المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌5 - حد قطاع الطريق - موسوعة الفقه الإسلامي - التويجري - جـ ٥

[محمد بن إبراهيم التويجري]

فهرس الكتاب

- ‌الباب السابع عشركتاب القصاص والديات

- ‌1 - أحكام الجنايات والعقوبات

- ‌2 - أقسام الجنايات

- ‌1 - الجناية على النفس

- ‌1 - قتل العمد

- ‌القصاص في النفس

- ‌2 - قتل شبه العمد

- ‌3 - قتل الخطأ

- ‌2 - الجناية على ما دون النفس

- ‌3 - أقسام الديات

- ‌1 - دية النفس

- ‌2 - الدية فيما دون النفس

- ‌ دية الأعضاء ومنافعها:

- ‌ دية الشجاج والجروح:

- ‌ دية العظام:

- ‌الباب الثامن عشركتاب الحدود

- ‌1 - أحكام الحدود

- ‌2 - أقسام الحدود

- ‌1 - حد الزنا

- ‌2 - حد القذف

- ‌3 - حد الخمر

- ‌4 - حد السرقة

- ‌5 - حد قطاع الطريق

- ‌6 - حد البغاة

- ‌3 - حكم المرتد

- ‌4 - حكم التعزير

- ‌الباب التاسع عشركتاب القضاء

- ‌1 - معنى القضاء وحكمه

- ‌2 - فضل القضاء

- ‌3 - خطر القضاء

- ‌4 - أحكام القضاء

- ‌5 - صفة الدعوى

- ‌6 - صفة الحكم

- ‌7 - طرق إثبات الدعوى

- ‌1 - الإقرار

- ‌2 - الشهادة

- ‌3 - اليمين

- ‌8 - الأيمان

- ‌1 - معنى اليمين وحكمها

- ‌2 - أقسام اليمين

- ‌3 - أحكام اليمين

- ‌9 - النذر

- ‌1 - معنى النذر وحكمه

- ‌2 - أقسام النذر

- ‌3 - أحكام النذر

- ‌الباب العشرونكتاب الخلافة

- ‌1 - معنى الخلافة

- ‌2 - أحكام الخلافة

- ‌3 - أحكام الخليفة

- ‌4 - طرق انعقاد الخلافة

- ‌5 - البيعة

- ‌6 - واجبات الخليفة

- ‌7 - واجبات الأمة

- ‌8 - نظام الحكم في الإسلام

- ‌9 - حكم الخروج على الأئمة

- ‌10 - انتهاء ولاية الحاكم

- ‌الباب الحادي والعشرونكتاب الدعوة إلى الله

- ‌1 - كمال دين الإسلام

- ‌2 - حكمة خلق الإنسان

- ‌3 - حاجة البشرية إلى الإسلام

- ‌4 - عموم دين الإسلام

- ‌5 - أحكام الدعوة إلى الله

- ‌6 - أحكام الدعاة إلى الله

- ‌7 - أحكام المدعوين

- ‌8 - أصول من دعوة الأنبياء والرسل

- ‌الباب الثاني والعشرونكتاب الجهاد في سبيل الله

- ‌1 - معنى الجهاد وحكمه

- ‌2 - فضائل الجهاد في سبيل الله

- ‌3 - أقسام الجهاد في سبيل الله

- ‌4 - أحكام الجهاد في سبيل الله

- ‌5 - أحوال المجاهدين في سبيل الله

- ‌6 - آداب الجهاد في سبيل الله

- ‌7 - أحكام القتال في سبيل الله

- ‌8 - أحكام الشهداء في سبيل الله

- ‌9 - أحكام الأسرى والسبي

- ‌10 - أحكام الغنائم والأنفال

- ‌11 - انتهاء الحرب بالإسلام أو المعاهدات

- ‌12 - أحكام غير المسلمين

- ‌1 - أهل الذمة

- ‌2 - أهل الهدنة

- ‌3 - أهل الأمان

- ‌13 - أحكام الرجوع من الجهاد

- ‌14 - فضل الحمد والشكر

- ‌15 - فضل التوبة والاستغفار

- ‌الخاتمة

الفصل: ‌5 - حد قطاع الطريق

‌5 - حد قطاع الطريق

- قطاع الطريق: هم الذين يَعْرِضون للناس بالسلاح، ويقطعون الطريق عليهم جهراً بنهب أو قتل.

