المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - أحكام الحدود - موسوعة الفقه الإسلامي - التويجري - جـ ٥

[محمد بن إبراهيم التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السابع عشركتاب القصاص والديات

- ‌1 - أحكام الجنايات والعقوبات

- ‌2 - أقسام الجنايات

- ‌1 - الجناية على النفس

- ‌1 - قتل العمد

- ‌القصاص في النفس

- ‌2 - قتل شبه العمد

- ‌3 - قتل الخطأ

- ‌2 - الجناية على ما دون النفس

- ‌3 - أقسام الديات

- ‌1 - دية النفس

- ‌2 - الدية فيما دون النفس

- ‌ دية الأعضاء ومنافعها:

- ‌ دية الشجاج والجروح:

- ‌ دية العظام:

- ‌الباب الثامن عشركتاب الحدود

- ‌1 - أحكام الحدود

- ‌2 - أقسام الحدود

- ‌1 - حد الزنا

- ‌2 - حد القذف

- ‌3 - حد الخمر

- ‌4 - حد السرقة

- ‌5 - حد قطاع الطريق

- ‌6 - حد البغاة

- ‌3 - حكم المرتد

- ‌4 - حكم التعزير

- ‌الباب التاسع عشركتاب القضاء

- ‌1 - معنى القضاء وحكمه

- ‌2 - فضل القضاء

- ‌3 - خطر القضاء

- ‌4 - أحكام القضاء

- ‌5 - صفة الدعوى

- ‌6 - صفة الحكم

- ‌7 - طرق إثبات الدعوى

- ‌1 - الإقرار

- ‌2 - الشهادة

- ‌3 - اليمين

- ‌8 - الأيمان

- ‌1 - معنى اليمين وحكمها

- ‌2 - أقسام اليمين

- ‌3 - أحكام اليمين

- ‌9 - النذر

- ‌1 - معنى النذر وحكمه

- ‌2 - أقسام النذر

- ‌3 - أحكام النذر

- ‌الباب العشرونكتاب الخلافة

- ‌1 - معنى الخلافة

- ‌2 - أحكام الخلافة

- ‌3 - أحكام الخليفة

- ‌4 - طرق انعقاد الخلافة

- ‌5 - البيعة

- ‌6 - واجبات الخليفة

- ‌7 - واجبات الأمة

- ‌8 - نظام الحكم في الإسلام

- ‌9 - حكم الخروج على الأئمة

- ‌10 - انتهاء ولاية الحاكم

- ‌الباب الحادي والعشرونكتاب الدعوة إلى الله

- ‌1 - كمال دين الإسلام

- ‌2 - حكمة خلق الإنسان

- ‌3 - حاجة البشرية إلى الإسلام

- ‌4 - عموم دين الإسلام

- ‌5 - أحكام الدعوة إلى الله

- ‌6 - أحكام الدعاة إلى الله

- ‌7 - أحكام المدعوين

- ‌8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل

- ‌الباب الثاني والعشرونكتاب الجهاد في سبيل الله

- ‌1 - معنى الجهاد وحكمه

- ‌2 - فضائل الجهاد في سبيل الله

- ‌3 - أقسام الجهاد في سبيل الله

- ‌4 - أحكام الجهاد في سبيل الله

- ‌5 - أحوال المجاهدين في سبيل الله

- ‌6 - آداب الجهاد في سبيل الله

- ‌7 - أحكام القتال في سبيل الله

- ‌8 - أحكام الشهداء في سبيل الله

- ‌9 - أحكام الأسرى والسبي

- ‌10 - أحكام الغنائم والأنفال

- ‌11 - انتهاء الحرب بالإسلام أو المعاهدات

- ‌12 - أحكام غير المسلمين

- ‌1 - أهل الذمة

- ‌2 - أهل الهدنة

- ‌3 - أهل الأمان

- ‌13 - أحكام الرجوع من الجهاد

- ‌14 - فضل الحمد والشكر

- ‌15 - فضل التوبة والاستغفار

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌1 - أحكام الحدود

كتاب الحدود

‌1 - أحكام الحدود

- الحدود: جمع حد.

