المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌4 - أحكام القضاء - موسوعة الفقه الإسلامي - التويجري - جـ ٥

[محمد بن إبراهيم التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السابع عشركتاب القصاص والديات

- ‌1 - أحكام الجنايات والعقوبات

- ‌2 - أقسام الجنايات

- ‌1 - الجناية على النفس

- ‌1 - قتل العمد

- ‌القصاص في النفس

- ‌2 - قتل شبه العمد

- ‌3 - قتل الخطأ

- ‌2 - الجناية على ما دون النفس

- ‌3 - أقسام الديات

- ‌1 - دية النفس

- ‌2 - الدية فيما دون النفس

- ‌ دية الأعضاء ومنافعها:

- ‌ دية الشجاج والجروح:

- ‌ دية العظام:

- ‌الباب الثامن عشركتاب الحدود

- ‌1 - أحكام الحدود

- ‌2 - أقسام الحدود

- ‌1 - حد الزنا

- ‌2 - حد القذف

- ‌3 - حد الخمر

- ‌4 - حد السرقة

- ‌5 - حد قطاع الطريق

- ‌6 - حد البغاة

- ‌3 - حكم المرتد

- ‌4 - حكم التعزير

- ‌الباب التاسع عشركتاب القضاء

- ‌1 - معنى القضاء وحكمه

- ‌2 - فضل القضاء

- ‌3 - خطر القضاء

- ‌4 - أحكام القضاء

- ‌5 - صفة الدعوى

- ‌6 - صفة الحكم

- ‌7 - طرق إثبات الدعوى

- ‌1 - الإقرار

- ‌2 - الشهادة

- ‌3 - اليمين

- ‌8 - الأيمان

- ‌1 - معنى اليمين وحكمها

- ‌2 - أقسام اليمين

- ‌3 - أحكام اليمين

- ‌9 - النذر

- ‌1 - معنى النذر وحكمه

- ‌2 - أقسام النذر

- ‌3 - أحكام النذر

- ‌الباب العشرونكتاب الخلافة

- ‌1 - معنى الخلافة

- ‌2 - أحكام الخلافة

- ‌3 - أحكام الخليفة

- ‌4 - طرق انعقاد الخلافة

- ‌5 - البيعة

- ‌6 - واجبات الخليفة

- ‌7 - واجبات الأمة

- ‌8 - نظام الحكم في الإسلام

- ‌9 - حكم الخروج على الأئمة

- ‌10 - انتهاء ولاية الحاكم

- ‌الباب الحادي والعشرونكتاب الدعوة إلى الله

- ‌1 - كمال دين الإسلام

- ‌2 - حكمة خلق الإنسان

- ‌3 - حاجة البشرية إلى الإسلام

- ‌4 - عموم دين الإسلام

- ‌5 - أحكام الدعوة إلى الله

- ‌6 - أحكام الدعاة إلى الله

- ‌7 - أحكام المدعوين

- ‌8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل

- ‌الباب الثاني والعشرونكتاب الجهاد في سبيل الله

- ‌1 - معنى الجهاد وحكمه

- ‌2 - فضائل الجهاد في سبيل الله

- ‌3 - أقسام الجهاد في سبيل الله

- ‌4 - أحكام الجهاد في سبيل الله

- ‌5 - أحوال المجاهدين في سبيل الله

- ‌6 - آداب الجهاد في سبيل الله

- ‌7 - أحكام القتال في سبيل الله

- ‌8 - أحكام الشهداء في سبيل الله

- ‌9 - أحكام الأسرى والسبي

- ‌10 - أحكام الغنائم والأنفال

- ‌11 - انتهاء الحرب بالإسلام أو المعاهدات

- ‌12 - أحكام غير المسلمين

- ‌1 - أهل الذمة

- ‌2 - أهل الهدنة

- ‌3 - أهل الأمان

- ‌13 - أحكام الرجوع من الجهاد

- ‌14 - فضل الحمد والشكر

- ‌15 - فضل التوبة والاستغفار

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌4 - أحكام القضاء

‌4 - أحكام القضاء

- الفرق بين القاضي والمفتي:

1 -

القاضي يبين الحكم الشرعي ويُلزِم به، والمفتي يبينه فقط.

2 -

المفتي أوسع دائرة من القاضي؛ لأنه يفتي في الخصومات وغيرها، والقاضي يختص حكمه في الأمور المتنازَع عليها بين الناس.

3 -

القاضي له ثلاث صفات:

فهو من جهة بيان الحكم مفت .. ومن جهة الإلزام بالحكم ذو سلطان .. ومن جهة الإثبات شاهد.

