الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس للمرأة شرعاً أن تمارس السياسة لأن درء المفاسد المترتبة على ذلك مقدم على ما فيه من مصالح
(1)
قال مندوب "الأهرام":
كان فضيلة الأستاذ الأكبر أمس عاكفاً على دراسة طائفة من المراجع الفقهية التي تحدثت في استفاضة وإبانة عن حقيقة موقف المرأة في نظر الشريعة الإسلامية، وقد ذكر لي فضيلته، أنه سوف يضع مذكرة مدعمة بالأدلة والبراهين القاطعة التي لا تدع مجالاً لقائل بأن للمرأة أن تمارس شأناً من شؤون السياسة العامة، وسوف يفرغ من هذا البحث في خلال أيام قليلة.
* الإسلام دين الفطرة:
ومضى الأستاذ الأكبر فقال: لست أريد بهذا البحث أن أدخل في جدل حول موقف المرأة نفسها، ولكني ساتحدث عن حكم الشريعة الإسلامية بوجه عام.
ومن الحقائق الدائرة على الألسنة، المقررة بين علماء الإسلام: أن الإسلام دين الفطرة، وكان ذلك من أسباب سرعة انتشاره، واستمرار حيويته، وازدياد الإقبال عليه في كل العصور، ولو أتيح له أن يُعرف كما هو، لكان
(1) مجلة "الأزهر" الجزء الرابع -المجلد الخاص والعشرون- غرة ربيع الثاني 1373 هـ - ديسمبر كانون الأول- 1952 م.
هو نظام الإنسانية كلها.
ومن مظاهر كون الإسلام دين الفطرة: أنك مهما استقصيت أوامره، لا تجده يأمر إلا بما فيه مصلحة عامة، ومهما أحصيت نواهيه، لا تجده ينهى إلا عما فيه مفسدة، والإسلام يترك غير المسلمين يتحاكمون إلى أهل ملتهم، وإذا تحاكموا لدى القاضي المسلم، حكم بينهم، أو بينهم وبين المسلمين بالعدل؛ فإن العدل تابع للتحاكم، لا للإسلام، وذلك شأن دين الفطرة.
وقد توصل علماء الإسلام إلى أن يستخرجوا من مجموع نصوص الشريعة وأحكامها قواعد عامة؛ كاستخراجهم قاعدة: الضرر يزال، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار"، ويتفرع على ذلك أحكام لا تحصى في الفقه والقضاء.
ثم قال: إن القواعد شأنها أن تؤخذ من موارد متعددة في الشريعة، ولهذا كانت في نفسها قطعية، وإنما الظن القوي في تطبيقها، وذلك كاف في حق المجتهد.
وقد يرى واضع القانون الضرر الصغير في الواقع، فيمنعه، ويبيحه الشارع؛ لأنه وقاية من ضرر كبير، ومن هنا نشأت قاعدة: "ارتكاب أخف الضررين لما، ومن أصولها قول الله عز وجل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا] [الكهف: 79]؛ فإن عيب السفينة ضرر، لكنه أخف من أخذها غصباً.
وينظر بعضهم إلى مصلحة تظهر من شيء، ولا تقع أنظارهم على المفاسد التي تنجم عنه، فيظهر لهم أنه أحكم من منعه؛ نظراً إلى مفاسده، ومن هنا نشأت في الشريعة قاعدة:"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" ومن ذلك ما يدعيه القائلون بإعطاء المرأة حقوق الرجل السياسية؛ فإنهم نظروا
إلى ما في المرأة من مزايا، وغفلوا أو تغافلوا عما يترتب على ذلك من مضار تشاهد في كل مكان، فدفعُ المضار مقدم على ما يذكرون من المزايا.
ثم تحدث الأستاذ الأكبر مبيناً ما في الشريعة الإسلامية من النصوص والبراهين المؤيدة لهذا، فقال:
من قواعد التشريع الإسلامي قاعدة: "العادة محكمة" أي: أنها تجعل حكما في إثبات الأحكام إذا لم يعارضها نص، وابتنى عليها قولهم:"الممتنع عادة كالممتنع حقيقة"، وقولهم:"المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً"، وقولهم:"التعيين بالعرف كالتعيين بالنص"، وقولهم:"لا ينكر تغير الأحكام بتغير الزمان"؛ أي: أن الأحكام التي كانت مبنية على عرف طرأ عليه التغير، تتغير بتغير ذلك العرف، فتبنى دائماً على العرف الذي لا يخالفه نص.
ثم قال: إن القواعد -كما قلنا- مأخوذة من النصوص، والنصوص لا تأتي إلا للمصلحة العامة، والمصلحة العامة تتمشى دائماً مع الفطرة الإنسانية وسعادتها، فإذا لم تجز الشريعة للمرأة أن تمارس حقاً من حقوق السياسة، فإنما قصدت بذلك الخير الشامل للمجتمع الإنساني؛ فإن وظيفة المرأة الأولى أن تكون أما، وأن تكون ربة بيت، وقد أبيح لها أن تمارس الوظائف التي تتمشى مع طبيعتها، فإذا هي أرادت أن تتعداها، فإنما تكون قد خرجت عن الطريق التي رسمت لها، والتي تتفق مع طبيعة تكوينها، وفي هذا مضرة بها، ومضرة بالمجتمع، وشر بالإنسانية جمعاء يجب أن نتكاتف على دفعه، والله الموفق.