المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب فرائض الوضوء وسننه] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌[باب حكم الماء الطاهر]

- ‌[باب الماء النجس]

- ‌[باب الشك في الماء]

- ‌[فصل في اشتباه الماء النجس بالطاهر]

- ‌[أقسام الحيوان]

- ‌[فصل في أقسام الحيوان الطاهر]

- ‌[باب الآنية]

- ‌[التطهر من آنية الذهب والفضة]

- ‌[فصل في استعمال آنية أهل الكتاب]

- ‌[فصل في حكم ثياب الكفار]

- ‌[فصل في حكم طهارة الميتة]

- ‌[باب السواك وغيره]

- ‌[باب فرائض الوضوء وسننه]

- ‌[باب المسح على الخفين]

- ‌[فصل في مدة المسح على الخفين]

- ‌[فصل في نواقض المسح على الخفين]

- ‌[فصل في المسح على العمامة]

- ‌[فصل في المسح على الجبيرة]

- ‌[باب نواقض الطهارة الصغرى]

- ‌[باب آداب التخلي]

- ‌[باب ما يوجب الغسل]

- ‌[فصل فيما يحرم على الجنب]

- ‌[باب صفة الغسل من الجنابة]

- ‌[باب التيمم]

- ‌[فصل في فرائض التيمم]

- ‌[فصل فيما يباح بالتيمم]

- ‌[فصل في شرائط التيمم]

- ‌[فصل في مبطلات التيمم]

- ‌[فصل فيما يجوز التيمم به]

- ‌[فصل في حكم فاقد الطهورين]

- ‌[باب الحيض]

- ‌[باب النفاس]

- ‌[باب أحكام النجاسات]

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[باب أوقات الصلوات]

- ‌[باب الأذان]

- ‌[باب شرائط الصلاة]

- ‌[باب ستر العورة]

- ‌[باب استقبال القبلة]

- ‌[باب اشتراط دخول الوقت لصحة الصلاة]

- ‌[باب النية في الصلاة]

- ‌[باب صفة الصلاة]

- ‌[باب صلاة التطوع]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[باب ما يكره في الصلاة]

- ‌[باب صلاة الجماعة]

- ‌[باب صفة الأئمة]

- ‌[باب موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[فصل في حكم المرور بين يدي المصلي]

- ‌[باب قصر الصلاة]

- ‌[باب الجمع بين الصلاتين]

- ‌[باب صلاة المريض]

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[باب صلاة الكسوف]

- ‌[باب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[باب غسل الميت]

- ‌[باب الكفن]

- ‌[باب الصلاة على الميت]

- ‌[باب حمل الجنازة والدفن]

- ‌[باب التعزية والبكاء على الميت]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[باب زكاة الإبل]

- ‌[باب صدقة البقر]

- ‌[باب صدقة الغنم]

- ‌[باب حكم الخلطة]

- ‌[باب زكاة الزرع والثمار]

- ‌[باب زكاة الذهب]

- ‌[باب زكاة المعدن]

- ‌[باب حكم الركاز]

- ‌[باب زكاة التجارة]

- ‌[باب صدقة الفطر]

- ‌[باب إخراج الزكاة والنية فيه]

- ‌[باب قسم الصدقات]

- ‌[باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم]

- ‌[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]

- ‌[باب صدقة التطوع]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[باب النية في الصوم]

- ‌[باب ما يفسد الصوم وما يوجب الكفارة]

- ‌[باب قضاء رمضان]

- ‌[باب ما يستحب وما يكره للصائم]

- ‌[باب صوم التطوع]

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج]

- ‌[باب مواقيت الحج]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌[باب محظورات الإحرام]

- ‌[باب الفدية في الحج]

- ‌[باب جزاء الصيد]

- ‌[باب دخول مكة وصفة العمرة]

- ‌[باب صفة الحج]

- ‌[باب ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي]

- ‌[باب الأضحية]

- ‌[باب العقيقة]

- ‌[باب الذبائح]

- ‌[باب الصيد]

- ‌[باب ما يحل وما يحرم من الحيوان]

الفصل: ‌[باب فرائض الوضوء وسننه]

فإن كان كبيراً وخاف على نفسه من الختان، سقط وجوبه.

[باب فرائض الوضوء وسننه]

أول فرائضه: النية: وهي شرط لطهارة الأحدث كلها، الغسل، والوضوء، والتيمم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» متفق عليه. ولأنها عبادة محضة، فلم تصح من غير نية، كالصلاة.