- محل القضاء:

القضاء يكون في جميع الحقوق والواجبات، سواء كانت حقوقاً لله كالحدود والفرائض الواجبة لله، أو كانت حقوقاً للبشر كالقصاص، والمعاملات كالبيع والإجارة والنكاح ونحو ذلك مما يجري بين الناس.

فالإسلام دين كامل شامل، وفيه وحده حل جميع المسائل والمشاكل في الدنيا والآخرة.

1 -

قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].

2 -

وقال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ

ص: 217

يُوقِنُونَ (50)}

[المائدة: 49 - 50].

- شروط القاضي:

يشترط في القاضي أن يكون رجلاً، مسلماً، بالغاً، عاقلاً، عدلاً، سميعاً، متكلماً، عالماً بما يقضي به.

والأفضل أن يكون القاضي مع هذا بصيراً، كاتباً، حراً ونحو ذلك من صفات الكمال.

وعلى إمام المسلمين أن يختار لمنصب القضاء الأفضل علماً، وورعاً، وإخلاصاً، وصدقاً، وأمانة، وتقوى.

وشروط القاضي حسب الإمكان، ويجب تولية الأمثل فالأمثل.

ولا يقضي بين الناس إلا من كان عالماً بالكتاب والسنة، فقيهاً في دين الله، قادراً على معرفة الحق من الباطل، بريئاً من الجور والظلم، بعيداً عن الهوى والتعصب.

- آداب القاضي:

1 -

يسن أن يكون القاضي قوياً من غير عنف؛ لئلا يطمع فيه الظالم، ليناً من غير ضعف؛ لئلا يهابه صاحب الحق.

2 -

ينبغي أن يكون حليماً؛ لئلا يغضب من كلام الخصم، فتأخذه العجلة وعدم التثبت.

3 -

ينبغي أن يكون ذا فطنة؛ لئلا يخدعه بعض الخصوم، وأن يكون بصيراً بأحكام القضاة قبله؛ ليسهل عليه الحكم.

4 -

ينبغي أن يحضر مجلسه الفقهاء والعلماء، وأن يشاورهم فيما يشكل عليه.

ص: 218

5 -

أن يكون عفيفاً نزيهاً في نفسه وماله عن الحرام، أميناً مخلصاً في عمله لله عز وجل، يبتغي بذلك الأجر والثواب، ولا يخاف في الله لومة لائم.

6 -

أن يكون رحيماً؛ لئلا ينفر منه الناس.

7 -

يجب على القاضي أن يسوِّي بين الخصوم في الدخول عليه، والجلوس بين يديه، والإقبال عليهم، والاستماع لهم، والحكم بينهم بما أنزل الله.

8 -

يجب أن يكون القاضي حين الدعوى مطمئناً هادئاً، فلا يقضي بين الخصوم وهو غضبان، أو حاقن، أو في شدة جوع أو عطش، أو هم، أو ملل، أو كسل، أو نعاس ونحو ذلك مما يشغل عن فهم الخصومة، ويصرفه عن إصابة الحق، فإن خالف وأصاب الحق نفذ حكمه.

9 -

يسن للقاضي أن يتخذ كاتباً مسلماً، مكلفاً، عدلاً، يكتب له الوقائع والأحكام والوثائق ونحو ذلك.

10 -

يحرم على القاضي كغيره قبول رشوة، كما لا يقبل هدية من أحد الخصوم؛ لأن هدايا العمال غلول.

1 -

قال الله تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49)} [المائدة: 49].

2 -

وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لا يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» . متفق عليه (1).

- ما يجب على القاضي معرفته:

القاضي يحتاج عند الحكم إلى معرفة ثلاثة أمور:

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7158) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1717).

ص: 219

معرفة الأدلة .. معرفة الأسباب .. معرفة البينات.

فالأدلة: معرفة الحكم الشرعي.

والأسباب: معرفة ثبوته في هذا المحل أو انتفاؤه عنه.

والبينات: معرفة طريق الحكم عند التنازع.

فمن أخطأ واحداً من هذه الثلاثة أخطأ في الحكم.

- صفة حكم القاضي:

قضاء القاضي يَنْفذ ظاهراً لا باطناً، فحكم القاضي لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالاً، فمن كسب القضية بباطل كشهادة زور، لحقه الإثم والتبعة وإن حكم له القاضي.

والقاضي مجتهد في حكمه، إن أصاب الحق فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ الحق الذي هو مراد الله تعالى فهو مجتهد مخطئ، وله أجر واحد، لاجتهاده في معرفة الحق وحرصه عليه.

