الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن لم يكن دين فكل فضيلة
…
هدر وليس لكافر ميثاق
واضيعة الإسلام في أوطانه
…
ضاقت به وبأهله الآفاق
في كل ناحية أنين ثواكل
…
وأرامل تغلي بها الأعماق
أرثي لأوطاني ومن باتوا
…
على غفلاتهم والغافلون أفاقوا
فمتى سينقشع الظلام ويرتقي
…
علم الجهاد الظافر الخفاق
البطل الليبي
البطل الليبي "عمر المختار" الذي حارب الاستعمار الإيطالي، وجيوشه المجهزة بأحدث أسلحة عصره، بالقلة المؤمنة العزلاء، أو شبه العزلاء من جنده؛ وقف يحارب الطائرة بالحصان، والمدفع بالسيف، واستطاع أن ينزل بأعدائه ضربات موجعة، ولم يرض بالتسليم ساعة ما، رغم نفاد قوته المادية كلها، ولكنه ظل يقول للطليان: لئن كسر المدفع سيفي، فلن يكسر الباطل حقي.
وكان مريضًا بالحمى، تهز رعدتها جسده، وترتعد بها فرائصه، ورغم هذا قال لجنوده: اربطوني على ظهر جوادي بالحبال حتى لا أتخلف عن القتال معكم.
وحين ظفر به الجيش المستعمر وحكموا عليه بالإعدام تقبل الحكم برحابة صدر، وابتسامة سخرية، وقال له بعضهم -قبل تنفيذ الحكم-: اطلب العفو ونحن نطلق سراحك، فأجابهم بكل إباء وشمم: لو أطلقتم سراحي لعدت لمحاربتكم من جديد (1).
اللهم احشرني من حواصل الطير
عن أبي قدامة الشامي قال: كنت أميرًا على الجيش في بعض الغزوات فدخلت بعض البلدان فدعوت الناس إلى الغزو ورغبتهم في الثواب، وذكرت فضل الشهادة وما لأهلها، ثم تفرق الناس وركبت فرسي وسرت إلى منزلي فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس تُنادي: يا أبا قدامة، فقلت: هذه مكيدة من الشيطان. فمضيت ولم أجب. فقالت: ما هكذا كان الصالحون، فوقفت، فجاءت ودفعت إلى رقعة وخرقة مشدودة وانصرفت باكية.
فنظرت إلى الرقعة فإذا فيها مكتوب: إنك دعوتنا إلى الجهاد ورغبتنا في الثواب، ولا
(1) الإيمان والحياة: 275.
قدرة لي على ذلك فقطعت أحسن ما في، وهما ضفيرتاي وأنفذتهما إليك لتجعلهما قيد فرسك، لعل الله يرى شعري قيد فرسك في سبيله فيغفر لي.
فلما كانت صبيحة القتال فإذا بغلام بين يدي الصفوف يقاتل فتقدمت إليه وقلت: يا فتى أنت غلام غر راجل ولا أمن أن تجول الخيل فتطأك بأرجلها فارجع عن موضعك هذا.
فقال: أتأمرني بالرجوع؟ وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)} [الأنفال: 15 - 16].
فحملته على هجين كان معي فقال: يا أبا قدامة ثلاثة أسهم.
فقلت: أهذا وقت قرض؟ فما زال يلح علي حتى قلت بشرط: إن من الله عليك بالشهادة أكون في شفاعتك.
قال: نعم. فأعطيته ثلاثة أسهم فوضع سهمًا في قوسه وقال: السلام عليك يا أبا قدامة. ورمى به فقتل روميًا. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك يا أبا قُدامة فقتل روميًا. ثم رمى بالآخر وقال: السلام عليك سلام مودع.
فجاءه سهم فوقع بين عينيه فوضع رأسه على قربوس (1) سرجه. فتقدمت إليه وقلت: لا تنسها.
فقال: نعم ولكن لي إليك حاجة: إذا دخلت المدينة فأت والدتي وسلم خرجي إليها وأخبرها فهي التي أعطتك شعرها لتقيد به فرسك، وسلم عليها فإنها العام الأول أصيبت بوالدي، وفي هذا العام بي ثم مات.
فحفرت له ودفنته. فلما هممنا بالانصراف عن قبره قذفته الأرض فألقته على ظهرها. فقال أصحابي: إنه غلام غر ولعله خرج بغير إذن أمه. فقلت: إن الأرض لتقبل من هو شر من هذا. فقمت وصليت ركعتين ودعوت الله عز وجل فسمعت صوتًا يقول: يا أبا قدامة أنزل ولي الله.
(1) قربوس: الجزء المرتفع من مقدمة السرج.