المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل للمرأة أن تباشر الوظائف العامة - موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين - ١٠/ ٢

[محمد الخضر حسين]

فهرس الكتاب

- ‌(19)«أحَادِيثُ فِي رِحَابِ الأَزهَرِ»

- ‌المقدمة

- ‌شيخ الأزهر يتحدث إلى الأهرام

- ‌من الأستاذ الأكبر إلى أبنائه الطلبة

- ‌شيخ الأزهر يعترض على القبعة

- ‌لا قيمة للعلم ما لم تلازمه الفضائل الخلقية

- ‌سماحة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين

- ‌الميسر وورق اليانصيب

- ‌الاحتكار والربح الفاحش حرام كالربا

- ‌أكمل رسالات الله

- ‌موقف الإسلام من الشيوعية

- ‌نداء فضيلة الأستاذ الأكبر إلى العالم الإسلامي بما يجب عليه لإخوانه المسلمين في تونس والجزائر والمغرب الأقصى

- ‌هل للمرأة أن تباشر الوظائف العامة

- ‌الرفق بالحيوان في الشريعة الإسلامية

- ‌خير نظام للحكم

- ‌قضية فلسطين وإخلال ألمانيا الغربية بحيادها في اتفاقية التعويضات لإسرائيل

- ‌الدعوة إلى عقد المؤتمر الإسلامي في القاهرة

- ‌جيل يؤمن بالأخلاق

- ‌لماذا صار المسلمون هدفاً للمستعصرين

- ‌التقليد والمحاكاة في نهضتنا الحاضرة

- ‌الأزهريون والتدريبات العسكرية

- ‌الإسلام لا يقر المحسوبية

- ‌الجهاد أعلى مراتب العبادة

- ‌الاستعمار يقرب من نهايته

- ‌العلم بين الأساتذة والطلاب

- ‌الحج المبرور

- ‌جددوا أنفسكم في هذا العيد كما جددتم ثيابكم

- ‌موقف الإسلام من حوادث مراكش ومعاهدة ليبيا

- ‌إشاعات السوء وموقف الإسلام منها

- ‌لا تعرف الإنسانية حضارة قاومت الرق كالإسلام

- ‌الدعوة لتحديد النسل هدم لكيان الأمة، وجريمة في حقها

- ‌رأي الإسلام في شروط من يعينون في الوظائف

- ‌نداء الأستاذ الأكبر إلى الطلاب بمناسبة افتتاح العام الدراسي بالأزهر

- ‌مولد رسول مولد رسالة

- ‌ليس للمرأة شرعاً أن تمارس السياسة لأن درء المفاسد المترتبة على ذلك مقدم على ما فيه من مصالح

- ‌طغيان الاستعمار وخطر الشيوعية ما نأخذ من نظم الغرب وما ندع

- ‌المعاهدات في الدول الإسلامية

- ‌كفانا قوتاً من الكلام

- ‌فقدان الحياء بين النساء هو السبب في أزمة الزواج

- ‌النفاق والملق والمداراة أمام الحكام

- ‌موقف الإسلام من الإلحاد والمذاهب الهدامة

- ‌أعجبتني هذه الكتب

- ‌الملحق

- ‌قرار تعيين الإمام شيخ الجامع مع الأزهر

- ‌نص كتاب اللواء محمد نجيب إلا شيخ الأزهر

- ‌الأزهر للمسلمين جميعا ً

- ‌أزمة الشيخ

- ‌حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر السيد محمد الخضر حسيين

- ‌مشيخة الأزهر في أكمل ما شهدنا من عهود

- ‌شيخ الأزهر محكوم بالإعدام

- ‌اجتماع جماعة كبار العلماء

- ‌جماعة كبار العلماء تعلن تأييد الأستاذ الأكبر

- ‌عناوين موجزة من جريدة الأهرام

- ‌استقالة شيخ الأزهر

- ‌قبول استقالة شيخ الأزهر

- ‌رأي عالم أزهري في الاستقالة

- ‌من كتاب "حياتي في رحاب الأزهر

- ‌الشيخ ومواقف لا تنسى: للكاتب الإسلامي محمد عبد الله السمان

- ‌ قال الدكتور عبد الحليم محمود في بثه عن الغزالي:

- ‌ قال الأستاذ محمد عبد اللطيف السبكي - عضو جماعة كبار العلماء:

- ‌ قال الدكتور محمود حمدي زقزوق - عميد كلية أصول الدين بالقاهرة:

- ‌امتزاج الأزهر بالزيتونة للعلامة محمد الفاضل بن عاشور

- ‌ مشيخة الشيخ محمد الخضر حسين للدكتور محمد أحمد عوف:

- ‌ في مجمع اللغة العربية

- ‌تهنئة الأزهر الشريف بشيخة الجديد للشاعر محمد العيد

- ‌تحية للشاعر أحمد بن شفيع السيد

- ‌قصيدة الشاعر محمد صادق عرنوس إلى العلامة الجليل السيد محمد الخضر حسين بمناسبة سفره إلى الأقطار الحجازية

- ‌قصيدة الشاعر سالم ضيف

- ‌تحية الهداية الإسلامية

- ‌تحية رابطة أبناء الأزهر الأدبية

- ‌كلمة الأستاذ محمد خلق الله أحمد

- ‌كلمة الدكتور عبد الغني الراجحي

- ‌كلمة الدكتور عبد الصبور شاهين

- ‌فقيد الإِسلام والعروبة

- ‌نعي من مشيخة الأزهر

- ‌نعي من سفارة الجمهورية التونسية بالقاهرة

- ‌نعي من مجلة "لواء الإِسلام

- ‌شكر الأزهر

- ‌خطبة تأبين من العلامة الشيخ محمد العزيز جعيط

- ‌طود هوى

الفصل: ‌هل للمرأة أن تباشر الوظائف العامة

‌هل للمرأة أن تباشر الوظائف العامة

؟ (1)

عادت مسألة المرأة إلى الظهور على مسرح الحياة الاجتماعية والسياسية، وعادت (المرأة) نفسها تنادي بأن لها حقوقاً معينة، ومن هذه الحقوق: أن تكون عضواً في البرلمان، ووكيلاً للنائب العام، وضابطاً من ضباط البوليس، ومحضراً يعلن الأحكام، ويباشر عمليات الحجز التحفظي، أو الحجز على مختلف أنواعه. وهي تقول في هذا المقام: إنه ليس بدعاً في تاريخ الأديان، ولا في فقه التشريع أن تباشر مثل هذه المهام الاجتماعية والسياسية، وخاصة في هذا العصر الذي استطاعت المرأة فيه أن تظفر من الحقوق العامة بحق المساواة والحرية. ويمكن أن يقال في مقام التدليل على صحة هذه الدعوى: إن الحكومة قد وافقت أخيراً على أن تنشئ المرأة حزباً سياسياً، وهذه الموافقة فيها اعتراف ضمني بأن الحكومة قد أقرت المرأة على وجهة نظرها. ولكن فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر يرى أن في هذا قلباً للأوضاع المنطقية،

(1) مجلة "الأزهر" الجزء الخامس -المجلد الرابع والعشرون-، جمادى الأولى 1372 هـ = يناير كانون الثاني 1953 م.

* جريدة (الأهرام) العدد 24153 تاريخ 30 - 12 - 1952 م تحت عنوان: "هل للمرأة أن تباشر الوظائف العامة؟ الأستاذ الأكبر يرى أن هذا يتنافى وأحكام الشريعة الإسلامية، ويقول: إن الأزهر قد أعلن كلمة الشريعة في هذا الموضوع".

ص: 47

وأن المرأة قد جاوزت في هذه الدعوى القدر المحدود لها بحكم طبيعتها في الحياة العامة.

