المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - أحكام الدعوة إلى الله - موسوعة الفقه الإسلامي - التويجري - جـ ٥

[محمد بن إبراهيم التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السابع عشركتاب القصاص والديات

- ‌1 - أحكام الجنايات والعقوبات

- ‌2 - أقسام الجنايات

- ‌1 - الجناية على النفس

- ‌1 - قتل العمد

- ‌القصاص في النفس

- ‌2 - قتل شبه العمد

- ‌3 - قتل الخطأ

- ‌2 - الجناية على ما دون النفس

- ‌3 - أقسام الديات

- ‌1 - دية النفس

- ‌2 - الدية فيما دون النفس

- ‌ دية الأعضاء ومنافعها:

- ‌ دية الشجاج والجروح:

- ‌ دية العظام:

- ‌الباب الثامن عشركتاب الحدود

- ‌1 - أحكام الحدود

- ‌2 - أقسام الحدود

- ‌1 - حد الزنا

- ‌2 - حد القذف

- ‌3 - حد الخمر

- ‌4 - حد السرقة

- ‌5 - حد قطاع الطريق

- ‌6 - حد البغاة

- ‌3 - حكم المرتد

- ‌4 - حكم التعزير

- ‌الباب التاسع عشركتاب القضاء

- ‌1 - معنى القضاء وحكمه

- ‌2 - فضل القضاء

- ‌3 - خطر القضاء

- ‌4 - أحكام القضاء

- ‌5 - صفة الدعوى

- ‌6 - صفة الحكم

- ‌7 - طرق إثبات الدعوى

- ‌1 - الإقرار

- ‌2 - الشهادة

- ‌3 - اليمين

- ‌8 - الأيمان

- ‌1 - معنى اليمين وحكمها

- ‌2 - أقسام اليمين

- ‌3 - أحكام اليمين

- ‌9 - النذر

- ‌1 - معنى النذر وحكمه

- ‌2 - أقسام النذر

- ‌3 - أحكام النذر

- ‌الباب العشرونكتاب الخلافة

- ‌1 - معنى الخلافة

- ‌2 - أحكام الخلافة

- ‌3 - أحكام الخليفة

- ‌4 - طرق انعقاد الخلافة

- ‌5 - البيعة

- ‌6 - واجبات الخليفة

- ‌7 - واجبات الأمة

- ‌8 - نظام الحكم في الإسلام

- ‌9 - حكم الخروج على الأئمة

- ‌10 - انتهاء ولاية الحاكم

- ‌الباب الحادي والعشرونكتاب الدعوة إلى الله

- ‌1 - كمال دين الإسلام

- ‌2 - حكمة خلق الإنسان

- ‌3 - حاجة البشرية إلى الإسلام

- ‌4 - عموم دين الإسلام

- ‌5 - أحكام الدعوة إلى الله

- ‌6 - أحكام الدعاة إلى الله

- ‌7 - أحكام المدعوين

- ‌8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل

- ‌الباب الثاني والعشرونكتاب الجهاد في سبيل الله

- ‌1 - معنى الجهاد وحكمه

- ‌2 - فضائل الجهاد في سبيل الله

- ‌3 - أقسام الجهاد في سبيل الله

- ‌4 - أحكام الجهاد في سبيل الله

- ‌5 - أحوال المجاهدين في سبيل الله

- ‌6 - آداب الجهاد في سبيل الله

- ‌7 - أحكام القتال في سبيل الله

- ‌8 - أحكام الشهداء في سبيل الله

- ‌9 - أحكام الأسرى والسبي

- ‌10 - أحكام الغنائم والأنفال

- ‌11 - انتهاء الحرب بالإسلام أو المعاهدات

- ‌12 - أحكام غير المسلمين

- ‌1 - أهل الذمة

- ‌2 - أهل الهدنة

- ‌3 - أهل الأمان

- ‌13 - أحكام الرجوع من الجهاد

- ‌14 - فضل الحمد والشكر

- ‌15 - فضل التوبة والاستغفار

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌5 - أحكام الدعوة إلى الله

‌5 - أحكام الدعوة إلى الله

- أهمية الدعوة إلى الله:

حاجة الأمة للدين كحاجة الجسد إلى الروح، فكما أنه إذا خرجت الروح فسد الجسد، فكذلك الأمة إذا فقدت الدين فسدت دنياهم وأخراهم، وبقدر حجم الجسد ينتشر الفساد والنتن في العالم.

