الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدرسا للغة العربية والتربية الدينية) لأنه يجمع الأولاد في المسجد، وهو ما لم يتعود الناس عليه، فقال له الناظر: أنا سعيد جدا بهذا المدرس وسأقدم له كتاب شكر على ذلك، فأين لنا المدرس الذي يدرس الدين عمليا في المسجد؟ وحبذا لو كان في كل مدرسة في القطاع مدرس مثله!
ولقد جاء طبيب للناظر وقال: يا عمي قبلنا أن يصلي الولد، وقبلنا أن يذهب للمسجد، أما أن يصوم اثنين وخميس من كل أسبوع فهذا أمر صعب ولا نقبل به. وكانت إجابة الناظر نفس الإجابة الأولى في الموقف السابق (1).
وصايا غالية
يقول البنا: آمنوا بالله واعتزوا بمعرفته والاعتماد عليه، والاستناد إليه، فلا تخافوا غيره ولا ترهبوا سواه، وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه، وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكمالات، وكونوا أقوياء بأخلاقكم، أعزاء بما وهب الله لكم من عزة المؤمنين وكرامة الأتقياء الصالحين.
وأقبلوا على القرآن تتدارسونه، وعلى السيرة المطهرة تتذاكرونها، وكونوا عمليين لا جدليين، فإذا هدى الله قوما ألهمهم العمل، وما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل، وتحابوا فيما بينكم، واحرصوا كل الحرص على رابطتكم فهي سر قوتكم وعماد نجاحكم، واثبتوا حتى يفتح الله بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين.
واسمعوا وأطيعوا لقيادتكم في العسر واليسر والمنشط والمكره فهي رمز فكرتكم وحلقة الاتصال فيما بينكم، وترقبوا بعد ذلك نصر الله وتأييده، والفرصة آتية لا ريب فيها {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5)} [الروم: 4 - 5] (2).
فن الدعوة إلى الله
1 -
البعد عن مواضع الخلافات:
يتحدث المسلم إلى الناس في الأمور المتفق عليها حتى لا يتعرض للدخول في جدال
(1) شهيد أيقظ أمة 19.
(2)
الرسائل: 110، 111.
لا طائل تحته، واحذر فضول الكلام، حدث محمد بن سوقة جماعة من زواره قال: ألا أسمعكم حديثا لعله ينفعكم كما نفعني؟ قالوا: بلى، قال: نصحني عطاء بن أبي رباح ذات يوم قال: يا ابن أخي: إن الذين من قبلنا كانوا يكرهون فضول الكلام، فقلت: وما فضول الكلام عندهم؟ فقال: كانوا يعدون كل كلام فضولا ما عدا كتاب الله عز وجل أن يقرأ ويفهم، وحديث رسول الله أن يروى، أو أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، أو علما يتقرب به إلى الله، أو أن تتكلم بحاجتك ومعيشتك التي لابد لك منها، ثم حدق إلى وجهي وقال: أتنكرون {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)} [الانفطار: 10 - 11] وأن مع كل منكم ملكين {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: 17 - 18] ثم قال: أما يستحي أحدنا لو نشرت عليه صحيفته التي أملاها صدر نهاره، فوجد أكثر ما فيها ليس من أمر دينه، ولا أمر دنياه؟! (1)
2 -
البدء بالأهم:
بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى أهل اليمن، فقال له: إنك تقدم على قوم أهل
كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم وتوقَّ كرائم أموالهم" (لا تأخذ أفضلها عندما تجمع زكاة أموالهم). [مسلم].
3 -
الرفق:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يترع منه إلا شانه"[مسلم].
وروى عن عروة بن الزبير أنه رأى رجلا يصلي صلاة خفيفة، فلما فرغ من صلاته دعاه إليه وقال له: يا ابن أخي، أما كانت لك عند ربك جل وعز حاجة؟ والله إني لأسأل ربي في صلاتي كل شيء حتى الملح (2).
(1) صور من حياة التابعين 14: 16.
(2)
صور من حياة التابعين 43.
4 -
مخاطبة الناس على قدر عقولهم:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذَّب الله ورسوله.
علمني الحلاق:
نفع الله عز وجل بعلم عطاء بن أبي رباح طوائف كثيرة من الناس، منهم أهل العلم المتخصصون، ومنهم أرباب الصناعات المحترفون، ومنهم غير ذلك، حدث الإمام أبو حنيفة النعمان عن نفسه قال: أخطأت في خمسة أبواب من المناسك بمكة فعلمنيها حلاق؛ وذلك أني أردت أن أحلق لأخرج من الإحرام، فأتيت حلاقا، وقلت: بكم تحلق لي رأسي، فقال: هداك الله، النسك لا يشارط فيه، اجلس وأعط ما تيسر لك، فخجلت وجلست، غير أني جلست منحرفا عن القبلة، فأومأ إلي بأن أستقبل القبلة، ففعلت، وازددت خجلا على خجلي، ثم أعطيته رأسي من الجانب الأيسر ليحلقه، فقال: أدر شقك الأيمن، فأدرته، وجعل يحلق رأسي وأنا ساكت أنظر إليه وأعجب منه، فقال لي: ما لي أراك ساكتا؟ كبر، فجعلت أكبر حتى قمت لأذهب، فقال: أين تريد؟
فقلت: أريد أن أمضي إلى رحلي، فقال: صل ركعتين، ثم امض حيث تشاء، فصليت ركعتين، وقلت في نفسي: ما ينبغي أن يقع مثل هذا من حجام إلا إذا كان ذا علم.
