الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نداء فضيلة الأستاذ الأكبر إلى العالم الإسلامي بما يجب عليه لإخوانه المسلمين في تونس والجزائر والمغرب الأقصى
(1)
أذاع فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر البيان التالي على المسلمين في مشارق الأرض ومغاريها في صباح يوم الخميس 30 ربيع الأول:
أيها المسلمون الآمنون في أوطانهم، المتمتعون من الله عز وجل بنعمة العافية والاطمئنان! إن دماء إخوانكم في الأسلام تناديكم من الحدود الغربية لمملكة ليبيا إلى أقصى جبال الأطلس؛ لتكونوا عوناً لأهلها على درء الظلم عنهم، ووضع حد للبغي على حقوقهم الإنسانية والوطنية، وتمكينهم من أن يعيشوا في ديارهم أحراراً كراماً آمنين.
إن إخوانكم هؤلاء هم ذرية الأبطال الذين كانوا مع طارق بن زياد في إيصال رسالة الإنسانية والحضارة والآداب والعلوم والعمران إلى غرب أوربا، وفيهم سلالة اللاجئين من الأندلس فراراً بدينهم وإنسانيتهم من مظالم دواوين التفتيش عند خروج المسلمين من ذلك الفردوس المفقود. وهذه أسلاك البرق وموجات الأثير تنقل إليكم بين كل ساعة وساعة صدى قذائف المدافع الرشاشة ومختلف الأسلحة وهي تغتال الأحرار بأساليب قطاع الطرق، وتحصد أرواح
(1) مجلة "الأزهر" الجزء الرابع -المجلد الرابع والعشرون، غرة ربيع الأول- 1372 هـ = ديسمبر كانون الأول 1952 م.
المدنيين العزل من السلاح كما يفعل الجبناء، وتأخذ لأصحابها -من المسلمين الآمنين في تونس والجزائر ومراكش- الثأر الذي عجزوا عنه في شرق فرنسا لما وطأت أرضهم سنابك خيول الألمان في بداية الحرب العالمية الثانية.
يقول نبي الرحمة - صلوات الله وسلامه عليه - فيما روى الإمام أحمد في "مسنده" عن أبي هريرة: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله"؛ أي: لا يظلمه إذا كان في ولايته وتحت سلطانه، ولا يخذله إذا مسه الظلم من عدوله يبغي عليه.
نحن -المسلمين العاملين بقواعد الإسلام-، وهو دين السلام - قد فتحنا أبوابنا، ووطأنا رحابنا للفرنسيين وغير الفرنسيين من أمم الأرض، فأقاموا بيننا مرافقهم ومدارسهم، وقصدوا أسواقنا بمصنوعاتهم ومنتجاتهم، ولقوا من حسن معاملتنا ورحابة صدورنا وسلامة قلوبنا ما لم يروه في أي بلد آخر. كل ذلك على أمل منا بأن يحسنوا معاملة كل من له علاقة بهم من إخواننا في الدين، وأن يقوموا لهم بحقوق الإنسان على أخيه الإنسان، وأن يحترموا حريتهم، ويحافظوا على كرامتهم.
وإننا لا نزال على أخلاقنا وآداب ديننا مع جميع الأمم، ومن ينكر علينا، أو على طائفة من إخواننا في الدين ما يجب عليه أن يرعاه من حقوقهم الإنسانية والوطنية والملية، فإن أقل ما يجب على المسلمين حينئذ ألا يتعاونوا مع أهل البغي في تجارتهم وصناعتهم ومرافقهم، وأن يكون أول ما يفعلونه: مقاطعة مدارسهم ومعاهدهم، وكل وسائل التعاون معهم، وأساليب الاتصال بهم.
والولاية في الإسلام هي: النصرة والتعاون، والاتصال من أوثق مظاهر الولاية، والله عز وجل يقول في كتابه العزيز:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]،
ولو أنهم قائمون لأبناء ديننا بحقوقهم، محافظون لهم على كرامتهم وحريتهم، فإن المسلمين من أصدق أمم الأرض عهداً مع غيرهم من الأمم. ومن كان منه لإخواننا المسلمين عكس ذلك من البغي والظلم؛ كما هو جار الآن من الفرنسيين في شمال إفريقيا، فإن أقل ما يتحقق به الواجب الشرعي على المسلمين في جميع بقاع الأرض مقاطعةُ أهل البغي في جميع وسائل التعاون، وأسباب الاتصال، إلى أن يعرفوا لإخواننا في الدين حقوقهم الإنسانية والوطنية والملية، ويقوموا بها حق القيام.
بهذا تحكم الشريعة المطهرة، وبهذا تنادي دماء المسلمين المسفوكة في جناح الإسلام الغربي. ومن حق هذه الدماء وأهلها على المسلمين أن يبادروا، لها بإسعاف المنكويين، وتضميد جراح المجروحين، ومعاونة الأيامى والأيتام والمنكوبين. والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.