وقد استهل فضيلته حديثه في هذا الموضوع الخطير بالسؤال عن الغاية التي تهدف إليها المرأة من وراء هذه الدعوى، وقال: هل تريد أن تهجر البيت؛ لتقضي وقتها بين الأندية والمجتمعات والمحافل السياسية في مناقشة القوانين، وفيما يجب أن يفرض من العقوبات، ويرسم من الحدود، وما إلى ذلك من مسائل التشريع والتقنين؟ إن كان هذا مقصدها، فهل لها أن ترشد أهل الصواب والمنطق والحق في أي عصر إسلامي كان هذا؟ وفي أي عهد من العهود التي ازدهرت فيها تعاليم الإسلام، وانتشرت أحكامه ومذاهبه تولت المرأة شؤون الولاية العامة؟!.

ثم استطرد فضيلته فقال: إن الشريعة الاسلامية تحرم اختلاط المرأة بالرجال.

والدعوى بمنح المرأة حقاً سياسياً إنما هي وسيلة من وسائل الاختلاط، تريد المرأة في هذا العصر أن تتذرع بها؛ لتكسو اختلاطها بالرجال ثوب المصلحة العامة، وهذا عمل لا تقره الشريعة الإسلامية، وليس جائزاً في أي مذهب من مذاهبها؛ لأن الشريعة قد فطنت إلى ما ينجم عن اختلاط المرأة بالرجل من مضار اجتماعية وخيمة، ومن شرور لو قلنا: إنها محتملة الوقوع، لكان ذلك الاحتمال كافياً لمنعها ودرئها. وإذا كانت المرأة تريد في سبيل تبرير دعوتها أن تلجأ إلى السباب، وإلى الغض من أقدار سلف العلماء، والطعن عليهم، والنيل من كرامتهم، وتحقير شأن من يريد أن يبصرها بالصواب والرأي السديد، فإنما تكون قد أقامت الدليل القاطع على أنها لا تصلح عضواً في

ص: 48

معترك الحياة؛ لأن مثل هذا الطريق لا يلجأ إليه إلا من ضعفت حجته، واختلطت عليه موازين الأشياء ومقاييس الأمور.

ولقد سبق أن أفتت لجنة الفتوى في الأزهر فتوى شرعية بينت فيها -بمختلف طرق التبيين، على مختلف الآراء الفقهية- ما للمرأة من حقوق، وما عليها من واجبات، وفصلت لها نوع الولاية، وعرفتها أن الولاية العامة هي السلطة الملزمة في شأن من شؤون الجماعة؛ كولاية سن القوانين، والفصل في الخصومات، وتنفيذ الأحكام، والهيمنة على القائمين بذلك، وقالت: إن الشريعة الإسلامية قد قصرتها على الرجال إذا توافرت فيهم شروط معينة، وزادت على ذلك في مقام التبيين: أنه لم يثبت أن شيئاً من هذه الولايات العامة قد أسند إلى المرأة، لا مستقلة، ولا مع غيرها من الرجال، وقد كان في نساء الصدر الأول مثقفات فضليات، وفيهن من تفضل كثيراً من الرجال؛ كأمهات المؤمنين، وساقت قصة سقيفة بني ساعدة، في اختيار الخليفة الأول بعد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ بويع أبو بكر البيعة العامة في المسجد، ولم تشترك امرأة مع الرجال في مداولة الرأي في السقيفة، ولم تُدع لذلك.

وقد أفاضت لجنة الفتوى في بيان أحكام الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بما يجب أن تمنع منه المرأة من الوظائف العامة، ودعمته بالبراهين القطعية، والأسانيد التاريخية، والأدلة اليقينية، وكان المأمول أن تقف المرأة عند حدودها التي رسمتها لها الشريعة الإسلامية، في بلد إسلامي، ودولة إسلامية، وأن تعمل من جانبها على أن تسترشد بما يراه أهل الرأي من الفقهاء في أمرها، فتلزم بيتها في رعاية زوجها وكنفه، ولكنها عادت مرة ثانية إلى المناداة بوجوب منحها حقوقاً سياسية معينة، ومع أن الشريعة الإسلامية قد أفسحت لها الطريق في