والحد: عقوبة مقدرة شرعاً على معصية لأجل حق الله تعالى، لتمنع من الوقوع في مثلها.

- أقسام الذنوب من حيث الكفارة وعدمها:

الذنوب ثلاثة أقسام:

1 -

قسم فيه الحد فقط بلا كفارة:

فهذا لم تشرع فيه الكفارة؛ اكتفاء بالحد الشرعي وهي الحدود كحد الزنا، والسرقة ونحوهما.

2 -

قسم فيه الكفارة ولا حد فيه:

كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام، وقتل الخطأ، والحنث في اليمين ونحو ذلك.

3 -

قسم لم يرتب عليه حد ولا كفارة، وهو نوعان:

أحدهما: ما كان الوازع عنه طبيعياً كأكل العذرة، وشرب البول ونحوهما.

الثاني: ما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رُتب عليه الحد كالنظر، والقبلة، واللمس، والمحادثة المُريبة للمرأة الأجنبية ونحو ذلك، فهذا فيه التعزير.

ص: 93

- أنواع الكفارات:

شرع الله الكفارات في ثلاثة أنواع:

الأول: ما كان مباح الأصل، ثم فُرض تحريمه بسبب، فَفَعله في الحالة التي عَرَض فيها التحريم كالوطء في الإحرام والصيام، والوطء حال الحيض والنفاس.

الثاني: ما عقد لله من نذر، أو بالله من يمين، أو حرمه الله ثم أراد حله، فشرع الله حله بالكفارة، وسماها تَحِلّة.

الثالث: ما تكون فيه الكفارة جابرة لما فات ككفارة قتل الخطأ، وإن لم يكن هناك إثم، وكفارة قتل الصيد.

فالأول من باب الزواجر، والثالث من باب الجوابر، والأوسط من باب التحِلَّة لما منعه العقد.

ولا يجتمع الحد والتعزير في معصية، بل إن كان فيها حد اكتفي به، وإلا اكتفي بالتعزير.

ولا يجتمع الحد والكفارة في معصية، بل كل معصية فيها حد، فلا كفارة فيها، وما فهي كفارة لا حد فيه.

- أقسام العقوبات:

تنقسم العقوبات على الذنوب إلى قسمين:

عقوبات قدرية .. وعقوبات شرعية.

1 -

العقوبات القدرية: هي الآثار المذمومة والمؤلمة التي تحصل للعبد بسبب انتهاك حرمات الله، وارتكاب معاصيه، والعقوبات القدرية نوعان:

ص: 94

الأول: عقوبات على القلوب والنفوس، كظلمة القلب وضعفه وضيقه وحزنه، وزوال أنسه بالله، والوحشة منه، والطبع والرَّيْن على قلبه، وحرمان حلاوة الطاعة، وبغض وكره الله وملائكته وعباده له، والغفلة عن الله والآخرة ونحو ذلك، وهذا أشد العقوبات.

الثاني: عقوبات على الأبدان والأموال، كنقصان الرزق، وارتفاع النعم، وحلول النقم، وحدوث الآفات والأمراض في الأبدان والثمار، وتسلط الرعاة والظلمة على الناس ونحو ذلك، وهذه العقوبات تصيب العاصي وحده إذا لم يجاهر بها.

فإذا جاهر المذنبون بمعاصيهم، ولم ينكر المسلمون عليهم، عمت العقوبة العاصي وغيره.

وعقوبة القلب أشد العقوبتين، وهي أصل عقوبة الأبدان.

وترتب العقوبات على الذنوب كترتب الإحراق على النار، والغرق على الماء، وفساد البدن على السموم.

والعقوبة قد تقارن الذنب .. وقد تتأخر عنه إما يسيراً أو مدة، كما يتأخر المرض عن سببه أو يقارنه.

2 -

العقوبات الشرعية، وهي نوعان:

1 -

عقوبات مقدرة: وهي القصاص .. والديات .. والحدود .. والكفارات التي نص عليها الشرع.

2 -

عقوبات غير مقدرة: وهي التعازير التي يقدرها القاضي في كل جناية لا قصاص فيها ولا حد.

1 -

قال الله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا

ص: 95

يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123].

