الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنّ اختلافَ ألوانِ البشرِ آيةٌ دالّةٌ على عظمةِ اللهِ عز وجل، وينبغي أنْ نُدَقِّقَ فيها، وأنْ نقفَ عندها، وأنْ نبْحثَ عن السّرِّ الذي تنْطوي عليه، إنَّك إنْ نظرْتَ بِعَيْنِكَ إلى وُجوهِ الناسِ فلا ترى إنساناً له لونٌ كلوْنِ آخرَ، فلو صوَّرْتهمْ بآلةٍ لوجَدْتَ أنّ اللّونَ موحَّدٌ تقريباً، ولكنك إذا نظرْتَ بِعَيْنِكَ إليهم رأيْتَ كلَّ إنسانٍ له لونٌ خاصٌّ، بل إنّ العينَ البشريّةَ كما هو ثابتٌ تفرّقُ بين ثمانمئةِ ألفِ درجةٍ من اللونِ الواحدِ! فهي ذاتُ الدِّقَّةِ العاليةِ التي تفرّقُ بين الدّرجاتِ الدقيقة في التّلوينِ.
عَنْ أبِي نَضْرَةَ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَاّ بِالْتقْوَى".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "إِنَّ الله لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
البيت مالٌ، والمركبةُ مالٌ، و"إِنَّّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمَوْالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ".
الشيب نور المؤمن
مِن المعلوماتِ المعروفةِ عن خلقِ الإنسانِ أنّ في رأسِ كلِّ إنسانٍ مِن مئةِ ألفٍ إلى مئتين وخمسينَ ألفَ شعرةٍ، وأنّ العشرةَ الواحدةَ يزيدُ عمرُها على ثلاثِ سنواتٍ، وأنّ الإنسانَ يحتاجُ من أجلِ أنْ يجدّدَ شعرَهُ بأكملِه إلى مئتي يومٍ، وفي الإنسانِ مصانعُ للشّعرِ بعددِ ما في جسمِه من الشّعرِ، فكلُّ شعرةٍ لها مصنَعٌ، تُنتَجُ وتنمو إلى أنْ تبلغَ أشدَّها، ثمّ تهرمُ فتموتُ.
ولكلِّ شعرةٍ وريدٌ، وشريانٌ للتغذيةِ، وعضلةٌ للتحريكِ، تعملُ هذه العضلةُ في أثناءِ البردِ، ولكلّ شعرةٍ عصَبٌ يحرّكُها كي تنتصبَ، ولكلّ شعرةٍ غدّةٌ دهنيةٌ، وغدّةٌ صبغيّةٌ، ولا يعلمُ الباحثون حتى هذه الأيّامِ لماذا يصيرُ الشّعرُ أبيضَ؟! لكنّ بعضَهم يقولُ في أحدَث البحوثِ:"إنّ بياضَ الشّعرِ - الشَّيْبَ - منشؤُه عصبيٌّ، فالكرياتُ البيضُ تتسلّلُ إلى الشّعرةِ فتأكلُ صبْغَها الأسْودَ"، والشّيءُ القاطعُ أنّ الشّيبَ كما يقولُ العلماءُ:"آفةٌ جلديّةٌ ذاتُ منشأٍ عصبيٍّ انفعاليٍّ".
والقرآن الكريم ذكر هذه الحقيقة قبل أكثر مِن ألفٍ وخمسمئة عام، قال عز وجل:
{فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً} [المزمل: 17] .
فالشّيب منشؤُه خوفٌ انفعاليٌّ: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ:"شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ".
شيّبتْهُ سورةُ هودٍ، ربما لآيةٍ فيها، وهي قوله تعالى:{فاستقم كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: 112] .
ومع تقدّمِ العمرِ يُصابُ كلُّ إنسانٍ بالإرهاقِ العصبيِّ، وبِدَرجاتٍ متفاوتةٍ من الشّيبِ، قال تعالى:{الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَهُوَ العليم القدير} [الروم: 54] .
فالشّيبُ يلازمُ التقدّمَ في السنِّ غالباً، وقد فسّرَ الإمامُ القرطبيُّ النذيرَ في قولِه سبحانه:{وَجَآءَكُمُ النذير} بأنّه الشَّيْبُ، وهو لفتُ نظرٍ لطيفٍ من اللهِ عز وجل، أنْ يا عبدي اقتربَ اللّقاءُ، فماذا أعْددْتَ له؟! عبدي ضعُف بصرُك، وشابَ شعرُك، وانحنى ظهرُك، فاسْتحِ منّي، فأنا أستحيي منك.