الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال يونس بن محمد المؤدب: مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.
رحم الله من كانت خاتمته في الصلاة في المسجد.
وفاة محمد في واسع:
لما مرض محمد بن واسع الأزدي مرض الموت، تكاثر الناس على عيادته حتى غص منزله بالداخلين عليه والخارجين، والقائمين في منزله والقاعدين، فمال بشقه على أحد خواصه وقال: أخبرني ما يغني عني هؤلاء إذا أخذنا غدًا بالنواصي والأقدام؟ وما ينفعوني إذا ألقيت في النار؟
ثم أقبل على ربه وجعل يقول: اللهم إني أستغفرك من كل مقام سوء قمته، ومن كل مقعد سوء قعدته، ومن كل مدخل سوء دخلته، ومن كل مخرج سوء خرجته، ومن كل عمل سوء عملته، ومن كل قول سوء قلته، اللهم إني أستغفرك من ذلك كله، فاغفره لي وأتوب لك منه، فتُبْ عليَّ، وألقى إليك السلام قبل أن يكون لزامًا، ثم فاضت روحه.
خاتمة الصالحين:
أبو شامة صلى الظهر، وجعل يسأل عن العصر، توضأ ثم تشهد وهو جالس، وقال: رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًا، لقنني الله حجتي وأقال عثرتي ورحم غربتي. ثم قال: وعليكم السلام، فعلمنا أنه حضرت الملائكة، ثم انقلب ميتا.
وقال أحدهم عند موته: يا سيدي أمهلني، أنا مأمور وأنتم مأمورون، ثم سمع المؤذن للعصر، فقلت: يا سيدي المؤذن يؤذن، فقال: اجلسوني، فجلس فأحرم بالصلاة، ووضع يده على الأخرى وصلى، ثم توفى من ساعته.
وهذا الربيع بن زياد يتولى أمر خراسان بأمر معاوية بن أبي سفيان، وهو غير منشرح الصدر، وبعد إحدى المعارك يرسل إليه زياد بن أبيه أحد ولاة بني أمية كتابًا يقول: إن أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان يأمرك أن تستبقي الأصفر والأبيض من غنائم الحرب لبيت مال المسلمين، وتقسم ما سوى ذلك بين المجاهدين.
فكتب إليه يقول: إني وجدت كتاب الله عز وجل يأمر بغير ما أمرتني به على لسان أمير المؤمنين، ثم نادى في الناس: أن اغدوا على غنائمكم فخذوها، ثم أرسل الخمس إلى دار الخلافة في "دمشق".
ولما كان يوم الجمعة الذي تلا وصول هذا الكتاب، خرج الربيع بن زياد إلى الصلاة في ثياب بيض، وخطب الناس خطبة الجمعة، ثم قال: أيها الناس إني قد مللت الحياة، وإني داع بدعوة، فأمنوا على دعائي، ثم قال: اللهم إن كنت تريد بي خيرًا فاقبضني إليك عاجلاً غير آجل، فأمن الناس على دعائه، فلم تغب شمس ذلك اليوم حتى لحق الربيع ابن زياد بجوار ربه.
وها هو الشيخ أحمد ياسين استشهد بعد أداء صلاة الفجر في المسجد جماعة بالرغم من مرضه الشديد والشلل الكامل، وهكذا رزقه الله حسن الخاتمة.
وفي سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة خرج السلطان مظفر الحليم الكجراتي على مصلى العيد للاستسقاء وتصدق، وتفقد ذوي الحاجة على طبقاتهم، وسألهم الدعاء، ثم تقدم للصلاة، وكان آخر ما دعا به: اللهم إني عبدك ولا أملك لنفسي شيئًا، فإن تكن ذنوبي حبست القطر عن خلقك فهذه ناصيتي بيدك! فأغثنا يا أرحم الراحمين، قال هذا ووضع جبهته على الأرض واستمر ساجدًا يكرر قوله: يا أرحم الراحمين، فما رفع رأسه إلا وهاجت ريح، ونشأت بحرية ببرق ورعد ومطر، ثم سجد لله شكرًا، ورجع من صلاته بدعاء الخلق له وهو يتصدق بالمال يمينًا وشمالاً.
وكان رحمه الله يقول: نظرت فيما أوثر به أولي الاستحقاق من الإنفاق، فإذا أنا بين إفراط في صرف بيت المال وتفريط في منع أهله، فلم أدر إذا سئلت عنهما بم أجيب.
وفي آخر أيامه وكان يوم الجمعة قال: أما صلاة الظهر فأصليها عندكم، وأما صلاة العصر فعند ربي في الجنة إن شاء الله تعالى، ثم أذن للحاضرين في صلاة الجمعة واستدعى مصلاه وصلى، ودعا الله سبحانه بوجه مقبل عليه وقلب منيب إليه، دعاء من هو مفارق القصر مشرف على القبر، ثم كان آخر دعائه:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، وقام من مصلاه وهو يقول: أستودعك الله، واضطجع على سريره وهو مجتمع الحواس ووجهه يلتفت إلى القبلة وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفاضت نفسه والخطيب على المنبر يدعو له، وفي ذلك عبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد (1).
(1) من يظلهم الله: (1/ 226).