياسين

- ‌يحيى عياش

- ‌الثبات

- ‌صور الثبات

- ‌سنة الدعوات

- ‌ننتصر على الغرب بثباتنا

- ‌الأخوة في الله

- ‌الأخوة طريق الجنة

- ‌أمر إلهي

- ‌حقوق الأخوة الخاصة

- ‌موقف مؤثر

- ‌نقاتل أعداءنا بالحب

- ‌الثقة

- ‌أنواع الثقة:

- ‌لا تتعجل النصر

- ‌سؤال

- ‌الجدية والانضباط

- ‌الجدية في طلب العلم:

- ‌الجدية في تحمل المسئولية

- ‌تنفيذ الأوامر

- ‌طاعة بعد الموت

- ‌العزيمة

- ‌فورية التنفيذ

- ‌إذن ننشيء له مدرسة

- ‌تسخير الإمكانات

- ‌الالتزام بالعبادة

- ‌قطع شجرة الرضوان

- ‌إلغاء الرحلة

- ‌محاسبة النفس

- ‌الانضباط المالي

- ‌القوة

- ‌القوة في الحق

- ‌استحضار نية الجهاد

- ‌قوة بدنية فائقة

- ‌قوة في الرمي

- ‌قوة لرد الحق لأهله

- ‌الكلوب الخطير

- ‌الجلوس المتعب

- ‌نماذج للأقوياء

- ‌أسامة بن زيد

- ‌مواقف بطولية

- ‌في وقعة الجسر

- ‌فتح مصر

- ‌عبد الله بن الزبير

- ‌أضرار عدم ممارسة الرياضة

- ‌نصائح لقوة الجسم:

- ‌قادر على الكسب

- ‌الحث على العمل

- ‌فهم خاطيء

- ‌انتبه

- ‌اجتهاد الإمام أحمد

- ‌معنى العبادة الشامل

- ‌مكتب محاماة بالقاهرة

- ‌استغل الإجازات

- ‌هكذا كانوا

- ‌شيخ يعمل

- ‌الزهد والتجارة

- ‌كن أميناً في كسبك

- ‌دعابة

- ‌التوازن

- ‌بين الدنيا والآخرة

- ‌سليم العقيدة

- ‌صبر علي عقيدته

- ‌الإيمان الحق

- ‌رجل من أهل خيبر

- ‌إبليس الملعون

- ‌آية ربانية

- ‌عاقبة الخوف من الله

- ‌يؤثرون على أنفسهم

- ‌توقف مع القرآن

- ‌احذر المعصية

- ‌زيادة الإيمان بالتفكر

- ‌التجرد لله

- ‌لا تحزن والله معك

- ‌صلاح الدين

- ‌ذاك هو الله

- ‌التمسك بالعقيدة الصحيحة

- ‌دخل في الإسلام حديثًا

- ‌أسلم بعقيدة سليمة

- ‌اعتراف الغرب

- ‌الله ينتقم لدينه

- ‌صحيح العبادة

- ‌الفهم الشامل

- ‌روح الصلاة

- ‌الخوف من فساد الأعمال

- ‌العلم طريق الوصول

- ‌العبادة الصحيحة

- ‌ومن أنواع العبادات:

- ‌الحلم عبادة

- ‌الصدق عبادة

- ‌الورع عبادة

- ‌تقديم النصيحة عبادة

- ‌طلب العلم عبادة

- ‌رد الجميل عبادة

- ‌الانتفاع بالوقت

- ‌صديق ودود أو عدو لدود

- ‌جريمة سرقة

- ‌البركة في البكور

- ‌نظرة خاطئة

- ‌الوقت في القرآن

- ‌خصائص الوقت

- ‌من علامات المقت إضاعة الوقت

- ‌جريمة انتحار

- ‌انتبه

- ‌البدار البدار:

- ‌الاعتبار بمرور الأيام

- ‌لكل وقت عمله

- ‌فضل الله بعض الأيام على بعض

- ‌احذر هؤلاء

- ‌كم عمرك

- ‌ماذا فعلت لما بعد الموت

- ‌وقفة

- ‌هكذا استغلوا أوقاتهم

- ‌تربية الأبناء

- ‌أنت والمصحف

- ‌إضاعة الوقت

- ‌ليس لدي فراغ

- ‌النظام

- ‌خلية النحل

- ‌النمل

- ‌الله يحب النظام

- ‌هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌في غزوة بدر

- ‌في غزوة أحد

- ‌في اليرموك

- ‌عدم النظام من عوامل الهزيمة

- ‌نظام أبي بكر

- ‌الأسقف الأمريكي الذي أسلم بسبب النظام

- ‌انضباط في المواعيد

- ‌هكذا كانوا

- ‌آفات قاتلة للنظام

- ‌إياك والعقوق

- ‌فن الراحة

- ‌حوار مع لحظة

- ‌كيف تنظم وقتك

- ‌نصائح لتنظيم مكان العمل

- ‌نفع الآخرين

- ‌أحب الناس إلى الله

- ‌الرسول قدوة

- ‌الصديق يحلب للحي:

- ‌هجرة أبي بكر

- ‌لفتات طيبة

- ‌فكرة للأستاذ مصطفى أمين حول الأستاذ الهضيبي

- ‌من المواقف المؤثرة

- ‌كريم رغم الفقر

- ‌مساعدة عاجلة

- ‌الخاتمة ويوم القيامة

- ‌وفاة الرسول:

- ‌وفاة أبي بكر الصديق:

- ‌وفاة عمر بن الخطاب:

- ‌وفاة عثمان بن عفان:

- ‌وفاة علي بن أبي طالب:

- ‌وفاة معاوية بن أبي سفيان:

- ‌وفاة معاذ بن جبل:

- ‌وفاة بلال بن رباح:

- ‌وفاة الأصيرم:

