الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مولد رسول مولد رسالة
(1)
يحتفل المسلمون الآن بمولد خير الخلق، المبعوث بالهدى ودين الحق.
إنه مولد الإنسان الكامل، الذي ولدت بمولده رسالة الإنسانية الكاملة.
والإنسان الكامل الذي نحتفل بذكرى مولده، قد تمكن -في ثلاث وعشرين سنّة هلالية قضاها في حياته النبوية على الأرض- من أن يقدم للتاريخ أنموذجاً للأمة المثالية يعرضه على الأجيال منذ نحو أربعة عشر قرناً؛ لتقوم حجة الله على الناس فيما ينبغي لهم أن يأخذوا به، وما ينبغي لهم أن يتحرجوا منه، فيكونوا هم أيضاً صورة أخرى من صور الأمة الكاملة التي صنعها الله بيدي حامل أكمل رسالاته، فإن فعلوا، كانوا من أهل الهدى ودين الحق، وفتح الله لهم كنوز السعادة، ينعمون فيها بنعمة الطمأنينة والرضا إلى أن يلقوا الله راضياً عنهم، وهم راضون عنه.
إن هذا المولود الكامل - صلوات الله وسلامه عليه - لم يكن في زمن مضى، ولا في زماننا هذا بحاجة من الإنسانية إلى تخليد ذكراه؛ فإن الله قد رفع له ذكره منذ شرح صدره للهدى والحق، وقرن اسمه إلى اسمه عز وجل في شهادة الملايين له آناء الليل وأطراف النهار؛ بأنه أدى رسالة الله كاملة، واعترفت
(1) مجلة "الأزهر" الجزء الرابع -المجلد الخامس والعشرون- غرة ربيع الثاني 1373 هـ -ديسمبر كانون الأول- 1952 م.
له الأمم -على اختلاف العصور- بأنه صنع من أمته أمة لا يعرف تاريخ الإنسانية أمة بلغت شأوها في فضائلها، وأقدار ساداتها وعظمة عظمائها.
إن هذا المولود العظيم - صلوات الله وسلامه عليه - ليس في حاجة إلى إحياء ذكراه وتخليدها؛ فإن الدهر يفنى ولا تفنى ذكراه الطيبة الخالدة، ولكننا نحن- معاشر المسلمين المنتسبين إليه، المغتبطين بأننا من أهل الإجابة لدعوته- فىِ أشد الحاجة لأن يذكر بعضنا بعضا بأن سعادتنا وهناءنا، وكرامتنا وقوتنا، وصدق انتسابنا إلى صاحب هذه الذكرى، كل ذلك موقوف على أن نعود إلى الأخذ برسالته وأنظمتها: في أنفسنا، وييوتنا، وأسواقنا، ومجتمعاتنا، ومحاكمنا ودور حكمنا، في كل ما اشتملت عليه هذه الرسالة الكاملة من أغراض ومبادئ وأخلاق، وأحكام ومقاصد.
علينا أن نحتفل اليوم بإحياء ذكرى (رسالة الإسلام) في عمومها وشمولها. وأول المظاهر فىِ إحياء هذه الذكرى: أن نتخذ الأسباب للعمل بها، وأول العمل بها أن يعمل بها كل مسلم في ذات نفسه، وفيما بسط الله عليه سلطان مسؤوليته وولايته من أهل وولد، أو أمة وبلد.
إن الرسالة التي بعث الله بها صاحب هذه الذكرى - سلام الله ورحمته عليه - تنحصر في كلمتين اثنتين هما: (الحق)، و (الخير)، وإن وراء هاتين الكلمتين من مدلولات المعاني والأماني ما لا آخر له، ومجموع ذلك هو الإسلام الذي بعث الله به صاحب هذه الذكرى صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف أحداً يخالف الحق والضرِ، أو يمتعض منهما، ويعارض في إقامتهما وظهورهما، إلا أن يكون مبطلاً، أو شريراً. ولذلك كانت رسالة الإسلام عامة إلى جميع الأمم في كل زمان ومكان.
وجدير بكل من يحب الحق والخير أن يتدبر رسالة الإسلام، وما اشتملت عليه منهما؛ ليعمل بما انطوت عليه من حق وخير بقدر ما يرى فيها من مواتاة الحق والخير، وأن يصلي ويسلم عند ذلك على صاحب هذه الرسالة؛ لأنها رسالة الإنسانية الكاملة، والإنسان -من حيث هو إنسان- جدير به أن يؤمن بها، وأن يكون من أوليائها، وأن يحيا عليها إلى أن يموت عليها.
أيها المسلمون!
إذا كان الإنسان -من حيث هو إنسان- جديراً به أن يتدبر الرسالة التي ولدت بمولد هذا الرسول الكريم، وأن يعمل بها، وأن يصلي ويسلم من أعماق قلبه على المختار من الله لحملها، والدعوة إليها، وطبع أمم الأرض بطابعها، فأنتم أجدر الناس بأن تعاهدوا الله في هذه الذكرى المباركة بأن تجعلوا تدبر رسالة الإسلام أعظم أعمالكم، وأن تؤمنوا بكل ما انطوت عليه من حق وخير، وأن تعيدوا إليها جمالها بما يراه الناس من ذلك في أعمالكم. وهذا العهد أوفق العهود لذلك، ولاسيما في ذكرى مولد خير الخلق، المبعوث من الله بالهدى والحق، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه، وكل من عمل برسالته.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.