الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولله در علقمة العطاردي في وصيته لابنه حين الوفاة قال: يا بني! إذا عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤنة عانك، واصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى سيئة سدها، صاحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إن قلت صدق قولك، وإن حاولتما أمرًا أمرك، وإن تنازعتما آثرك.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أتى علينا زمان وما يرى أحد منا أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، وإنا في زمان الدينار والدرهم أحب إلينا من أخينا المسلم.
وقال يزيد بن عبد الملك: إني لأستحي من الله عز وجل أن أسأل الجنة لأخ من إخواني وأبخل عليه بدينار أو درهم.
وقال أحد الصالحين: وددت أن جميع إخواني أتوني فشاركوني في معيشتي حتى يكون عيشنا عيشًا واحدًا، ولوددت أن جميع إخواني أتوني في حوائجهم، وإني لأستحي من الله عز وجل أن ألقى الأخ من إخواني فأدعو له بالجنة وأبخل عليه بالدنيا، والدنيا أصغر وأحقر من أن يقال لي يوم القيامة: كنت كذابًا، لو كانت الدنيا بيدك كنت بها أبخل.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لعشرون درهمًا أعطيها أخي في الله أحب إليّ من أن أتصدق بمائة درهم على المساكين.
وجاء فتح الموصلي إلى صديق له يقال له: عيسى التمار فلم يجده في المنزل، فقال للخادمة: أخرجي إليّ كيس أخي، فأخرجته له فأخذ درهمين، وجاء عيسى إلى بيته فأخبرته الخادمة بمجيء فتح وأخذه الدرهمين، فقال: إن كنت صادقة فأنت حرة، فنظر فإذا هي صادقة فعتقت.
وعن الأعمش: أن خيثمة بن عبد الرحمن ورث مائتي ألف فأنفقها على إخوانه.
موقف مؤثر
بيعت عيادة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في المزاد العلني؛ لأنه رفض دفع ضرائب للاحتلال، وهذا من شجاعته لرفضه مبدأ الاحتلال، وقدر الله سبحانه أن يشتري محتويات العيادة رجل فاضل وهو ابن الداعية والمحسن الكبير الحاج "صادق الزيني"، فلما علم أنها له اتصل به ورد محتويات العيادة إليه، وأقسم أيمانًا مغلظة ألا يأخذ البلغ الذي دفعه للمزاد،
وفعلاً لم يأخذ شيئًا رغم الإلحاح الشديد من الدكتور (1).
هل تؤثر إخوانك على نفسك؟
2 -
الإعانة بالنفس في قضاء الحاجات
وقضى ابن شبرمة حاجة لبعض إخوانه فجاء بهدية فقال: ما هذا؟
قال: لما أسديته لي.
فقال: خذ مالك عافاك الله، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده في الموتى.
وكان في السلف من يتفقد عيال أخيه وأولاده بعد موته أربعين سنة يقوم بحاجتهم، ويتردد كل يوم إليهم ويمونهم من ماله، فكانوا ما يفقدون من أبيهم إلا عينه، بل كانوا يرون منه ما لم يروا من أبيهم في حياته، وكان الواحد منهم يتردد إلى باب دار أخيه ويسأل ويقول: هل لكم زيت؟ هل لكم ملح؟ هل لكم حاجة؟ وكان يقوم بها حيث لا يعرفه أخوه، وبهذا تظهر الشفقة والأخوة، فإذا لم تثمر الشفقة حتى يشفق على أخيه كما يشفق على نفسه فلا خير فيها (2).
عن بسطام التيمي قال: رأيت طلحة بن مصرف يخرج من زقاق ضيق في التيم، فقلت: من أين يجيء طلحة؟
قالوا: يأتي أم عمارة بن عمير يبرها بالنفقة والكسوة والصلة، قال: وذلك بعد موت عمارة ببضع عشرة سنة.