ومحل النية: القلب؛ لأنها عبارة عن القصد، ويقال: نواك بخير، أي: قصدك به. ومحل القصد القلب، ولا يعتبر أن يقول بلسانه شيئاً، فإن لفظ بما نواه كان آكد. وموضع وجوبها عند المضمضة؛ لأنها أول واجباته، ويستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية، لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه. ويستحب استدامة ذكرها في سائر وضوئه، فإن عزبت في أثنائها جاز؛ لأن النية في أول العبادة تشمل جميع أجزائها كالصيام، وإن تقدمت النية الطهارة بزمن يسير، وعزبت عنه في

ص: 55

أولها، جاز؛ لأنها عبادة، فلم يشترط اقتران النية بأولها كالصيام.

وصفتها: أن ينوي رفع الحدث، أي: إزالة المانع من الصلاة أو الطهارة، لأمر لا يستباح إلا بها، كالصلاة والطواف ومس المصحف، وإن نوى الجنب بغسله قراءة القرآن صح؛ لأنه يتضمن رفع الحدث، وإن نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة، كلبس ثوبه ودخول بيته والأكل، لم يرتفع حدثه؛ لأنه ليس بمشروع، أشبه التبرد، وإن نوى ما يستحب له الطهارة، كقراءة القرآن، وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والجلوس في المسجد والنوم، فكذلك في إحدى الروايتين؛ لأنه لا يفتقر إلى رفع الحدث أشبه لبس الثوب، والأخرى: يرتفع حدثه؛ لأنه يشرع له فعل هذا، وهو غير محدث، وقد نوى ذلك، فينبغي أن تحصل له، ولأنها طهارة صحيحة، فرفعت الحدث، كما لو نوى رفعه. وإن نوى رفع الحدث والتبرد، صحت طهارته؛ لأنه أتى بما يجزئه، وضم إليه ما لا ينافيه، فأشبه ما لو نوى بالصلاة العبادة والإدمان على السهر، فإن نوى طهارة مطلقة، لم يصح؛ لأن منها ما لا يرفع الحدث، وهو الطهارة من النجاسة. وإن نوى رفع حدث بعينه، فهل يرتفع غيره؟ على وجهين: قال أبو بكر: لا يرتفع؛ لأنه لم ينوه، أشبه إذا لم ينو شيئاً. وقال القاضي: يرتفع؛ لأن الأحداث تتداخل، فإن ارتفع بعضها ارتفع جميعها، وإن نوى صلاة واحدة نفلاً

ص: 56

أو فرضاً لا يصلي غيرها، ارتفع حدثه، ويصلي ما شاء؛ لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا لسبب جديد، ونيته للصلاة تضمنت رفع الحدث، وإن نوى نية صحيحة ثم غير نيته، فنوى التبرد في غسل بعض الأعضاء، لم يصح ما غسله للتبرد، فإن أعاد غسل العضو بنية الطهارة، صح، ما لم يطل الفصل.

فصل:

ثم يقول: بسم الله. وفيها روايتان:

إحداهما: أنها واجبة في طهارات [الأحداث] كلها، اختارها أبو بكر، لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال:«لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» . قال أحمد: حديث أبي سعيد أحسن شيء في الباب.

والثانية: أنها سنة اختارها الخرقي. قال الخلال: الذي استقرت الروايات عنه: أنه لا بأس به إذا ترك التسمية؛ لأنها عبادة، فلا تجب فيها التسمية كغيرها، وضعف أحمد الحديث فيها، وقال: ليس يثبت في هذا حديث، واختلف من أوجبها في سقوطها بالسهو، فمنهم من قال: لا تسقط كسائر واجبات الطهارة ومنهم من أسقطها؛ لأن الطهارة عبادة تشتمل على مفروض ومسنون، فكان من فروضها ما يسقطه السهو، كالصلاة والحج، فإن ذكرها في أثناء وضوئه، سمى حيث

ص: 57

ذكر.

ومحل التسمية اللسان؛ لأنها ذكر، وموضعها بعد النية، ليكون مسمياً على جميع الوضوء.

فصل:

في غسل الكفين: ثم يغسل كفيه ثلاثاً؛ «لأن عثمان وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما، وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: فأفرغ على يديه من إنائه، فغسلهما ثلاث مرات» . متفق عليهما، ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء، ثم إن كان لم يقم من نوم الليل، فغسلهما مستحب؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا استيقظ أحدكم من نومه، فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثاً، فإنه لا يدري أين باتت يده» متفق عليه. ولم يذكر البخاري "ثلاثاً". فتخصيصه هذه الحالة بالأمر، دليل على عدم الوجوب في غيرها.

