الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف الإسلام من الإلحاد والمذاهب الهدامة
(1)
سأل مندوب مجلة الصداقة التي تظهر بالقاهرة فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر عن رأيه في موقف الإسلام من الإلحاد والمذاهب الهدامة فأجاب الأستاذ الأكبر قائلاً:
إن من المذاهب التي تسيطر على بعض نفر من الناس الاتجاه إلى الإلحاد، وهو ريط الإنسانية بالطبيعة وأحداثها، دون الالتجاء إلى خالق مدبر لهذا العالم. والأزهر باعتباره مركزاً للثقافة الإسلامية، وهي ثقافة مستمدة من تعاليم الإسلام، يحارب الإلحاد في جميع صوره، ويحارب الملحدين أنّى وجدوا، لأن مثل هذا الاتجاه لو ساد جماعة من الجماعات، لتغير نظامها من استقرار إلى اضطراب، وأصبح أفرادها جميعاً ينشدون ما على وجه الأرض، ويتخاصمون ويتنابذون بالألقاب في سبيل الحصول عليه، ومثل هذه الخصومة لا تجعل هناك طمأنينة لهذه الجماعة، وتجعلها أقرب ما تكون إلى الهدم منها إلى البناء، وأميل إلى الحرب منها إلى السلام.
ومن المذاهب والاتجاهات التي يجعلها الأزهر مناوئة للإسلام وتعاليمه، الشيوعية العالمية، فضلاً عن أنها تقوم على محاربة الأديان وتمكين النزعة
(1) جريدة (الأسبوع) التونسية العدد 333 لعام 1953.
المادية وحدها في توجيه الناس، فإنها تدعو من جانب آخر إلى تقويض كثير من تعاليم الإسلام سواء أكانت في دائرة الأسرة أو في معاملة الأفراد بعضهم ببعض، أو في مجال الحرية الفردية. والإسلام إذا حارب النزعة المادية سواء أكان في الاتجاه الإلحادي أو في المذهب الشيوعي فإنه ينشد سعادة الأفراد وسعادة الجماعات والشعوب، كما يريد أن يجعل من الجزاء الأخروي جزاء له قيمته في نظر الناس يفوق الجزاء المادي.
وإذا ساد اعتقاد الناس في الله وفي جزائه في الحياة الأخرى وفي عدله في هذا الجزاء، فإنهم لا شك مقتربون بعضهم إلى بعض، وبالتالي طارحون للمنازعات الشخصية الفردية حول الرغبات المادية، لأنهم سيجدون عوضاً أيما عوض في الجزاء الأخروي بدلاً عن هذا الجزاء الدنيوي المادي. وخصومة الإسلام لتعاليم الشيوعية في الأسرة والجماعة والمجال الحيوي للفرد، وهو ينشد في هذه الخصومة أيضاً تحقيق سعادة الأفراد والجماعات وتقديس أنواع المعاملات يين الأفراد بعضهم إلى بعض وتقدير الأنساب الإنسانية في الأسرة وروابط الزيجة فيها.
والأزهر بعنايته بنشر الاسلام والثقافة الإسلامية، يبغي مكافحة سيطرة النزعة المادية والإلحادية، ويرغب رغبة كيدة في أن يكون للجانب الروحي مكانه في توجيه الإنسان، إذ الإنسان في نظر الاسلام ليس مادة جسمية فقط، وإنما هو روح قبل كل شيء يتصل بها هذا الجسم المادي.
وقال المندوب: هل لي الآن بعد أن عرفت موقف الأزهر تجاه هذا الموضوع أن أعرف على سبيل الإجمال الوسيلة التي يتخذها الأزهر في مكافحة المذاهب الهامة؟
فأجاب فضيلته الأستاذ الأكبر:
إن الأزهر كمركز للدراسات الإسلامية والعربية في العالم الإسلامي كله، ينتسب إليه أكثر من ثلاثة وعشرين ألفاً من الطلاب، سواء كانوا من مصر أو وافدين من البلاد الإسلامية الأخرى، ففي كل عام يتخرج عدد كبير منهم، يبقى في مصر بعضه، ويعود إلى وطنه البعض الآخر، وهؤلاء جميعاً متفاوتون في التوجيه، فمنهم من تخصص في مهنة التدريس، ومنهم من تخصص في الوعظ والإرشاد، ومنهم من تخصص في وظائف القضاء.
وهؤلاء جميعاً أيضاً هم دعاة للفكر الإسلامي وللتعاليم الإسلامية، دعاة للترابط بين المسلمين بعضهم ببعض وتوجيههم وجهة واحدة، ودعاة أيضاً لمكافحة المذاهب المنحرفة الهدامة بين الجماعات والشعوب الإسلامية، وبحكم اختلاف المتخرجين في الأزهر في التوجيه والمهنة، ونيط ببعضهم تثقيف النشء وتوجيهه الوجهة الإسلامية وتعليمه اللغة العربية، ونيط بالبعض الآخر تثقيف عدا هؤلاء من أفراد الجماعة وبالأخص الجماهير، فالمدرسون منهم توكل إليهم مهمة التربية في المدارس والمعاهد، والمتخرجون في الوعظ والإرشاد يوكل إليهم تثقيف الجماهير في المساجد أو في المجتمعات العامة أو في الشوارع في الثقافة الإسلامية وتوجيههم نحو مبادئ الإسلام التي من أهمها تقريب الصلة بين العبد والله، والاعتقاد بتمايز الأفراد في الرزق والكسب، وبأن الدنيا وزخرفها ليسا كل شيء في الوجود ولكن هناك متعة أخرى وجزاء آخر هو ما يقع في الدار الآخر.
والمصريون من المتخرجين في الأزهر، لا يقصر مجال نشاطهم على مصر، وإنما يذهبون لمعاونة إخوانهم ممن يتخرجون من الأزهر من البلدان
الأخرى في أوطانهم ويشتركون معهم سواء في مساعدة النشء أو في توجيه الجماهير والجماعات.
فرسالة الأزهر ليست رسالة ثقافية دينية محلية وإنما هي مهمة عالمية إسلامية، والإسلام نفسه ليس ديناً روحياً للفرد وحده، وإنما هو دين للفرد والجماعة في أصغر صورها وهي الأسرة إلى أكبر هذه الصورة وهي الناس قاطبة.
والأزهر كما يُعنى بمكافحة هذه المذاهب الهدامة في مصر وفي البلاد الإسلامية الأخرى، يُعنى بنشء آخر له أهمية، وهو توطيد حسن العلاقات بين الشعوب الإسلامية من جانب والشعوب الكتابية من جانب آخر، لأنه يرى أنه من مصلحة السلام عامة أن يوجد حسن التفاهم هذا، وذلك عن طريق نشر الإسلام في صورته الصحيحة في هذه البلدان غير الإسلامية، لإعطاء صورة واضحة عن الإسلام والحياة الإسلامية في صورها المختلفة، لأنه يرى أن إعطاء صورة سليمة صحيحة عن الإسلام كفيلة بتقدير غير المسلمين للمسلمين، وبالتالي كفيلة بتحسين العلاقات بين الفريقين.