- ‌وفاة سعد بن أبي وقاص:

- ‌وفاة عروة في الزبير:

- ‌وفاة أبي هريرة:

- ‌وفاة عبد الملك بن مروان:

- ‌وفاة عمر بن عبد العزيز:

- ‌وفاة هارون الرشيد:

- ‌وفاة المأمون:

- ‌وفاة ابن المنكدر:

- ‌وفاة عامر في عبد القيس:

- ‌وفاة الجنيد:

- ‌وفاة أحد التابعين:

- ‌أحس باقتراب أجله

- ‌وفاة محمد في واسع:

- ‌خاتمة الصالحين:

- ‌سوء الخاتمة

- ‌وفاة مرتد

- ‌خاتمة عبيد الله بن جحش

- ‌وفاة العصاة

- ‌وفاة الزناة

- ‌وفاة أليمة

- ‌وفاة مدخن

- ‌وفاة المفسدين

- ‌أي موتة هذه

- ‌وجهه أسود

- ‌وفاة تارك الصلاة

- ‌وفاة أثناء سماع الأغاني

- ‌وفاة في سجدة باطلة

- ‌وفاة في المرقص

- ‌سوء خاتمة رجل عاص

- ‌نعوذ بالله من سوء الخاتمة

- ‌عاقبة تأخير الصلاة

- ‌أهوال يوم القيامة

- ‌أرض المحشر

- ‌الحساب

- ‌الميزان

- ‌الصراط

- ‌المراجع

- ‌القرآن وعلومه:

- ‌السنة وعلومها:

- ‌التاريخ السير والتراجم:

- ‌تزكية وأخلاق وعقائد:

- ‌البيت المسلم:

- ‌أدب - لغة:

الفصل: ‌ ‌الثبات قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

‌الثبات

قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

يقول سيد قطب: الثبات أحد تكاليف الإيمان، والإيمان ليس كلمة تقال، إنما هي حقيقة ذات تكاليف وأمانة ذات أعباء، وجهاد يحتاج إلى صبر واحتمال، فلا يكفي أن يقول الناس: آمنا، وهم لا يتركون لهذه الدعوى حتى يتعرضوا للفتن، فيثبتوا عليها ويخرجوا منها صفية عناصرهم وخالصة قلوبهم.

‌صور الثبات

1 -

الثبات أمام الشبهات:

الشبهات سلاح قديم يشهره الباطل في وجه الحق لبلبلة الفكر وإثارة الشك واهتزاز الثقة، وقد رأينا قذائف الشبهات على مر التاريخ تطلق في كل اتجاه وتسقط في كل ميدان.

فالتشكيك في العقيدة مثلاً: رأينا أبي بن خلف يأخذ عظامًا نخرة فيفتها ويذروها في الهواء قائلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فيرد عليه بلسان الواثق الموقن: "نعم يميتك ثم يبعثك ثم يدخلك النار" ونزل قول الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)} [يس: 78 - 79] وذلك تأكيدًا على حرص القرآن على رصد الشبهات ودحضها.

وللتشكيك في مصدر القرآن قال المشركون: {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: 103] قاصدين بذلك غلامًا أعجميًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يجلس إليه يكلمه فنزل قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103].

وللتشكيك في الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] فنزل قول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ

ص: 219

الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20].

وللتشكيك في الأحكام قالوا عن الذبائح: ما قتلتم أنتم بأيديكم تحلونه وما قتله الله تحرمونه؟! فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121].

2 -

الثبات في وجه المغريات:

وهي كذلك من أسلحة الباطل المعروفة التي لا تؤثر في رجال باعوا أنفسهم وأموالهم لله، ووقفوا حياتهم لنصرة دينه ومنهجه، وأحبوا الحق وذابوا فيه فصغرت الدنيا في أعينهم بمناصبها وأموالها، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد على قومه وقد أغروه بالمال والجاه لترك دعوته:"والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

خالد بن سعيد

بمجرد أن أسلم خالد بن سعيد رضي الله عنه تعرض للبلاء الشديد، فلما علم أبوه بإسلامه أرسل إليه مولاه رافعًا أخويه أبان وعمرًا، فرأوه يصلي فامتلأت قلوبهم نورًا لهذا المشهد المهيب الذي رأوه، وعاد معهم خالد إلى أبيه فلما علم بإسلامه أمره أن يترك هذا الدين العظيم فأبى خالد بكل عزة. فقال له أبوه: إذن أحرمك من رزقي، فقال له خالد: الله خير الرازقين. فطفق والده يضربه ضربًا شديدًا حتى سالت الدماء الشريفة من هذا الجسد الطيب المبارك ثم أوثقه وزج به في غرفة مظلمة ومنع عنه الطعام والشراب ثلاثة أيام. ثم جاءه في اليوم الرابع نفر من أهله وقالوا: كيف أنت يا خالد؟ فقال: إني أتقلب في نعم الله عز وجل. فقالوا: أما آن لك أن تثوب إلى رشدك، وتطيع أباك؟! فقال: أما رشدي فما فارقني وما فارقته، وأما أبي فلا أطيعه فيما يعصى الله به عز وجل، فقالوا: قل لأبيك كلمة ترضيه في اللات والعزى يفرج عنك، فقال: إن اللات والعزى حجران أصمان أبكمان، وإني لا أقول فيهما إلا ما يرضي الله ورسوله، وليفعل بي ما يشاء.