وإن قام في نوم الليل ففيه روايتان:

إحداهما: أنه واجب، اختارها أبو بكر لظاهر الأمر، فإن غمسهما قبل

ص: 58

غسلهما، صار الماء مستعملاً؛ لأن النهي عن غمسهما يدل على أنه يفيد منعاً، وإن غسلهما دون الثلاث، ثم غمسهما، فكذلك؛ لأن النهي باق، وغمس بعض يده كغمس جميعها، ويفتقر غسلهما إلى النية؛ لأنه غسل وجب تعبداً، أشبه الوضوء.

والرواية الثانية: ليس بواجب، اختارها الخرقي؛ لأن اليد عضو لا حدث عليه ولا نجاسة، فأشبهت سائر الأعضاء، وتعليل الحديث يدل على أنه أريد به الاستحباب؛ لأنه علل بوهم النجاسة، ولا يزال اليقين بالشك، فإن غمسهما في الماء فهو باق على إطلاقه.

فصل:

ثم يتمضمض ويستنشق؛ لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكر أنه مضمض واستنشق، وهما واجبان في الطهارتين؛ لقول الله تعالى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] ، وهما داخلان في حد الوجه، ظاهران، يفطر الصائم بوصول القيء إليهما، ولا يفطر بوضع الطعام فيهما، ولا يحد بوضع الخمر فيهما، ولا يحصل الرضاع بوصول اللبن إليهما، ويجب غسلهما من النجاسة، فيدخلان في عموم الآية.

وعنه: الاستنشاق وحده واجب؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه[أن النبي صلى الله عليه وسلم قال] : «إذا توضأ أحدكم، فليجعل في أنفه، ثم لينتثر» متفق عليه. وعنه: أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى؛ لأنها طهارة تعم جميع البدن ويجب فيها غسل ما تحت الشعور، وتحت الخفين.

ص: 59

ويستحب المبالغة فيهما، إلا أن يكون صائماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة:«وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً» حديث صحيح. وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف، ولا يجعله سعوطاً، وفي المضمضة، إدارة الماء في أقاصي الفم، ولا يجعله وجوراً، وهو مخير بين أن يمضمض ويستنشق ثلاثاً من غرفة أو من ثلاث غرفات؛ لأن في حديث عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم، «مضمض واستنشق من كف واحدة، ففعل ذلك ثلاثاً» ، وفي لفظ:«أدخل يده في الإناء، فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثاً بثلاث غرفات» ، متفق عليهما. وإن شاء فصل بينهما؛ لأن جد طلحة بن مصرف قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، يفصل بين المضمضة والاستنشاق» . رواه أبو داود. ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه؛ لأنهما منه، لكن تستحب البداءة بهما اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم.

فصل:

ثم يغسل وجهه، وذلك فرض بالإجماع، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6]

ص: 60

وحده من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولاً، ومن الأذن إلى الأذن عرضاً، ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن ناصيته، ولا الأفرع الذي ينزل شعره على جبهته.

فإن كان في الوجه شعر كثيف يستر البشرة، لم يجب غسل ما تحته؛ لأنه باطن أشبه [باطن] أقصى الأنف، ويستحب تخليله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلل لحيته. وروى أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «كان إذا توضأ، أخذ كفاً من ماء فأدخله تحت حنكه، فخلل به لحيته، وقال: هكذا أمرني ربي، عز وجل» رواه أبو داود.

وإن كان يصف البشرة، وجب غسل الشعر والبشرة.

وإن كان بعضه خفيفا، وبعضه كثيفاً، وجب غسل ظاهر الكثيف، وبشرة الخفيف معه. وسواء في هذا شعر اللحية والحاجبين، والشارب والعنفقة؛ لأنها شعور معتادة في الوجه، أشبهت اللحية.

ص: 61

وفي المسترسل من اللحية عن حد الوجه روايتان:

إحداهما: لا يجب غسله؛ لأنه شعر نازل عن محل الفرض، أشبه الذؤابة في الرأس.

والثاني: يجب؛ لأنه نابت في بشرة الوجه، أشبه الحاجب. ويدخل في حد الوجه العذار، [وهو: الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن إلى الصدغ.

والعارض: الذي تحت العذار] . والذقن: وهو مجتمع اللحيين، ويخرج منه النزعتان، وهما: ما ينحسر عنهما الشعر في فودي الرأس؛ لأنهما من الرأس، لدخولهما فيه. والصدغ: وهو الذي عليه الشعر في حق الغلام، محاذ لطرف الأذن الأعلى؛ لأنه شعر متصل بالرأس ابتداء، فكان من الرأس كسائره، وقد مسحه النبي صلى الله عليه وسلم مع رأسه في حديث الربيع.

