الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالفعل جلدوا المغسلة فانفصلت يدها عن جسد الميتة (1).
إن ضعفت عن الخير فأمسك عن الشر، وإن لم تستطع أن تنفع الناس فأمسك شرك عنهم، وإن كنت لا تستطيع الصوم، فلا تأكل لحوم الناس.
وقال كعب الأحبار: قرأت في كتب السابقين: أن من مات تائبًا من الغيبة كان آخر من يدخل الجنة، ومن مات مصرًا عليها كان أول من يدخل النار (2).
ومر عيسى مع الحواريين على جيفة كلب. فقال الحواريون: ما أنتن ريح هذا؟!
فقال عيسى: ما أشد بياض أسنانه! (يعظهم وينهاهم عن الغيبة).
الأعذار المرخصة في الغيبة
1 -
غيبة أهل الفساد:
تقص السيدة عائشة رضي الله عنها موقفًا يدل على جواز غيبة أهل الفساد فتقول: استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائذنوا له، بئس أخو العشرة أو ابن العشيرة" فلما دخل الرجل ألان له الكلام. قالت عائشة: يا رسول الله، قلت له الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟ فقال:"أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه"[رواه البخاري].
2 -
ذكر مساويء الزوج:
تقول فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أبا جهم، ومعاوية خطباني، فقال:"أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، أنكحي أسامة بن زيد"، فكرهته، ثم قال:"أنكحي أسامة بن زيد" فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا [رواه مسلم].
3 -
الغيبة عند الاستفتاء والتظلم:
هند بنت عتبة زوج أبي سفيان رضي الله عنه -قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، فاحتاج أن آخذ من ماله، قال صلى الله عليه وسلم:"خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"[رواه البخاري].
(1) مواقف إيمانية للنساء: 296.
(2)
تنبيه للغافلين: 124.
فقد ذكرت هند صفة ذميمة في شخص زوجها في غيبته، ولم ينكر عليها الرسول صلى الله عليه وسلم لأجل أنها في الحكم الشرعي لذلك.
4 -
موقف أهل البدع:
قال الحسن البصري: ليس في أصحاب البدع غيبة.
وقال سفيان بن عيينة: ثلاث ليس لهم غيبة: الإمام الجائر، الفاسق المعلن بفسقه، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته.
وجمع ابن أبي شر في هذه الستة في بيتين من الشعر:
الذم ليس بغيبة في ستة
…
متظلم ومعرف ومحذر
والمظهر فسقًا ومستفت ومن
…
طلب الإعانة في إزالة منكر
كفارة الغيبة: "اللهم اغفر لنا وله".
جاء أن رجلاً قال للحسن البصري: بلغني أنك تغتابني؟
فقال: ما بلغ قدرك عندي أني أحكمك في حسناتي.
5 -
إفشاء السر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت فهي أمانة"[رواه الترمذي].
يقول ابن الجوزي: رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرهم، فإذا ظهر عاتبوا من أخبروا به، فواعجبًا كيف ضاقوا بحبسه ذرعًا ثم لاموا من أفشاه، ولعمري إن النفس يصعب عليها كتم الشيء، وترى بإفشائه راحة، خصوصًا إذا كان مرضًا أو همًا أو عشقًا، وهذه الأشياء في إفشائها قريبة، إنما اللازم كتمانه احتيال المحتال فيما يريد أن يحصل به غرضًا، فإن من سوء التدبير إفشاء ذلك قبل تمامه، فإذا ظهر بطل ما يراد أن يفعل، ولا عذر لمن أفشى هذا النوع، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا ورى بغيره (1).
6 -
الوعد الكاذب: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاث من كن فيه فهو منافق، وإن صام وصلى
(1) صيد الخاطر: 322 - 323.
وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أئتمن خان" [رواه أحمد].
7 -
الكذب:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثًا هو لك به مصدق وأنت أول به كاذب"[رواه أبو داود].