شد "أبو أُحيحة" وثاق خالد، وأمر أتباعه أن يخرجوا به كل يوم عند الهاجرة إلى بطحاء مكة وأن يلقوه بين الحجارة حتى تصهره الشمس، فكان كلما أخرجوه وألقوه في

ص: 220

الهاجرة يقول: الحمد لله الذي أكرمني بالإيمان، وأعزني بالإسلام، إن ذلك أهون علي من لحظة عذاب في جهنم التي أراد أن يلقيني فيها "أبو أحيحة". ثم حانت لخالد فرصة، فتفلت من سجن أبيه، ومضى إلى نبيه، ثم ما لبث أن لحقه أخواه عمرو وأبان، وانضما معه إلى موكب الخير والنور، عند ذلك أُسقط في يدي "أبي أحيحة".

وقال: واللات والعزى لأعتزلن بمالي بعيدًا عن مكة، فذلك خير لي، ولأهجرن أولئك الصباة الذين يعيبون آلهتي أربابي، ثم انتقل إلى قرية قريبة من الطائف، وظل فيها حتى مات كمدًا على الشرك.

ولما أذن الرسول صلى الله عليه وسلم -لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة نجا إليها خالد بن سعيد بن العاص ومعه زوجته أمينة بنت خلف الخزاعية .. وقد أقام فيها بضع عشرة سنة داعيًا إلى الله، ولم يغادرها إلى المدينة إلا بعد أن فتح الله على المسلمين خيبر فسر الرسول بمقدمه أبلغ السرور، وقسم له من غنائم خيبر كما قسم للمحاربين، ثم ولاه اليمن فظل واليًا عليها إلى أن لحق الرسول الكريم بجوار ربه (1).

3 -

الثبات أمام بطش الظالمين:

أسلوب البطش من حيل المجرمين المفلسين حين لا تجدي الوسائل السالفة فيفقدون صوابهم ويثورون على أهل الحق لتمزيق أجسادهم إن استطاعوا حتى تغيب عن أعينهم رموز الصلابة، ويعتبر أسلوب البطش من أكثر أساليب الباطل شيوعًا وتكرارًا على مر التاريخ.

فهذا بلال بن رباح رضي الله عنه يجرد من ثيابه ويلقى على نار البطحاء ويثبت مستخفًا بالظالمين، متحديًا لهم، مصرًا على مبدئه، معتزًا به مهما لاقى في سبيله.

وهذا خباب بن الأرت صلى الله عليه وسلم كانوا يلقونه على فحم ملتهب ويضعون الصخرة عليه حتى لا يستطيع فكاكًا من حريقه.

وهذا أفلح -مولى لبني عبد الدار- كانوا يربطونه من رجليه ويجرونه على الأرض.

وهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يلفه عمه في حصير ثم يدخن عليه ليختنق بداخله.

(1) صور من حياة الصحابة 455 - 457.

ص: 221

الإمام أحمد بن حنبل

عندما امتحن بالفتنة المشهورة في عهد المأمون والمعتصم والواثق، وهي القول بخلق القرآن الذي تزعمه المعتزلة، ثبت على موقفه الحق وأصر على رأيه الصريح، ولم يغير من جوابه الذي يردده كلما أفاق من إغماءة التعذيب والتنكيل، يقول: هو كلام الله غير مخلوق، ولبث في السجن عامين ونصف العام، ولما يئسوا من إخضاعه لما يريدون، ودالت دولة الباطل، أخرج من السجن واهي القوة مريضًا مثخنًا بالآلام، ولقد كان باستطاعته أن يتجنب هذا كله لو وافقهم على ما قالوا بلسانه فقط كما فعل كثير من العلماء في عصره لينجو بنفسه، ولكن بنظرته الثاقبة وأفقه الواسع وتأييد الله له رأى الناس من حول ينتظرون إجابته، ففضل المصلحة العامة -وهي الثبات على الحق والجهر به كي لا يفق الناس- على مصلحته الخاصة، وإن أدى ذلك إلى موته ..

قال له أحد تلامذته: يا إمام، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29].

فقال: اخرج فانظر أي شيء ترى.

فقال: فخرجت إلى رحبة دار الخلاقة فرأيت خلقًا من الناس لا يحصى عددهم إلا الله، والصحف في أيديهم والأقلام والمحابر في أذرعتهم، فقال الغلام: مكانكم، فدخل إلى الإمام أحمد، فقال: رأيت أقوامًا بأيديهم الصحف والأقلام ينتظرون ما تقول فيكتبون.

فقال: أفأضل هؤلاء كلهم؟ أقتل نفسي ولا أضل هؤلاء.

يقول سيد قطب: آمن أنت أولاً بفكرتك، آمن بها إلى حد الاعتقاد الجاد! عندئذ فقط يؤمن بها الآخرون!! وإلا فستبقى مجرد صياغة لفظية خالية من الروح والحياة! لا حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان، ولم تصبح كائنًا حيًا يدب على وجه الأرض في صورة بشر! كذلك لا وجود لشخص -في هذا المجال- لا تعمر قلبه فكرة يؤمن بها في حرارة وإخلاص (1).

ثبات في محنة

سيق الأخ الشيخ "عبد المقصود حجر" إلى السجن الحربي عام 1965 م فاستقبله العقيد شمس بدران -مع زفة من الضرب بالكرابيج والإهانات- وسأله شمس بدران:

(1) أفراح الروح: 25 - 26.

ص: 222

أنتم عاوزين تلبسوا النسوان طرح؟

قال الشيخ عبد المقصود: نعم وهذا واجب شرعي.

قال شمس بدران: هي النسوان بتوعكم أحسن من كل النسوان؟

قال الشيخ عبد المقصود: نعم.

قال شمس بدران: وما الفرق؟

قال الشيخ عبد المقصود: لأن نسوانا حاجة ثانية!

فثار شمس بدران وأمر العسكري أن ينتف ذقن الشيخ بالكماشة!! وبعد هذا خلعوا ملابس الشيخ وأمروه أن يغطس في باكبورت المياه القذرة!! وكلما حاول الامتناع أشبعوه ضربًا حتى كرر عملية الغطس أكثر من مرة، وبعد ذلك نظر الشيخ إلى شمس بدران -عتل السجن الحربي- وقال له: وآدي غطسة كمان عشان خاطرك يا سعادة البيه.