والإنسان بلا دين كالعلبة الفارغة لا قيمة له.

وإذا حُرِم الناس من الدين الحق صاروا كالحيوانات يرتعون في الشهوات، وكالسباع في الفساد، وكالشياطين في الشر والمكر والكيد.

ولهذا احتفى الله بهذا الإنسان، وكرمه على غيره فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وزوده بآلات العلم وهي السمع والبصر والعقل، وجعله خليفة في الأرض.

ورغَّب المسلم ليدعو غير المسلم ليكون مسلماً، ليكون الدين كله لله، وليعبد الناس كلهم ربهم وحده لا شريك له.

ومن أجل أهمية الدعوة إلى الله فصَّلها الله في القرآن الكريم تفصيلاً وافياً كاملاً.

ففصَّل سيرة الأنبياء في الدعوة إلى الله على مر القرون، وذَكَر قصص الأنبياء مع أقوامهم بالتفصيل، فذكر قصة نوح، وهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، وموسى، وعيسى، وداود، وسليمان، ولوط، وشعيب، ويوسف وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ص: 360

والدعوة أم الأعمال، ولأهيمة الدعوة لم يفصِّل الله عبادات الأنبياء، لا صلاة إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ولا حج آدم صلى الله عليه وسلم، ولا صيام داود صلى الله عليه وسلم، لكنه أخبر بها إجمالاً.

فالله سبحانه لم يبين كيفية عبادة نبي واحد في القرآن، ولكنه بيَّن في القرآن بالتفصيل دعوة الأنبياء إلى الله، وذكر سيرتهم وجهدهم في إبلاغ دين الله إلى الناس؛ وذلك لأن هذه الأمة مبعوثة بالدعوة إلى الله، وقدوتها الأنبياء والرسل، لتسير على هديهم في إبلاغ دين الله إلى الناس كافة إلى يوم القيامة.

1 -

قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2)} [الجمعة: 2].

2 -

وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

3 -

وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (36)} [النحل: 36].

- منزلة الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله يتحقق بها مقصود الله من خلقه، وهو عبادة الله وحده لا شريك له.

فالدعوة أم الأعمال، وبها تحيا الفرائض والسنن والآداب، وبها يحيا الدين كله في العالم كله، فالدعوة إلى الله أعظم الوظائف، والعبادة أعظم الأعمال.

ووظيفة الدعوة إلى الله كوظيفة الملك، وبقية الوظائف كوظيفة مَنْ دونه من

العمال والخدم.

ص: 361

وكثير من الناس اشتغل بوظيفة الخدم، وترك وظيفة الأنبياء والمرسلين من الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصح لكل مسلم.

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

- حكم الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ومسلمة، كلٌّ بحسب علمه وقدرته، ليكون الدين كله لله، وتكون كلمة الله هي العليا.

فهي مسؤولية الأمة جميعاً، وهي كذلك حاجة الأمة جميعاً؛ لأن الدعوة من أعظم أسباب الهداية، وزيادة الإيمان، وكثرة الأعمال.

1 -

قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}

[يوسف: 108].

2 -

وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].

3 -

قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}

[آل عمران: 104].

4 -

وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حِجةِ الوَداعِ: « .. إنَّ دِمَاءَكُمْ، وَأمْوَالَكُمْ، وَأعْرَاضَكُمْ، بَيْنَكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَإنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أنْ

يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أوْعَى لَهُ مِنْهُ». متفق عليه (1).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (67) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1679).

ص: 362

5 -

وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرو رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . أخرجه البخاري (1).

- تقرير وجوب الدعوة إلى الله:

1 -

قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].

فهذا النص عام مطلق في الزمان ليلاً ونهاراً .. ومطلق في المكان شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً .. ومطلق في الجنس العرب والعجم .. ومطلق في النوع الرجال والنساء .. ومطلق في السن الكبار والصغار .. ومطلق في اللون الأبيض والأسود .. ومطلق في الطبقات السادة والعبيد، والأغنياء والفقراء.

2 -

قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].

فالدعوة لهؤلاء الناس واجبة؛ لأن هذا الدين لكل الناس، والدعوة من هؤلاء إذا أسلموا واجبة؛ لأنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه.

3 -

على كل أحد مسؤولية نشر الدين كلٌّ بحسبه، وأقل نصاب الدعوة حِفظ آية أو سنة، فمن حفظها لزمه إبلاغها.