2 -

وقال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)} [المائدة: 38].

- أقسام الحدود:

تنقسم الحدود في الإسلام إلى ستة أقسام هي:

حد الزنا .. حد القذف .. حد الخمر .. حد السرقة .. حد قطاع الطريق .. حد البغاة.

ولكل جريمة من هذه الجرائم عقوبة مقدرة شرعاً.

- حكمة مشروعية الحدود:

أمر الله عز وجل بعبادته وطاعته، وفِعْل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه، وحد حدوداً لمصالح عباده، ووعد من أطاعه السعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة.

وتوعد من عصاه بالشقاء في الدنيا، والنار في الآخرة.

فمن قارف الذنب فقد فتح الله له باب التوبة والاستغفار، فإن أصر على معصية الله، وأبى إلا أن يغشى حماه، ويتجاوز حدوده بالتعدي على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم، فهذا لا بد من كبح جماحه بإقامة حدود الله التي تردعه وتردع غيره، وتحفظ الأمة من الشر والفساد في الأرض.

والحدود كلها رحمة من الله، ونعمة على الجميع.

فهي للمحدود طهرة من إثم المعصية، وكفارة عن عقابها الأخروي، وهي له

ولغيره رادعة عن الوقوع في المعاصي، وهي ضمان وأمان للأمة على

ص: 96

دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وبإقامتها يصلح الكون، ويسود الأمن والعدل، وتحصل الطمأنينة.

1 -

قال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127)} [طه: 123 - 127].

2 -

وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ رضي الله عنه قَالَ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم كَمَا أَخَذَ عَلَى النّسَاءِ: أَنْ لَا نُشْرِكَ بِاللهِ شَيْئاً، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا يَعْضَهَ بَعْضُنَا بَعْضاً. «فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ، وَمَنْ أَتَى مِنْكُمْ حَدّاً فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفّارَتُهُ، وَمَنْ سَتَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللهِ، إنْ شَاءَ عَذّبَهُ، وَإنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ» . متفق عليه (1).

- أنواع حدود الله:

حدود الله تعالى ثلاثة أنواع:

الأول: حدود الله التي نهى عن تعديها.

وهي كل ما أذن الله تعالى بفعله على سبيل الوجوب أو الندب أو الإباحة، والاعتداء فيها يكون بتجاوزها ومخالفتها، وهي التي أشار الله إليها بقوله سبحانه:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)}

[البقرة: 229].

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3893) ، ومسلم برقم (1709)، واللفظ له.

ص: 97

الثاني: المحارم التي نهى الله عنها وهي المحرمات التي نهى الله عن فعلها كالزنا وهي التي أشار الله إليه بقوله سبحانه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)} [البقرة: 187].

الثالث: الحدود المقدرة الرادعة عن محارم الله كعقوبة الرجم والجلد والقطع ونحوها.

فهذه يجب الوقوف عندما قدر فيها بلا زيادة ولا نقصان، وهي المقصودة هنا.

- الفرق بين القصاص والحدود:

1 -

جرائم القصاص الحق فيها لأولياء القتيل، أو المجني عليه إن كان حياً .. وذلك من حيث استيفاء القصاص، والحاكم منفذ لطلبهم.

أما الحدود فأمرها إلى الحاكم، فلا يجوز إسقاطها بعد أن تصل إليه.

2 -

جرائم القصاص قد يُعفى عنها إلى بدل كالدية، أو يعفى عنها بلا مقابل؛ لأنها حق آدمي.

أما الحدود فلا يجوز العفو عنها، ولا الشفاعة فيها مطلقاً، بعوض أو بدون عوض؛ لأنها حق لله تعالى.

- الفرق بين الحدود والتعازير:

1 -

عقوبات جرائم القصاص والحدود مقدرة ابتداء في الشرع.

أما عقوبات التعزير فيقدرها القاضي بما يحقق المصلحة حسب حجم الجريمة ونوعها.

2 -

يجب على الإمام تنفيذ الحدود، والقصاص إذا لم يكن عفو من ولي الدم.