وبعد ذلك أخرجوه من الباكبورت وألقوه على الأرض وسلطوا عليه الكلاب المتوحشة .. يقول الشيخ عبد المقصود: إن الكلاب لم تقرب منه لشدة قذارته وفظاعة رائحته، وتذكر الشيخ عبد المقصود المثل الذي يقول عند عامة الناس (دا تقرف منه الكلاب)!! (1).

رد بكل قوة

المجاهد عز الدين القسام، قام بتوعية الجيل والأمة بمخاطر هجرة اليهود إلى فلسطين، وقام بتأليف القلوب، ونشر المحبة، وإزالة الخصومات، ونبذ الأحقاد، وتعميق الوازع الديني، وكان على يقين بالنصر أو الشهادة في سبيل الله، وأرسل إليه حاكم حيفا يقول له: يا شيخ، إنك متحرك، وذو نشاط مناويء لنا، فرد عليه الشيخ بكل يقين وقد أخرج المصحف من جيبه:"هذا الكتاب العظيم يأمرنا بالجهاد ولا نخالفه".

واستجابت جموع الشباب لصحبة الشيخ الجليل، وابتدأت المنطقة تشهد أعمالاً بطولية عظيمة، وهوجمت معسكرات البريطانيين، وحاصرت قوات الاحتلال عرين البطل يوم 27 من نوفمبر عام 1935 م، وانتهت المعركة باستشهاده وهو فرح مسرور على يقين

(1) حكايات عن الإخوان: (1/ 13 - 14).

ص: 223

بدخول الجنة، وذهب القسام إلى ربه شهيدًا يزفه عرس الشهداء، فجدد في النفوس معنى اليقين، وقوى من عزائم شعب فلسطين برغم قلة العتاد وضآلة الزاد.

فكتب للدنيا وثيقة صحوة، وأبى إلا أن يوقع بالدم.

فسلام على القسام مع الشهداء في الخالدين.

ونحن على يقين بأن تحرير المسجد الأقصى قريب، ولكن علينا بالعمل الجاد المخلص.

الشيخ أحمد ياسين

يقول الشيخ أحمد ياسين: كنت في بيت، وكان منع التجول مفروضًا من الساعة التاسعة إلى الفجر حيث كان يخرج العمال إلى العمل، فميعاد منع التجول كان يبدأ بالساعة التاسعة -بالضبط- بيتي قبلها كان ممتلئًا بالناس، فشاء الله أن ينطلقوا ويعودوا إلى بيوتهم، فوجدت الساعة خمس دقائق بعد التاسعة، وإذا بقوات الجيش الإسرائيلي تحيط بالبيت، منهم من تسلق الأسوار، ومنهم من بقى في السيارة -يعني ربما كتيبة كاملة جاءت للقبض على الشيخ أحمد ورجال المخابرات دخلوا علي -فدخلت أرتدي ملابسي، وطبعًا أنا كنت أجلس على الكرسي المتحرك وكنت جاهزًا، فقالوا لي: أين ابنك؟ قلت لهم: ها هو، قالوا: دعه يأتي معك حتى يساعدك، ثم أخذوني.

كان ابني عبد الحميد هو الذي يرافقني، كان في ذلك الوقت عمره ستة عشر عامًا، وكان لم يحصل على هويته بعد، فأخذوه وأوصلوني إلى السجن، وأجلسوني ثم بدأوا مباشرة سبًا وشتائم، بصق في الوجه وضرب على الوجه.

يعني بدأوا بالإهانة والتعذيب بشكل لا تتصوره، بصق في الوجه .. يحضرون صينية ويدقون بها فوق رأسي، كنوع من الإزعاج، يمسكون بعروق الرقبة ويجذبونها إلى أعلى بشكل سيئ ولم يكتفوا وأنا كما ترى، والضرب على صدري حتى صار صدري أزرق من شدة الضرب والتعذيب، ولم يكتفوا بذلك وإنما قاموا بإحضار الولد الذي أحضروه لخدمتي، وبطحوه أمامي في الغرفة، وركبوا عليه أربعة أخذوا يخنقونه ويضربونه، والولد يصرخ تحتهم، أعطوا له أمامي علقة ساخنة من الضرب والتعذيب، ثم أصبحوا يقولون لي: حرام عليك، ارحم ابنك، اعترف، خلاص القضية انتهت، حركة حماس انتهت، وأنت ليس هناك فائدة من إنكارك، اعترف وقل ما عندك حتى ترحم ابنك من الضرب والتعذيب، قلت لهم: أنا ليس عندي شئ لأقوله، فغابوا

ص: 224

ساعتين ثم أحضروا الولد مرة أخرى وبدأوا بتعذيبه أمامي، فبطحوه أرضًا، وركبوا فوقه وخنقوه، ومن شدة التعذيب على الولد الضعيف الصغير فوجئت به يثور ويقفز فجأة ويطرح الرجال الأربعة على الأرض -وهذا من شدة التعذيب يعني حرارة الروح- كان الولد يموت تحتهم، كان يختنق، بعدها أخذوه مرة أخرى من عندي (1).

ثبات ووفاء

ظل الأخ محمد الصوابي الديب متخفيًا عن أعين الظالمين بعد أن أزهقت أرواح المجاهدين منهم تحت التعذيب حتى شهر ديسمبر عام 1954 م حين ذهب الساعة الثالثة ظهرًا، وطرق باب منزل العلامة الشيخ حسنين مخلوف -مفتي الديار المصرية- الذي يقع في شارع نجيب بكوبري القبة بالقاهرة.

