الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - حد الخمر
- الخمر: اسم لكل ما خامر العقل وغطاه من مأكول أو مشروب ونحوهما.
- حقيقة السكر:
السكر الذي يجب به الحد هو اللذة والنشوة التي يغيب معها العقل الذي يحصل به التمييز، فلا يعلم صاحبه ما يقول، فإذا علم ما يقول خرج عن حد السكر.
قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43].
- سبب تسمية المسكر خمراً:
سمي المسكر خمراً لأنها تُغطَّى حتى تدرك وتغلي .. ولأنها تستر العقل وتغطيه .. ولأنها تخامر العقل وتخالطه.
فالخمر تركت، وخمرت حتى أدركت، ثم خالطت العقل، ثم خمرته وسترته وغطته.
- أسباب السكر:
قد يكون سبب السكر تناول الخمر، وقد يكون سببه ألم شديد يغيب معه العقل، وقد يكون سببه أمر مَخُوف عظيم هجم عليه فغاب عقله، وقد يكون سببه فرح شديد، أو غضب شديد، أو عشق، أو يأس، أو سماع شيطاني ونحو ذلك مما يغيب به العقل.
- أنواع الخمر:
الخمر هي كل ما خامر العقل وغطاه من مأكول أو مشروب أو مشموم، سواء اتُّخذ من التمر أو العنب أو العسل أو الحنطة أو الشعير أو غيرها من النباتات والمركبات الكيميائية المخدرة.
1 -
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَامَ عُمَرُ عَلَى المِنْبَرِ، فَقَالَ: أمَّا بَعْدُ، نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ. متفق عليه (1).
2 -
وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ البِتْعِ، وَهُوَ نَبِيذُ العَسَلِ، وَكَانَ أهْلُ اليَمَنِ يَشْرَبُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«كُلُّ شَرَابٍ أسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ» . متفق عليه (2).
- سد الذرائع الموصلة إلى تناول الخمر:
سد الإسلام كل ذريعة توصل إلى الخمر، ومن ذلك:
تحريم القطرة من الخمر .. وإمساكها لاتخاذها خلاً .. النهي عن الانتباذ فوق ثلاث .. النهي عن شرب العصير بعد ثلاث .. النهي عن الخليطين .. النهي عن الانتباذ في بعض الأوعية كالقرع ونحوه.
1 -
عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْبٍ عَنْ أبيهِ عَنْ جدِّه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . أخرجه أحمد والنسائي (3).
2 -
وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الخَمْرِ تُتّخَذُ خَلاّ؟ فَقَالَ:
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5581) ، واللفظ له، ومسلم برقم (3032).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5586) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2001).
(3)
صحيح/ أخرجه أحمد برقم (6674) ، والنسائي برقم (5607).
«لَا» . أخرجه مسلم (1).
3 -
وَعَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، ثُمّ رَجَعَ وَقَدْ نَبَذَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي حَنَاتِمَ وَنَقِيرٍ وَدُبّاءٍ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُهَرِيقَ، ثُمّ أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ، فَجُعِلَ مِنَ اللّيْلِ فَأَصْبَحَ، فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ ذَلِكَ وَلَيْلَتَهُ المُسْتَقْبِلَةَ، وَمِنَ الغَدِ حَتّىَ أَمْسَى، فَشَرِبَ وَسَقَى، فَلَمّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهَرِيقَ. أخرجه مسلم (2).
4 -
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدالله رضي الله عنهما أَنَّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزّبِيبُ وَالتّمْرُ، وَالبُسْرُ وَالتّمْرُ. متفق عليه (3).
5 -
وَعَنْ زَاذَان قَالَ: قُلتُ لاِبْنِ عُمَرَ: حَدِّثنِي بِمَا نَهَى عَنْهُ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ، وَفَسّرْهُ لِي بِلُغَتِنَا، فَإِنّ لَكُمْ لُغَةً سِوَى لُغَتِنَا، فَقَالَ: نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الحَنْتَمِ، وَهِيَ الجَرّةُ، وَعَنِ الدّبّاءِ، وَهِيَ القَرْعَةُ، وعَنِ المُزَفّتِ، وَهُوَ المُقَيّرُ، وَعَنِ النّقِيرِ، وَهِيَ النّخْلَةُ تُنْسَحُ نَسْحاً، وَتُنْقَرُ نَقْراً، وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الأَسْقِيَةِ. أخرجه مسلم (4).
- حكم شرب الخمر للدواء:
يحرم التداوي بشرب الخمر؛ لأن الله لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، فهي داء وليست بدواء.