أما التعزير فإن كان حقاً لله تعالى وجب تنفيذه، ويجوز العفو والشفاعة إن

ص: 98

رُئي في ذلك مصلحة، وإن كان حقاً للأفراد فلصاحب الحق أن يتركه بعفو أو غيره.

3 -

عقوبة القصاص والحدود محددة معينة، أما التعزير فيختلف بحسب اختلاف الجريمة، واختلاف الجاني والمجني عليه.

- أهداف العقوبة في الإسلام:

العقوبات على الجرائم في الإسلام شرعت لتحقق ما يلي:

1 -

زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجرائم الموجبة لها.

2 -

صيانة المجتمع من الفساد، ومنع وقوع الجريمة أو تكرارها.

3 -

زجر المتهم عن الوقوع في الجريمة مرة أخرى.

4 -

إصلاح الجاني وتهذيبه لا تعذيبه.

5 -

قطع دابر الجريمة، وعدم إشاعة الفاحشة.

6 -

منع عادة الأخذ بالثأر التي تُوسِّع رقعة انتشار الجريمة.

7 -

إطفاء نار الحقد والغيظ المضطرمة لدى المعتدى عليه أو أقاربه.

8 -

حصول الأمن وتحقيق العدل في شعب الحياة كلها.

1 -

قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179)}

[البقرة: 179].

2 -

وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)}

[المائدة: 15 - 16].

ص: 99

- مبادئ العقاب في الإسلام:

اشتملت الشريعة الإسلامية على أحسن المبادئ والعقوبات التي تكفل سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وهي:

رحمة الجاني والمجتمع الذي يعيش فيه .. والعدل بين الناس حتى لا تضطرب الأمور .. وحماية الكرامة الإنسانية .. ورعاية المصالح العامة والخاصة حفظاً للأمن .. والمساواة بين الجريمة والعقوبة .. ولا يعاقب أحد بجرم لم يصدر منه .. وعدم الحرص على إيقاع العقوبة؛ ليتمكن المخطئ من إصلاح عيوب نفسه .. والستر على المخطئ غير المجاهر ونصحه .. وتجوز الشفاعة في الحدود قبل بلوغها الحاكم، وتحرم الشفاعة وقبولها بعد بلوغها الحاكم .. ولا تُوْقع عقوبة إلا بعد انتفاء الشبهات .. ولصاحب الحق الخاص كالقصاص العفو عن القاتل أو المخطئ .. والعفو يكون بالاختيار والرضا لا بالإكراه.

1 -

قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)}

[الأنعام: 54].

2 -

وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)}

[النحل: 90].

3 -

وقال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)}

[الشوى: 40].

- حفظ الضرورات الخمس:

مقاصد الإسلام الكبرى محصورة في خمسة أمور هي:

ص: 100

حفظ الدين .. وحفظ النفوس .. وحفظ النسل .. وحفظ المال .. وحفظ العقل.

فإذا حفظت الأمة هذه الأصول سعدت في الدنيا والآخرة، وإذا ضيعت هذه الأصول شقيت في الدنيا والآخرة.

وبإقامة الحدود والقصاص يتم حفظ هذه الضرورات وحمايتها، فبالقصاص تصان الأنفس .. وبإقامة حد الزنا والقذف تصان الأعراض .. وبإقامة حد السرقة تصان الأموال .. وبإقامة حد الخمر تصان العقول .. وبإقامة حد الحرابة يصان الأمن.

وبإقامة الحدود كلها يصان الدين كله، والحياة كلها.

- كيفية حفظ الضرورات الخمس:

حفظ الضرورات الخمس هي مقومات بقاء وسعادة الأمم وهي:

1 -

حفظ الدين: فالدين عماد صلاح أمر الدنيا والآخرة.

والدين مبني على أمرين:

فعل الأوامر .. واجتناب المناهي.

2 -

حفظ النفوس: وحفظ النفس أمر مقصود لذاته؛ لأن الله خلق الإنسان لعبادته سبحانه، فيجب المحافظة على هذه النفس التي تعبد الله، وتقوم بالخلافة في الأرض.

3 -

حفظ النسل: وحفظ النسل من أعظم أسباب البقاء، ومن أسباب عمارة

الأرض.