وقطاع الطريق يسمون مُحَارِبين؛ لأنهم محاربون للناس والدين.

- أقسام قطاع الطريق:

قطاع الطريق: هم كل من أشهر السلاح، وأخاف الطريق، وله قوة بنفسه أو بغيره.

وقطاع الطرق عصابات مختلفة كعصابة القتل .. وعصابة خطف الطائرات .. وعصابة اللصوص التي تسطو على البيوت والمتاجر والبنوك .. وعصابة خطف البنات للفجور بهن .. وعصابة خطف الأطفال لبيعهم أو فعل الفاحشة بهم .. وعصابة قتل الدواب والمواشي أو أخذها .. وعصابة خطف الوجهاء والأغنياء. فهؤلاء وأمثالهم يسمون قطاع الطريق؛ لإخافتهم الناس في طرقهم جهاراً بالسلاح.

- صفة قطاع الطريق:

1 -

قطاع الطريق يشبهون البغاة، فقطاع الطريق محاربون بغير تأويل، والبغاة محاربون بتأويل.

2 -

قطع الطريق يشبه السرقة، فقطع الطريق أخذ المال جهراً من الناس، سراً عن الإمام، ويسمى سرقة كبرى؛ لأن فيه ضرراً على أصحاب الأموال والناس، ولهذا غُلِّظ فيه الحد.

ص: 165

والسرقة أخذ المال خفية، وتسمى سرقة صغرى؛ لأن ضررها يخص أهل الأموال، ولهذا كانت عقوبتها أخف، وقطع الطريق أخذ المال أو غيره جهراً بتهديد، والسرقة أخذ المال خفية بلا تهديد.

- حكم قطع الطريق:

الحرابة: هي التعرض للناس وتهديدهم بالسلاح في الصحراء أو البنيان، في البيوت أو وسائل النقل، من أجل سفك دمائهم، أو انتهاك أعراضهم، أو غصب أموالهم ونحو ذلك.

ويدخل في حكم الحرابة كل ما يقع من ذلك في الطرق والمنازل، والسيارات والقطارات، والسفن والطائرات، سواء كان تهديداً بالسلاح، أو زرعاً للمتفجرات، أو نسفاً للمباني، أو حرقاً بالنار، أو أخذاً لرهائن.

وكل ذلك محرم، ومن أعظم الجرائم؛ لما فيه من ترويع الناس، والاعتداء على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم بغير حق.

ولهذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} [المائدة: 33].

2 -

وَعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وَألبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى

ص: 166

مَاتُوا. متفق عليه (1).

3 -

وَعَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» . متفق عليه (2).

- شروط وجوب الحد على قطاع الطريق:

1 -

أن يكون قاطع الطريق بالغاً عاقلاً، سواء كان مسلماً أو كافراً، ذكراً أو أنثى.

2 -

أن يكون المال المأخوذ محترماً مملوكاً لغيره.

3 -

أن يأخذ المال من حرز، قليلاً كان أو كثيراً.

4 -

ثبوت قطع الطريق بإقرار أو شهادة رجلين عدلين.

5 -

انتفاء الشبهة كما ذكر في السرقة.

6 -

التهديد بالسلاح جهراً في الصحراء أو العمران.

فإذا تمت هذه الشروط أقيم عليه حد الحرابة.

وإن اختل شرط منها عزرهم الإمام بما شاء مما يحقق المصلحة، ويدفع شرهم عن الناس.

- عقوبة قطاع الطريق:

عقوبة قطاع الطريق لها أربع حالات:

1 -

إذا قَتلوا وأخذوا المال، قُتلوا وصُلبوا.