عَنْ وَائِلٍ الحَضْرَمِيّ أَنّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الجُعَفِيّ سَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الخَمْرِ؟
فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنّمَا أَصْنَعُهَا لِلدّوَاءِ، فَقَالَ: «إِنّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ،
(1) أخرجه مسلم برقم (1983).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2004).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5601) ، ومسلم برقم (1986)، واللفظ له.
(4)
أخرجه مسلم برقم (1997).
وَلَكِنّهُ دَاءٌ». أخرجه مسلم (1).
- حكم الخمر:
الخمر كله قليله وكثيره محرم، والخمر أم الخبائث، وهو من الكبائر الموجبة للعقاب في الدنيا والآخرة.
1 -
…
[المائدة: 90 - 91].
2 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» . أخرجه مسلم (2).
3 -
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أبْصَارَهُمْ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ» . متفق عليه (3).
- حكمة تحريم الخمر:
الخمر أم الخبائث، وقد حرم الإسلام قليلها وكثيرها.
وتحريم المحرمات على هذه الأمة هو تحريم حفظٍ وصيانة، لا تحريم
عقوبة وحرمان.
(1) أخرجه مسلم برقم (1984).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2003).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6772) ، واللفظ له، ومسلم برقم (57).
ولمَّا كانت الخمر تغطي عقل شاربها، فيتصرف تصرفات تضر البدن والروح، والمال والولد، والعرض والشرف، والفرد والمجتمع ونحو ذلك من المفاسد المترتبة على زوال العقل، ولِمَا تسببه من الأمراض والضغط والبَلَه والجنون، ولِمَا تسببه من العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله والصلاة، وتعطيل العمل، وانتهاك الحرمات والمحرمات.
ولِمَا في تناولها من الجناية على العقل الذي شرَّف الله به الإنسان على غيره، ولِمَا فيها من الخبث والضرر على القلب والعقل والدماغ والكبد.
فلهذه الأسباب وغيرها حرم الله الخمر من كل وجه تناولاً، أو تجارة فيها، أو زراعة لها، صيانة للعقول من الفساد، وحفظاً للأموال والأعراض والنفوس والأخلاق من التلف والهلاك.
…
[المائدة: 90 - 91].
- ثبوت حد الخمر:
يثبت حد الخمر بأحد أمرين:
الأول: إقرار الإنسان بأنه شرب الخمر.
الثاني: شهادة شاهدين عدلين.
- مقدار حد الخمر:
حد الخمر أربعون جلدة، وللإمام أن يبلغ به الثمانين تعزيراً إن رأى انهماك
الناس في الشراب.
1 -
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَجَلَدَهُ بِجَرِيدَتَيْنِ، نَحْوَ أَرْبَعِينَ. أخرجه مسلم (1).
2 -
وَعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ نَبِىَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَلَدَ فِى الخَمْرِ بِالجَرِيدِ وَالنِّعَالِ، ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ. فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ مِنَ الرِّيفِ وَالقُرَى، قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِى جَلدِ الخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الحُدُودِ. قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ. متفق عليه (2).
- شروط إقامة حد الخمر:
يشترط لإقامة حد الخمر ما يلي:
البلوغ .. والعقل .. والاختيار .. والعلم بأنه خمر.
ويُجلد شاربها مسلماً كان أو كافراً، حراً أو عبداً.
- عقوبة شارب الخمر:
1 -
إذا شرب الإنسان الخمر فحده أربعون جلدة، وللإمام أن يزيده إلى ثمانين جلدة إن رأى المصلحة.
2 -
من أصر على شرب الخمر جُلد في المرة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فإن شرب رابعة فللإمام حبسه أو قتله تعزيراً؛ قطعاً لدابر الشر وأهله.
3 -
من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها لم يشربها في الآخر.
ولا يدخل الجنة مدمن خمر، ومن شربها وسكر لم تقبل له صلاة أربعين
(1) أخرجه مسلم برقم (1706).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6776)، ومسلم برقم (1706)، واللفظ له.
يوماً، ومن كرر شربها سقاه الله يوم القيامة من عصارة أهل النار، ومن تاب تاب الله عليه.
4 -
للإمام كسر أواني الخمر، وتحريق أماكن الخمَّارين، بحسب المصلحة التي تردع عن شربها.
1 -
…
[الزمر: 53].
2 -
وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا، حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ» . متفق عليه (1).
3 -
وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ (وَجَيْشَانُ مِنَ اليَمَنِ) فَسَأَلَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذّرَةِ يُقَالُ لَهُ المِزْرُ؟ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم: «أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«كُلّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنّ عَلَى الله، عز وجل عَهْداً لِمَنْ يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ الله وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النّارِ» . أخرجه مسلم (2).