وحفظ النسل يتم بأمرين:

ص: 101

الأول: وجودي: وذلك بالترغيب بما يحصل به استمرار النسل وبقاؤه، وهو النكاح الشرعي.

الثاني: عدمي: وذلك بتحريم الزنا والمعاقبة عليه، وتحريم مقدماته من النظر والخلوة، وتحريم القذف بالزنا أو فاحشة اللواط، والمعاقبة على ذلك، وتحريم السفور والتبرج، وعدم سفر المرأة بلا محرم، وعدم اختلاطها بالرجال الأجانب، والأمر للرجال والنساء بغض البصر صيانة للعرض.

4 -

حفظ العقل: العقل من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان، فلولا العقل لصار الإنسان كالبهيمة.

والعقل مناط التكليف؛ لأن الإنسان يميز به بين المصالح والمفاسد، لذلك كله حرم الله كل ما يفسد العقل أو يضره.

ومفسدات العقل نوعان:

الأول: مفسدات حسية: كالخمور والمخدرات التي هي مفتاح كل شر وبلاء.

الثاني: مفسدات معنوية: كالأفكار والتصورات والمبادئ الفاسدة التي تجر الإنسان إلى المعاصي والردة والكفر.

5 -

حفظ المال: المال من الضروريات التي لا تتم مصالح الناس إلا بها، فقد جعله الله سبباً لحصول المنافع للعباد.

وحفظ المال في الإسلام بأمرين:

الأول: وجودي: وذلك بالحث على الكسب الحلال، والإنفاق في الوجه

الحلال.

الثاني: عدمي: وذلك بتحريم الاعتداء على المال أو إضاعته، ومعاقبة سارقه،

ص: 102

وتحريم الغش والظلم والخيانة في كل معاملة.

1 -

قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

2 -

وقال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)} [الأنعام: 104].

- فقه اجتناب المحرمات:

الكف عن المحرمات، واجتناب قربها، ينشأ من أمور هي:

علم العبد بأن الله يراه .. وأنه يعلم نيته وأفعاله .. وعلم العبد بقبح المحرمات .. وأن الله حرمها صيانة للعبد من الرذائل .. والعلم بعقوبتها القاسية.

ومنها الحياء ممن تتقلب في نعمه .. والخوف من العزيز الجبار الذي لا يعجزه شيء.

ومنها محبة الله، فالمحب يصبِّر نفسه على مراد محبوبه ونحو ذلك مما يحمل العاقل على تركها ولو لم يَرِد على فعلها وعيد.

- فضل الستر على النفس والغير:

يستحب لمن أتى ذنباً، أو اقترف إثماً، أن يستر نفسه، ويتوب إلى الله.

ويستحب لمن علم به أن يستر عليه ما لم يعلن بفجوره، حتى لا تشيع الفاحشة في الأمة، وعليه أن ينصحه ويرغبه في التوبة.

1 -

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً، ثُمَّ

ص: 103

يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُولَ: يَا فُلانُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ». متفق عليه (1).

2 -

وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» . أخرجه مسلم (2).

- حكم التثبت في الأمور:

يجب على الإنسان أن يحسن الظن، ولا يصدق بكل ما يسمع حتى يثبت؛ لئلا يضر نفسه، ويضر غيره، ويتعرض لسخط الله.

1 -

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6].

2 -

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}

[الحجرات: 12].

- ما يفعله المسلم عند سماع الشائعات:

يجب على المسلم أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين، ويستر زلاتهم، ويقيل عثراتهم، فإذا رُميت أمامه عفيفة بالزنا، أو أمين بالسرقة، أو تقي بفجور، أو عالم بمسبة، أو عادل بمظلمة، ونحو ذلك من قالة السوء.

فإذا سمع بذلك أحسن الظن بإخوانه وستر عليهم.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6069) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2990).

(2)

أخرجه مسلم برقم (2699).

ص: 104

1 -

قال الله تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} [النور: 12].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16)} [النور: 16].

3 -

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)} [النور: 19].