4 -

المسلمون قسمان:

1 -

عالم يبين الحق بنفسه، ويدعو الناس إلى اتباعه، كما قال مؤمن آل فرعون:

{وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَاقَوْمِ إِنَّمَا

(1) أخرجه البخاري برقم (3461).

ص: 363

هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39)} [غافر: 38 - 39].

2 -

مسلم لكنه غير عالم، فهذا يدعو الناس إلى اتباع الرسل والعلماء، كما قال الله عزوجل عن صاحب يس:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21)} [يس: 20 - 21].

فالكل يقوم بالدعوة إلى الله:

العالم يبين الحق بنفسه، وغير العالم يرشد الناس إلى اتباع الرسل والعلماء الذين هم أعرف الخلق بالله.

5 -

الدعوة واجبة على كل أحد كلٌّ بحسبه؛ لأنها أَمْر الله، كما أن الصلاة واجبة على كل أحد؛ لأنها أمر الله.

وكانت العبادة والدعوة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم واجبة على كل الأمة، ثم صارت العبادة على الأمة، والدعوة على بعض أفراد الأمة، فضعفت العبادة، وبدأ الناس يخرجون من الدين، ولا يُصلح آخر هذه الأمة إلا بما صَلُح به أولها.

فالعبادة والدعوة أمران واجبان على كل واحد من هذه الأمة بعينه:

1 -

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77)} [الحج: 77].

2 -

وقال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].

6 -

الدعوة إلى الله مسؤولية كل الأمة، وحاجة كل فرد من الأمة، فبها تحصل الهداية، ويزيد الإيمان، ويزيد المؤمنون.

ص: 364

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}

[العنكبوت: 69].

7 -

أمر الله المسلمين جميعاً بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله في الدعوة والعبادة والأخلاق وغيرها.

1 -

قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}

[الأحزاب: 21].

2 -

وقال الله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158].

8 -

الله سبحانه اجتبي هذه الأمة من بين الأمم، وتوَّجها بتاج الأنبياء، وهو الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}

[آل عمران: 110].

9 -

هناك فاصل زمني بين الإيمان ونزول الأحكام، وليس هناك فاصل بين الإيمان والدعوة إلى الله؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء للدعوة إلى الله، وقد قام أوائل الصحابة رضي الله عنهم بالدعوة من أول يوم، وكان كل نبي يعلِّم أمته الإيمان ثم الأحكام، وأمر الله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يعلِّم أمته الإيمان، ثم

الدعوة، ثم الأحكام التي نزلت في المدينة؛ لأن هذه الأمة مبعوثة كالأنبياء.

10 -

الله عز وجل وكَّلنا بنشر الحق في العالم، كما وكَّل الشمس بالإنارة، ووكَّل

ص: 365

السحب بتوزيع الماء، ووكَّل الأرض بالإنبات.

وهذه الثلاثة أدت الأمانة، فاستقامت الحياة الدنيا للخلق.

ونحن إذا أدينا أمانة الدعوة إلى الله للبشرية استقامت دنياهم وأخراهم.

فالنور للعالم كله، والماء للعالم كله، والنبات للعالم كله، والحق للعالم كله، والقرآن للعالم كله، والإسلام للعالم كله.

قال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)} [إبراهيم: 52].

- فضائل الدعوة إلى الله:

1 -

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}

[آل عمران: 104].

3 -

وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)}

[العنكبوت: 69].

4 -

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ

شَيْئاً». أخرجه مسلم (1).

5 -

وَعَنْ سَهْل بن سَعْدٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ

(1) أخرجه مسلم برقم (2674).

ص: 366

يَوْمَ خَيْبَرَ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، وَأخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللهِ فِيهِ، فَوَاللهِ لأنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلاً وَاحِداً، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» . متفق عليه (1).

- ثمار الدعوة إلى الله:

يكرم الله عز وجل كل من يقوم بالدعوة إلى الله على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم بالأجور العظيمة، والثمار الكبيرة، فبسبب الدعوة تحصل للداعي الهداية والاستقامة، وزيادة الإيمان، وزيادة العمل الصالح، وحسن العمل، وتنوع العمل، وكثرة العمل، وكمال اليقين، ويحصل للداعي من الأجر بقدر مَنْ دعاه من الناس، وله مثل أجر من اهتدى بسببه.

ويكرم الله كل داع إلى الله بأمور، منها:

أن الله يعزه وإن لم تكن عنده أسباب العزة كما أعز بلالاً وسلمان رضي الله عنهما.