ص: 49

كل ما يتعلق بمسائل الولاية الخاصة، وقد ساوتها بالرجل في هذا النوع من الولايات؛ إذ جعلت لها حق التصرف في أموالها بالبيع والهبة والرهن والإجارة، وغير ذلك من مختلف ضروب التصرفات، وأجازت لها الوصاية على الصغار، والولاية على المال، والنظارة على الأوقاف، إلا أنها لم تقنع بما رسمته لها الشريعة الإسلامية، وأرادت أن تدفع نفسها بنفسها، وأن ترسم الطريق حسب أهوائها وغاياتها؛ لتتولى وظائف الدولة التي تدخل في نطاق الولاية العامة؛ كسن القوانين، والفصل في الخصومات، وتنفيذ الأحكام

إلخ.

وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت القوامة على النساء للرجال، وقد قال الله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء: 34]، وجعلت حق طلاق المرأة للرجل وحده، ومنعتها السفر دون محروم أو زوج أو رفقة مأمونة، وجعلت لها حق حضانة الصغار دون الرجل، وأوجبت على الرجل حضور الجمعة والجماعة والجهاد، ولم توجب عليها شيئاً من ذلك. أقول: إذا كانت الشريعة الإسلامية قد رسمت لها حدودها، وبينت لها مهمتها، فما بالها تريد أن تخرج على أحكامها؛ لتزج بنفسها في انتخابات تدافع فيها وتدفع، وتختلط في ميدانها بالجماعات والأفراد من الرجال، وهي بطبيعة أنوثتها غير مأمونة ولا معصومة؟! وما بالها تريد أن تريد أن تثير حولها الزوابع، وتخوض المعامع، في الوقت الذي كفتها فيه الشريعة مؤونة الكفاح، وجنبتها مواطن الزلل، ورسمت لها من الحدود ما يتكافأ وطبيعتها في ميدان العمل المنتج المفيد لها وللجماعة التي تعيش فيها.

وأعتقد: أنه من المستحسن أن أسوق بعض ما رأته لجنة الفتوى في مقام التدليل الفقهي على منع المرأة من الاشتغال بوظائف الولايات العامة،

ص: 50

فقد استندت إلى ما رواه البخاري في "صحيحه"، وأخرجه أحمد في "مسنده"، والنسائي في "سننه"، والترمذي في "جامعه".

قال البخاري: حدثنا عثمان بن الهيثم، قال: حدثنا عوف عن الحسن البصري، عن أبي بكرة، قال: لقد نفعني الله بكلمتين أيام الجمل: لما بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن فارس ملَّكت ابنةَ كسرى، قال:"لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة"، وقد ذهبت اللجنة في استنتاج المراد من هذا الحديث، وفي استنباط دلالته العامة مذهب صدق، فقالت: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يقصد بهذا الحديث مجرد الإخبار عن عدم فلاح القوم الذي يولون المرأة أمرهم؛ لأن وظيفته عليه الصلاة والسلام بيان ما يجوز لأمته أن تفعله حتى تصل إلى الخير والفلاح، وما لا يجوز لها أن تفعله حتى تسلم من الشر والخسار، وإنما يقصد: نهي أمته عن مجاراة الفرس في إسناد شيء من الأمور العامة إلى المرأة، وقد ساق ذلك بأسلوب من شأنه أن يبعث القوم الحريصين على فلاحهم وانتظام شملهم على الامتثال، وهو أسلوب القطع بأن عدم الفلاح ملازم لتولية المرأة أمراً من أمورهم.

ولا شك أن النهي المستفاد من الحديث يمنع كل امرأة في أي عصر من العصور أن تتولى أي شيء من الولايات العامة، وهذا العموم تفيده صيغة الحديث وأسلوبه، كما يفيده المعنى الذي من أجله كان هذا المنع.

وهذا هو ما فهمه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وجميع أئمة السلف، لم يستثنوا من ذلك امرأة ولا قوماً، ولا شأناً من الشؤون العامة، فهم جميعاً يستدلون بهذا الحديث على حرمة تولي المرأة الإمامة الكبرى، والقضاء، وقيادة الجيوش، وما إليها من سائر الولايات العامة.