- حكم من آوى محدثاً:

من آوى قاتلاً أو سارقاً أو محارباً أو غيرهم ممن وجب عليه حد أو حق لله تعالى أو لآدمي، ومَنَعه أن يستوفى منه الواجب، فهو شريكه في الجرم والإثم، وقد لعنه الله ور سوله، وللإمام عقوبته بما يردعه.

أما لو كان الإنسان أو المال مطلوباً بباطل فإنه لا يجوز الإعلام به.

بل يجب الدفاع عنه، ونصره على من ظلمه.

1 -

عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ آوَىَ مُحْدِثاً، وَلَعَنَ اللهُ مَنْ غَيّرَ مَنَارَ الأَرْضِ» . أخرجه مسلم (1).

2 -

وَعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِمًا أوْ مَظْلُومًا» . فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أفَرَأيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قال:«تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» .

أخرجه البخاري (2).

(1) أخرجه مسلم برقم (1978).

(2)

أخرجه البخاري برقم (6952).

ص: 105

- حكم لعن الإنسان:

لا يجوز للمسلم لعن أحد بعينه، مسلماً كان أو كافراً أو دابة، إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر، كفرعون، أو يموت عليه كإبليس.

أما اللعن بالوصف فجائز، كلعن آكل الربا، والمصورين، والظالمين، والكافرين ونحو ذلك.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّاناً» . أخرجه مسلم (1).

- حكم التحايل على حدود الله:

يحرم التحايل على حدود الله كما يحرم انتهاك حدود الله، والتحايل أعظم، فإن بني إسرائيل لما فعلوا الحرام لم يقع عليهم المسخ، وإنما العقوبات الحسية والمعنوية، كما قال سبحانه:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160)}

[النساء: 160].

ولما وقع منهم التحايل على صيد السمك يوم السبت مسخهم الجبار جل جلاله قردة وخنازير، كما قال سبحانه في عقوبة احتيالهم على ما حرم الله:{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}

[الأعراف: 166].

- حكم إقامة الحدود:

يجب إقامة الحد إذا ثبت على من اقترفه؛ صيانة للأمن، ودفعاً للفساد،

وحماية للحقوق، وزجراً للمجرمين.

1 -

قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ

(1) أخرجه مسلم برقم (2597).

ص: 106

اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)}

[المائدة: 38].

2 -

وقال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)} [النور: 2].

3 -

وقال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33].

- شروط من يقام عليه الحد:

يقام الحد إذا ثبت على كل بالغ، عاقل، متعمد، ذاكر، عالم بالتحريم، ملتزم لأحكام الإسلام، من مسلم وذمي.

1 -

عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلَاثةٍ، عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ» . أخرجه أحمد وأبو داود (1).

2 -

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} ، قال: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُل قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا، سَمِعْنَا وَأطَعْنَا وَسَلَّمْنَا» .

قال، فَألقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ) {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى

(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (940) ، وأخرجه أبو داود برقم (4403)، وهذا لفظه.

ص: 107

الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ){وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} (قال: قَدْ فَعَلتُ). أخرجه مسلم (1).

- من يتولى إقامة الحدود:

يتولى إقامة الحد إمام المسلمين، أو من ينيبه، بحضرة طائفة من المؤمنين، فلا يجوز لفرد أن يتولى إقامة الحد بنفسه، إلا السيد فيجوز له أن يقيم حد الجلد على مملوكه.

1 -

عَنْ ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إنّ اللهَ قَدْ بَعَثَ مُحَمّداً صلى الله عليه وسلم بِالحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرّجْمِ. قَرَأْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا وَعَقَلنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ، فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ، أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللهُ، وَإنّ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ، مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ، إذَا قَامَتِ البَيّنَةُ، أَوْ كَانَ الحَبَلُ أَوْ الإِعْتِرَافُ. متفق عليه (2).

2 -

وعن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا زَنَتِ الأمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَليَجْلِدْهَا وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَليَجْلِدْهَا وَلا يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ

فَليَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ». متفق عليه (3).

- آداب إقامة الحد:

ينوي الإمام بإقامة الحد ثلاثة أمور هي:

(1) أخرجه مسلم برقم (126).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2462) ، ومسلم برقم (1691)، واللفظ له.