ويجعل الله أعمال الدين كلها محبوبة لديه، يقوم بها، ويدعو إليها.

ويجعل الله له محبة في قلوب الخلق وهيبة وإجلالاً.

ويطوي بساط الباطل من حوله، ويؤيده بنُصرة غيبية من عنده، ويستجيب دعاءه، ويرزقه الجنة في الآخرة.

فالدعوة إلى الله جمعت المحاسن كلها، والأجور كلها، والفضائل كلها.

ولأهمية الدعوة إلى الله قام الله بها، وشرَّف رسله بالقيام بها، وامتن على هذه الأمة حين كلفهم بها.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4210) ، ومسلم برقم (2406).

ص: 367

1 -

قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)} [يونس: 25].

2 -

وقال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].

3 -

وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

- أصول الدعوة إلى الله:

كما أن للعبادة أصولاً فكذلك للدعوة أصول أهمها:

1 -

إخلاص العمل لله، والدعوة إلى الله على طريقة رسوله صلى الله عليه وسلم.

2 -

دعوة الناس جميعاً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، مع حسن القول، وحسن العمل، وإنزال الناس منازلهم.

3 -

دعوة الناس إلى الإسلام في كل مكان، في المدن والقرى والأسواق والبيوت وغيرها.

4 -

القيام بالدعوة إلى الله في كل وقت من ليل أو نهار، فالعبادة كالصلاة والصيام لها أوقات، لكن الدعوة مشروعة في كل وقت، وفي كل مكان.

5 -

القيام بالدعوة في جميع الأحوال، حال الأمن والخوف، وحال الشدة والرخاء، وحال الغنى والفقر .. وهكذا.

6 -

عدم أخذ الأجر على الدعوة؛ لأن أجر الداعي على الله.

7 -

نقوم بالدعوة بصفة الإحسان، ولا نسأل الناس أجراً، كالشمس طبعها النور والعموم وتنير للناس بلا أجر.

ص: 368

8 -

يكون الداعي قدوة حسنة للناس في سيرته وسريرته وصورته.

9 -

عرض الدين على الناس بالرفق واللين والرحمة والتواضع، مع الدعاء لهم بالهداية، وعدم احتقار أحد من الناس، ونتحمل منهم كل أذى في سبيل الله.

ومن أعظم أصول الدعوة:

دعوة الناس إلى التوحيد والإيمان وعبادة الله وحده لا شريك له، ونفي تأثير المشاهدات، وتصديق الغيبيات، ونفي المخلوق، وإثبات الخالق، وتجاوز الخلق إلى الخالق، والصور إلى المصور.

ونفي جميع الطرق، وإثبات طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال.

وتوجيه الناس من الدنيا إلى الآخرة .. ومن العادات إلى السنن النبوية .. ومن تكميل الأموال والشهوات إلى تكميل الأيمان والأعمال الصالحة .. ومن محبوبات النفس إلى محبوبات الرب .. ومن جهد غير الرسول إلى جهد الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا قام الإنسان بالدعوة إلى الله بهذه الأصول تعرض للابتلاء والأذى، فعليه أن يصبر ويعفو ويستغفر، ويلين ولا يكون فظاً غليظاً؛ لئلا ينفِّر الناس.

1 -

قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)}

[النحل: 125].

2 -

وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}

[آل عمران: 159].

3 -

وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا

ص: 369

يُوقِنُونَ (60)} [الروم: 60].

- حكمة بعثة الأنبياء والرسل:

بعث الله الأنبياء والرسل بثلاثة أشياء:

بالدعوة إلى الله .. وتعريف الطريق الموصل إليه، وبيان ما للناس بعد القدوم عليه.

فالأول بيان التوحيد والإيمان .. والثاني بيان أحكام الشرع.

والثالث بيان اليوم الآخر وما فيه من الثواب والعقاب، والجنة والنار.

1 -

الدعوة إلى الله تكون أولاً بتعريف الناس بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وكمال عظمته وقدرته، وجميل إحسانه إلى خلقه.

فنبين للناس أن الله هو العظيم وحده ليعظموه، وأنه الكبير وحده ليكبروه، وأنه القوي وحده ليخافوه، وأنه الكريم وحده ليحبوه، وأنه المعطي وحده ليسألوه، وأن خزائنه مملؤة ليقفوا ببابه وحده .. وهكذا.