وبالجملة فينبغي أن تكون حاجة أخيك مثل حاجتك، أو أهم من حاجتك، وأن تكون متفقدًا لأوقات الحاجة غير غافل عن أحواله كما لا تغفل عن أحوال نفسك، وتغنيه عن السؤال وإظهار الحاجة إلى الاستعانة، بل تقوم بحاجته كأنك لا تدري أنك قمت بها، ولا ترى لنفسك حقًا بسبب قيامك بها.
وعن الحسن بن كثير قال: شكوت إلى محمد بن علي الحاجة وجفاء إخواني.
(1) مذكرات الشهيد الرنتيسي 33 بتصرف.
(2)
من يظلهم الله (1/ 365).
فقال: بئس الأخ أخ يرعاك غنيًا ويقطعك فقيرًا، ثم أمر غلامه فخرج كيسًا فيه سبعمائة درهم فقال: استنفق هذه فإذا نفدت فأعلمني.
وكان رحمه الله يدخل عليه إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب، ويكسوهم الثياب الحسنة، ويهب لهم الدراهم، فتقول له مولاته سلمى: ما تصنع؟ فيقول لها: يا سلمى ما يؤمل في الدنيا بعد المعارف والإخوان؟
ولقى حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما -بعدما قتل الزبير- فقال: كم ترك أخي عليه من الدين؟
قال: ألفي ألف.
قال: عليّ منها ألف ألف.
قال الحسن: كنا نعد البخيل الذي يقرض أخاه!!
وقال: ليس من المروءة أن يربح الرجل على صديقه.
وجاء رجل من السلف الصالح إلى بيت صديق له، فخرج إليه فقال: ما جاء بك؟
قال: علي أربعمائة درهم، فدخل الدار فوزنها، ثم خرج فأعطاه، ثم عاد إلى الدار باكيًا، فقالت زوجته: هلا تعللت عليه، إذا كان إعطاؤه يشق عليك؟
فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله، فاحتاج أن يقول ذلك.
وقال علي: لئن أجمع نفرًا من أصحابي على صاع أو صاعين من طعام أحب إلي من أن أخرج إلى سوقكم فأعتق نسمة (1).
ولله در أبي سليمان الداراني حين يقول، لو أن الدنيا كلها لي في لقمة، ثم جاءني أخ لأحببت أن أضعها في فيه.
ودخل مالك بن دينار ومحمد بن واسع منزل الحسن وكان غائبًا، فأخرج محمد بن واسع سلة فيها طعام من تحت سرير الحسن فجعل يأكل، فقال له مالك: كُفْ يدك حتى يجيء صاحب البيت، فلم يلتفت محمد إلى قوله وأقبل على الأكل، وكان مالك أبسط منه وأحسن خلقًا، فدخل الحسن وقال: هكذا كنا لا يحتشم بعضنا بعضًا حتى ظهرت أنت
(1) من يظلهم الله (1/ 360) بتصرف.
وأصحابك، وأشار بهذا إلى أن الانبساط في بيوت الإخوان من الصفاء في الأخوة، كيف وقد قال تعالى:{أَوْ صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] وقال: {أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ} إذ كان الأخ يدفع مفاتيح بيته إلى أخيه ويفوض له التصرف كما يريد.
وكان أبو جعفر محمد بن علي يدعو نفرًا من إخوانه كل جمعة فيطعمهم الطعام الطيب، ويطيبهم، ويبخرهم، ويروحون إلى المسجد من منزله.
ولله در الإمام أحمد بن حنبل حين يقول: لو أن الدنيا جمعت في مقدار لقمة، ثم أخذها المرء المسلم فوضعها في فم أخيه المسلم لما كان مسرفًا.
وقال عبد الله بن عثمان شيخ البخاري: ما سألني أحد حاجة إلا قمت له بنفسي، فإن تمت وإلا قمت له بمالي، فإن تمت وإلا استعنا له بالإخوان، فإن تمت وإلا استعنا له بالسلطان.
ودخل علي بن زين العابدين بن الحسين على محمد بن أسامة بن زيد يعوده، فبكى ابن أسامة، فقال له: ما يبكيك؟
قال: عليّ دين.