ويستحب أن يزيد في ماء الوجه؛ لأن فيه غضوناً وشعوراً، ودواخل وخوارج، ويمسح مآقيه، ويتعاهد المفصل وهو البياض الذي بين اللحية والأذن، فيغسله.

ولا يجب غسل داخل العينين. ولا يستحب؛ لأنه لا يؤمن الضرر من

ص: 62

غسلهما.

فصل:

ثم يغسل يديه إلى المرفقين، وهو فرض بالإجماع، لقول الله تعالى:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] . ويجب غسل المرفقين؛ لأن جابراً رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه» ، رواه الدارقطني، وفيه:" دار الماء " وهذا يصلح بياناً؛ لأن " إلى " تكون بمعنى " مع " كقوله تعالى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران: 52][أي: مع الله]، {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2] .

ويجب غسل أظفاره، وإن طالت، والأصبع الزائدة، والسلعة؛ لأن ذلك من يده، وإن كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض، وجب غسلها؛ لأنها نابتة في محل الفرض، أشبهت الأصبع، وإن نبتت في العضد أو المنكب، لم يجب غسلها وإن حاذت محل الفرض؛ لأنها في غير محل الفرض، فهي كالقصيرة. وإن كانت له يدان متساويتان على منكب واحد، وجب غسلهما؛ لأن إحداهما ليست أولى من الأخرى.

وإن تقلعت جلدة من الذراع، فتدلت من العضد، لم يجب غسلها؛ لأنها صارت من العضد، وإن تقلعت من العضد، فتدلت من الذراع، وجب غسلها؛ لأنها متدلية من محل الفرض. وإن تقلعت من إحداهما، فالتحم رأسها بالأخرى، وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها؛ لأنها كالجلد الذي عليهما، فإن كانت متجافية في وسطها، غسل ما تحتها من محل الفرض. وإن كان أقطع فعليه غسل ما بقي من محل الفرض، فإن لم يبق منه شيء، سقط الغسل، ويستحب أن يمس محل القطع بالماء، لئلا يخلو العضو من طهارة.

ص: 63

وتستحب البداءة بغسل اليمنى من يديه ورجليه؛ «لأن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره، وفي شأنه كله» . متفق عليه. فإن بدأ باليسرى جاز؛ لأنهما كعضو واحد، بدليل قوله سبحانه:{وَأَيْدِيكُمْ} [النساء: 43]{وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة: 6] فجمع بينهما.

فصل:

ثم يمسح رأسه، وهو فرض بغير خلاف، لقول الله تعالى:{وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وهو ما ينبت عليه الشعر المعتاد في الصبي مع النزعتين. ويجب استيعابه بالمسح؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] والباء للإلصاق، فكأنه قال: امسحوا رؤوسكم، وصار كقوله سبحانه:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6] قال ابن برهان: من زعم أن الباء للتبعيض، فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه. وظاهر قول الإمام أحمد: المرأة يجزئها مسح مقدم الرأس؛ لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها، وعنه في الرجل: أنه يجزئه مسح بعضه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: «مسح

ص: 64

بناصيته وعمامته» . رواه مسلم.

وكيفما مسح الرأس أجزأ، بيد واحدة، أو بيدين، إلا أن المستحب أن يمر يديه من مقدم رأسه إلى قفاه، ثم يعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه، لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، «ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة» ، متفق عليه. ولا يستحب تكرار المسح، لأن أكثر من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ذكر أنه مسح مرة واحدة، ولأنه ممسوح في طهارة، أشبه التيمم. وعنه: يستحب تكراره، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، «توضأ ثلاثا ثلاثا. وقال: " هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي» رواه ابن ماجه. ولأنه أصل في الطهارة، أشبه الغسل.

ص: 65

والأذنان في الرأس يمسحان معه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الأذنان من الرأس» رواه أبو داود. وروت الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم «مسح برأسه، وصدغيه، وأذنيه، مسحة واحدة» . رواه الترمذي، وقال حديث [حسن] صحيح. ويستحب إفرادهما بماء جديد لأنهما كالعضو المنفرد، وإنما هما من الرأس على وجه التبع، ولا يجزئ مسحهما عنه لذلك، وظاهر كلام أحمد أنه لا يجب مسحهما لذلك، ويستحب أن يدخل سبابتيه في صماخي أذنيه، ويجعل إبهاميه لظاهرهما، ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر، ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده، لأن الرأس ما ترأس وعلا، ولو أدخل يده تحت الشعر، فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه، لأن الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره، ولو مسح رأسه ثم حلقه، أو غسل عضوا ثم قطع جزعا منه أو جلده، لم يؤثر في طهارته، لأنه ليس ببدل عما تحته، فلم يلزمه بظهوره طهارة، فإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهرا، فتعلق الحكم به، ولو حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب، لزمه غسله لأنه صار ظاهرا.