(3)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2152) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1703).

ص: 108

1 -

امتثال أمر الله في إقامة الحدود، لا التشفي والانتقام.

2 -

دفع الفساد عن الخلق.

3 -

إصلاح الخلق.

- مكان إقامة الحدود:

يجوز إقامة الحد في أي مكان إلا المسجد؛ لئلا يتقذر.

فيقام حسب المصلحة في مكان عام، أو في مكان العمل ونحو ذلك بشرط أن يحضره طائفة من المؤمنين، ويقام في بلده سواء كانت مكة أو غيرها.

ولكن الأفضل والأولى أن تقام الحدود في الأماكن العامة التي يأتي إليها كل أحد، ليحضرها أكبر عدد من المؤمنين، وبذلك يحصل الردع للجاني وغيره.

قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2)}

[النور: 2].

- أنواع الجلد في الحدود:

أكثر الجلد في الحدود جلد الزنا .. ثم جلد القذف .. ثم جلد السكر .. ثم التعزير.

- صفة الجلد في الحدود:

1 -

يُضرب الرجل في الحد قائماً بسوط لا جديد ولا خَلِق، ولا يمد على الأرض، ولا يربط على جدار أو عامود، ولا يجرد من ثيابه، ويفرَّق الضرب على بدنه كالظهر والأليتين والفخذين والساقين، ولا يبالغ في الضرب بحيث

ص: 109

يشق الجلد.

ويتقي أثناء الجلد أربعة أشياء:

الرأس .. والوجه .. والفرج .. والمقاتل.

2 -

المرأة كالرجل في الجلد، إلا أنها تُضرب جالسة، وتشد عليها ثيابها، وتُمسَك يداها عند الحاجة؛ لئلا تنكشف.

- حكم من اجتمعت عليه حدود:

إذا اجتمعت على الجاني حدود لله تعالى فلها ثلاث حالات:

1 -

إذا اجتمعت عليه حدود من جنس واحد، بأن زنا مراراً، أو سرق مراراً ونحوهما، فهذه تتداخل فلا يُحدّ إلا مرة واحدة.

2 -

إن وجبت عليه حدود لله من أجناس مختلفة كبكر زنا وسرق وشرب الخمر فلا تتداخل، فتقام عليه كلها.

يُبدأ بالأخف، فيُجلد للشرب، ثم يُجلد للزنا، ثم يُقطع للسرقة.

3 -

إن وجبت عليه حدود لله، وحدود خالصة للآدمي كما لو قذف وسرق وقتل.

فهذه تستوفى كلها، ويُبدأ بالأخف فالأخف، فيُحد للقذف، ثم يُقطع، ثم يُقتل؛ لأنها حقوق لله وللآدميين فلا بد من استيفائها.

- حكم تأخير إقامة الحدود:

يجوز تأخير إقامة الحدود لعارض يترتب عليه مصلحة الإسلام كما في الغزو.

أو لعارض يترتب عليه مصلحة المحدود ذاته كما في شدة حر أو برد أو مرض، أو لمصلحةِ مَنْ تعلَّق به كالحمل والرضاع ونحوهما.

ص: 110

عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَتِ الغَامِدِيّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنّي قَدْ زَنَيْتُ فَطَهّرْنِي. وَإِنّهُ رَدّهَا. فَلَمّا كَانَ الغَدُ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ لِمَ تَرُدَّنِي؟ لَعَلّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزاً، فَوَاللهِ إِنّي لَحُبْلَى. قَالَ:«إِمّا لَا، فَاذْهَبِي حَتّى تَلِدِي» فَلَمّا وَلَدَتْه أَتَتْهُ بِالصّبِيّ فِي خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدَتْ. قَالَ: «اذْهَبِي فَأَرْضِعِيهِ حَتّى تَفْطِميهِ» . فَلَمّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصّبِيّ وفي يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ فَقَالَتْ هَذَا، يَا نَبِيّ الله قَدْ فَطَمْتُهُ، وأَكَلَ الطّعَامَ. فَدَفَعَ الصّبِيّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النّاسَ فَرَجَمُوهَا. أخرجه مسلم (1).