قال: وكم هو؟
قال: خمسة عشر ألف دينار.
فقال: هي عليّ.
وقال الهيثم بن جميل: جاء فضيل بن مرزوق إلى الحسن بن حسين فأخبره أنه ليس عنده شيء، فقام الحسن فأخرج ستة دراهم، وأخبره أنه ليس عنده غيرها.
فقال: سبحان الله ليس عندك غيرها وأنا آخذها، فأخذ ثلاثة وترك ثلاثة.
قال ابن رجب في لطائف المعارف: كان كثير من السلف يشترط على أصحابه في السفر أن يخدمهم، اغتنامًا لأجر ذلك: منهم: عامر بن عبد قيس، وعمرو بن عتبة بن فرقد، مع اجتهادهما في العبادة في أنفسهما، وكذلك كان إبراهيم بن أدهم يشترط على أصحابه في السفر الخدمة والأذان.
وكان رجل من الصالحين يصحب إخوانه في سفر الجهاد وغيره، فيشترط عليهم أن يخدمهم، فكان إذا رأى رجلاً يريد أن يغسل ثوبه، قال له: هذا من شرطي، فيغسله.
وروى أن جيشًا من المسلمين كان بينه وبين عدوه نهر، فأمرهم القائد أن يخوضوه فلبوا الأمر وخاضوا النهر، والعدو يشهدهم من بعيد، وفي وسط النهر سقط إناء أحدهم فصاح: قعبي قعبي، فقال الذي عن يمينه: قعبي قعبي، وقال الذي عن شماله: قعبي قعبي، حتى أخذ الجيش كله يردد: قعبي قعبي، فخاضوا جميعًا في جوف النهر ليبحثوا عن إناء أخيهم، فعرف العدو ذلك، فألقى الله الرعب في قلوبهم وقالوا: إذا كانوا يفعلون ذلك من أجل إناء سقط من أحدهم، فماذا يفعلون لو قتلنا منهم نفسًا.
3 -
في اللسان
قال ابن المبارك: المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العثرات.
وقال عيسى عليه السلام للحواريين: كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائمًا وقد كشف الريح ثوبه عنه؟
قالوا: نستره ونغطيه.
قال: بل تكشفون عورته!
قالوا: سبحان الله من يفعل هذا؟
فقال: أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاث يصفين لك ود أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته أولاً، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.
الدعاء للأخ في حياته وبعد مماته
كان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول: إني لأدعو لسبعين من إخواني في سجودي أسميهم بأسمائهم.
ويقول أحمد بن حنبل: ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالى.
فقال له ابنه عبيد الله: أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء؟
فقال الإمام أحمد: يا بني، كان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف؟
وعن أبي عبد الله بن الخطيب قال: كان لأبي حمدون (أحد القراء المشهورين) صحيفة مكتوب فيها ثلاثمائة من أصدقائه، قال: وكان يدعو لهم كل ليلة، فتركه ليلة فنام، فقيل له في نومه: يا أبا حمدون! لِمَ لم تسرج مصابيحك الليلة؟ قال: فقعد وأسرج وأخذ الصحيفة، فدعا لواحد واحد حتى فرغ.
وقال القاضي محمد بن محمد بن إدريس الشافعي: قال لي أحمد بن حنبل: أبوك أحد الستة الذين أدعو لهم سحرًا.
وكان محمد بن يوسف الأصفهاني يقول: وأين مثل الأخ الصالح أهلك يقتسمون ميراثك، ويتنعمون مما خلفت، وهو منفرد بحزنك، مهتم بما قدمت وما صرت إليه، يدعو لك في ظلمة الليل وأنت تحت أطباق الثرى.
4 -
الوفاء والإخلاص
ومعنى الوفاء الثبات على الحب وإدامته إلى الموت، وبعد الموت مع أولاده وأصدقائه، فإن الحب إنما يراد للآخرة.