وحين فتح الخادم الباب عاد إلى الشيخ؛ ليخبره عن الطارق فيقول: إنه شاب طليق اللحية، رث الثياب، ويريد مقابلتك.

يقول الشيخ مخلوف: تعجبت من ذلك وظننت أنه عابر سبيل .. دخل الشاب المنزل، ولم أقابله في البداية، بل أعد له الخادم طعام الغداء فأكله بشهية كأنه لم يأكل منذ مدة طويلة .. بعد الغداء ظننت أنه سينصرف، إلا أنه أصر على مقابلتي وألح في ذلك، فذهبت إليه وما إن رأيته حتى ظننت أنه سيطلب صدقة، فقد كان رث الثياب تبدو عليه شدة التعب، بدأ حديثه بأن عرفني على نفسه: محمد الصوابي الديب طالب بكلية الشريعة بجامعة الأزهر .. ولقد اهتز بدني وأصبت برعشة عندما قال لي: "إنه كان من متطوعي الإخوان المسلمين في حرب فلسطين والقناة" فقد كان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت -عام 1954 م- في أوج محنتهم، وكانت كلمة الإخوان المسلمين تترادف معها كلمات الاعتقال، السجن، التعذيب، المحاكمات .. إلخ.

نظر الشاب إليَّ في هدوء -والحديث للشيخ مخلوف- وقال بصوت منخفض ولكنه قوي: أنا في محنة وأحتاج إليك، فأنا مطلوب القبض عليّ، وقد مكثت أكثر من شهر هاربًا متخفيًا في المقابر نهارًا، ثم أخرج في الليل لأقتات الطعام، لقد كرهت الحياة بين الموتى وأريد أن أعيش بين الأحياء فهل تقبلني؟

(1) شهيد أيقظ أمة: 44 - 46.

ص: 225

يقول الشيخ مخلوف: سيطر الذهول على نفسي تمامًا، ولم أفق إلا عندما قال الشاب: ما رأيك؟ استأذنت منه وذهبت إلى ابني الدكتور علي وابنتي زينب، والذهول ما زال مسيطرًا على نفسي .. لاحظ ولداي ذلك على الفور فسألاني: ما لك يا أبي؟ حصل إيه؟ أخبرتهما بالقصة، وفجأة وجدت نفسي أردد قائلاً: إنه صادق، إنه صادق، إنه صادق.

قلت لولديَّ: إنني متأكد أن هذا الشاب ليس من الشرطة أو من المباحث جاء ليختبرنا، بل إنني موقن أنه يقول الصدق فهو صادق .. وأضفت: إنني لا أستطيع أن أرد مستجيرًا في هذه المحنة، وأنا موقن أنه مظلوم، وقد قررت قبوله، ولكن الذي يقلقني هو ما ستفعله بكم أجهزة المباحث والدولة كلها إذا اكتشفوا وجوده بيننا، حيث هناك قانون أو فرمان جمهوري صدر في ذلك الوقت، يعاقب كل من يتستر على أي من الإخوان المطلوب القبض عليهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، قال ابني علي -بعد فترة صمت-: افعل ما تراه من الناحية الإسلامية والله يتولانا جميعًا، ويضيف الشيخ مخلوف فيقول: خرجت مع ابني علي إلى الشهيد الصوابي، وعرفته بابني علي، وأخبرته بأننا قررنا قبوله عندنا، وأنه يشرفني. ذلك ارتسمت أمارات الراحة والطمأنينة على وجه الشهيد.

وسيطرت الدهشة على وجه الشهيد عندما قال له ابني الدكتور علي: لابد من أن تولد من الآن بشخصية جديدة وتدفن شخصيتك الحالية، ويضيف الدكتور علي مخلوف الذي يعمل رئيس قسم أمراض النساء والولادة بطب عين شمس: كان في اعتقادي أنه لا يمكن إخفاء الشهيد محمد الصوابي الديب، وبخاصة في منطقتنا التي كانت تشتهر بكثرة ضباط البوليس الذين يسكنونها فكان الحل أنه لابد أن يولد الشهيد الديب بشخصية جديدة تمامًا وأن أحسن طريقة لإخفاء أي شخصية هي أن تظهرها بشخصية جديدة، وتكون جميع تصرفاته طبيعية، أما الهروب والإخفاء عن أعين الشرطة والناس، فإنها طريقة فاشلة ينكشف أمرها دائمًا، عاجلاً أو آجلاً.

اتفقنا على أن يعمل الشهيد سكرتيرًا لوالدي الذي كان فعلاً في حاجة إلى سكرتير؛ فقد كان مفتيًا للديار المصرية في ذلك الوقت، وكانت ترد إليه استفسارات دينية كثيرة، بالإضافة إلى أنه يكثر من تأليف الكتب، واحترنا في الاسم الذي نطلقه عليه، وأخيرًا قال والدي للشهيد: أنت صادق في جميع تصرفاتك وأفعالك، فاسمك منذ الآن صادق

ص: 226

أفندي. وضحكنا جميعًا.

وفي اليوم التالي كان الشهيد محمد الصوابي الديب شخصًا آخر تمامًا، نظيف المظهر، حليق الذقن، وهو أبيض اللون، واسع العينين، متوسط الطول، نحيف الجسم.

ويقول الشيخ مخلوف: إن الخطة التي تم وضعها لإخفاء الشهيد نجحت تمامًا، فقد أعلنا على كل أفراد الأسرة أنه جاء لي سكرتير جديد اسمه صادق أفندي، ولم يعرف بالسر سوى أربعة أشخاص: أنا وابني الدكتور علي وابنتي الدكتورة زينت، وزوجة ابني الدكتورة سعاد الهضيبي، التي لم تتردد في الترحيب بالشهيد رغم أن والدها المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي وجميع إخوتها في السجن.