- حكم الشفاعة في الحدود:

يجب على الحاكم إقامة الحد على من وجب عليه، سواء كان رجلاً أو امرأة، وسواء كان شريفاً أو وضيعاً، وسواء كان قريباً أو بعيداً.

وإذا بلغت الحدود الحاكم حَرُم أن يشفع في إسقاطها أحد، أو يعمل على تعطيلها.

ويحرم على الحاكم قبول الشفاعة إذا بلغه الحد، ولا يجوز له أخذ المال من الجاني ليُسقط عنه الحد.

ومن أخذ المال من الزاني أو السارق أو شارب الخمر ونحوهم ليعطل حدود الله فقد جمع بين فسادين عظيمين:

أكل السحت .. وتعطيل الحد .. وترك الواجب .. وفعل المحرم.

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ قُرَيْشًا أهَمَّتْهُمُ المَرْأةُ المَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ،

(1) أخرجه مسلم برقم (1695).

ص: 111

فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلا أسَامَةُ، حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«أتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ» . ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ، قال:«يَا أيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ، أنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ، وَايْمُ اللهِ، لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا» . متفق عليه (1).

- حكم توبة الجاني:

إذا تاب الجاني قبل القدرة عليه، وقبل بلوغ الحاكم الأمر، سقط عنه الحد الواجب لله، ولزمه الحق الواجب للآدمي من قصاص أو مال مسروق، أو قذف، أو دية ونحو ذلك؛ لأن التوبة تَجُبّ ما قبلها من حقوق واجبة لله تعالى.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}

[المائدة: 33 - 34].

2 -

وعَنْ عَمْرو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لهُ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ

الإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأنَّ الهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا؟ وَأنَّ الحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟». أخرجه مسلم (2).

- حكم الصلاة على المقتول:

المقتول قصاصاً، أو حداً، أو تعزيراً إن كان مسلماً يغسَّل، ويكفَّن، ويُصلى

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6788) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1688).

(2)

أخرجه مسلم برقم (121).

ص: 112

عليه، ويُدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه مسلم، وإقامة الحد كفارة لذنبه.

وإن كان المقتول كافراً كالمرتد والذمي فلا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، بل يلف بثيابه، ويحفر له حفرة في الأرض ويوارى فيها؛ لأنه كافر.

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزّنَى. فَقَالَتْ: يَا نَبِيّ الله أَصَبْتُ حَدّاً فَأَقِمْهُ عَلَيّ. فَدَعَا نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم وَلِيّهَا، فَقَالَ:«أَحْسِنْ إلَيْهَا. فَإذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا» فَفَعَلَ. فَأَمَرَ بِهَا نَبِيّ الله صلى الله عليه وسلم. فَشُكّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا، ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمّ صَلّىَ عَلَيْهَا. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلّي عَلَيْهَا يَا نَبِيّ الله وَقَدْ زَنَتْ؟ فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَل وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا للهِ تَعَالَىَ؟» . أخرجه مسلم (1).

- حكم من مات في الحد:

من مات في حد الجلد أو القطع ونحوهما فالحق قتله؛ لأن كل ما ترتب على الحق المأذون فيه فليس بمضمون، لكن بشرط عدم التعدي في إقامة الحد على الجاني بزيادة في الكم أو الكيف.

- الفرق بين حق الله وحق الآدمي:

1 -

حق الله: هو كل ما ليس للعبد إسقاطه كحد الزنا والسرقة ونحوهما.

وحق العبد: هو كل ما للعبد إسقاطه كالقصاص والدية.

2 -

حق الله: أمره ونهيه، وحق العبد مصالحه وتكاليفه.

وما من حق للعبد إلى وفيه حق لله تعالى.

(1) أخرجه مسلم برقم (1696).

ص: 113

والحقوق في الشرع ثلاثة أنواع:

1 -

حق الله تعالى فقط كالإيمان والتوحيد والعبادة.

2 -

حق العباد فقط كالديون وأثمان الأشياء ونحو ذلك.

3 -

حق مشترك لله وللعبد كحد القذف.

وهذا أوان البدء في بيان أقسام الحدود وأحكامها.

ص: 114