ولا إثم عليه، فله أجر اجتهاده؛ لأن الاجتهاد في طلب الحق عبادة، وفاته أجر الإصابة.

1 -

عَنْ أُمّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ جَلَبَةَ خَصْمٍ بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ، فَقَالَ:«إنّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإنّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِي لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقّ مُسْلِمٍ فَإنّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النّارِ، فَليَحْمِلهَا أَوْ يَذَرْهَا» . متفق عليه (1).

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2458) ، ومسلم برقم (1713)، واللفظ له.

ص: 220

2 -

وَعَنْ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رضي الله عنه أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أصَابَ فَلَهُ أجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أخْطَأ فَلَهُ أجْرٌ» . متفق عليه (1).

- صلاحيات القاضي:

القاضي ينظر في جميع الأمور، والأحوال، والقضايا.

فيفصل بين المتخاصمين إما بصلح، أو حكم نافذ .. وقمع الظالمين والمعتدين .. ونصرة المظلومين .. وإيصال الحقوق إلى أهلها، والنظر في الدماء والجراح، والأوقاف والوصايا والمواريث، والأموال .. وإقامة الحدود .. والقيام بحقوق الله تعالى .. وعقود النكاح والفسوخ والطلاق ونحوها .. والنظر في مصالح المسلمين العامة .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإذا ازدحمت الدعاوي، وكثرت المشاكل، فلا مانع من التخصص، فيكون لكل قاض نوع من القضايا كالحدود وأمور النكاح، والمواريث ونحوها.

- واجبات القضاة:

يجب على القضاة ما يلي:

1 -

القضاء في كل حادثة بما يثبت عنده أنه حكم الله تعالى، إما بدليل قطعي من القرآن والسنة، أو بدليل ظاهر موجب للعمل منهما، أو بإجماع، أو قياس.

فإن لم يجد الحكم فيما سبق من المصادر اجتهد وعمل بما أدى إليه اجتهاده، وإن لم يكن مجتهداً اختار قول الأفقه والأورع من المجتهدين.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7352) ، ومسلم برقم (1716).

ص: 221

2 -

يجب على القاضي أن يحكم بما ثبت عنده بطرق الإثبات الشرعية، وهي: الإقرار، والبينة، واليمين.

3 -

يجب على القاضي نحو المقضي له ألا يكون ممن لا تجوز شهادته لهم كالأبوين، وأولاده، وزوجته، وشريكه في المال؛ لوجود التهمة.

4 -

يجب على القاضي أن يعدل بين الخصمين في لَحْظه ولفظه ومجلسه والدخول عليه.

- حكم القضاء بين الكفار:

القاضي يحكم بين الناس بشرع الله عز وجل.

وإذا تحاكم الكفار إلى قضاة المسلمين جاز للقاضي أن يحكم بينهم بما أنزل الله، وبما يقضي به بين المسلمين.

قال الله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)} [المائدة: 42].

- حكم تولي المرأة القضاء:

الولايات العامة والقضاء من مناصب الرجال دون النساء، فالرجال قوامون على النساء بالرعاية والحماية والولاية والكفاية، والرجال أقدر على الكسب والتحمل والتصرف في الأمور، ولكمال استعداد الرجال في الخَلْق والفطرة كانت فيهم النبوة والإمامة الكبرى والصغرى، وإقامة الشعائر كالأذان، والخطبة، وإمامة الصلاة وغيرها، فلا تصح ولاية المرأة في هذه الأمور، والأمة التي توليها لن تفلح في دينها ولا دنياها ولا أخراها؛

ص: 222

لمصادمتها الفطرة، ولكن للمرأة من الحقوق مثل ما للرجل، وعليها من الواجبات مثل ما عليه، كل بحسبه وطاقته.

1 -

قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34].

2 -

وقال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71)} [التوبة: 71].

3 -

وَعَنْ أبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيَّامَ الجَمَلِ، بَعْدَ مَا كِدْتُ أنْ ألحَقَ بِأصْحَابِ الجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قال: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ أهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قال:«لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أمْرَهُمُ امْرَأةً» . أخرجه البخاري (1).

- حكم شفاعة القاضي:

يستحب للقاضي أن يشفع الشفاعة الحسنة، فيطلب من المتخاصمين أن يصطلحوا، أو يتنازل أحدهم عن بعض حقه.

ويسن أن يرغِّبهم في الصلح والعفو والتسامح؛ لتدوم المودة بين الخصوم، وتصفو النفوس من الغل، وتسلم من التقاطع.