4 -
وَعَنِ عَليٍّ رضي الله عنه أَنَّه أمَرَ عَبدَاللهِ بن جَعفَرٍ أنْ يَجْلِدَ الوَليد بن عُقبةَ فِي الخَمرِ، فلمَّا جَلدَهُ أرْبَعِينَ، قَالَ عَلِيٌ: أمْسِكْ، ثُمَّ قَالَ: جَلَدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ، وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ، وَعُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكُلٌّ سُنّةٌ، وَهَذَا أَحَبُّ إلَيَّ.
أخرجه مسلم (3).
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (5575) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2003).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2002).
(3)
أخرجه مسلم برقم (1707).
5 -
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَنَفَرٍ مِنْ أَصْحَاب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ ثمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثمَّ إِنْ شَرِبَ فَاجْلِدُوهُ ثمَّ إِنْ شَرِبَ فَاقْتُلُوهُ» . أخرجه النسائي (1).
6 -
وَعَنْ ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللهُ لَهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ» . أخرجه أحمد والترمذي (2).
- أنواع العقوبات التعزيرية لشارب الخمر:
يجوز للإمام أن يزيد في حد الخمر تعزيراً إذا رأى تهالك الناس، واستهانتهم بحدها.
ومن تلك العقوبات التعزيرية:
1 -
مضاعفة الحد من أربعين إلى ثمانين تعزيراً.
2 -
القتل لمدمن الخمر المصر عليها.
3 -
التعزير بالنفي.
4 -
التعزير بالحبس.
5 -
التعزير بالتشهير.
6 -
تكسير دِنَان الخمر.
7 -
إحراق محلات بيع الخمر.
ونحو ذلك مما يراه الإمام محققاً للمصلحة، ودافعاً للمفسدة، وذلك
(1) صحيح/ أخرجه النسائي برقم (5661).
(2)
صحيح/ أخرجه أحمد برقم (4917) ، والترمذي برقم (1862)، وهذا لفظه.
يختلف في كل زمان ومكان، ويختلف بحسب أرباب الجرائم.
- حكم الدعاء على من أقيم عليه حد الخمر:
لا يجوز الدعاء على من أقيم عليه حد الخمر، وإنما يناصح ويدعى له بالهداية.
1 -
عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أنَّ رَجُلاً عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ اسْمُهُ عَبْدَاللهِ، وَكَانَ يُلَقَّبُ حِمَارًا، وَكَانَ يُضْحِكُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَلَدَهُ فِي الشَّرَابِ، فَأتِيَ بِهِ يَوْمًا فَأمَرَ بِهِ فَجُلِدَ، فقال رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللهُمَّ العَنْهُ، مَا أكْثَرَ مَا يُؤْتَى بِهِ؟ فقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«لا تَلعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ» . أخرجه البخاري (1).
2 -
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: أتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ، فَأمَرَ بِضَرْبِهِ، فَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ يَضْرِبُهُ بِثَوْبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قال رَجُلٌ: مَا لَهُ أخْزَاهُ اللهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«لا تَكُونُوا عَوْنَ الشَّيْطَانِ عَلَى أخِيكُمْ» . أخرجه البخاري (2).
- حكم إقامة حد الخمر بالقرينة الظاهرة:
لا يقام حد الخمر بالرائحة إلا إذا انضم إليها ما ينفي الشبهة، فيقام الحد بالرائحة والقيء في الأحوال الآتية:
1 -
أن يكون من وجدت منه الرائحة مشهوراً بإدمان شرب الخمر.
2 -
أن يوجد مع الرائحة عوارض السكر والقيء.
(1) أخرجه البخاري برقم (6780).
(2)
أخرجه البخاري برقم (6781).
3 -
أن يوجد جماعة بعضهم قد سكر، وبعضهم تنبعث منه الرائحة ونحو ذلك.
- الأحكام المتعلقة بالخمر:
يتعلق بالخمر الأحكام الآتية:
1 -
يحرم شرب قليل الخمر وكثيرها إلا عند الضرورة لزوال عطش وغصة.
2 -
لا يجوز التداوي بالخمر؛ لأنها داء.
3 -
يحرم بيعها وشراؤها والتجارة فيها.
4 -
يجب على ولي الأمر إتلافها.
5 -
يُحد شاربها حَد الخمر.
- حكم المخدرات:
المخدرات: مواد مركبة تفسد الجسم، وتورثه الخدر والفتور، وتؤثر على العقل بالتغطية أو الإزالة.
