الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر السيد محمد الخضر حسيين
(1)
طلعت جريدة الأهرام في صباح يوم الأربعاء 27 من ذي الحجة سنة 1371 (17 سبتمبر سنة 1952) العدد 24049 وفي صدرها المقال الآتي:
كانت مفاجأة حين خرج ثلاثة من حضرات الوزراء: هم السادة فتحي رضوان وأحمد حسن الباقوري وعبد العزيز علي، من مجلس الوزراء أثناء انعقاده، وتوجهوا إلى جهة لم يشاؤوا ولم يشا أحدهم أن يذكر عنها شيئاً، ولكن الصحفيين رأوا أن يقتفوا أثرهم، ولشدَّ ما كانت دهشتهم بالغة حينما رأوهم يدخلون بيتاً صغيراً من البيوت الواقعة في شارع خيرت، ويطرقون باب شقة متواضعة يسكنها فضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد الخضر حسين عضو جماعة كبار العلماء ورئيس تحرير مجلة الأزهر سابقا. ولئن كانت هذه المفاجأة قد أدهشت الصحفيين، فإن فضيلة الشيخ الجليل الأستاذ محمد الخضر حسين كان أكثر منهم دهشة حين تحدث إليه الوزراء
(1) مجلة "لأزهر" الجزء الثاني -المجلد الرابع العشرون، صفر 1372 - أكتوبر تشرين الأول 1952.
مقال مأخوذ عن جريدة "الأهرام" منشور فيها تحت عنوان رئيسي يملأ الصفحة الأولى (مجلس الوزراء يعرض مشيخة الأزهر على الشيخ الخضر حسين -الشيخ الجديد يحكم عليه بالاعدام في تونس فيلجأ إلى مصر- مقابلته اليوم للرئيس).
الثلاثة، وعرضوا عليه مشيخة الأزهر باسم مجلس الوزراء واسم الرئيس اللواء محمد نجيب.
ويقول مندوب "الأهرام" لخاص: إن فضيلة الشيخ قد قبل منصب المشيخة الجليلة، ورجا أن يوفق في تحمل أعبائها.
وقد أردت أن أقف من فضيلته على ما إذا كان له برنامج معين، فقال: إنها مفاجأة لم أتمكن حيالها من أن أضع برنامجاً معيناً أو أرسم سياسة خاصة.
فسألت فضيلته: وهل لكم رأي معين في كبار علماء الأزهر الذين يشغلون مناصب هامة؟
فقال: ليس لي رأي معين في واحد من حضراتهم، وكلهم موضع إجلالي واحترامي وتقديري.
فقلت: وما رأيكم في المطلب الخاص بإقصاء أربعة من كبار العلماء الرسميين الأزهريين عن مناصبهم؟
فقال وهو يبتسم: طبعاً لن يكون هناك إقصاء، ومن رأي أن تؤخذ المسائل بالرفق واللين.
قلت: ومتى أخذتم الجنسية المصرية؟
فقال فضيلته: أخذتها في نحو سنة 1938.
قلت: إن العالم الإسلامي يسره كثيراً أن تسند مشيخة الأزهر إلى رجل جليل مثلكم بعيد عن التيارات المختلفة، فهل لكم كلمة تتوجهون بها إلى هذا العالم في هذه المناسبة؟
فقال: إن الكلمة التي أتوجه بها إلى العالم الإسلامي هي أنني أرجو المعونة من الله أن يحقق أمل المسلمين في الأزهر الشريف.
قلت: وهل تقصدون غداً (اليوم) إلى مشيخة الأزهر؟
فقال: إن فضيلة السيد أحمد حسن الباقوري سوف يحضر إلي غداً (اليوم) لأتوجه معه إلى دار الرئاسة حيث أقابل الرئيس اللواء محمد نجيب.
* من تاريخ حياته:
وقد ولد فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين في بلدة (نفطة) من أعمال تونس في سنة 1293 هجرية، فعمره الآن 78 عاماً، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره، انتقل إلى تونس، والتحق بجامعة الزيتونة، وحصل منها على شهادة العالمية في العلوم الدينية والعربية (1).
وقد استهل فضيلته حياته العملية بالعمل في الصحافة حيث أنشأ مجلة (السعادة)(2) وراح يدبج فيها الفصول القيمة يعالج بها الشؤون الدينية والأدبية.
ثم تولى القضاء في بلدة (بنزرت) والبلاد المجاورة لها، ولبث يمارس القضاء حتى سنة 1324 هـ، ثم عين مدرساً للعلوم الدينية والعربية في جامعة
(1) ليس في جامع الزيتونة شهادة بهذا الاسم، ولعل الكاتب يقصد الشهادة (العالية) والمتخرج من جامع الزيتونة يحصل على شهادة (التطويع).
(2)
مجلة "السعادة العظمى" مجلة علمية أدبية إسلامية. أول مجلة صدرت في تونس، في 16 محرم 1322 هـ واستمرت إلى العدد الواحد والعشرين الصادر في غزة ذي القعدة 1322 هـ، كانت تصدر في غزة كل شهر عربي وفي سادس عشرة
الزيتونة، وكذلك تولى التدريس في المدرسة الصادقية وهي المدرسة الثانوية الوحيدة في تونس.
* يحكم عليه بالإعدام:
وقد اشتهر بعدائه للسياسة الفرنسية إذ كان يهاجمها في مجلته، وكان يبث روح العداء لها في تلاميذه، يريد أن يغرس فيهم الروح الوطنية والحرية الإنسانية التي يدعو إليها الإسلام، فحقد عليه ساسة الفرنسيين وأكنوا له الحفيظة، ودبروا له مكيدة سياسية قدموه من أجلها إلى المحاكمة حيث حكم عليه غيابياً بالإعدام، فهاجر فضيلته إلى الشام ومعه عائلته، وفيها تولى تدريس العلوم العربية والدينية في المدرسة السلطانية.
وقد أوفده أنور باشا وزير الحربية التركية يومئذ إلى ألمانيا في مهمة سياسة، فقضى فيها نحو تسعة أشهر، رجع بعدها إلى الشام، تولى التدريس في تلك المدرسة، حتى رؤي الانتفاع به في وزارة الحربية التركية فعين محرراً عربياً في ديوان تلك الوزارة.
ورؤي مرة أخرى أن يعود إلى ألمانيا في مهمة سياسية كذلك، فذهب إليها وقضى فيها نحو سبعة أشهر، ولما رجع إلى تركيا رأى ولاة الأمور فيها -بالاتفاق معه- أن يعود إلى الشام لمتابعة دروسه هناك، ولكنه حين رجع إلى هذه البلاد وجد الفرنسيين قد احتلوها، فهرب إلى مصر لاجئاً سياسياً، وظل فيها منذ سنة 1922 م يشتغل بالكتابة والتحرير والدرس حتى سنة 1931 م.
إذ رأى فضيلة الأستاذ الأكبر المرحوم الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، أن ينتفع به في تحرير مجلة الأزهر، وكانت تسمى وقتئذ مجلة "نور الإسلام"
فعينه رئيساً لتحريرها، وقد لبث في هذه الوظيفة حتى عين فيها الأستاذ محمد فريد وجدي، فانتقل فضيلته إلى رئاسة تحرير مجلة "لواء الإسلام" التي يصدرها الأستاذ أحمد حمزة، وزير التموين السابق.
* في جماعة العلماء:
وقد قدم فضيلته رسالة علمية نال بها العضوية في جماعة كبار العلماء (1).
(1) رسالة (القياس في اللغة العربية) طبعة مستقلة، كما طبعت ضمن كتاب "دراسات في العربية وتاريخها" للإمام.