ص: 51

هذا الحكم المستفاد من هذا الحديث -وهو منع المرأة من الولايات العامة- ليس حكماً تعبدياً يقصد مجرد امتثاله دون أن تعلم حكمته، وإنما هو من الأحكام المعللة بمعان واعتبارات لا يجهلها الواقفون على الفروق الطبيعية بين نوعي الإنسان:(الرجل والمرأة)، ذلك أن هذا الحكم لم ينط بشيء من وراء (الأنوثة) التي جاءت كلمة (امرأة) في الحديث عنواناً لها، وإذاً، فالأنوثة وحدها هي العلة فيه.

وواضح أن الأنوثة ليس من مقتضاها الطبيعي عدم العلم والمعرفة، ولا عدم الذكاء والفطنة؛ حتى يكون شيء من ذلك هو العلة؛ لأن الواقع يدل على أن للمرأة علماً وقدرة على أن تعلم كالرجل، وعلى أن لها ذكاء وفطنة كالرجل، بل قد تفوق الرجل في العلم والذكاء والفهم، فلا بد أن يكون الموجب لهذا الحكم شيئاً وراء ذلك كله.

إن المرأة بمقتضى الخلق والتكوين مطبوعة على غرائز تناسب المهمة التي خلقت لأجلها، وهي مهمة الأمومة، وحضانة النشء وتربيته، وهذه قد جعلتها ذات تأثير خاص بدواعي العاطفة، وهي -مع هذا- تعرض لها عوارض طبيعية تتكرر عليها في الأشهر والأعوام من شأنها أن تضعف قدرتها المعنوية، وتوهن من عزيمتها في تكوين الرأي، والتمسك به، والقدرة على الكفاح، والمقاومة في سبيله، وهذا شأن لا تنكره المرأة من نفسها.

ولا تعوزنا الأمثلة الواقعية التي تدل على أن شدة الانفعال، والميل مع العاطفة من خصائص المرأة في جميع أطوارها وعصورها.

فقد دفعت هذه الغرائز المرأة في أسمى بيئة نسوية إلى تغليب العاطفة على مقتضى العقل والحكمة.

ص: 52

وآيات من سورة الأحزاب تشير إلى ما كان من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وتطلعهن إلى زينة الدنيا ومتعتها، ومطالبتهن الرسول أن يغدق عليهن مما أفاء الله به عليه من الغنائم؛ حتى يعشن كما تعيش زوجات الملوك ورؤساء الأمم، لكن القرآن قد ردهن إلى مقتضى العدل والحكمة، من ذلك:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (28) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28 - 29].

وآية أخرى من سورة التحريم تحدث عن غيرة بعض نسائه عليه الصلاة والسلام، وما كان لها من الأثر في تغليبهن العاطفة على العقل؛ مما جعلهن يدبرن ما يتظاهرن به على الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد ردّهن القرآن إلى الجادة:{إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: 4].

هذه هي المرأة في أسمى البيئات النسوية، لم تسلم من التأثر الشديد بدواعي العاطفة، ولم تنهض قوتها المعنوية على مغالبة نوازع الغيرة، مع كمال إيمانها، ونشأتها في بيت النبوة والوحي، فكيف بامرأة غيرها لم تؤمن إيمانها، ولم تنشأ نشأتها، وليس لها ما تطمع به أن تبلغ شأوها، أو تقارب منزلتها؟!

فالحق أن المرأة بأنوثتها عرضة للانحراف عن مقتضى الحكمة والاعتدال في الحكم، وهذا ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بنقصان العقل، ورتب عليه -كما جاء في القرآن الكريم-: أن شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل.

ومجمل القول في هذا كله: أن المرأة لا يجوز لها أن تباشر عملاً من

ص: 53

أعمال الولاية العامة مطلقاً، ولا يجوز لها كذلك أن تغشى الأندية والمحافل والمجتمعات العامة، مهما كان السبب الذي يدفعها إلى ذلك؛ لأننا أمة إسلامية، والإسلام يُلزمها هذه الحدود، ولا يجيز لها أن تتعداها.

ص: 54