الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة عبيد الله بن جحش
تقول أم المؤمنين أم حبيبة، رملة بنت أبي سفيان: رأيت في النوم عبيد الله بن جحش زوجي بأسوأ صورة وأشوهه، ففزعت، فقلت: تغيرت والله حاله، فإذا هو يقول حيث أصبح: يا أم حبيبة، إني نظرت في الدين فلم أر دينًا خيرًا من النصرانية.
فقلت: والله ما خير لك، وأخبرته بالرؤيا التي رأت له، فلم يحفل بها، وأكب على الخمر حتى مات، فأُري في النوم كان آتيًا يقول: يا أم المؤمنين، ففزعت فأولتها أن رسول الله يتزوجني.
وفاة العصاة
قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلاً عند الموت يلقن الشهادة لا إله إلا الله، فقال في آخر ما قال: أنا كافر بما تقول ثم مات على ذلك. قال: فسألت عنه فإذا هو مدمن خمر.
قيل لآخر: قل لا إله إلا الله فجعل يغني.
ومن سنوات جرت حادثة في القصيم بالسعودية، وحاصلها أن رجلاً في حال احتضاره ظهر عليه من الاعتراض على ربه ما ظهر، فجاء بعض أصحابه ممن كان يصلي معهم في المسجد والله أعلم بما في القلوب، وقال: يا عبد الله، هذا المصحف الذي كنت تقرأ فيه، فاتق الله في نفسك، ولقنه كلمة التوحيد، فقال: أنا كافر بالمصحف وبلا إله إلا الله، وختم له على ذلك الحال.
وفاة الزناة
يقول راوي القصة: صحبنا على ظهر سفينة نجول بها حول البلدان طلبًا للرزق شاب صالح، نقي السريرة، طيب الخلق، كنا نرى التقوى في قسمات وجهه، والنور والبشر يرتسمان على محياه، لا تراه إلا متوضئًا مصليًا، أو ناصحًا مرشدًا، وإن حانت الصلاة أذن لنا وصلى بنا، فإن تخلف أحد عنها أو تأخر عاتبه وأرشده.
وألقى بنا البحر إلى جزيرة من جزر الهند فنزلنا إليها، وكان مما تعود عليه البحارة أن يستقروا أيامًا يرتاحون فيه، ويستجمون بعد عناء السفر الطويل، يتجولون في أسواق
المدينة ليشتروا أغرب ما يجدون فيها لأهلهم وأبنائهم ثم يرجعون إلى السفينة في الليل، وكان منهم نفر ممن وقع في الضلال، يتيم بأماكن اللهو والهوى ومحال الفجور والبغاء، وكان ذلك الشاب الصالح لا ينزل من السفينة أبدا، بل يقضي هذه الأيام يصلح في السفينة ما احتاج منها إلى إصلاح، فيفتل الحبال ويلفها، ويقدم الأخشاب ويشدها ويشتغل بالذكر والقرآن والصلاة وعينه ترقرق بالدموع وتنحدر على لحيته.
وفي إحدى السفرات وبينما كان الشاب منشغلاً بأعماله تلك إذا بصاحب له في السفينة ممن اتبع نفسه هواها وانشغل بطالح الأمور عن صالحها، وبسافل الأخلاق عن عاليها يهامسه ويقول: صاحي، لم أنت جالس في السفينة لا تفارقها؟ لم لا تنزل حتى ترى دنيا غير دنياك؟ ترى ما يشرح الخاطر ويؤنس النفس! أنا لم أقل لك تعال إلى أماكن البغاء وسخط الله، ولا إلى البارات وغضب الله، هيهات يا صاحبي، لكن تعال؛ فانظر إلى مُلاعب الثعابين كيف يتلاعب بها ولا يخافها، وإلى راكب الفيل كيف يجعل من خرطومه له سلمًا ثم يصعد برجليه ويديه حتى يقيمه على رجل واحدة، وآه لو رأيت من يمشي على المسامير أنى له الصبر، ومن يلقم الجمر كأنما هو تمر، ومن يشرب ماء البحر فيسيغه
كما يسيغ الماء الفرات، يا أخي انزل وانظر الناس!
فتحركت نفس الشاب شوقًا لما سمع، فقال: وهل في هذه الدنيا ما تقول.