ويضيف الشيخ مخلوف: إن الشهيد محمد الصوابي الديب، أو صادق أفندي، كان فعلاً سكرتيرًا ممتازًا، وعاونني كثيرًا في عملي، وبخاصة في الكتب التي أخرجتها في ذلك الوقت، وكان الشهيد يصحبني دائمًا في كل مكان أذهب إليه، وقد اعتبرته فعلاً سكرتيري الخاص.

عاش صادق أفندي لمدة ثمانية أشهر مع أفراد أسرة الشيخ حسنين مخلوف كأنه واحد منهم، يأكل معهم ويعيش معهم، حيث كان الشيخ يطلب منه دائمًا الإجابة عن الاستفسارات الدينية الكثيرة التي ترد إليه باعتباره مفتيًا للديار المصرية، وكان الشهيد يسكن في حجرة منفصلة بحديقة المنزل بها صالون ومكتبة كبيرة وغرفة نوم وحمام خاص، تم تخصيصها لصادق أفندي.

يقول الشيخ حسنين مخلوف: وفي أحد أيام صيف 1955م، جاءني صادق أفندي وقال لي إنه يريد السفر إلى السعودية ليعمل هناك، وحاولت أن أثنيه عن ذلك، ولكنه أصر وأخبرني أن هناك شخصًا قد أعد له الرحلة بالباخرة عن طريق السويس إلى جدة.

إن قلبي لم يطمئن واستعنت بابني الدكتور علي لإقناعه بعدم السفر، ولكن دون جدوى، وقال: إنه يريد أن يكون نفيه هناك، ويستريح من القلق الذي يعانيه كهارب، رغم إجادته لشخصية صادق أفندي، وغادرنا الشهيد البطل بعد أن وعدنا بأن يرسل لنا برقية فور وصوله إلى السعودية لكي نطمئن، وأرسلت إلى المرحوم محمد سرور الصبان مستشار الملك سعود ليهيئ له عملاً عند وصوله إلى هناك، ولقد مضى على سفر الشهيد حوالي الشهر، ولم تصل أي برقية تفيد بوصوله هناك.

ص: 227

يقول الدكتور علي حسنين مخلوف: كانت الأسرة كلها قلقة، وربما أنني أكثرهم هدوءًا، فقد حاولت دائمًا أن أطمئنهم، ولكن دون جدوى، وضاع هدوء أعصابي في أحد الأيام عندما أخبرتني زوجتي الدكتورة سعاد الهضيبي أنها سمعت من إذاعة لندن أنه تم القبض على اثنين من الإخوان المسلمين في باخرة السويس، وهما في طريقهما إلى جدة، ولم تذكر الإذاعة أسماء، ولكننا شعرنا أن الشهيد محمد الصوابي الديب كان أحدهما.

ويروي الأخ وهبي الفيشاوي الذي عمل مديرًا لمطبعة مصر أن الشهيد محمد الصوابي الديب سجن معنا بعد القبض عليه في السجن رقم 4 بالسجن الحربي، وكان زبانية السجن الحربي يعذبون الشهيد تعذيبًا وحشيًا، حيث وضعوه في زنزانة تسمى "زنزانة الركن" وهي مخصصة للتعذيب الشديد، وكانوا لا يتركونه ينام أبدًا، وكان الشهيد أشدنا تعذيبًا، لا يرحمه مجرمو السجن حتى في أوقات الراحة.

وتقول الدكتورة سعاد الهضيبي: ذهبت يومًا إلى السجن الحربي لكي أسلم والدي بعض الحاجات، وعقب خروجي من مكتب مدير السجن الحربي حمزة البسيوني، شاهدت الشهيد محمد الصوابي الديب وهم يقومون بتصويره لعمل بطاقة اتهام، وكتمت صرخة كادت تنطلق منى، وأسرعت إلى المنزل وأخبرت زوجي بما شاهدته، فصاح قائلا: رحنا في داهية، وأعد زوجي د. علي حقيبته التي سيأخذها معه إلى السجن، فقد كنا نتوقع في كل لحظة أن تأتي الشرطة العسكرية والمباحث العامة للقبض علينا.

ويقول الدكتور علي: كنت خائفًا على والدي الشيخ حسنين مخلوف، فهو قد تجاوز الستين من عمره، ولا يستطيع أن يتحمل أهوال السجن الحربي، ولذلك كنت أنا وزوجتي لا نفارقه ليلاً أو نهارًا، متوقعين في أي لحظة مداهمة الشرطة لمنزلنا.

يقول الشيخ مخلوف: لم ممن أتوقع أبدًا أن يتحمل الشهيد محمد الصوابي الديب هذا التعذيب الذي لا يصدقه عقل من أجلي، لم أكن أتوقع أن يضحي بحياته من أجلي، حقًّا هذه هي تربية الإسلام الحق.

وتقول الدكتورة سعاد الهضيبي: تعجبنا جميعًا عندما مرت الأيام ولم تداهم الشرطة منزلنا كما كنا نتوقع، وفي أحد الأيام ذهبت لزيارة أبي بالسجن الحربي، وسألته عن محمد الصوابي الديب -الذي كان يعرفه لأنه من الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن بلدته "شبين

ص: 228

القناطر" مجاورة لبلدة أبي وهي عرب الصوالحة بالقليوبية- فهز والدي رأسه بطريقة تدل على الأسى، وأخبرني أنه من الشهداء، وأضاف أبي قائلاً: لقد تعجبنا له لأن الذين كانوا يقومون بتعذيبه لا يسألونه إلا سؤالأ واحدًا فقط وهو: أنت كنت فين؟ فلا يجيب إلا بآيات من القرآن الكريم، حتى كسروا عموده الفقري وبرزت عظامه وضلوعه، وكان ممرض السجن "التمرجي" يخرج من مكان تعذيبه في يده (صفيحة) مليئة بالدم.

