الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقدان الحياء بين النساء هو السبب في أزمة الزواج
(1)
قال مندوب "الأهرام":
قلت لفضيلة الأستاذ الأكبر: إن التطور المبارك الذي أقبلت عليه مصر منذ تم الانقلاب الأخير قد وجه الأنظار إلى كئير من أوضاعنا الاجتماعية، وما ينبغي أن يتناولها من إصلاح. وفي مقدمة ما يخطر على البال الآن من ذلك: حالة المرأة في خارج منزلها. وقد رأينا كثيرين من الرجال، بل ومن النساء يحبون أن يقفوا على الحدود التي عينها الشرع الإسلامي في ذلك؛ ليلتزموها، حتى تكون الأمة صالحة في كيانها العائلي، فيتم لها بذلك ما تنشده الدولة من الصلاح الاجتماعي. فهل لكم أن تتفضلوا ببيان حكم الشريعة الإسلامية في هذه الناحية الاجتماعية ذات الأثر والخطر؟
وقد أجاب فضيلته بقوله:
إن صلاح الأسرة هو الأساس الذي يقوم عليه صلاح المجتمع، وإصلاح الأسرة يحتاج من قادة الرأي وحكماء الأمة إلى تفكير طويل، وإرشاد حكيم، سيتسع له الوقت في المستقبل القريب -إن شاء الله-. أما الآن، فإن أهل القابلية للخير من الرجال والنساء، يستطيعون أن يخطوا الخطوة الأولى
(1) مجلة "الأهرام" - العدد 24089 تاريخ 27/ 10/ 1952 م.
بتعميم الحشمة، وإيثار الصيانة والستر، والحرص على كمال المظهر للمرأة المسلمة إذا كانت في خارج منزلها، أو مع غير ذي محرم. ومن نعم الله على مصر -وعلى سائر الأقطار الإسلامية أيضاً-، أن السواد الأعظم من الأمة، وهم سكان الريف، يكاد يكون ما اعتاده نساؤهم من لبس الثياب السابغة، والبعد عن الزينة والتبرج، وستر رؤوسهن بالخمار الوطني المألوف، هو الذي يطلبه الإسلام من نسائه.
ولو أن نساء المدن والعواصم ظهرن في خارج منازلهن بالأثواب السابغة، وهي التي لا تكون مقطعة على قدر الجسم، ولا مزيداً عليها ما لا حاجة إليه مما يقصد به تزيينه، لكان ذلك أبعد لهن عن استهواء الأبصار، وتطلع الأشرار.
روى الإمام ابن جرير الطبري في "تفسيره"(ج 1 ص 93) عن عائشة أم المؤمنين، قالت:(دخلت عليّ ابنةُ أخي لأمي عبدِ الله بن الطفيل مزينةُ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فأعرض، فقالت عائشة: يا رسول الله، إن ابنة أخي جارية (أي: فتاة لم تتزوج)، فقال:"إذا عركت المرأة (أي: حاضت)، لم يحل لها أن تظهر إلا وجهها، وإلا ما دون ذلك"، وقبض على ذراع نفسه، فترك بين قبضته وبين الكف مثل قبضة أخرى).
وفي "سنن أبي داود" من حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن أختها أسماء دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"يا أسماء إذا بلغت المرأة الحيض، لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا"، وأشار إلى وجهه وكفيه.
ومعنى هذا: أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تظهر لغير محارمها إلا
بمثل ما تكون عليه في صلاتها، هذا هو الدين.
وإن أكثرية المسلمين والمسلمات يحبون -ولله الحمد- أن يعرفوا الدين؛ ليقوموا به، ويلتزموه، فيكونوا من الذين رضي الله عنهم، ورضوا عنه. لذلك فإن المرأة المسلمة لا ينبغي لها أن تظهر في خارج بيتها، ولا مع غير محرم لها إلا بثوب سابغ لا ينم عن شيء من أعضاء الجسم. وأن تتصور دائماً: أن الله يراها في جميع أحوالها، كما يراها وهي في صلاتها.
ومما أمر الله به نساء المسلمين في سورة النور من كتابه الحكيم: أن لا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن. والزينة في كل ما يقصد به التجمل من ملبس وحلي أو كحل، أو ما إلى ذلك.
إن في المسلمين خيراً كثيراً، وأمة محمد كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره، وكما فى خلت الأمة الآن في عهد جديد من إصلاح النفوس والقلوب والمعايش والأخلاق، فإن الذين يتوخون رضاء الله عز وجل من رجال المسلمين ونسائهم يستطيعون أن يبدؤوا عهداً جديدأ في التقرب من الشريعة الطاهرة في كل ما يستطيعونه من حياتهم البيتية والاجتماعية، وفي طليعتها: تعديل مظاهر النساء، والابتعاد بها عما يسخط الله عز وجل، وينافي آداب الإسلام.
وكما أن للشر عدوى تنتقل من أهله إلى غيرهم، كذلك للخير عدوى تنتقل من أهله إلى غيرهم. ومتى بدأ أهل الخير من المسلمين والمسلمات بالتزام شريعتهم من هذه الناحية، فإن عدوى هذا الخير لا تلبث أن تسري منهم إلى سائر الناس، وأول ما سينتج عن ذلك من أثر طيب: إقبال الشباب على الزواج باحثين عن البيوت التي تغلب عليها الحشمة، والتي تتربى بناتها على آداب الدين؛ لأن هذا العنصر هو المطلوب الآن لتأسيس البيوت، وإنشاء
الأسر، وما الإعراض عن الزواج إلا بسبب ما يتوهمه طلاب الزواج من فقدان الحياء بين النساء؛ لما يشاهدونه بأعينهم في الشوارع والأسواق مما هو معروف للجميع. وإن الدين خير كله، ومن أعظم الخير في الدين: ما أرشد إليه النساء المسلمات من آداب يكسبهن كمالها جمالاً هو الذي يبحث عنه الرجل الكامل؛ ليقيم عليه دعائم البيت السعيد
…
وهنا رأيت أن فضيلته قد أوفى على الغاية، وأماط اللثام عن حكم الشريعة الإسلامية فيما يجب أن تكون عليه المرأة خارج المنزل وفي الشوارع والأسواق العامة، في المجتمعات والحفلات. فاستأذنت فضيلته في نشر هذا الحديث فتفضل وأذن.