2 -

إذا قَتلوا ولم يأخذوا المال، قُتلوا ولم يُصلبوا.

3 -

إذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قُطع من كل واحد يده اليمنى من مفصل الكف،

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6802) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6874) ، ومسلم برقم (98).

ص: 167

ورجله اليسرى من مفصل العقب.

4 -

إذا لم يقتلوا ولم يأخذوا المال، لكن أخافوا السبيل، فهؤلاء يُنفون من الأرض. وللإمام أن يجتهد في شأنهم بما يراه رادعاً لهم ولغيرهم؛ قطعاً لدابر الشر والفساد.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}

[المائدة: 33 - 34].

2 -

وعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ، فَأسْلَمُوا، فَاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَأمَرَهُمْ أنْ يَأْتُوا إِبِلَ الصَّدَقَةِ، فَيَشْرَبُوا مِنْ أبْوَالِهَا وَألبَانِهَا، فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، فَارْتَدُّوا وَقَتَلُوا رُعَاتَهَا، وَاسْتَاقُوا الإِبِلَ، فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ، فَأتِيَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أعْيُنَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَحْسِمْهُمْ حَتَّى مَاتُوا. متفق عليه (1).

- ما يُفعل بقطاع الطريق بعد القتل:

إذا جمع قطاع الطريق بين القتل وأَخْذ المال قُتلوا ثم صُلبوا على جدار أو عامود، وللإمام إن رأى المصلحة صَلْب قاطع الطريق، ثم قَتْله وهو مصلوب.

وكيفية الصلب: أن يعلَّق الجاني، وتربط يديه بالعامود من أعلى، ويترك بقدر

ما يشتهر أمره.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6802) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1671).

ص: 168

والقتل يكون بالسيف ونحوه مما يسرع في إزهاق الروح.

وقطاع الطريق إذا قتلوا يُغسَّلون، ويكفنون، ويصلى عليهم، ويدفنون مع المسلمين؛ لأنهم مسلمون.

أما الكافر فلا يغسل، ولا يصلى عليه، فيوارى بثيابه في حفرة من الأرض.

- كيفية نفي قطاع الطريق:

قطاع الطريق إذا أخافوا الناس ولم يقتلوا ولم يأخذوا المال فإنهم يُنفون من الأرض؛ إتقاء لشرهم، حتى تظهر توبتهم، فإن لم يندفع شرهم حبسهم الإمام؛ لأن هذا أقرب إلى دفع شرهم، لأن الحبس هو سجن الدنيا، فالمسجون ليس في الدنيا مع الناس، وليس في الآخرة مع الأموات، فهو منفي من الأرض.

- حكم حد قطاع الطريق:

حد قطاع الطريق من حقوق الله الخالصة له، فإذا بلغ الحاكم أمرهم وجب تنفيذ الحد فيهم، ولا يجوز العفو عنهم ولا الإبراء، ولا الصلح ولا الشفاعة لإسقاط الحد عنهم.

وما أخذوه من المال إن كان موجوداً رُدَّ إلى مالكه، وإن كان مفقوداً رُدَّ مثله، فإن لم يوجد مثله رد قيمته إن كان موسراً، فإن كان معسراً فنظرة إلى ميسرة.

لأن الحد والغُرْم حقان واجبان، الحد لله، والغُرْم للآدمي، فيجب أداؤهما معاً كالصيد المملوك في الحرم يجب فيه الجزاء للفقراء، والقيمة لمالكه.

- حكم توبة قطاع الطريق:

التوبة: هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته.

ص: 169

1 -

من تاب من قطاع الطريق قبل القدرة عليه فإن الله يغفر له ما قد سلف، ويسقط عنه ما وجب لله من نفي، وقطع، وصلب، وتحتم قتل.