والمخدرات داء عضال تسبب الشرور والأمراض المهلكة، فيحرم تعاطيها، وتهريبها، وترويجها، والتجارة فيها؛ لعظيم ضررها وإثمها.
قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)} [المائدة: 2].
- عقوبة أهل المخدرات:
يجب على إمام المسلمين عقوبة كل من يتعاطى أو يتاجر في المخدرات بما
يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة من سجن، أو جلد، أو قتل، أو غرامة.
وذلك لخطرها العظيم، وشرها المستطير، قطعاً لدابر الشر والفساد، وحفظاً للأنفس والأموال والأعراض والعقول.
وتختلف عقوبة أهل المخدرات بحسب شدة جرمهم كما يلي:
1 -
مهرب المخدرات عقوبته القتل؛ لعظيم شره وضرره.
2 -
مروِّج المخدرات بالبيع والشراء، أو الإهداء، أو التصنيع، أو الاستيراد:
في المرة الأولى يعزر تعزيراً بليغاً بالحبس، أو الجلد، أو الغرامة المالية، أو بها كلها حسب رأي الحاكم بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة.
وإن تكرر منه ذلك يعزر بما يقطع شره عن الأمة، حتى ولو كان ذلك بالقتل؛ لأنه بفعله هذا من المفسدين في الأرض.
- أنواع المخدرات:
المخدرات والمسكرات أنواع متعددة، وكلها تغطي العقل، وتفسد الجسم.
وكلها محرمة؛ لما فيها من الضرر المؤكد الحصول.
ومن أشهر أنواع المخدرات:
الحشيش، والأفيون، والكوكايين، والمورفين، والبرش، ونحو ذلك مما يغطي العقل، ويخدر البدن، ويورث الفتور والكسل، ويفسد الجسم.
1 -
عَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» . أخرجه أبو داود والترمذي (1).
2 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كُلُّ مُخْمِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ
مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِراً بُخِسَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً فَإِنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابعَةَ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ». قِيلَ: وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيراً لَا
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3681) ، والترمذي برقم (1865).
يَعْرِفُ حَلَالَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقّاً عَلَى اللهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الخَبَالِ». أخرجه أبو داود (1).
- حكم المفتِّرات:
المفترات: هي كل ما يورث الفتور في البدن، والخدر في الأطراف.
والمفترات سواء كانت نباتية كالقات، أو مصنَّعة كالجراك ونحو ذلك مما لا يصل إلى حد الإسكار، ولا يغيب العقل، كل ذلك محرم، ولا يجوز تعاطيه ولا شربه، لعظيم ضرره.
فالمسكرت والمخدرات والمفترات كلها محرمة؛ لمخامرتها العقل، وتغطيتها له.
وفي المخدرات والمفترات مفاسد الخمر ومضاره، بل هي أكثر ضرراً، وأعظم فساداً من الخمر؛ لأنها تضر الأمة ضرراً بليغاً، أفراداً وجماعات، وتضر دينهم وأبدانهم وصحتهم وعقولهم، وتعطل أعمالهم، وتفسد أموالهم، وتمزق شملهم، وتأكل أوقاتهم، وتفسد حياتهم.
وكل ما يزعمونه في تلك المحرمات من مصالح ومنافع فهي وهمية خادعة.
والإسلام يحرم المفاسد والمضار، ويبيح المصالح والمنافع.
1 -
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].
2 -
وقال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)} [الأنعام: 162 - 163].
(1) صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3680)، انظر الصحيحة رقم (2039).
- عقوبة المفترات:
المفترات بأنواعها كلها ضارة ومفترة، وكثيرها مخدر.
فيحرم تناولها أو التجارة فيها؛ لأن كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام، وكل ما يؤدي إلى المعصية فهو معصية، والوسائل لها أحكام المقاصد.
والمفترات كالمخدرات لها عقوبات تعزيرية يقدرها الإمام بما يحقق المصلحة، ويقطع دابر الشر والفساد.
- حكم الدخان:
التبغ: شجرة خبيثة يدخنها الإنسان زاعماً أنها تريح بدنه وأعصابه.
وحكم الدخان محرم؛ لأنه من الخبائث الضارة .. مضر بالأبدان .. مؤذ برائحته المدخن ومن حوله من الملائكة والناس .. مضر بالمال لما فيه من التبذير .. مفسد لأعضاء الإنسان كالقلب والحلق والفم .. مفسد لطبيعة الإنسان ومزاجه.
وأعظم من ذلك أنه مضر بدين صاحبه، قاطع له عن الطاعات، محرك له إلى المعاصي، مفسد لأخلاقه، موجب لسخط الله، وبغض عباده وكراهيتهم له.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].