الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - خطر القضاء
- خطر القضاء:
1 -
القضاء موضوعه الحكم بين الناس بالحق والعدل، فلذلك خطره عظيم جداً؛ لأنه يُخشى حصول ميل من القاضي على أحد الخصمين، فيحكم له بغير الحق، إما لكونه قريباً له، أو صديقاً له، أو صاحب جاه تُرجى منفعته، أو صاحب رئاسة تُخاف سلطته ونحو ذلك، فيجور في الحكم متأثراً بما سبق.
2 -
القاضي يبذل جهداً كبيراً في معرفة الحكم الشرعي، والبحث في الأدلة، وهذا الجهد ينهك بدنه، ويرهقه، ويضعفه.
3 -
القاضي بشر يضعف إيمانه فيجور إما لهوى، أو لعصبية، أو لعداوة، أو لمحبة، أو لانتقام، أو لطمع.
والله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار وَكَلَه إلى نفسه، وعذبه في الدنيا والآخرة.
1 -
2 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبحَ بغَيْرِ سِكِّينٍ» . أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3572) ، وأخرجه ابن ماجه برقم (2308).
- أقسام القضاة:
القضاة ثلاثة أصناف:
الأول: قاض عرف الحق والحكم الشرعي فقضى به، فهذا من أهل الجنة.
الثاني: قاض عرف الحق، ولهواه حكم بغير الحق، فهذا في النار.
الثالث: قاض لم يعرف الحق، ولم يفهم الحكم الشرعي، فقضى بجهل، فهذا في النار، سواء أصاب في حكمه أو أخطأ.
عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «القُضَاةُ ثلَاثةٌ، اثنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الحَقَّ فَقَضَى بهِ فَهُوَ فِي الجَنَّةِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ جَارَ فِي الحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ» . أخرجه أبو داود وابن ماجه (1).
- خطر الحكم بغير ما أنزل الله:
يجب على القاضي أن يحكم بين الناس بما أنزل الله من الشريعة.
والشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق مصالح الخلق في الدنيا والآخرة، وهي كفيلة بإصلاح أحوال البشرية في جميع المجالات.
لهذا يجب على القاضي النظر في جميع ما يرد إليه من القضايا مهما كانت، والحكم فيها بما أنزل الله، فدين الله كامل كاف شاف.
ولا يجوز لأحد أن يحكم بغير ما أنزل الله مهما كانت الأحوال؛ لأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق.
1 -
قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)}
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3573) ، وأخرجه ابن ماجه برقم (2315)، وهذا لفظه.
[المائدة: 44].
2 -
وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)} [المائدة: 45].
3 -
وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)} [المائدة: 47].
- حكم طلب القضاء:
طلب الولايات من قضاء وغيره له حالتان:
الأولى: أن يطلب القضاء أو الولاية لأنها متعينة عليه، لكونه لا يوجد من هو أهل لها غيره، وإذا تركها تولاها من لا يحسن القيام بها، فيطلبها بهذه النية الحسنة، وفيه قوة وأمانة، كما طلبها يوسف صلى الله عليه وسلم، فهذا مثاب مأجور معان عليها.
1 -
قال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)} [يوسف: 54 - 55].
2 -
وَعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ لِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لا تَسْألِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وائْتِ الذي هوَ خَير» . متفق عليه (1).
الثانية: أن يقصد من الحصول عليها الجاه، أو الرئاسة أو المال، أو يكون ضعيفاً
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7146) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1652).
لا يستطيع أن يقوم بحقها، أو ليس أهلاً لها، فهذا طلبه لها مذموم، ويجب منعه منها.
1 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإِمَارَةِ، وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ، فَنِعْمَ المُرْضِعَةُ وَبِئْسَتِ الفَاطِمَةُ» . أخرجه البخاري (1).
2 -
وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي، ثُمّ قَالَ:«يَا أَبَا ذَر إنّكَ ضَعِيفٌ، وَإنّهَا أَمَانَةٌ، وَإنّهَا يَوْمَ القِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إلاّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدّى الّذِي عَلَيْهِ فِيهَا» . أخرجه مسلم (2).
3 -
وَعَنْ أَبي مُوسَى رضي الله عنه قالَ: دَخَلتُ عَلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِى عَمِّى، فَقَالَ أَحَدُ الرَّجُلَيْنِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمِّرْنَا عَلَى بَعْضِ مَا وَلَاّكَ اللهُ عز وجل. وَقَالَ الآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَقَالَ: «إِنَّا وَاللهِ لَا نُوَلِّى عَلَى هَذَا العَمَلِ أَحَدًا سَأَلَهُ وَلَا أَحَدًا حَرَصَ عَلَيْهِ» . متفق عليه (3).
- حكم قبول القضاء:
إذا اختار إمام المسلمين أحداً للقضاء، ولم يكن في البلد أحد يصلح غيره، لزمه قبوله، فإن امتنع فهو عاص، وللحاكم إجباره؛ لأن الناس مضطرون إلى علمه وحكمه ونظره.
وإن وُجد في البلد عدد يصلح للقضاء، فمن وجد في نفسه القدرة فالقبول
(1) أخرجه البخاري برقم (7148).
(2)
أخرجه مسلم برقم (1825).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2261) ، ومسلم برقم (1824)، واللفظ له.
أفضل، ومن يعرف من نفسه عدم القدرة فالترك أفضل؛ لما في القضاء من الخطورة.
ويستحب قبول وطلب القضاء لعالم يرجو به نشر علمه بين الناس، ولمن يرجو بعمله إحقاق الحق، ومنع ضياع الحقوق، وتدارك جور بعض القضاة، وعجزهم عن إيصال الحقوق لأهلها، ولمن يريد جزيل الثواب؛ لأن القضاء عبادة لمن حكم بالعدل.
ويكره قبول القضاء لمن يخاف العجز عنه، أو لا يأمن على نفسه الحيف فيه، حتى لا يعرِّض نفسه للعقوبة.
عَنْ عَبْدالله بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إنّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَىَ مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عز وجل، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا» . أخرجه مسلم (1).
(1) أخرجه مسلم برقم (1827).