ونبين أنه سبحانه هو الخالق وحده وما سواه مخلوق، وهو المالك وما سواه مملوك، وهو الرازق وما سواه مرزوق، وهو الغني وما سواه فقير إليه .. وهكذا.

ونبين أن الله وحده بيده كل شيء، وكل ما سواه ليس بيده شيء، له الخلق

والأمر، وله الملك والحمد، وهو على كل شيء قدير.

ونبين للناس أن الله وحده هو المستحق للعبادة وحده دون سواه.

وإذا عرف الناس كمال أسماء الله وصفاته، وكمال عظمته وقدرته، وسعة رحمته وعلمه، وعظمة آياته ومخلوقاته، وجزيل نعمه، آمنوا بالله وعظموه

ص: 370

وأحبوه وأقبلوا على طاعته وعبادته.

ثم نبين بقية أركان الإيمان كالإيمان بالملائكة والكتب والرسل ليقوى التصديق بالغيب.

فهذه أول المراتب وأعظمها وأحسنها، وأعلاها.

1 -

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

2 -

وقال الله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} [الحشر: 22 - 24].

3 -

وقال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)} [محمد: 19].

2 -

ثم يلي الدعوة إلى الله الدعوة لبيان اليوم الآخر وما فيه من البعث والحشر، والصراط والميزان، والجنة والنار؛ ليرغَب الناس في الإيمان والطاعات، ويتركوا الكفر والمعاصي، ويتنافسوا في الأعمال الصالحة.

1 -

قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16)} [الروم: 14 - 16].

2 -

وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ

ص: 371

أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72)}

[التوبة: 72].

3 -

وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68)}

[التوبة: 68].

3 -

ثم يلي ذلك الدعوة لبيان أحكام الدين وشرائعه، ببيان الحلال والحرام، والواجبات والسنن، والعبادات والمعاملات، والحقوق والحدود.

وهذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة.

ففي مكة كانت الدعوة إلى الله وإلى اليوم الآخر، ومكارم الأخلاق، وبيان أحوال الرسل مع أممهم.

وفي المدينة أكمل الله الدين بالأحكام الشرعية، فتقبَّلها من آمن بالله واليوم الآخر، وشَرِق بها الكافر والمنافق، ثم دخل الناس في دين الله أفواجاً، وكمل الدين.

1 -

قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}

[المائدة: 3].

2 -

وقال الله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3)} [النصر:1 - 3].

- كيفية الدعوة إلى الله:

يَعْرض الداعي نفسه على الناس وما يحمله من الحق بما يلي:

الهدوء والتدرج .. والتيسير والتبشير .. والرفق واللين .. والمحبة والرحمة .. والبساطة والإلفة .. والدعوة والدعاء .. وطلب رضا الله .. والعزة والتواضع ..

ص: 372

والصبر والحلم .. وحسن الظن، لأن سوء الظن يولِّد تسعة أضرار كلها شرور، وهي التجسس، ثم التحسس، ثم الغيبة، ثم النميمة، ثم الشحناء، ثم البغضاء، ثم التقاطع، ثم التدابر.

ونؤلف قلوب الناس بالثناء عليهم، وذكر محاسنهم، وإنزالهم منازلهم، ونحترمهم ونوقرهم، ونكرمهم ونهدي إليهم ما يحبون مما أحل الله.

وبذلك يحبوننا، ويسمعون كلامنا، ويتأثرون بحسن أخلاقنا، ويرغبون في ديننا، ويدخلون في رحمة الله.

ثم نبين لهم عظمة الله، وعظمة أسمائه وصفاته ليعظموه.

ثم نبين كثرة نعمه، وجميل إحسانه إلى عباده، خاصة بهذا الدين؛ ليشكروه ويطيعوه ليزيدهم من فضله.

ثم نطلب منهم توحيد الله بالعبادة والخَلْق والأسماء والصفات، وتوحيد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع، فلا معبود بحق إلا الله، ولا متبوع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم نبين حاجة الناس إلى ربهم، وحاجتهم للدين، ليسعدوا في الدنيا والآخرة.

ثم نبين فضائل الإيمان، وفضائل الأخلاق، وفضائل الأعمال الصالحة.

ثم نبين لهم ما أعد الله للمؤمنين من الجنة وما فيها من النعيم المقيم، وما أعد الله للكفار من النار وما فيها من العذاب.