فليحذر المسلم من الكذب مهما كان حتى لا يدخل في دائرة النفاق. ومن أنواع الكذب:
كذب الحكام على الشعوب
مثل أن يذكر بعض الحكام بأن هناك تنمية اقتصادية كبيرة، وأنه قد تم القضاء على الفقر، وسيتم توفير فرص العمل لكل الشباب و
…
ثم لا يجد الشعب شيئًا من هذه الأمور وينخدعون بما يقال.
الكذب في دين الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن كذبًا عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"[رواه البخاري].
فعلى كل مسلم أن يتأكد من صحة أحاديث النبي- صلى الله عليه وسلم.
الكذب على الأطفال
لا تكذب على أولادك بحجة إسكاتهم أو ترغيبهم، فإن ذلك يعودهم على الكذب عن طريق المحاكاة والقدوة السيئة.
عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطك، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم:"وما أردت أن تعطيه؟ " قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أما إنك لو لم تعطه شيئًا كتبت عليك كذبة"[رواه أبو داود]؛ لأن الإسلام يوصي أن نغرس فضيلة الصدق في نفوس الأطفال حتى يشبوا عليها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة"[رواه أحمد].
علِّم أولادك عدم التفريق بين أنواع الكذب، فتقول: هذه كذبة بيضاء لا تؤثر، وألا
يضحك زملاءه بنكتة كاذبة يسخر فيها من أحد، ويتعلم الاعتراف بالخطأ فلا يكذب على المدرس مثلاً إن لم يقم بعمل الواجب ويقول: عندي واجبات كثيرة أو يقول: كنت أذاكر لإخوتي الصغار.
من المقولات الخاطئة
إن الله يحب عبده الفشار، ويكره عبده المكار. أو يكذب الناس ويقولون: كذبة إبريل.
ومن الناس من يعود أبناءه على الكذب فيجلس في البيت وإذا سأل عليه شخص قال لابنه: اذهب فقل له: إن أبي غير موجود بالمنزل، وبهذا يتعود الطفل الكذب.
الكذب في المدح
المدح مدرجة إلى الكذب؛ عن أبي بكرة قال: أثنى رجل على رجل عند رسول الله فقال: "ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك" ثم قال: "من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانًا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدًا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه"[رواه البخاري].
الكذب في الموعد
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدس الكلمة التي يقولها، وذلك إشارة إلى الرجولة الكاملة فعن عبد الله بن أبي الحمساء قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيع قبل أن يبعث وبقيت له بقية، فوعدته أن آتيه بها في مكانه، فنسيت، ثم ذكرت بعد ثلاثة، فجئت فإذا هو في مكانه فقال:"يا فتى لقد شققت عليّ!! أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك"(وكان يأتي في الموعد المضروب بينهما)[رواه أبو داود].
فإذا أعطيت موعدًا فلابد أن تكون صادقًا في الالتزام به حفاظًا على أوقات الآخرين، ولا تعتذر إلا لضرورة ويكون الاعتذار مسبقًا.
الكذب في البيع والشراء
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن التجار هم الفجار" فقيل: يا رسول الله، أليس الله قد أحل البيع؟ قال:"بلى ولكنهم يحدثون فيكذبون ويحلفون فيأثمون"[رواه أحمد].
وعن أبي ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان بعطيته، والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره"[رواه مسلم].
ومن مظاهر الكذب في البيع والشراء في الأسواق: الإعلانات التي تعطي معلومات غير صادقة، والأيمان المغلظة بأن السلعة ممتازة ولا يوجد أفضل منها أو بعدم وجود عيوب بها.
الكذب عند الضحك
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه ولا يقول إلا صدقًا، جاء رجل يسأله أن يحمله على بعير، فقال له الرسول:"إني حاملك إلا على ولد الناقة" فقال: يا رسول الله، وماذا أصنع بولد الناقة؟! انصرف ذهنه إلى الصغير، فقال:"وهل تلد الإبل إلا النوق؟ "[رواه الترمذي].
الكذب في الشهادة
من ينتخب شخصًا في الانتخابات وهو لا يستحق فقد كذب في الشهادة، قال تعالى:{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]، والحيف في الشهادة من أشنع الكذب.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا، قلنا: بلى، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وكان متكئًا فجلس وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور"، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت [رواه البخاري].