ويقول الأخ وهبي الفيشاوي: إن بعض الإخوة المسجونين الذين كانوا يقومون بتوزيع الطعام علينا كانوا يخبروننا بأحوال السجن والمعذبين فيه، وفي أحد الأيام أخبرني أحدهم أن جراح الأخ محمد الصوابي الديب فادحة جدًا ومتقيحة، وأن حالته ساءت لدرجة أن الحشرات تسري بين جروحه، وأنه قد امتنع عن الطعام بعد أن منع عنه الماء، ولم تمض سوى أيام قليلة على هذا الحديث حتى أطفئت أنوار السجن الحربي كلها في إحدى الليالي، وشاهدت من ثقب زنزانتي حراس السجن الحربي يحملون شخصًا ملفوفًا داخل بطانية ويضعونه داخل سيارة جيب مغلقة. وعرفت أنه الشهيد محمد الصوابي الديب، وقلت في نفسي: استرحت وفزت بالجنة إن شاء الله.

ويختم الشيخ مخلوف حديثه عن الشهيد البطل قائلاً: إذا كانت تربية الشهيد من تربية الإخوان المسلمين، فأنا أضم صوتي بقوة إلى علماء الأزهر في المطالبة بعودة الإخوان المسلمين فتربيتهم هي خير تربية (1).

4 -

الثبات مع كر الزمان:

فقد يفرط المرء في مبدئه وتسترخي قبضته على الحق الذي معه لا لشيء إلا لتوالي الأيام والليالي، وقد حذرنا ربنا تبارك وتعالى فقال:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16].

ويعتبر كر الزمان من أخطر الأسباب الصارفة عن الطريق حيث لا يوجد عدو ماثل أمامك يريد استلاب دينك وعقيدتك فيفجر فيك طاقة التصدي والتحدي، ومن ثم اعتبر القرآن من يتصفون بهذه الصورة من صور الثبات صفوة المؤمنين فقال تعالى: {مِنَ

(1) من أعلام الحركة الإسلامية: 559 - 565.

ص: 229

الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].

ويقول البنا عن ركن الثبات: وأريد بالثبات أن يظل الأخ عاملاً مجاهدًا في سبيل غايته مهما بعدت المدة وتطاولت السنون والأعوام حتى يلقى الله على ذلك، وقد فاز بإحدى الحسنيين: إما الغاية أو الشهادة في النهاية، والوقت عندنا جزء من العلاج والطريق طويلة المدى متعددة المراحل كثيرة العقبات ولكنها وحدها التي تؤدي إلى المقصود مع عظيم الأجر والمثوبة.

5 -

الثبات أمام الضغوط والتقلبات الحياتية:

فهناك الهواتف الشاغلة من قبل النفس والأهل والمال والولد.

وقد يؤدي الاسترسال معها والاستغراق فيها إلى التخفف من أعباء الدعوة أولاً، ثم الانصراف عنها كلية بعد ذلك، ونسأل الله العافية والثبات، وفي هذا الهلاك المبين قال تعالى:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] لقد نزلت هذه الآية فيمن حدثتهم أنفسهم بالقعود في أموالهم لإصلاحها بعد ضياع، وذلك بعد أن مكن الله لدينه .. وهذا الأمر هو السبب في اعتبار الأزواج والأولاد أعداء -وهم أقرب الناس منا وأحبهم إلينا- وذلك في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ} [التغابن: 14].

هل تثبت على دعوتك وعقيدتك مهما كانت التقلبات والظروف الحياتية؟

6 -

الثبات عند تأخر النصر:

فقد يتسلل اليأس إلى بعض النفوس حين يتأخر النصر فينصرفون عن الطريق أو يتشككون فيه، وغاب عن هؤلاء أننا نحاسب على العمل ولن نحاسب على النتائج، قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55].

ثبات على المبدأ

قدم أبو بصير بن أسيد الثقفي مسلمًا مهاجرًا فاستأجر الأخنس بن شريق رجلاً

ص: 230

كافراً من بني عامر بن لؤي ومولى معه وكتب معهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله الوفاء -أي أن يرد إليهم من جاءه مسلمًا- فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا للنبي: العهد الذي جعلت لنا فيه، فدفعه رسول الله إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا به ذا الحليفة فنزلوا يأكلون من تمر لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين: والله إني لأرى سيفك يا فلان هذا جيدًا، فاستله الآخر فقال: أجل والله إنه لجيد، لقد جربت به ثم جربت، فقال أبو بصير: أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه حتى برد وفر الآخر حتى أتى المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله: "لقد رأى هذا ذعراً" فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قتل والله صاحبي وإني لمقتول، فجاء أبو بصير فقال: يا نبي الله قد -والله- أوفى الله ذمتك، قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم [رواه أحمد].

7 -

الثبات عند الزحف:

حين تتقابل الصفوف والرايات في ساحة من الساحات يكون الثبات أول ما يطلب من جند الحق امتثالاً لأمر الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} [الأنفال: 45].

ومن هنا نرى ثبات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه في مؤتة فلم تسمح نفسه الأبية بتنكيس الراية حتى بعد قطع كلتا يديه، فما كان منه إلا أن احتضنها بعضديه فكان جزاؤه من مثل عمله حين أبدله الكريم عوضًا عنهما جناحين في الجنة، قال تعالى:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16].

الجهاد

قاد يوسف طلعت معركة "دير البلح" التي استشهد فيها اثنا عشر من مجاهدي الإخوان المسلمين، وحين عقدت الهدنة لتسليم الجثث وحضرها قائد إنجليزي تفقد الجثث، فوقف مذهولاً لأنه لاحظ أن جميع الإخوان مصابون في صدورهم، ودار نقاش علم منه الإنجليزي أن من صفات المؤمنين أن يقبلوا في المعارك ولا يولوا الأدبار، فقال القائد الإنجليزي:"لو أن عندي ثلاثة آلاف من هؤلاء لفتحت بهم الدنيا"(1).