وإذا عرف الناس ذلك جاءت عندهم الرغبة في الدين، والعمل بالدين، والدعوة إلى الدين، وهان عليهم الصبر على ذلك.

ص: 373

ونبذل كل ما نملك من أجل نشر الدين، وإعلاء كلمة الله، فنضحي من أجل نشر الحق بأنفسنا، وأموالنا، وأوقاتنا، وأهلنا، وديارنا، وشهواتنا، وبكل ما نملك كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى أظهر الله دينه، وبذلك نحصل على رضوان الله، والسعادة في الدنيا، والجنة في الآخرة.

1 -

قال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}

[التوبة: 100].

2 -

وقال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89)} [التوبة: 88 - 89].

3 -

وقال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159].

4 -

وقال الله تعالى: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)}

[الأنعام: 102].

5 -

وقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)}

[الأحزاب: 21].

- وقت الدعوة إلى الله:

الإسلام دين كامل جاء بتنظيم الأفكار والأعمال والأوقات.

فكل عبادة لها وقت ومناسبة، ولها بداية ونهاية كالصلاة والصيام والحج ونحوها.

ص: 374

أما الدعوة إلى الله ففي كل وقت، وفي كل حال، وفي كل مكان.

فعلى المسلم أن يقضي وقته على الكيفية التي قضاها رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ليكون من أتباعه كما فعل الصحابة رضي الله عنهم.

فيؤدي فرائض الله، ويمتثل أمر ربه في كل حال، ويصرف جزءاً يسيراً من وقته في أمور الكسب والمعاش، ويصرف جلّ وقته في الدعوة على الله، كي يعبد الناس ربهم وحده لا شريك له.

فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يدعوه تزوَّد من العلم، أو علَّم غيره من المسلمين أحكام الدين، ليتعلم ويرفع الجهل عنه وعن غيره.

فإذا فرغ أو لم يتيسر له من يعلِّمه أو يتعلم منه، اشتغل بخدمة إخوانه المسلمين، وقضاء حاجاتهم، والإحسان إلى الخلق، والتعاون على البر والتقوى.

فإذا فرغ أو لم يتيسر له أن يقوم بذلك اشتغل بنوافل العبادات كالسنن المطلقة والأذكار وتلاوة القرآن ونحوها من القُرَب والأعمال الصالحة.

ويُقدِّم في كل حال ما نفعه أعم للمسلمين وغيرهم في كل حال.

فالمسلم دائم العمل في إصلاح نفسه وإصلاح غيره.

1 -

قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ

اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)} [يوسف: 108].

2 -

وقال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}

[النساء: 103].

3 -

وقال الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)} [آل عمران: 79].

ص: 375

4 -

وقال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)} [القصص: 77].

5 -

وقال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].

- عقوبة ترك الدعوة إلى الله:

الدعوة إلى الله أعظم الوظائف، وفي تركها أعظم العقوبات.

1 -

عقوبات ترك الدعوة كثيرة، ومنها:

1 -

الاستبدال:

قال الله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}

[محمد: 38].

2 -

اللعن والحرمان من رحمة الله:

قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)}

[المائدة:

78 -

79].

3 -

العداوة والبغضاء:

قال الله تعالى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)} [للمائدة: 14].

ص: 376

4 -

التدمير والهلاك:

قال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}

[الأنعام: 44 - 45].

5 -

الفرقة والخلاف والعذاب في الدنيا والآخرة:

قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} [آل عمران: 104 - 105].

2 -

وإذا تركت الأمة الدعوة إلى الله أصابها ثلاث آفات:

الأولى: العناية بالدنيا، وإهمال الآخرة.

الثانية: صرف الأموال والأوقات والأفكار في غير مصلحة الدين.

الثالثة: الاقتداء بالكفار في طريقة الحياة، والتعلم لديهم، لنقل طريقة حياتهم إلى بلاد المسلمين.

3 -

إذا قامت الدعوة إلى الله فُتحت أبواب الخير كلها، فيدخل الإيمان والأعمال الصالحة في حياة الناس، وتدخل الأخلاق الحسنة من الصبر والعفو

والإحسان والرحمة في حياتهم، ويدخل الكفار في الدين، ويدخل العصاة في الطاعات.

وإذا لم نقم بالدعوة إلى الله فُتحت أبواب الشر كلها، ودخل كل شر، وخرج كل خير.