قال صاحب السوء: نعم، وفي هذه الجزيرة، فانزل تَرَ ما يسرك، ونزل الشاب الصالح مع صاحبه، وتجولا في أسواق المدينة وشوارعها حتى دخل به إلى طرق صغيرة ضيقة، فانتهى بهما الطريق إلى بيت صغير فدخل الرجل البيت وطلب من الشاب أن ينتظره وقال: سآتيك بعد قليل ولكن! إياك إياك أن تقترب من الدار. جلس الشاب بعيدًا عن الباب يقطع الوقت قراءة وذكرًا، وفجأة إذا به يسمع قهقهة عالية ليفتح الباب وتخرج منه امرأة قد خلعت جلباب الحياء والمروءة، أواه إنه الباب نفسه الذي دخل فيه الرجل.
تحركت نفس الرجل فدنا من الباب ويصيخ سمعه لما يدور في البيت، إذا به يسمع صيح أخرى، فنظر من شق الباب ويتبع النظر أختها لتتواصل النظرات منه وتتوالى، وهو يرى شيئًا لم يألفه ولم يره من قبل، ثم رجع إلى مكانه ولما خرج صاحبه بادره الشاب مستنكرًا: ما هذا؟! ويحك، هذا أمر يغضب الله ولا يرضيه.
فقال الرجل: اسكت يا أعمى يا مغفل، هذا أمر لا يعنيك.
ورجعا إلى السفينة في ساعة متأخرة من الليل، وبقى الشاب ساهرًا ليلته تلك، مشتغل الفكر فيما رآه، قد استحكم سهم الشيطان من قلبه، وامتلكت النظرة زمام فؤاده، فما إن بزغ الفجر وأصبح الصباح حتى كان أول نازل من السفينة، وما في باله إلا أن ينظر فقط، ولا شيء غير أن ينظر، وذهب إلى ذلك المكان، فما أن نظر نظرته الأولى وأتبعها الثانية، حتى فتح الباب وقضى اليوم كله هناك، واليوم الذي بعده كذلك، فافتقده ربان السفينة وسأله عنه: أين المؤذن؟ أين إمامنا في الصلاة؟ أين ذلك الشاب الصالح، فلم يجبه من البحارة أحد، فأمرهم أن يتفرقوا للبحث عنه فوصل إلى علم الربان ممن ذهب به إلى ذلك المكان فأحضره وزجره وقال له: ألا تتقي الله؟ ألا تخشى عقابه؟ عجل اذهب فأحضره، فذهب إليه مرة دون مرة ولكن دون جدوى، فلم يستطع إحضاره لأنه كان يرفض ويأبى الرجوع معهم، فلم يكن من قائد السفينة إلا أن أمر عدة رجال أن يحضروه قسرًا، فسحبوه بالقوة وحملوه إلى السفينة.
وأبحرت السفينة راجعة إلى البلاد ومضى البحارة إلى أعمالهم، وأخذ ذلك الشاب في زاوية من السفينة يبكي ويئن حتى لتكاد نياط قلبه أن تتقطع من شدة البكاء، ويقدمون له الطعام فلا يأكل، وبقى على حاله البائسة هذه بضعة أيام، وفي ليلة من الليالي ازداد بكاؤه ونحيبه، ولم يستطع أحد من أهل السفينة أن ينام، فجاءه ربان السفينة وقال له: يا هذا اتق الله، ماذا أصابك؟ لقد أقلقنا أنينك فما نستطيع أن ننام، ويحك ما الذي بدل حالك؟ ويلك ما الذي دهاك؟
فرد عليه الشاب وهو يتحسر: دعني فإنك لا تدري ما الذي أصابني؟
فقال الربان: وما الذي أصابك؟ عند ذلك كشف الشاب عن عورته، وإذا الدود يتساقط من سوأته، فأنزعج ربان السفينة وارتعش لما رأى وقال: أعوذ بالله من هذا، وقام عنه الربان، وقبيل الفجر قام أهل السفينة على صيحة مدوية أيقظتهم وذهبوا إلى مصدرها فوجدوا ذلك الشاب قد مات وهو ممسك خشب السفينة بأسنانه، استرجع القوم وسألوا الله حسن الخاتمة، وبقيت قصة هذا الشاب عبرة لمن يعتبر.