ويؤخذ بما للآدميين من قتل نفس، أو قطع طرف، أو أخْذ مال، إلا أن يُعفى له عنها؛ لأن هذا من باب القصاص، لا من باب الحرابة، وللمجني عليه حق في القصاص أو الدية أو العفو.

2 -

إن قُبض على قطاع الطريق قبل التوبة أقيم عليهم حد قطاع الطريق، ووجب عليهم رد ما أخذوه لمالكه؛ لئلا تُتخذ التوبة ذريعة لتعطيل حدود الله، ولأن توبتهم بعد القدرة عليهم خوفاً من النكال والعقوبة، فلهذا لا تقبل توبتهم.

3 -

أما الكافر فتقبل توبته وإسلامه ولو بعد القدرة عليه، فيُرفع عنه القتل، ويلزمه رد ما أخذ لغيره من مال.

4 -

جميع الحدود إذا تاب الإنسان منها قبل القدرة عليه سقطت عنه؛ لأن جميع حقوق الله مبنية على المسامحة، فتسقط بالتوبة، فإن طالب الجاني بإقامتها عليه، فللإمام أن يقيمها عليه، وإن رجع عن طلب الإقامة بالقول أو الفعل ارتفعت عنه العقوبة.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)}

[المائدة: 33 - 34].

2 -

وقال الله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ

يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (38)} [الأنفال: 38].

ص: 170

3 -

وَعَنْ أسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضي الله عنهما قالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الحُرَقَةِ، فَصَبَّحْنَا القَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا غَشِينَاهُ قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، فَكَفَّ الأنْصَارِيُّ عنه، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:«يَا أُسَامَةُ، أقَتَلتَهُ بَعْدَ مَا قال: لا إِلَهَ إِلا اللهُ» . قُلتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ. متفق عليه (1).

- صفة توبة قطاع الطريق:

تقوم توبة قطاع الطريق على أمرين:

الأول: أن يتوبوا توبة نصوحاً فيما بينهم وبين الله عز وجل.

بأن تكون توبتهم خالصة لله تعالى .. وأن يندم الواحد على ما فعل .. ويقلع عن الذنب بتركه .. ورد ما أخذ لصاحبه أو استحلاله .. والعزم على ألا يعود إلى ذلك الذنب .. وأن تكون التوبة قبل حضور الأجل .. وقبل طلوع الشمس من مغربها، فهذه الخمسة شروط التوبة النصوح.

الثاني: أن يُلقي قطاع الطريق السلاح، ويجيئوا إلى الإمام تائبين معتذرين، إما جميعاً، أو يرسلوا رسولاً منهم معه تعهد منهم بتوبتهم، وندمهم على ما فعلوا.

1 -

قال الله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)} [النساء: 17].

2 -

وقال الله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (4269) ، واللفظ له، ومسلم برقم (96).

ص: 171

أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)} [النساء: 18].

3 -

وقال الله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)} [غافر: 84 - 85].

- ما يسقط به حد قطاع الطريق:

يسقط حد قطاع الطريق بعد وجوبه بواحد مما يلي:

1 -

تكذيب المقطوع عليه القاطع في إقراره.

2 -

رجوع القاطع عن إقراره.

3 -

تكذيب المقطوع عليه البينة.

4 -

توبة القاطع قبل القدرة عليه.

- ما يترتب على سقوط الحد:

إذا سقط حد قطاع الطريق بتوبة أو فوات شرط:

فإن كان ما أخذوه من مال موجوداً وجب رده إلى صاحبه، وإن كان تالفاً وجب ضمانه.

وإن قتلوا أحداً بسلاح وجب القصاص إلا أن يعفوا أولياء القتيل، أو يأخذوا الدية.

وإن جرحوا وجب القصاص في الطرف إلا أن يعفو المجني عليه، أو يأخذ الدية.

- حكم توبة الزنديق:

الزنديق: هو من يظهر الإسلام، ويبطن الكفر.

