الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخ الأزهر يعترض على القبعة
(1)
قالت جريدة "الأهرام" في عددها الصادر يوم الأحد 12 أكتوبر:
(1) مجلة "الأزهر" الجزء الثاني -المجلد الرابع والعشرون، صفر 1372 هـ = أكتوبر، تشرين الأول 1952 م.
جريدة "الأهرام" العدد 24074 تاريخ 12 - 10 - 1952 م.
وقد أثار هذا التصريح بعض الرموز المعروفة في مصر بعدائها وتسخير أقلامها للنيل من الدعوة الإسلامية بتوجيه خبيث. كتب الصحفي محمد التابعي في "مجلة آخر ساعة"، وتحت عنوان ملأ كامل الصفحة:"المسلم يرتدي القبعة إذا كان جاسوساً"؛ ومما قاله: أي: أن شيخ الأزهر لا يريد أن يرتدي المسلم القبعة إلا إذا كان مكلفاً بالتجسس، ولكن الذي لم يوضحه شيخ الأزهر هو: هل يعتبر البدلة هي الأخرى مما يمتاز به المخالفون؟ وإذا كانت في نظره هكذا، فلماذا لا يصدر فتوى بتحريمها؟ "آخر ساعة" العدد 943 تاريخ 19 - 11 - 1952. ومن المعروف عن هذا الصحفي أنه يلبس القبعة، كما كتب التابعي نفسه في مقال آخر من زاويته "من أسبوع لأسبوع" في مجلة آخر ساعة تهجماً على الامام محمد الخضر حسين، لم يكن ليجرؤ على كتابته لو أن الشيخ مصري له عشيرة تحميه، وقد أنهى كلمته بالعبارة التالية: "إن صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر مشهود له بالتقى والعلم والورع
…
ولكن أشهد أنه لم يكن موفقاً في حديثه المذكور
…
حديثه المملوء بالمتناقضات"
على أثر ما أذيع خاصاً بأن اللجنة التي أُلفت لتوحيد الزي: أنها قد رأت استبعاد الطربوش كغطاء للرأس، والاستعاضة عنه بغطاء عملي مناسب؛ كالبيريه، أو القبعة، على أن يشمل توحيد الزي جميع المصريين، عدا هيئة كبار العلماء، والعلماء المشتغلين بالتدريس، توجه مندوب "الأهرام" إلى فضيلة الأستاذ الأكبر، وسأله رأيه في هذا الزي المقترح، فأفضى إليه فضيلته بهذا التصريح الهام:
إنني علمت أنه قد اقترح أن يكون الزي الموحد هو الزي الأوربي؛ لأنه أصبح زياً عالمياً، ولأنه من الناحية العملية أكثر ملاءمة لهيئات العمال والفلاحين، وهذا الزي يتألف من بنطلون وقميص بأثمان مناسبة.
وإنني أصرح بأن القبعة والبيريه ليستا زياً عالمياً، وأن مئات كثيرة من الملايين في آفاق لا حد لها من قارات الأرض لم تتخذ هذا الزي، ولذلك لم يبلغ أن يكون زياً عالمياً، ثم إنه ليس من الحتم على أية أمة أن تجاري الشكليات، حتى لو كانت عالمية، قبل أن تقتنع بأن ذلك أصلح لها.
والأصلح لجو كل أمة هو ما دلتها عليه تجارب ألوف السنين، وإذا استوحى المصلحون من هذه التجارب الطويلة ما يكون به توحيد الزي، فانهم يصيبون بذلك الغرض من التوحيد والإفادة من تجارب الزمن.
وإن مصر على الخصوص عضو ممتاز ومرموق في العالم الإسلامي الذي زاد تعداده في هذه السنوات على خمس مئة مليون، ومن غير المنتظر أبداً أن يرضى العالم الإسلامي بأن يفني شخصيته في غيره، ويندمج في الزي الأجنبي عنه المزعوم أنه عالمي، لاسيما وأن في سنن الإسلام الجوهرية التي لا يمكن أن يتساهل فيها المسلمون -إلا بانحرافهم عن دينهم- أن يكونوا
متميزين عن غيرهم. وأئمة المسلمين يعدون من الخروج على الإسلام: الانحراف عن زيه إلى زي غير المسلمين فيما اختصوا به من علاماتهم، وقد كان من علاماتهم في القرون السالفة "الزنار"، فكان لبس المسلمين يومئذ للزنار يعد في الفقه الإسلامي خروجاً عن الإسلام يستحق فاعله العقوبة.
والمتعارف الآن عند المسلمين في مختلف أقطارهم: أن القبعة هي علامة غير المسلمين التي يفترقون بها عن أهل الإسلام، فلها الآن مثل حكم الزنار فيما مضى.
وعلى كل حال، فإن شهوة الانغمار في الزي على زعم أنه عالمي -وما هو بعالمي- سيفصل المصريين -وهم قلة قليلة من المسلمين- عن إخوانهم من أمم العالم الإسلامي البالغ عددهم خمس مئة مليون، وأول ما سيكون من سوء الأثر لذلك في شطر وادي النيل الجنوبي. وقد جربت إحدى الأمم الشرقية هذا الأمر قبل نحو ربع قرن، وحملت شعبها عليه بالقوة، ومع ذلك لا يزال شعبها حزيناً آسفاً مكسور الخاطر مما حمل عليه.
ولا يزال العالم الإسلامي ينظر إلى ذلك بعين الاستنكار والاستغراب، وقد كان القائمون بهذه التجربة يتوقعون هم والذين شجعوهم على ذلك أن يكونوا قدوة فيه لأمم إسلامية أخرى.
فكان المسلمون أحصف من أن ينزلقوا في ذلك؛ لأنهم يعلمون أن به خروجاً عن سنَّة من سننهم التي احترموها والتزموها منذ أربعة عشر قرناً.
إن فكرة توحيد الزي فكرة حسنة، ولكنها في أي قطر يغلب على سكانه العمل بأحكام الإسلام ينبغي أن لا يصطدم بسنَّة من سننه ليكتب لها النجاح والبقاء والرضا من جمهور الأمة.
وقد سأل مندوب "الأهرام" فضيلته عن الزي الذي يراه ملائماً لنا، فقال: للقائمين بالأمر أن يختاروا الزي الذي يرونه ملائماً لنا، على أن يكون مخالفاً لما امتاز به غير المسلمين.