وإذا خرج الإيمان والعمل الصالح والأخلاق الحسنة، دخل مكانها الكفر

ص: 377

والعمل الفاسد، والأخلاق السيئة، ثم في النهاية يخرج الناس من دين الله أفواجاً، كما دخلوه أفواجاً، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

1 -

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}

[الأعراف: 96].

2 -

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)} [آل عمران: 100 - 101].

3 -

وقال الله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (123)} [النساء: 123].

- نواقض الدعوة:

كما أن للإسلام نواقض، فكذلك للدعوة نواقض منها:

الرياء وعدم الإخلاص .. وأكل الدنيا بالدين .. وبيع كلام الله ورسوله بالأجرة .. والدعوة إلى النفس وحب الشهرة .. والدعوة إلى حمية الجاهلية والعصبية كمن يدعو إلى حزب أو طائفة أو جماعة ولا يقبل الدعوة من غيره، والله أمرنا أن ندعو إليه، ولا ندعو إلى غيره.

وكل من ترك أصول الدعوة، ودعا على هواه، ابتلي بآفات كثيرة منها:

تزكية النفس .. والعجب والكبر .. والحرص على الجاه والمنصب .. واحتقار الآخرين .. والنظر في عيوب الدعاة إلى الله .. والإنفاق على شهواته، وترك الإنفاق على الدين .. وثقلت عليه الفرائض والأعمال الصالحة .. وتوسع في المباحات .. وهانت عليه إضاعة الأوقات في الجدل والشهوات.

ص: 378

1 -

قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)} [فصلت: 33].

2 -

وقال الله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)} [الأنعام: 44 - 45].

- مراتب الدعوة إلى الله:

جعل الله سبحانه مراتب الدعوة بحسب مراتب الخلق.

والناس ثلاثة أقسام:

الأول: من إذا عُرض عليه الحق اعترف به واتبعه.

فهذا يدعى بالحكمة بحسن بيان الحق، ومقاصد الشرع، وسماحة الإسلام.

الثاني: من إذا سمع الحق اعترف به، لكنه لا يسرع لقبوله والعمل به.

فهذا يحتاج مع البيان إلى الموعظة الحسنة، بالتذكير بفضل الله على عباده، والترغيب في الجنة، والتحذير من النار، ليعلم ثواب الطاعات فيُقبل عليها، ويعلم عقوبة المعاصي فيحذر منها، وينشرح صدره للعمل الصالح.

الثالث: من إذا عُرض عليه الحق لا يعترف به، ولا يقبله، بل يرده بالشبهات.

فهذا يجادَل بالتي هي أحسن، وتُضرب له الأمثلة الحسية والعقلية حتى يقتنع، وتزول شبهته.

وقد بين الله ذلك كله بقوله سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125)} [النحل: 125].

ص: 379

- مراحل الدعوة إلى الله:

مرت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام بثلاث مراحل:

الأولى: مرحلة النشر والبلاغ:

وفي هذه المرحلة دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التوحيد والإيمان، وعبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة الأوثان، وبيان قصص الأنبياء مع أممهم، وذكر أحوال اليوم الآخر، وصفة الجنة والنار، والدعوة إلى مكارم الأخلاق، وفضائل الأعمال.

وقد بدأت هذه المرحلة في مكة، واستمرت إلى أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، ثم سار عليها أصحابه رضي الله عنهم من بعده.

الثانية: مرحلة البناء والتكوين:

وفي هذه المرحلة اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بمن أسلم من الصحابة، ورباهم في دار الأرقم بمكة، وزكاهم بالإيمان ومكارم الأخلاق، حتى جاء عندهم الاستعداد للعمل بالدين، والدعوة إليه، فلما كمل استعدادهم، أذن الله لهم بالهجرة إلى المدينة.

الثالثة: مرحلة الاستخلاف والتمكين:

وهذه كانت حين هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة، وفي المدينة نزلت الأحكام الشرعية كلها، حين كمل إيمان الصحابة، واستعدوا لامتثال جميع أوامر الله في جميع الأحوال.

فلما جاء فيهم الإيمان والتقوى والعمل الصالح مكَّن الله لهم في الأرض، وقامت الخلافة الإسلامية في المدينة، وانتشر الدين، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعوثه

ص: 380

وأمراءه في أنحاء الأرض يدعون إلى الله، ويحكمون بالإسلام، ثم توفاه الله عز وجل.

1 -

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (48)}

[الأحزاب: 45 - 48].

2 -

وقال الله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100].

3 -

وقال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55)} [النور: 55].

ص: 381