الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غال هو الحياة، على سلعة غالية تستحقه وتربو عليه، وهي رضوان الله، على حين يقاتل غيرهم لغير غاية، فهو أضعف نفوسًا وأخزى أفئدة، فذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
ثم يندد بالذين جبنوا عن أداء الواجب، وأخذوا التكاليف السهلة وتركوا تكاليف البطولة، ويبين لهم خطأ موقفهم هذا، وأن الإقدام لن يضرهم شيئًا بل سيكسبون به الجزاء الأكبر، والإحجام لا يغنيهم شيئًا، فالموت من ورائهم لا محالة، فيقول بعد الآيات السابقة مباشرة:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا (77) أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 77 - 78].
بربك أي منشور عسكري في هذه القوة، وفي هذا الوضع يبعث في نفس الجندي كل ما يريد القائد من همة وعزة وإيمان؟ وإذا كان قوام الحياة العسكرية في عرفهم أمرين، هما النظام والطاعة، فقد جمعهما الله في آيتين في كتابه، فقال تبارك وتعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4]، كما قال تعالى:{فَأَوْلَى لَهُمْ (20) طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} [محمد: 20 - 21](1).
ومن أنواع العبادات:
العدل عبادة
مشى عمر بن الخطاب صلى الله عليه وسلم مرة في سكك المدينة، فإذا بصبية تطيش هزالاً، تقوم مرة وتقع أخرى، فقال عمر: أي حوبتها! يا بؤسها! من يعرف هذه منكم؟
فقال ابنه عبد الله: أما تعرفها يا أمير المؤمنين؟ قال: لا. قال: هذه إحدى بناتك!
قال عمر: وأي بناتي هذه؟
قال: هذه فلانة بنت عبد الله بن عمر (أي ابنته).
(1) الرسائل: 279 - 280.
فقال عمر: ويحك وما صيَّرها إلى ما أرى؟ قال له ابنه: منعك ما عندك.
فقال عمر: إنك والله ما لك عندي غير سهمك في المسلمين وسعك أو أعجزك! هذا كتاب الله بيني وبينكم (1).
غض البصر عبادة
قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30] مِنْ للتبعيض؛ لأن من النظر ما يباح.
وكره الشعبي أن يديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا!! وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذات محرم نظر شهوة يرددها (2).
وخرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة، ومعهم أصحاب لهم حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلاً.
فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجاتهم، وبقي عطاء قائمًا في المنزل يصلي، فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة، فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجة، فأوجز في صلاته، ثم قال: ألك حاجة؟
قالت: نعم.
قال: ما هي؟
قالت: قم فأصب مني.
فقال: إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار.
ونظر إليها فوجدها امرأة جميلة، فجعلت تراوده عن نفسه، وتأبى إلا ما تريد.
وظل عطاء يبكي ويقول: ويحك! إليك عني، واشتد بكاؤه، فلما نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه، فجعل يبكي والمرأة بين يديه تبكي.
فبينما هو كذلك جاء سليمان من حاجته، فلما نظر إلى عطاء يبكي، والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت، بكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما، وجعل أصحابهما يأتون رجلاً
(1) من روائع حضارتنا: 51 - 52.
(2)
تفسير القرطبي: (7/ 292).