الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وطلبت نسخة لوالدها على الأقل، فأعطيتها إياها وأسلمت "كيم" وحسن إسلامها وانتظمت في الصلاة، وتلاوة القرآن وأخبرتني بإسلام زميلاتها كذلك وانتظامهن أيضا في الصلاة، وسط دهشة باقي الممرضات في سكنهن أيضا، فعرفتها بالانتظام وعدم المبالاة بما يلقين حتى يمكن الله لدينه (1).
حال الجامعة
كانت الجامعة في بداية عهدها خالية من الإعلان بمظاهر الإسلام، حتى الصلوات كانت تؤدي تحت الأرض وفي أماكن بالية وعلى استحياء، فقال الإمام لأحد الطلاب: أذن للظهر في مكان مرئي بأعلى صوتك، واصبر، ففعل الطالب، فدهش الطلاب والفراشون، والموظفون، وكانت إحدى العجائب، فصلى السنة، ثم أقام الصلاة وصلى وحده، والجموع حوله تتعجب، وفعل في اليوم التالي مثل ما فعل بالأمس، وبعد أيام قلائل زاد العدد واحدا بعد الآخر، وهكذا لما جاء الحق وصمد زهق الباطل وفر (2).
شبهات وردود
1 -
أنه غير مكلف لأنها وظيفة العلماء فقصد: يقول الرازي في قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} [آل عمران: 104] أن "من" ها هنا ليست للتبعيض لدليلين:
الأول أن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على كل الأمة.
والثاني أنه لا مكلف إلا ويجب عليه الأمر بقول الرسول: "من رأى منكم منكرا فليغيره" وأنها للتبيين كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30].
2 -
من شروط الدعوة العلم: ولكن العلم يتجزأ، فالإنسان عالم بشيء وجاهل بشيء آخر؛ ولذا يتوافر شرط وجوب الدعوة إلى ما علمه.
3 -
فهم خاطيء: وهم تسرب إلى البعض في زمن الصديق فخطب فيهم: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ
(1) مواقف إيمانية: أحمد عيد 83: 85.
(2)
مائة موقف من حياة المرشدين 47.
ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه يوشك أن يعمهم بعقاب".
4 -
انتشار الباطل: وقد حصلت هذه الشبهة لأقوام سالفين قص الله لنا من أخبارهم: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)} [الأعراف: 164 - 165].
والآية الكريمة تشير إلى أن أهل القرية صاروا ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المعاصي، وفرقة أنكرت عليهم ووعظتهم، وفرقة سكتت عنهم فلم تفعل ولم تنته.
5 -
لا يكلف الله نفسا إلا وسعها: يتعلل البعض بأن الدعوة إلى الله تسبب له تعبا لا يستطيع تحمله، وهذه حجة الضعفاء رقيقي الدين، فالتعب ينال العبد في حصوله على ربح مادي، فأولى بهم أن يتحملوا شيئا من التعب في الدعوة إلى الله {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ} [النساء: 104] وقد جاء أن أبا سفيان ومن معه من المشركين عزموا على الخروج إلى المدينة من غزوة أحد، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بلالا أن ينادي أن رسول الله يأمركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا إلا من شهد القتال أمس.
فخرج سعد بن معاذ من داره يأمر قومه بالمسير وكلهم جرحى.
وخرج أسيد بن حضير وبه سبع جراحات، وقال: سمعا وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وخرج من بني سلمة أربعون جريحا، وخرج الطفيل بن عمرو وبه ثلاثة عشر جرحا، وبالحارث بن الصمة عشر جراحات، فقال الرسول:"اللهم ارحم بني سلمة".
6 -
ليس عندي وقت: الدعوة ليس لها وقت محدد بل في كل الأوقات كقول نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5)} [نوح: 5].
وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة؛ إذ لقى في الطريق بريدة بن الحصيب الأسلمي في ركب من قومه فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا .. ويوسف عندما دخل السجن لم يشغله سجنه عن الدعوة إلى الله: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: 39].
7 -
البعض يترك الدعوة لعدم استجابة الناس: المطلوب الدعوة وليس الاستجابة {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [العنكبوت: 18] يمدح الله نبيه إسماعيل بقوله: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ} [مريم: 55] وهو غير مكلف باستجابة الآخرين.
يجب استمرار الدعوة وإن لم يستجب أحد .. نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما.
يقول الإمام النووي: لا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين.
ويقول السيوطي: وجوب الاستمرار على الدعوة إلى الله وحرمة اليأس، واحتمال الإجابة، لأن الأمور بيد الله وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فلا يستطيع الداعي أن يقطع بعدم إجابة فيجب عليه الاستمرار بالدعوة والوعظ في الإرشاد حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
أجر الداعي على الله لا على العباد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الدال على الخير كفاعله". مسلم.
وقال تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: 72].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم". [البخاري].
وقال أيضا: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجوره شيئا". [مسلم](1).
وقال أيضا:"من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا". [مسلم].
لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يمر بالنبي والنبيين ومعهم القوم، والنبي والنبيين ومعهم الرهط، والنبي والنبيين وليس معهم أحد.
(1) الظلال (1: 68).
يقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272].
ويقول سيد قطب: إن أمر القلوب وهداها وضلالها ليس من شأن أحد من خلق الله، ولو كان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه من أمر الله وحده.
فهذه القلوب من صنعه، ولا يحكمها غيره، ولا يصرفها سواه، ولا سلطان لأحد عليها إلا الله، وما على الرسول إلا البلاغ.
فأما الهدي فهو بيد الله، يعطيه من يشاء ممن يعلم سبحانه أنه يستحق الهدى، ويسعى إليه، وإخراج هذا الأمر من اختصاص البشر يقرر الحقيقة التي لابد أن تستقر في حس المسلم ليتوجه في طلب الهدى إلى الله وحده، وليتلقى دلائل الهدى من الله وحده، ثم هي تفسح في احتمال صاحب الدعوة لعناد الضالين، فلا يضيق صدره بهم وهو يدعوهم، وبعطف عليهم، ويرتقب إذن الله لقلوبهم في الهدى وتوفيقهم إليه بمعرفته حين يريد (1).
ويقول الراشد: يا من اعتزل بزهده مع جهله، تقدم واسمع ما أقول، يا زهاد الأرض تقدموا، خربوا صوامعكم، واقربوا مني، قد قعدتم في خلوتكم من غير أصل، ما وقعتم بشيء، تقدموا، خرب صومعتك أيها الهارب الذي ترزح تحت نير الأفكار الأرضية وآراء طواغيت القرن العشرين، وخذ مكانك في صفوف دعاة دعوة الإسلام (2).
…
(1) في ظلال القرآن الكريم (2/ 314).
(2)
المنطلق 115،114.