الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأي عالم أزهري في الاستقالة
تلقيت بتاريخ 18 شعبان 1397 هـ كتاباً من فضيلة الأستاذ عبد الحكيم حمادة من علماء الأزهر برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة عن طريق الصديق الأستاذ سعدي أبو جيب، تحدث فيه كاتبه عن الإمام ومشيخة الأزهر ومما جاء فيه قوله (1):
الإمام الأكبر المغفور له الشيخ الخضر حسين، عالم، عامل، زاهد، عابد، عارف بالله، صغرت الدنيا في عينيه،
…
فكان بحق شيخ العلماء العارفين وإمام الزاهدين العابدين، عرفته شيخاً للأزهر الشريف، فقاده في فترة هوجاء عاصفة الرياح تدمر كل شيء، فقاد الأزهر إلى بر السلام في تلك الفترة.
أرادت السلطات الحاكمة بتعليمات مستوردة أن تغرس غراسها في عقول أبناء الشعب المصري، فرأت الأزهر الشريف عائقاً دون تحقيق أمالهم، فطلبت من فضيلته تغيير ملامح الأزهر، وأعدت له مشروعاً أسمته (تطوير الأزهر الشريف) واضعة نصب عينيها أن يكون الأزهر مدرسة علمية فقط، فأبى الشيخ وثار على هذا القانون ثورة يسجلها له التاربخ، ووقف الشعب
(1) الكتاب موجه إلى علي الرضا الحسيني.
وراءه، وهو يناضل سلطان البغي حينذاك صابراً محتسباً، فألقى الله في قلوبهم الرعب والخوف، فهادنوه مؤقتاً، حتى يهدأ الشعب من ثورته ضدهم. التف الشعب حول شيخه يطلب المزيد من علمه، فتحولت داره إلى حلقة دينية تجمع صفوة العلماء والمفكرين وأبناء الشعب العامل.
غيَّرت السلطات الحاكمة حربها ضد الشيخ، فبدأت تكيد له المكائد باتجاهها نحو شراء بعض من لا خلاق لهم من أبناء الأزهر بحجة أن خريجي كلية الشريعة وأصول الدين ليس لهم حظ في الحياة، وأغلقوا أبواب الرزق عليهم، وتكاملت حلقات المؤامرة وترابطت، فثار الطلبة على شيخهم، وكم حاول توضيح الرؤيا أمام أبنائه، ولكن بدون جدوى، والسلطة تزيد الثورة اشتعالاً، فشغلت الشيخ بأبنائه، وعزيز على النفس الأبية أن تقهر العدو في الخارج ومن داخلها كان أبناؤه يقهرونه، فاضطر رضوان الله عليه أن يقدم استقالته بعد أن أوضح أبعاد المكيدة لأبنائه. ولكن ثورة الشباب صمّت الآذان عنه، واعتكف في بيته، فهلل الشيطان انتصاراً على قهر الشيخ وقبلت السلطات استقالته فور تقديمها، واعترفت للطلاب الثائرة بشهاداتهم وعينتهم في وظائف عالية.
رأت السلطات الحاكمة أنه لا يمكن تنفيذ قانون تطوير الأزهر إلا إذا اختارت شيخ الأزهر بمواصفات خاصة، وسلبته جميع حقوقه، وأسلمتها إلى وزارة أنشأتها خصيصاً لذلك، حتى يكون الوزير طوع يدهم.
وبهذا تمكنت السلطات من تنفيذ قانون تطوير الأزهر، وحولته إلى مدرسة علمية. وأدخلت فيه غير أبنائها حتى لا يقوم للأزهر قائمة، وهكذا تم لها ما أرادوا، وغرسوا ما غرسوا، ولكن أرض مصر بعون الله أبت على الغرس
أن ينبت، ومن نبت خرج هزيلاً فمات، ورفض نيل مصر أن يسقيها، فحفظ الله دينه. {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران: 54]. وعاد الأزهر صلابة وقوة يؤدي حقه نحو الله. ولما توفي شيخنا خرجت مصر عن بكرة أبيها تشيع قائد ثورتها الدينية إلى مثواه الأخير.
رحم الله شيخنا وأنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
عبد الحكيم حمادة
من علماء الأزهر الشريف
برابطة العالم الإسلامي
18/ 8/ 1397 هـ