(1) من أعلام الحركة الإسلامية 551.

ص: 231

8 -

الثبات عند توافر أسباب النصر:

فقد تتوافر أسباب النصر المادية الظاهرة بزيادة العدد أو قوة العتاد، وهنا قد يركن هؤلاء إلى هذه الأسباب بل قد يداخلهم الشعور بالخيلاء والغرور ويترجم هذا الشعور عبارة (لن نغلب اليوم من قلة) كما حدث في غزوة حنين فأتي الناس من هذا الباب وكان درسًا قاسيًا أفاقهم من غشاوتهم وردهم إلى جميل التوكل على الله، وعندئذ انقلبت الموازين وتحقق النصر المبين، وقد عبر القرآن الكريم عن هذا الموقف في قوله تعالى:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة: 25].

وفي سورة الأنفال مع عظمة مناسبة يوم الفرقان ولكن الله افتتح السورة بالمعاتبة على هذه الزلة وإقالة هذه العثرة وذلك قبل سرد روائع الغزوة فقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

يقول سيد قطب: إن الظن يذهب لأول وهلة أن تثبيت الأقدام يسبق النصر، ويكون سببًا فيه، وهذا صحيح، ولكن تأخير ذكره في العبارة يوحي بأن المقصود معنى آخر من معاني التثبيت، معنى التثبيت على النصر وتكاليفه، فالنصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان، وبين الحق والضلال. فللنصر تكاليفه في ذات النفس وفي واقع الحياة، للنصر تكاليفه في عدم الزهو به والبطر، وفي عدم التراخي بعده والتهاون، وكثير من النفوس يثبت على المحنة والبلاء، ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعماء، فصلاح القلوب وثباتها على الحق بعد النصر منزلة أخرى وراء النصر (1).

9 -

الثبات أمام أساليب مواجهة الدعوة:

من هذه الأساليب:

أ- السخرية: قال تعالى: {وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} [الفرقان: 41].

(1) في ظلال القرآن: (6/ 3289).

ص: 232

إن المشركين يواجهون الرسول صلى الله عليه وسلم ويخاطبونه باستهزاء وتهكم، فيخبره الله بما كان مع الرسل من قبله، قال تعالى:{وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام: 10].

ويقال في سبب نزول الآية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوليد بن المغيرة وأمية بن خلف وأبي جهل بن هشام، فهمزوه واستهزأوا به، فغاظه ذلك، فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم، ولما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفًا لقريش قال أبو جهل متهكمًا ساخرًا: يا معشر قريش، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ قالوا: لا، قال: عجوة يثرب بالزبد! والله لئن استمكنا منها لنتزقمنها تزقمًا (أي نبتلعها) فأنزل الله قوله: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 43 - 46]. وهذا أسلوب مستمر بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن.

وعلى المسلم ألا يهتم بنقيق الضفادع، وعواء الكلاب، وخوار البقر، ورغاء الجمال، وُيعار التيوس.

ب- الاتهام بالكذب: قال تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} [الأنبياء: 5] وما زلنا نسمع تهمًا تكال للدعاة إلى الله.

ج- الاتهام بالجنون: قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6] ويجتمع الطغاة جميعًا على مر العصور على وصف الدعاة بالجنون.

د- الاتهام بالسفاهة والضلالة: قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13] هذا هو منطق الفراعنة في كل زمان ومكان، منطق الطواغيت مع الرسل وأتباع الرسل.

هل الذي ينادي بتحكيم شرع الله يتهم بالسفاهة؟

هل الذي يدافع عن أرضه في فلسطين يتهم بالضلال؟

هـ- الاتهام بالسحر: قال تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص: 4].

و- التهديد بالضرب والرجم: قال تعالى: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ

ص: 233

الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116] وهذا أبو جهل يحذر النبي صلى الله عليه وسلم من السجود عند الكعبة وقال له: ألم أنهك عن هذا؟

ز- التهديد بالسجن: إن أولياء الشيطان من ذوي الجاه والسلطان تدفعهم قوتهم لتهديد أولياء الرحمن وتخويفهم بالسجن، مثل تهديد فرعون لموسى:{قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ} [الشعراء: 29] ولقد أجمعت قبائل قريش على محاصرة المؤمنين في شعب أبي طالب ومعهم بنو هاشم، ثلاث سنوات، لا يتواصلون معهم، ولا يبيعونهم ولا يشترون منهم حتى أدرك المؤمنين عناء شديد، كما سجن يوسف عليه السلام ظلمًا.

ح- التهديد بالنفي: فهؤلاء قوم قوم شعيب قالوا له: {لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} [الأعراف: 88] ويقف لوط ينهى قومه عن الفاحشة: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56].

ط- التهديد بالقتل: قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26]، لقد اجتمعت قريش لقتل الرسول ليلة الهجرة.

ى- التهديد في الرزق: قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا} [القصص: 57] وهذا الأسلوب يظهر في عصرنا واضحًا.

ك- الإغراء بالمال والجاه والسلطان.

حاول ملك الروم إغراء عبد الله بن حذافة بالملك، فقال له وهو أسير عنده: تنصَّر أشركك في ملكي، فأبى رضي الله عنه.

ولقد حاول اليهود إغراء السلطان عبد الحميد بمبالغ طائلة للدولة العثمانية وتسديد الديون مقابل التخلي عن فلسطين فرفض.

ل- إلحاق الأذى الجسماني، مثل:

التعذيب بالنار: وكان خباب بن الأرت يلقى في النار ليرتد عن دينه.

التعذيب بالخنق: فقد خنق الرسول خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر حيث أخذ بمنكبه

ص: 234