يقال: ما تآخى اثنان في الله فتفرق بينهما إلا بذنب يرتكبه أحدهما.
وكان بشر يقول: إذا قصر العبد في طاعة الله سلبه الله من يؤنسه.
واعلم أنه ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في أمر يتعلق بالدين، بل الوفاء له المخالفة.
فقد كان الشافعي آخى محمد بن عبد الحكم وكان يقربه ويقبل عليه، ويقول: ما يقيمني بمصر غيره، فاعتل محمد فعاده الشافعي رحمه الله تعالى فقال:
مرض الحبيب فعدته
…
فمرضت من جزعي عليه
وأتى الحبيب يعودني
…
فبرئت من نظري إليه
وظن الناس من فرط محبته أنه يفوض أمر حلقته إليه بعد وفاته، فقيل للشافعي في
علته التي مات فيها: إلى من نجلس بعدك يا أبا عبد الله؟ فاستشرف له محمد بن عبد الحكم، وهو عند رأسه ليوميء إليه، فقال الشافعي: سبحان الله أيشك في هذا، أبو يعقوب البويطي؟ فانكسر لها محمد، ومال أصحابه إلى البويطي مع أن محمدًا كان قد حمل عنه مذهبه كله، لكن البويطي كان أفضل وأقرب إلى الزهد والورع، فنصح الشافعي لله وللمسلمين وترك المداهنة.
يفول ابن عباس: أكرم الناس عليَّ جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ، لو استطعت ألا يقع الذباب عليه لفعلت، وفي رواية:"إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني"(1).
5 -
التخفيف وترك التكلف
قال علي: شر الأصدقاء من تكلف لك، ومن أحوجك إلى مداراة، وألجأك إلى اعتذار.
وقال الفضيل: إنما تقاطع الناس بالتكلف، يزور أحدهما أخاه فيتكلف له فيقطعه ذلك عنه.
وقالوا: من سقطت كلفته دامت ألفته، ومن خفت مؤنته دامت مودته.
وقال جعفر الصادق: أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه، وأخفهم عليَّ قلبي من أكون معه كما أكون وحدي.
وقال آخر: لا تصحب إلا من يتوب عندك إذا أذنبت، ويعتذر إليك إذا أسأت، ويحمل مؤنة نفسك ويكفيك مؤنة نفسه، وهذا منتهى الكمال وهو نادر وقليل.
وقال رجل للجنيد: قد عز الإخوان في هذا الزمان، أين أخ لي في الله؟
فأعرض الجنيد حتى أعاده ثلاثًا فلما أكثر قال له الجنيد: إن أردت أخًا يكفيك مؤنتك ويتحمل أذاك فهذا لعمري قليل، وإن أردت أخًا في الله تحمل أنت مؤنته وتصبر على أذاه، فعندي جماعة أعرفهم لك فسكت الرجل.
وقال بعضهم: إذا عمل الرجل في بيت أخيه أربع خصال فقد تم أنسه به: أكله عنده، ودخول الخلاء، والصلاة، والنوم.
(1) أخلاق الدعاة: 128.
هل تحرص على عدم التكلف مع إخوانك؟
6 -
أخبره بحبك
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فمر رجل به، فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أعلمته؟ " قال: لا، قال صلى الله عليه وسلم:" أعلمه" فلحقه، فقال: إني أحبك في الله، فقال: أحبك الذي أحببتني له [رواه أبو داود].
وعن أبي إدريس الخولاني قال: دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا (يلمع بياضًا في مقدمة أسنانه) إذ الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن قوله، فسألت عنه فقيل: هذا معاذ بن جبل، فلما كان من الغد هجَّرت (بكرت) فسبقني بالتهجير، ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت: والله إني لأحبك فقال: ألله؟ فقلت: الله: فقال: ألله؟، فقلت: الله، فقال: ألله؟، فقلت: الله، فأخذ بحبوة ردائي فجذبني إليه (ملتقى طرفيه من الصدر) فقال: أبشر، فإنني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال تبارك وتعالى: "وجبت محبتي للمتحابين فيَّ، والمتجالسين فيَّ، والمتزاورين فيَّ، والمتباذلين فيَّ"[موطأ مالك].