فقلت له: من أين لك ما أمرتني به من المناسك؟
فقال: لله أنت، لقد رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله، فأخذته عنه، ووجه إليه الناس (1).
5 -
عدم اليأس:
قال تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]، روى أحمد عن رجل من بني مالك بن كنانة، قال: رأيت رسول الله بسوق المجاز يتخللها ولقول: "أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا"، قال: وأبو جهل يحثي عليه التراب، ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم، فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزى، وما يلتفت إلى رسول الله.
(1) صور من حياة التابعين 16، 17.
حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على هداية عمه:
روى البخاري عن سعيد بن المسيب، عن أبيه أنه أخبره: لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله، فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طالب:"يا عم، قل: لا إله إلا الله، كلمة أشهد لك عند الله"، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله يعرضها عليه، ويعودان بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله:"أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك"، فأنزل الله فيه:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة: 113]. [البخاري].
دعوة على فراش الموت:
روى البخاري عن عمر بن ميمون قال: جاء شاب إلى عمر بعدما طعن، وعرف الناس أنه ميت، فقال له رجل: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله، وقدم في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت ثم شهادة، فقال عمر: وددت أن ذلك كفاف، لا عليَّ ولا لي، فلما أدبر فإذا إزاره يمس الأرض، فقال: ردوا على الغلام، فقال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك. (البخاري).
6 -
التدرج:
الدعوة تحتاج إلى تدرج، حتى يتمكن الآخرون من الاستجابة لها، فلا تكون الدعوة مباشرة وجامدة حتى لا تكون ثقيلة على القلوب فينفر منها، وقد تدرجت الشريعة الإسلامية في الدعوة إلى تحريم الخمر .. وقد نزل القرآن مفرقا، ولم ينزل جملة واحدة قال تعالى:{وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} [الإسراء: 106].
7 -
القدوة الحسنة:
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
وقال الشاعر
يا أيها الرجل المعلم غيره
…
هلَاّ لنفسك كان ذا التعليم
8 -
ابدأ بأهلك:
حدث ميمون بن مهران وزير عمر بن عبد العزيز وقاضيه ومستشاره قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز، فوجدته يكتب رسالة إلى ابنه عبد الملك يعظه فيها وينصحه، ويبصره ويحذره، وينذره ويبشره، وكان مما جاء فيها قوله: أما بعد، فإن أحق من وعى عني وفهم قولي لأنت، وإن الله قد أحسن إلينا في صغير الأمور وكبيرها، فاذكر يا بني فضل الله عليك وعلى والديك، وإياك والكبر والعظمة، فإنها من عمل الشيطان، وهو للمؤمنين عدو مبين، واعلم أني لم أبعث إليك بكتابي هذا لأمر بلغني عنك، فما عرفت من أمرك إلا خيرا، غير أني بلغني عنك شيء من إعجابك بنفسك، ولو أن هذا الإعجاب خرج بك إلى ما أكره، لرأيت مني ما تكره.
قال ميمون: ثم التفت إليَّ عمر وقال: يا ميمون، إن ابني عبد الملك قد زين في عيني، وإني أتهم نفسي في ذلك، وأخاف أن يكون حي له قد غلب علي علمي به وأدركني ما يدرك الآباء من العمى عن عيوب أولادهم، فسر إليه، وانظر هل ترى ما يشبه الكبر والفخر، فإنه غلام حدث، ولا آمن عليه الشيطان.
قال ميمون: فشددت الرحال إلى عبد الملك حتى قدمت عليه فاستأذنت فدخلت، فإذا غلام في مقتبل العمر .. فرحب بي، ثم قال: لقد سمعت أبي يذكرك بما أنت أهل له من الخير، إني لأرجو أن ينفع الله بك.
فقلت له: كيف تجد نفسك؟
فقال: بخير من الله عز وجل ونعمة غير أني أخشى أن يكون قد غرني حسن ظن والدي بي، وأنا لم أبلغ من الفضائل كل ما يظن، وإني لأخاف أن يكون حبه لي قد غلبه على معرفته بي، فأكون آفة عليه. فعجبت من اتفاقهما، ثم قلت له: أعلمني من أين معيشتك؟
فقال: من غلة أرض اشتريتها ممن ورثها عن أبيه، ودفعت ثمنها من مال لا شبهة