الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شيخ الأزهر يتحدث إلى الأهرام
(1)
كتب مندوب جريدة "الأهرام" الخاص في عددها الصادر يوم الخميس 12 المحرم سنة 1372 هـ (2 أكتوبر سنة 1952 م) يقول:
لا يزال فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الجامع الأزهر يحتفظ ببساطته في كل مظهر من مظاهر الحياة العامة والخاصة، ومع أنه يشغل منصباً دينياً خطيراً، فلا تزال هذه البساطة التي درج عليها وألفها الناس عنه منذ وفد إلى مصر تلازمه. إن مجلسه لا يزال كما كان، يغشاه كل محب له، وكل مريد للعلم، كيفما كان مظهره ومخبره، ولقد أردت أن أقف على آراء فضيلته في طائفة من المشاكل الأزهرية التي تواجه المسؤولين عادة في مستهل كل عام دراسي، ولما أفضيت بهذه الرغبة، لم يشعر بالحرج الذي يشعر به الرسميون والمسؤولون عادة في مثل هذا الموقف، بل آثر أن يكون صريحاً على سجيته، واضحاً كما عرفته منذ نيف وعشرين عاماً.
(1) مجلة "الأزهر" -المجلد الرابع والعشرون، صفر 1372 هـ - أكتوبر تشرين الأول 1952 م. والحديث منشور في جريدة "الأهرام" العدد 24064 تاريخ 12 المحرم سنة 1372 هـ = 2 كتوبر تشرين الأول 1952 م، وتحت عناوين صحفية (الأزهر في مصر بمثابة الكعبة المشرفة في الحجاز -تنظيم البعوث الإسلامية تنظيم للدعوة الإسلامية- شيوخ المعاهد الدينية هم سفراء الأزهر الرسميون).
* تنظيم البعوث الإسلامية:
قلت: إن مشكلة البعوث الإسلامية لا تزال قائمة، ولعل هذه المشكلة تكون هامة إذا عرفنا أن هذه البعوث إنما هي أداة صالحة للدعاية الإسلامية لمصر في مختلف الأمم التي تدين بالإسلام. فهل تزمعون فضيلتكم أن تعملوا على أن تكون هذه البعوث الإسلامية في نظامها الحاضر، وفي طريقة إعدادها متمشية مع ما نرجوه منها، وما نؤمله فيها؟
فقال فضيلته:
لا شك أنني أقدر الرسالة التي يصح أن يضطلع بها طلاب البعوث الإسلامية في الأزهر تقديراً خاصاً، فهم رسلنا لدى أممهم، وهم ألسنتنا المعبرة عن أمانينا وآمالنا، بل لا أبالغ إذا قلت: إنهم المرايا التي تصورنا عند أممهم وشعوبهم بما فينا من خصائص ومزايا ومناقب أصدق تصوير.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن العناية بهم وبإعدادهم يجب أن تشغل حيزاً كبيراً من أوقاتنا. إنني أُعنى في هذه الأيام بوضع نظام خاص بإعدادهم إعداداً قوياً يمكنهم من أن يؤدوا رسالة الخير والسلام على خير الوجوه. إنني أَعد الأزهر في مصر بمنزلة الكعبة الشريفة التي يحج إليها المسلمون على مختلف أجناسهم ومذاهبهم؛ ليؤدوا فريضة دينية، والواجب يقتضي أن نُعني بكل ما يعود بالخير على الأزهر؛ لأنه يعود بالخير نفسه على مصر، وعلى الإسلام.
ولا أذيع سراً إذا قلت: إنني كنت أسمع الكثير من الأنباء التي تحز في نفسي وتؤلمني؛ لأنها كانت تمثل العلاقة بين طالب البعوث وشيخ رواقه تمثيلاً لا أحبه ولا أرضاه. لذلك عُنيت كل العناية بأن أعمل على أن تقوم
بين الاثنين علاقة روحية قوامها الحب والمودة والإخاء والخير، وأعتقد أن هذه العلاقة سوف تقوم وتتوطد منذ الآن، فلا أعود أسمع مرة أخرى أن شيخاً ظلم تلميذاً له، أو أن تلميذاً لم يوقر شيخه التوقير الذي يليق به.