7 -
إذا لقى الأخ أخاه فليبادر إلى مصافحته
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا"[أبو داود].
إذا لقى الأخ أخاه فليطلق وجهه عند اللقاء: عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"[رواه مسلم].
8 -
إذا فارق الأخ أخاه فليطلب منه الدعاء في ظهر الغيب
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة فقال: "أي أخي أشركنا في دعائك ولا تنسنا"[رواه الترمذي].
9 -
أن يكثر من زيارة أخيه
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -قال: "إن رجلاً زار أخًا له في الله، فأرصد الله على مدرتجه (طريقه) ملكًا، فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل
لك من نعمة تربُّها، قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" [رواه مسلم].
وقال محارب بن دثار سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لقد أحببت في الله عز وجل ألف أخ كلهم أعرف اسمه، واسم أبيه، واسم قبيلته، وأعرف مكان داره.
وقال أبو سليمان الداراني: قد يعملون بطاعة الله عز وجل، ويعاونون على أمره، ولا يكونون إخوانًا حتى يتزاوروا ويتباذلوا.
وكان الإمام أحمد بن حنبل إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد، أو قيام بحق، أو اتباع للأمر، سأل عنه، وأحب أن يجري بينه وبينه معرفة، وأحب أن يعرف أحواله.
وروى الخطيب البغدادي أنه قال: بلغني أن بعض أصحاب محمد بن غالب أبي جعفر المقرئ جاء في يوم وحل وطين، فقال له: كيف أشكر هاتين الرجلين اللتين تعبتا إليَّ في مثل هذا اليوم لتكسباني الثواب؟ ثم قام بنفسه فاستقى له الماء، وغسل رجليه!.
10 -
أن يبدي له اهتمامًا في قضاء حوائجه
عن أبي هريرة رضي الله عنه -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"[رواه مسلم].
وكان مالك بن دينار يقول: لا يتفق اثنان في عِشرة إلا وفي أحدهما صفة من الآخر، فإن أجناس الناس كأجناس الطير .. ولا يتفق نوعان من الطير إلا لمناسبة، وفي ذات يوم رأى غرابًا مع حمامة فعجب من ذلك وقال: اتفقا وليسا من شكل واحد ثم طارا فإذا هما أعرجان، فقال: من هنا اتفقا.
عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان يخدمني.
11 -
حفظ السر
أفشى بعضهم سرًا له إلى أخيه ثم قال له: حفظت؟ فقال: بل نسيت.
وقال أبو سعيد الثوري: إذا أردتَ أن تؤاخي رجلاً فأغضبه، ثم دس عليه من يسأله عنك، وعن أسرارك، فإن قال خيرًا وكتم سرك فاصحب.
12 -
عدم الهجر
قال إبراهيم النخعي: لا تقطع أخاك ولا تهجره عند الذنب بذنبه، فإنه يرتكبه اليوم ويتركه غدًا.
وحكى عن أخوين من السلف انقلب أحدهما عن الاستقامة، فقيل لأخيه: ألا تقطعه وتهجره؟ فقال: أحوج ما كان عليَّ في هذا الوقت لما وقع في عثرته أن آخذ بيده، وأتلطف له في المعاتبة، وأدعو له بالعود إلى ما كان عليه.
والقريب ينبغي ألا يهجر من أجل معصيته، حتى يقام له بواجب النصيحة، وذلك لأجل قرابته، قال الله تعالى لنبيه في عشيرته:{فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216]، ولم يقل: إني بريء منكم، مراعاة لحق القرابة ولحمة النسب، لهذا أشار أبو الدرداء لما قيل: ألا تبغض أخاك وقد فعل كذا؟
فقال: إنما أبغض عمله وإلا فهو أخي، وأخوة الدين أوكد من أخوة القرابة.