فصل:

ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، وهو فرض لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]

ص: 66

ويدخل الكعبين في الغسل لما ذكرنا في المرفقين، ولا يجزئ مسح الرجلين، لما روى عمر «أن رجلا ترك موضع ظفر في قدمه اليمنى فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " ارجع فأحسن وضوءك " فرجع ثم صلى» رواه مسلم. وإن كان الرجل أقطع اليدين فقدر على أن يستأجر من يوضئه بأجرة مثله، لزمه كما يلزمه شراء الماء. ولا يعفى عن شيء من طهارة الحدث، وإن كان يسيرا لما ذكرنا من حديث عمر.

ويستحب أن يخلل أصابعه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«إذا توضأت فخلل بين أصابع يديك ورجليك» رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن.

فصل:

ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا في ظاهر المذهب، وحكي عنه أنه ليس بواجب، لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأعضاء المغسولة بالواو، ولا ترتيب فيها.

ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب، لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات، وقطع النظير عن نظيره، ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة، ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه الوضوء إلا مرتبا، وهو يفسر كلام الله سبحانه بقوله مرة وبفعله مرة أخرى. فإن نكس وضوءه فختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه، وإن غسل وجهه ويديه، ثم غسل رجليه ثم مسح برأسه، صح وضوءه إلا غسل رجليه، فيغسلهما ويتم وضوءه.

ص: 67

فصل:

ويوالي بين غسل الأعضاء، وفي وجوب الموالاة روايتان:

إحداهما: يجب، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم، رأى رجلا يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة» . رواه أبو داود. ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسلها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم، والى بين الغسل.

والثانية: لا تجب، لأن المأمور به الغسل، وقد أتى به، وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وترك مسح خفيه حتى دخل المسجد، فدعي لجنازة، فمسح عليهما وصلى عليها. والتفريق المختلف فيه: أن يؤخر غسل عضو حتى يمضي زمن ينشف فيه الذي قبله في الزمان المعتدل فإن أخر غسل عضو لأمر في الطهارة من إزالة الوسخ، أو عرك عضو لم يقدح في طهارته.

فصل:

والوضوء مرة مرة يجزئ، والثلاث أفضل، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم، توضأ مرة مرة، وقال: " هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة "، ثم توضأ مرتين، ثم قال: " هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر "، ثم توضأ ثلاثا ثلاثا،، ثم قال: " هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي» أخرجه ابن ماجه. وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فلا بأس، فقد «حكى عبد الله بن زيد وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسل يديه مرتين، ثم مضمض واستنثر ثلاثا [وغسل وجهه ثلاثا] ثم غسل يديه مرتين إلى

ص: 68

المرفقين، ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما ثم رجع إلى المكان الذي بدأ منه، ثم غسل رجليه» ، متفق عليه. ولا يزيد على ثلاث لأن «أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال: " هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم» رواه أبو داود، ويكره الإسراف في الماء لأن «النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال:" لا تسرف " قال: يا رسول الله: في الماء إسراف؟ قال: " نعم وإن كنت على نهر جار» رواه ابن ماجه.

فصل:

ويستحب إسباغ الوضوء، ومجاوزة قدر الواجب بالغسل، لأن «أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يديه حتى أشرع في العضد، ورجله حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله» متفق عليه.

فصل:

ولا بأس بالمعاونة على الوضوء والغسل بتقريب الماء، وحمله وصبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل له الماء، ويصب عليه. قال أنس رضي الله عنه:«كان النبي صلى الله عليه وسلم، ينطلق لحاجته فآتيه أنا وغلام من الأنصار بإداوة من ماء يستنجي به» ، وعن المغيرة

ص: 69

بن شعبة رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء فصببت عليه من الإداوة، فغسل وجهه وذكر بقية الوضوء» ، متفق عليهما. وعن عائشة رضي الله عنها قالت:«كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة آنية من الليل مخمرة، إناء لطهره، وإنا لسواكه، وإنا لشرابه» ، أخرجه ابن ماجه.

فصل:

وفي تنشيف بلل الغسل والوضوء روايتان:

إحداهما: يكره، لأن «ميمونة رضي الله عنها وصفت غسل النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيده» ، متفق عليه.

والأخرى: لا بأس به، لأنه إزالة الماء عن بدنه، أشبه نفضه بيديه.

فصل:

ويستحب أن يقول بعد فراغه من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «من توضأ فأحسن وضوئه ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد

ص: 70