لأن شهادة الزور تؤدي إلى الفساد الاجتماعي والاقتصادي، ولقد انتشرت شهادة الزور في الواقع المعاصر، حتى أصبحت تجارة أمام المحاكم، يأتي الظالم برجلين من عملاء الزور، ويقول لهما: اشهدا بكذا وأنا أعطيكما كذا وكذا، ويذهب الرجلان ويقفان أمام القاضي ويقسمان بأنهما سيقولان الحق، ثم يشهدان زورًا، ومن نماذج شهادة الزور في عصرنا: شهادات توثيق الميلاد أو الخبرة المزورة، وشهادات التوصية للعمل أو الترقية المزورة، والتزوير في الانتخابات وفواتير البيع والشراء المزورة.
جواز الكذب
يقول ميمون بن مهران: الكذب في بعض المواضع خير من الصدق.
وعن أم كلثوم رضي الله عنها قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث:"الرجل يقول القول يريد به الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها"[رواه أحمد].
8 -
النميمة
قال بعض الحكماء: النميمة تهدي إلى القلوب البغضاء، ومن واجهك فقد شتمك، ومن نقل إليك، فقد نقل عنك، والساعي بالنميمة كاذب لمن يسعى إليه، وخائن لمن يسعى به.
وقال الشاعر:
احفظ لسانك لا تؤذ به أحدًا
…
من قال في الناس عيب قيل فيه بمثله
يقول ابن الجوزي: اتق الله، واشتغل بعيوبك عن عيوب الناس، ولا تكن كمثل الذباب الذي لا يعرج على المواضع السليمة من الجسد، ولا ينزل عليها، وإنما يقع على القروح فيدميها.
فمن بحث عن مساويء الناس، واتبع عوراتهم، واشتغل بعيب غيره، وترك عيبه، سلط الله تعالى عليه من يبحث في عيبه، ومساوئه ليشهرها، ويتبع عوراته ويبديها وينشرها.
عن أبي برزة السلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته"[رواه أحد].
الصمت نفع والكلام مضرة
…
فلرب صمت في الكلام شفاء
فإذا أردت من الكلام شفاء
…
لسقام قلبك فالقرآن دواء
يقول صاحب الإحياء: كل من حُملت إليه نميمة وقيل له: إن فلانًا قال فيك كذا وكذا فعليه ستة أمور:
الأول: أن لا يصدقه؛ لأن النمام كذاب وفاسق، وهو مردود الشهادة، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبحه؛ لقوله تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان: 17].
الثالث: أن يبغضه في الله لأنه بغيض عند الله ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: ألا تظن بأخيك الغائب سوءًا لقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12].
الخامس: أن لا يحملك ما حكى لك على التجسس والبحث للتحقق، اتباعًا لقوله تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].
السادس: لا ترضى لنفسك ما نهيت الناس عنه، ولا تحك نميمته فتقول: فلان قد حكى لي كذا وكذا، فتكون به نمامًا ومغتابًا، وتكون قد أتيت لما عنه نهيت.
وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز أنه دخل عليه رجل فذكر له عن رجل شيئًا، فقال له عمر: إن شئت نظرنا في أمرك، فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية:{إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 11]، وإن شئت عفونا عنك، فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدًا.
ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبرين فقال: "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى، إنه كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة"[رواه البخاري].
قال قتادة: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته حيًا.
وقال أحد الحكماء: لا تأمن من كذاب لك، أن يكذب عليك، ومن اغتاب عندك غيرك، أن يغتابك عند غيرك.
وقال عبد الرحمن بن عوف: من سمع بفاحشة فأفشاها فهو كالذي أتاها.
وقال الحسن: من نم لك نم عليك، وهذه إشارة إلى أن النمام يجب أن يبغض ولا يوثق بقوله ولا بصداقته، وكيف لا يبغض وهو لا ينفك عن الكذب والغيبة والغدر والخيانة والحسد والنفاق والإفساد بين الناس والخديعة؟ وهو ممن يسعون في قطع ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض، قال تعالى:{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 42].
وجاء عن علي أن رجلاً سعى إليه برجل فقال له: يا هذا نحن نسأل عما قلت، فإن