وسأل الفاروق عمر رضي الله عنه عن رجل كان قد آخاه ثم خرج إلى الشام، فقالوا له: ذاك أخو الشيطان، إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر، فكتب إليه عمر: "من عمر بن الخطاب إلى فلان، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو إليه المصير، ثم قال لأصحابه: ادعوا لأخيكم أن يقبل بقلبه ويتوب الله عليه، فلما بلغ الرجل كتاب عمر رضي الله عنه جعل يقرؤه ويردده، ويقول: غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي، فلم يزل يرددها على نفسه حتى بكى، ثم نزع (أي تاب) فأحسن النزع، فلما بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخًا لكم زل زلة فسددوه ووثقوه (أي افتحوا له باب الأمل والثقة) وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه.
13 -
حسن الظن
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولا تظن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيرًا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
وقال أبو بكر الكتاني: يحبني رجل وكان على قلبي ثقيلاً، فوهبت له شيئًا بنية أن يزول ثقله من قلبي فلم يزل، فلخوت به يومًا وقلت له: ضع رجلك على خدي فأبى، فقلت له: لابد من ذلك، ففعل ذلك فزال ما كنت أجد في باطني.
وعن أبي قلابة قال: إذا بلغك عن أخيك شيء تكرهه فالتمس له العذر جهدك، فإن لم تجد له عُذرًا فقل في نفسك: لعل لأخي عذرًا لا أعلمه.
وقال الربيع بن سليمان: دخلت على الشافعي وهو مريض، فقلت له: قوى الله ضعفك، فقال: لو قوى ضعفي قتلني، فقلت: والثه ما أردت إلا الخير، قال: أعلم أنك لو شتمتني لم تُرد إلا الخير.
وقال أبو معاوية السود: إخواني كلهم خير مني.
قيل: وكيف ذلك؟
قال: كلهم يرى لي الفضل عليه، ومن فضلني على نفسه فهو خير مني، ومهما رأى الفضل لنفسه فقد احتقر أخاه، وهذا في عموم المسلمين مذموم.
هل تحسن الظن بأخيك؟
13 -
النصيحة
روى أحد التابعين: سمعني شريح القاضي وأنا أشتكي بعض ما غمني لصديق، فأخذني من يدي وانتحى بي جانبًا، وقال: يا ابن أخي، إياك والشكوى لغير الله عز وجل، فإن من تشكو إليه لا يخلو أن يكون صديقًا فتحزنه، وإما عدوًا فيشمت بك، ثم قال: انظر إلى عيني هذه -أشار إلى إحدى عينيه-، فوالله ما أبصرت بها شخصًا ولا طريقًا منذ خمس عشرة سنة، ولكني ما أخبرت أحدًا إلا أنت في هذه الساعة، أما سمعت قول العبد الصالح:{إنًّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، فاجعل الله عز وجل مشكاك ومحزنك عند كل نائبة تنوبك، فإنه أكرم مسئول وأقرب مدعو.
وقد رأى ذات يوم رجلاً يسأل آخر شيئًا فقال له: يابن أخي من سأل إنسانًا حاجة فقد عرض نفسه على الرق، فإن قضاها له المسئول فقد استعبده بها، وإن
رده عنها رجع كلاهما ذليلاً (1).
احرص على تقديم النصيحة لإخوانك سرًا وبرفق.
نصح واثلة
كان واثلة بن الأسقع واقفًا في سوق، فباع رجل ناقة له بثلاثمائة درهم، فغفل واثلة، وقد ذهب الرجل بالناقة فسعى وراءه وجعل يصيح به: يا هذا اشتريتها للحم أو للظهر؟ فقال: بل للظهر، فقال واثلة: إن بخفها نقبًا -يعني جرحًا- قد رأيته، وإنها لا تتابع السير، فعاد الرجل فردها، فنقصها البائع مائة درهم، وقال لواثلة: أفسدت عليَّ بيعي رحمك الله، فقال واثلة: إنا بايعنا رسول الله على النصح لكل مسلم (2).
