الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لماذا صار المسلمون هدفاً للمستعصرين
؟ (1)
تفضل فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر فأدلى بالبيان التالي إلى جريدة "الأهرام"، ونحن ننقله عنها. قال:
إن مصر وجميع أقطار العالم الإسلامي تجتاز الآن دوراً من أعظم أدوار التاريخ، وكلما أدرك أهلها واجبهم، ووطنوا أنفسهم على القيام به، وبذل التضحيات الثمينة في سبيله، عجل الله لهم بثمراته الطيبة، وكافأهم بأضعاف ما كانوا يأملون.
والإسلام قد تكفل لأهله بالتوجيه السليم إلى كل ما يقيم لهم الكيان القوي، والمجتمع الصالح، والدولة العادلة المهيبة. ولو أنهم لم ينحرفوا في العصور الأخيرة عن التوجه الإسلامي في أنفسهم وجماعاتهم وحكوماتهم، لما وجد الاستعمار سبيلاً إليهم، فقد أراد الإسلام لأهله أن يكونوا أقوياء بالإيمان الصحيح، والأخلاق الكريمة، والعمل الصالح، وأقوياء بالاستعداد
(1) مجلة "الأزهر" الجزء السابع -المجلد الرابع والعشرون- غرة رجب - 1372 هـ = مارس آذار 1953 م.
* "جريدة الأهرام" العدد 24220 تاريخ 7 - 3 - 1953 م تحت عنوان: "لماذا صار المسلمون هدفاً للمستعمرين؟ الإسلام يحض على التماسك والترابط والإلفة بين القلوب".
الحربي، والتأهب دائماً للدفاع عن كيان الأمة وحقوقها. وقد كانوا بالفعل هم أهل العزة في الأرض، والهيبة في عيون الأمم، عندما كانوا منقادين لهذا التوجه الإسلامي، وعاملين به، فلما تهاونوا به في المئات الأخيرة من السنين، وقصروا في الاستعداد من كل نواحيه؛ لتقصيرهم في معرفة الحقوق التي أتاحها الإسلام لهم، والواجبات التي أوجبها عليهم، طمعت دول الاستعمار حينئذ في استعبادهم، واستغلال خيراتهم، وتذرعت بأوهى الأسباب لبسط سلطانها عليهم، وكان ما قد حدثنا عنه التاريخ من استيلاء الهولنديين على جزائر أندونسيا قبل نحو ثلاث مئة سنة، ومحاولة البرتغاليين السطو على سواحل العالم الإسلامي، وتوغل الإنجليز في الهند وغيرها، واستيلاء فرنسا على الجزائر، ثم على بقية شمال أفريقيا. وهذا كله لتقصير المسلمين في معرفة ما لهم من الحقوق، وما عليهم من الواجبات التي بيّنها الإسلام لهم، ثم لتهاونهم في متابعة التوجيه الإسلامي أفراداً وجماعات وحكومات.
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى ذلك بنور الله عز وجل من وراء العصور الكثيرة، ويصدر في بيانه لأمته عن وحي صادق من الله فيما أنذرهم به، وذلك فيما رواه الإمام أحمد في"مسنده" من حديث ثوبان مولى رسول الله، وقد رواه عن ثوبان أيضاً الإمام أبو داود في الباب الخامس من كتاب: الملاحم من "سننه": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلويكم الوهن"، فقال قائل: وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا، وكراهية الموت".
فالمسلمون لما وهنت قلوبهم في العصور الأخيرة؛ لإيثارهم توافه الدنيا على المثل العليا، ولتهيبهم الموت في سبيل حقائقهم وحقوقهم، نزع الله حينئذ من صدور الأمم ما كان يملؤها من مهابة المسلمين بسبب ما شاهده من موت هممهم، وانحطاطهم فيما كان أسلافهم يمتازون به من سمو الخلق، وعلو النفس، والغيرة على الحقوق والحقائق، فأصبح المسلمون بسبب ذلك كالغثاء التافه الذي يطفو على سطح الماء في الأنهار ومجاري السيول، وحينئذ طمعت فيهم الأمم المستعمرة، وتداعت لالتهامها كما يتداعى الجائعون إلى التهام الطعام.
ثم كان ما كان من جثوم الاستعمار كالكابوس البغيض على صدور المسلمين في مشارق الأرض ومغاريها، وإن كان المحتل يجد في من ينتمي إلى الإسلام قلوباً يقلبها بأصبعه كما يشاء، وألسنة يحركها في أغراضه كما يريد، فإن تلك القلوب وتلك الألسنة -إلا من عصم الله- أصبحت مأمورة بالشعور الذي يريها الحقوق رأي العين، ويمنعها من أن تستخدم إلا في صالح المحتل، وتمكنه من احتلال ما شاء.
وفي الأمثال البديعة: أن أشجاراً رأت فأساً ملقى بجانبها، فانزعجت منه، فقالت لها شجرة منهن: لا تخافوا منه، فإنه لا يكسرنا إلا إذا دخل فيه عود منا (1).
(1) وللإمام محمد الخضر حسين في معنى هذا المثل أبيات بديعة في ديوانه "خواطر الحياة"، وعنوانها: خائنو أوطانهم:
عجت يوماً برياض أجتني
…
عبراً مما أرى أو أسمع
فلمحت الفأس ملقاة ومن
…
حولها أعناق دوح خُضَّع =
والآن وقد أخذت اليقظة تدب في أرواحنا، وانتشرت الدعوة بيننا إلى معرفة حقوقنا، والاستمساك بها، والتعويل على الدفاع عنها بأي ثمن، فقد أصبح من الواجب على كل فرد منا أن ينتظم في صفوف هذا الدفاع في كل مكان. وقد رأى المسلمون بعد الحرب العالمية الأخيرة كيف أن الله عز وجل كافأ أهل كل قطر إسلامي هب للدفاع عن حقوقه، فوهبه الظفر بأمانيه، والتوفيق بالحصول عليها بأسرع مما كانوا يأملون. وإن قيام دولتي أندونسيا وباكستان أعظم شاهد ملموس في هذه السنوات على صدق ما وعد الله به الذين يجاهدون في سبيل حقوقهم من المسلمين. ومن سنَّة الله في هذه الأمة أن يعلي مقامها، على قدر ما تعرف من حقوقها، وتؤديه من واجباتها. والدنيا كلها بين حق وواجب، وما ضاع حق سعى له أهله من طرقه المعقولة الحكيمة، ولم يخيب الله أمة قامت له بما يجب عليها.
= دوحة تلحظها قائلة
…
والأسى ساورها والفزع
هذه قاصمة الظهر متى
…
نزلت بالدوح حان المصرع
فأجابت جارة تطفئ من
…
روعها والروع نار تلذع
لا يروعنك الحديد الصلب في
…
أرضنا ينحط أو يرتفع
فهو ما لم يلق من أعوادنا
…
عضداً يسعده لا يقطع
قلت: مرحى حكمة لو ساغها
…
خائنو أوطانهم لارتدعوا