الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميسر وورق اليانصيب
(1)
قابل مندوب جريدة "المصري" صاحبَ الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وسأله عن أحكام الإسلام في الميسر واليانصيب، فقال فضيلته:
من الناس من يعد نفسه من ذوي الأخلاق الفاضلة، وهو مولع بلعب القمار، وهذا لا يعد في نظر الشارع وأهل الفضل ذا أخلاق كريمة؛ فإنه قصد إلى الاستيلاء على مال غيره بغير حق، فهو والسارق سواء، لا فرق بينهما، إلا أن السارق يمد يده إلى مال غيره بوجه خفي، والمقامر يمد يده إلى مال غيره، ولا يدري هل يصل إليه، أو يستولي غيره على ماله، فيبقى حزيناً كاسف البال، وهو على كلتا الحالتين منظور إليه بمقت وذم، ففي الحالة الأولى ممقوت؛ لأنه استولى على مال غيره بغير حق من عمل أو أمر آخر، وفي الحالة الثانية مذموم محتقر؛ حيث طمع في مال غيره، ومد يده إليه، غير أنه لم يصل إليه.
فالشارع الحكيم أباح للإنسان أن يتمتع بما كان ملكاً لغيره إن دفع له في مقابله عملاً أو شيئاً كان في ملكه، فقال تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29].
(1) مجلة "الأزهر" الجزء الثالث -المجلد الرابع والعشرون، غرة ربيع الأول- 1372 هـ = نوفمبر، تشرين الثاني 1952 م.
وصاحب القمار لم يتاجر بماله، بل تاجر بأخلاقه قبل كل شيء.
ولا يغرنك فعل الأمم الأوربية، واكتفاؤها برضا صاحب المال في ظاهر الأمر؛ فإنه إذا أخذ منه المال، انقلب رضاه غيظاً؛ بخلاف من اكتسب بماله عملاً، أو بضاعة ينتفع بها.
والشارع الحكيم راعى في المعاملات أن تكون عن رضا من صاحبها ظاهر وباطن، وذلك وجه إباحته للتجارة، وحله للبيع، ومنعه من القمار، وإذا كان الأوربيون أغنياء، فإن لديهم معامل ومزارع متقنة، والقمار قليل بالنسبة إلى مصانعهم ومزارعهم وتجارتهم، والشارع الحكيم يحرم على المسلمين أن يدفعوا مالهم طمعاً في أن ينالوا من إنسان آخر مثله، فيعودوا بالمالين جميعاً، فمن المحتمل أن يذهب مال المقامر جملة، ولا يصل به إلى عمل أو إلى بضاعة.
* اليانصيب للأعمال الخيرية:
أما اليانصيب للأعمال الخيرية، فهو قمار بلا ريبة، وقد كان العرب في الجاهلية -كما ذكر ابن قتيبة في "الميسر والقداح"- عند شدة البرد، وجدب الزمان، وتعذر الأقوات على أهل الفقر والمسكنة - يقامرون بالقداح على الإبل، ثم يجعلون لحومها لذوي الحاجات منهم والفقراء، وهذا ما قصده القرآن بالمنفعة في قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219].
ومع هذا، قد جعله القرآن بمنزلة الخمر؛ إذ قرنه بها في الآية.
والشارع الحكيم يريد من أتباعه أن يكونوا خياراً كراماً، يدفعون أموالهم التي لا يتاجرون بها إلى الفقراء وذوي الحاجة العامة قاصدين وجه الله ورضوانه، دون أن يقصدوا إلى سلب مال غيرهم؛ فإن ذلك إثم كبير.