* المكتبة الأزهرية:
قلت: والمكتبة الأزهرية. ألا ترى فضيلتكم أنها اسم على غير مسمى، وعنوان لا موضوع له؟ وما هي الفائدة من أن يقال:"المكتبة الأزهرية"؛ أي: المكتبة التي تمثل أقدم جامعة دينية في العالم، ثم تعطل وظيفتها، فلا ينتفع بها طالب ولا عالم، ولا أجنبي ولا وطني، ولم لا تكون مكتبة على غرار "دار الكتب"؟ ولم لا تنشأ فيها غرفة للمطالعة، وأخرى للبحوث والدراسات؟!.
فقال فضيلته:
إن من الحقائق الثابتة: أن المكتبة الأزهرية تشغل مكاناً غير لائق بها، ويسمح لطلاب العلم والبحث والمعرفة بالانتفاع من كنوزها النفيسة، وذخائرها العلمية التي لا يوجد لها مثيل في جميع مكتبات العالم، إنها تشتمل على آلاف من الموسوعات العلمية والدينية ذات القيمة الخاصة في عالم البحث والمعرفة، وإن الأجانب الذين يترددون على الأزهر من العلماء والمستشرقين لا يعرفون كيف ينتفعون بما تشتمل عليه من النفائس والذخائر. ولذلك فإني أعمل الآن على تدبير مكان صالح لها، على أن تتوافر في هذا المكان الشروط التي يجب أن تتوافر في مكتبة تاريخية عامة تكاد تكون عالمية؛ كمكتبة الأزهر، فيكون فيها نظام الإعارة على نظام جديد، وأن ينتفع بها الطالب والعالم والباحث على الطريقة العلمية الصحيحة. وقد أفرغُ من دراسة هذا النظام في وقت
قريب إن -شاء الله-، وسوف يكون من شأن هذا النظام أن توحد المكتبات الأزهرية التي توجد في مختلف الأروقة، وتجمع كلها في المكتبة الأزهرية الكبرى، فيشرف عليها مدير واحد، ويكون نظامها واحداً.
* المعاهد الدينية:
قلت: أعرف أن فضيلتكم تشتغلون الآن في إعداد تنقلات بين أصحاب الفضيلة شيوخ المعاهد، فهل انتهيتم إلى رأي في هذا الموضوع الهام، وقد أصبحنا في مستهل السنة الدراسية؟
قال فضيلته:
إنني أعتقد أن شيخ المعهد في الإقليم هو مظهره ورأسه المدبر، وعنوانه بين مختلف الطوائف والطبقات في هذا الإقليم، وأعتقد أن العناية باختيار شيخ المعهد بدرجته تحتاج إلى البحث عن صفات وشروط خاصة، فلا يصح أن يختار شيخ المعهد بدرجته أو أقدميته، وإنما يجب أن يختار بكفايته وأهليته ومكانته، سواء من ناحية العلم والخلق والكرامة، أو من أية ناحية أخرى.
ولذلك فإني أستضيء في بحثي بهذه الاعتبارات؛ لأني أحرص على اختيار شيوخ يتَّسمون بالخلق والكرامة والكفاية، مع الغيرة الدينية؛ ليكونوا قدوة حسنة لأبنائهم من الطلاب، وليكون شيخ المعهد في إقليمه خير سفير يمثل المسلمين في هذا الإقليم. وإني لأرجو أن أنتهي من هذه المسألة في وقت قريب جداً، أو في أيام قلا ئل؛ ليكون كل شيخ على رأس المعهد الذي يعين شيخاً له في مفتتح العام الدراسي.
* مدير مجلة الأزهر:
قلت: ولا زلت أرى أن "مجلة الأزهر" في حاجة قصوى إلى أن يوضع
لها نظام صحفي يمكنها من أن تساير النهضات الاجتماعية في مختلف مرافق الحياة، وقد قرأت أن فضيلتكم قد قبلتم استقالة مديرها السابق الأستاذ أحمد حسن الزيات.