ص: 172

والزنديق محارب لله ورسوله ودينه، ومحاربة الزنديق للإسلام بلسانه أعظم من محاربة قاطع الطريق بيده وسنانه، فإن فتنة هذا في الأموال والأبدان، وفتنة الزنديق في القلوب والإيمان؛ لأنه منافق.

فإن تاب الزنديق قبل القدرة عليه فتُقبل توبته، ويُحقن دمه، وأما بعد القدرة عليه فلا تقبل توبته، بل يقتل حداً من غير استتابة، إلا إن علمنا صدق توبته فتقبل توبته ولا نقتله.

قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 145 - 146].

- حكم الصائل:

الصائل: هو من وثب على غيره واستطال عليه بغير حق في نفسه، أو عرضه، أو ماله.

والصائل معتد على غيره بغير حق، والاعتداء على الغير بغير حق محرم.

فيجب دفع الصائل حفظاً للنفوس من الهلاك، والأعراض من الانتهاك، والأموال من التلف.

1 -

قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)}

[البقرة: 190].

2 -

وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].

ص: 173

- كيفية دفع الصائل:

من صال على نفسه وأهله أو ماله آدمي أو بهيمة دَفَعه بأسهل ما يغلب على الظن اندفاعه به.

فإن كان يندفع بالتهديد فلا يضربه .. وإن لم يندفع إلا بالضرب باليد فليضربه .. وإن لم يندفع إلا بالضرب بالعصا فليضربه بالعصا .. يضربه بالأسهل فالأسهل.

وإن لم يندفع إلا بالقتل فليقتله، ولا ضمان عليه؛ لأنه مأذون له بذلك، وكل ما ترتب على المأذون فليس بمضمون.

وإن كان يمكنه دفعه بلا قتل فقتله فإنه يضمنه؛ لأنه دفعه بأكثر مما يجب.

وكذلك يجب دفع الصائل على غيره مع ظن السلامة.

1 -

عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أرَأيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أخْذَ مَالِي؟ قال: «فَلا تُعْطِهِ مَالَكَ» . قال: أرَأيْتَ إنْ قَاتَلَنِي؟ قال: «قَاتِلهُ» . قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلَنِي؟ قال: «فَأنْتَ شَهِيدٌ» . قال: أرَأيْتَ إنْ قَتَلتُهُ؟ قال: «هُوَ فِي النَّارِ» . أخرجه مسلم (1).

2 -

وَعَنْ أنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أخَاكَ ظَالِمًا أوْ مَظْلُومًا» . فقال رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أفَرَأيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أنْصُرُهُ؟ قال:«تَحْجُزُهُ، أوْ تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» .

أخرجه البخاري (2).

- حكم قتل الصائل:

إذا لم يندفع الصائل إلا بالقتل فللمجني عليه قتله، فإن طالب أولياء المقتول

(1) أخرجه مسلم برقم (140).

(2)

أخرجه البخاري برقم (6952).

ص: 174

بالقصاص نظرنا في الأمر والقرائن:

فإن كان المقتول معروفاً بالشر والفساد، والقاتل معروفاً بالخير والصلاح، فالقول قول القاتل، ولا ضمان عليه، ولكن لا بد أن يحلف؛ لأن اليمين تكون في جانب أقوى المدَّعين، ولا يصلح أمر الناس إلا بهذا؛ لأن إقامة البينة متعسر بل متعذر.

وأما إذا كان المصول عليه غير معروف بالصلاح فقتله فعليه القصاص إن لم يُقم البينة على أن المقتول صال عليه.

أما البهيمة كجمل أو أسد أو ذئب: فإذا صال عليه، ولم يندفع إلا بالقتل فله قتله، ولا ضمان عليه؛ لأن الصائل مؤذ لا حرمة له.

والمؤذي إن كانت طبيعته الأذى قُتل وإن لم يَصُلْ كالحية والأسد، وإن لم تكن طبيعته الأذى قُتل حال أذىته كالجمل والفرس ونحوهما.

1 -

قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190)} [البقرة: 190].

2 -

وقال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)} [البقرة: 195].

ص: 175