فإن اتضح الحكم الشرعي حكم به.

1 -

قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء: 114].

(1) أخرجه البخاري برقم (4425).

ص: 223

2 -

وقال الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} [النور: 22].

3 -

وَعَنْ كَعْبٍ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى:«يَا كَعْبُ» . قالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال:«ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا» . وَأوْمَأ إلَيْهِ: أيِ الشَّطْرَ، قال: لَقَدْ فَعَلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال:«قُمْ فَاقْضِهِ» . متفق عليه (1).

- وقت انتهاء ولاية القاضي:

كل ما تنتهي به الوكالة تنتهي به ولاية القضاء كالعزل، والموت، والجنون، وكل ما تزول به الأهلية.

ولا ينعزل القاضي بموت إمام المسلمين أو ترك منصبه، وللقاضي أن يعزل نفسه؛ لأنه كالوكيل عن الإمام.

- من يعزل القاضي:

يجوز لإمام المسلمين عزل القاضي فيما يلي:

إذا أخل القاضي بواجبه .. أو كثرت الشكاوي عليه أو منه .. أو وجد من هو أفضل منه .. أو كان في عزله مصلحة للمسلمين ونحو ذلك من الأسباب.

فإن لم يكن شيء مما سبق حرم عزله؛ لأنه عبث منهي عنه.

وينعزل القاضي بنفسه بأحد ثلاثة أسباب:

1 -

الردة بخروجه عن الإسلام؛ لأنه يكون كافراً.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (457) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1558).

ص: 224

2 -

الفسق وهو من يخل بأحكام الشريعة والآداب العامة.

3 -

زوال الأهلية بجنون أو إغماء أو تخريف ونحو ذلك.

- حكم الشفاعة:

الشفاعة قسمان:

1 -

الشفاعة الحسنة:

وهي الشفاعة والتوسط للناس ابتغاء مرضاة الله في جلب نفع لهم، أو دفع ضر عنهم، في غير معصية الله، ولا حد من حدود الله، ولا إبطال حق، ولا إحقاق باطل.

فهذه الشفاعة حسنة محمودة مندوب إليها، وفيها أجر عظيم.

ومن أمثلة الشفاعة الحسنة:

التوسط لقضاء حاجات الناس، وتفريج كربات المحتاجين، وقضاء حاجات الضعفاء والعاجزين، والتوسط في تخفيف الدين عن المدينين أو إسقاطه أو قضائه، والتوسط في فعل الخير.

1 -

قال الله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}

[النساء: 85].

2 -

وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ:«اشْفَعُوا فَلتُؤْجَرُوا، وَليَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ» . متفق عليه (1).

2 -

الشفاعة السيئة:

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1432) ، ومسلم برقم (2627)، واللفظ له.

ص: 225

وهي محرمة كالشفاعة مقابل رشوة، أو السعي في إسقاط حد، أو السعي في الإثم والعدوان، أو السعي في إحقاق باطل أو إبطال حق، أو تقديم من لا يستحق التقديم، أو الوساطة التي تؤدي إلى تأخير مستحق أو حرمانه ونحو ذلك مما يضر بمصلحة المسلمين.

- حكم الحِيَل:

الحيل: هي التحول من حال إلى حال بطرق خفية.

والحيل تنقسم إلى قسمين:

1 -

حيل محمودة: وهي ما استُعمل للوصول إلى غرض محمود، أو النجاة من الهلاك، كمن احتال لصيد الطير أو النجاة من العدو، أو احتال لدفع مفسدة عظيمة، أو احتال لتحصيل مصلحة جائزة ونحو ذلك.

2 -

حيل مذمومة: وهي ما استُعمل للوصول إلى غرض ممنوع شرعاً، كالحيل لإفساد البيع، أو إسقاط الميراث، أو إسقاط الحدود، أو إسقاط الحقوق، أو إسقاط الزكاة، أو تحليل ما حرم الله ونحو ذلك.

وهذه الحيل كلها محرمة، بل هي من كبائر الذنوب.

- حكم التورية:

التورية: أن يأتي الإنسان بكلام يحتمل معنيين، ويقصد المعنى الخفي.

والتورية جائزة؛ للمصلحة والحاجة كأن يسألك العدو: من أين أنت؟ فتقول: من ماء، وتقصد أنك مخلوق من ماء، وهو يظن أنك من موضع يقال له ماء ونحو ذلك.

ولا ينبغي الإكثار منها؛ لئلا يظن الناس به الكذب والاحتيال.

ص: 226