وقالت أم الدرداء رضي الله عنها: من وعظ أخاه سرًا فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه.
وقال سفيان: قلت لمسعر بن كدام: تحب أن يخبرك رجل بعيوبك؟
قال: أما أن يجيء إنسان فيوبخني بها فلا، وإما أن يجيء ناصحًا فنعم.
ويقول أحد السلف: أخوك من عرفك العيوب، وصديقك من حذرك من الذنوب.
15 -
قبول الدعوة
زار الإمام الشهيد البنا إحدى قرى الصعيد، وأقام الإخوان احتفالاً كبيرًا في هذا اليوم، وبعد انتهاء الحفل ألح أحد الفلاحين على الإمام الشهيد أن يزوره في بيته، وكان عدد الإخوان كثيرًا، وكان هناك مواعيد ولقاءات، فقبل الإمام الشهيد أمام الإصرار الشديد على الزيارة، بشرط أن يكون وحده، وألا تتجاوز الزيارة فنجان شاي، وتوجها إلى البيت، وكانت الفرحة، وطلب الرجل من زوجته إعداد فنجان شاي بسرعة، وسُر الرجل، وجعل الإمام الشهيد يشرب الشاي، وكلما أخذ رشفة تبسم وآنس الرجل، ثم
(1) صور من حياة التابعين 119 - 120.
(2)
الإمام أبو حنيفة: 278.
عاد إلى إخوانه المنتظرين وودعه الرجل بكل حفاوة، ثم رجع إلى بيته مسرعًا، وتناول فنجان الشاي، ليحظى بسؤره وما تبقى منه، فلم يجد سوى الأثر، ولكنه وجد عجبًا، فوجيء بأن الشاي قد أضيف إليه الملح بدل السكر (1).
16 -
مراعاة الذوقيات
يقول الأستاذ عمر التلمساني: كان الإمام الشهيد البنا يتحسس في رقة ودقة كل ما يرضى الإخوان في الحدود المشروعة، في ذات يوم زاره الأخ الشاعر عمر الأميري أحد قادة الإخوان في سوريا؛ ليستأذنه في الذهاب إلى الإسكندرية مع والده في القطار الذي يغادر القاهرة غدًا في السابعة صباحًا، وذهب عمر الأميري مع والده وقبل أن يتحرك القطار بدقيقة أو دقيقتين، إذ بعمر يرى الإمام الشهيد وهو يسرع الخطى على رصيف القطار، يحمل باقة من الورود الناضرة، يقدمها تحية لوالد عمر الأميري، وكان لهذا الموقف تأثير عميق في نفس الأميري الشاعر الكبير (2).
هل تحرص على تقديم الهدية لإخوانك؟
ويقول الندوي: حدثني بعض الثقات المعمرين الذين أدركوا عهد الأشراف في الحجاز، أن تجار مكة كانوا في ذلك العهد على جانب عظيم من المواساة لزملائهم، والنظر في مصالحهم، والإخلاص والإيثار لهم، قال: كان بعض التجار إذا أتاه زبون في آخر النهار وقد باع ما يكفيه لقوت يومه وما حدده من الربح والوارد، ولم يكن زميله الجار سعيد الحظ في ذلك اليوم، قال له في لطف وهدوء: دونك هذا الدكان الذي هو بجواري! تجد عنده ما تجده عندي، وقد لاحظت قلة الزبائن عنده هذا اليوم، فهو أحق أن تشتري منه.
ويتحدث الأستاذ محمد أسد النمساوي عن مدينة إسلامية عربية كبيرة (دمشق) فيذكر انطباعاته كما يلي:
وقفت على ذلك الاستقرار الروحي في حياة سكانها، إن أمنهم الباطني كان يمكن أن
(1) مائة موقف من حياة المرشدين 58 - 59.
(2)
مائة موقف من حياة المرشدين 64.