وهنا قاطعني فضيلة الأستاذ الأكبر، وقال بصوت خفيت: إنني سوف أختار لهذه المجلة عالماً أزهرياً يجعل طابعها أزهرياً، ويمثل فيها الأزهر ببحوثه، أو بالبحوث التي ينشرها فيها. ولا شك أنني أرمي من وراء ذلك إلى أن تكون هذه المجلة اللسان المعبر عن نزعات الأزهريين المختلفة، وآرائهم في مختلف البحوث التي تتصل بالإسلام، أو بالحياة الإسلامية، فتنير الطريق أمام قرائها، سواء أكانوا مسلمين، أم غير مسلمين، في أمهات المشاكل ومعضلات المسائل العامة التي تكون موضع أخذ ورد بين الناس، وبهذا تكون المجلة قد أدت رسالتها على نحو سليم صحيح. وأنت تعرف أنني قد تحملت أعباء العمل في هذه المجلة بضع سنوات، فعرفت مواطن الضعف فيها، ومكان النقص في رسالتها، ولذلك فإني أسترشد بما لمسته من الحقائق، وأرجو أن يكون رائدي فيما أعتزمه من العمل، على أن يوضع لهذا النظام الذي يكفل لها الحياة والنمو والبقاء.
* الأزهريون عنوان الخير والمحبة والسلام:
قلت: وهل لفضيلتكم كلمة تستقبلون بها أبناءكم من العلماء والطلاب في مناسبة افتتاح السنة الدراسية؟ إنني قد رأيت في هذه الأيام الأخيرة أن هناك اتجاهات متناقضة تصور بعض الأزهريين على أن بينهم خلافاً مستحكماً.
فقال فضيلة الأستاذ الأكبر:
أنا أميل بطبعي إلى الخير والسلام، ولم أكن في يوم من أيام حياتي
متحزباً، ولا متعصباً، بل كنت دائماً أكره التحزب والتعصب، وأوثر أن آخذ الأمور باللين والرفق والهوادة، وأنت تعلم أن شيخ الأزهر هو الذي يمثل الأزهر، ودعوة الأزهر إنما تقوم على تحقيق معاني الخير والتواد والتحاب بين الناس أجمعين، والأزهريون -بحكم وضعهم ووصفهم- هم الذين يبصِّرون الناس في أمور دينهم ودنياهم، ولذلك كان طبيعياً أن يكونوا عنواناً للخير والمحبة والسلام، وأن يكونوا إخواناً متحابين في الله، متساندين؛ لتكون لدعوتهم صداها وأثرها في التوجيه والإرشاد في مختلف الأمم الإسلامية، إن علماء الأزهر هم أقرب الناس إلى معرفة أوامر الله ونواهيه، وهم من الأمة في مقام الأئمة والهداة، ومن أجل هذا وجب عليهم أن يكونوا حريصين على كل ما يرضي الله، وما يحقق الخير لهم وللناس، وأنت تعلم أن الصفح والعفو والمغفرة من صفات الرجل المؤمن بالله، العالم الإمام الحذق، وأن من أحب الأمور إلي أن تجتمع قلوبنا على ما يكون، وأن نستقبل الأيام بروح التسامح والمحبة حتى نصل إلى ما يرضي الله، ويحقق الصالح العام، والله وحده يهدينا إلى سواء السبيل.
* ترجمة تفسير القرآن:
قلت: هل أستطيع أن أقف على رأي فضيلتكم في ترجمة تفسير القرآن؟.
فأجاب فضيلته:
هل تريد ترجمة معاني القرآن، أم ترجمة تفسير القرآن؟ إن هناك فرقاً بين ترجمة معاني القرآن، وترجمة تفسيره، وعلى كل، فإني أرى أن نرجئ الكلام في هذا الموضوع حتى أتمكن من الاطلاع على ما سبق أن وضع من التقارير والمذكرات في هذا الموضوع، وإلى فرصة قريبة -إن شاءالله-.