المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب سجود السهو] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌[باب حكم الماء الطاهر]

- ‌[باب الماء النجس]

- ‌[باب الشك في الماء]

- ‌[فصل في اشتباه الماء النجس بالطاهر]

- ‌[أقسام الحيوان]

- ‌[فصل في أقسام الحيوان الطاهر]

- ‌[باب الآنية]

- ‌[التطهر من آنية الذهب والفضة]

- ‌[فصل في استعمال آنية أهل الكتاب]

- ‌[فصل في حكم ثياب الكفار]

- ‌[فصل في حكم طهارة الميتة]

- ‌[باب السواك وغيره]

- ‌[باب فرائض الوضوء وسننه]

- ‌[باب المسح على الخفين]

- ‌[فصل في مدة المسح على الخفين]

- ‌[فصل في نواقض المسح على الخفين]

- ‌[فصل في المسح على العمامة]

- ‌[فصل في المسح على الجبيرة]

- ‌[باب نواقض الطهارة الصغرى]

- ‌[باب آداب التخلي]

- ‌[باب ما يوجب الغسل]

- ‌[فصل فيما يحرم على الجنب]

- ‌[باب صفة الغسل من الجنابة]

- ‌[باب التيمم]

- ‌[فصل في فرائض التيمم]

- ‌[فصل فيما يباح بالتيمم]

- ‌[فصل في شرائط التيمم]

- ‌[فصل في مبطلات التيمم]

- ‌[فصل فيما يجوز التيمم به]

- ‌[فصل في حكم فاقد الطهورين]

- ‌[باب الحيض]

- ‌[باب النفاس]

- ‌[باب أحكام النجاسات]

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[باب أوقات الصلوات]

- ‌[باب الأذان]

- ‌[باب شرائط الصلاة]

- ‌[باب ستر العورة]

- ‌[باب استقبال القبلة]

- ‌[باب اشتراط دخول الوقت لصحة الصلاة]

- ‌[باب النية في الصلاة]

- ‌[باب صفة الصلاة]

- ‌[باب صلاة التطوع]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[باب ما يكره في الصلاة]

- ‌[باب صلاة الجماعة]

- ‌[باب صفة الأئمة]

- ‌[باب موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[فصل في حكم المرور بين يدي المصلي]

- ‌[باب قصر الصلاة]

- ‌[باب الجمع بين الصلاتين]

- ‌[باب صلاة المريض]

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[باب صلاة الكسوف]

- ‌[باب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[باب غسل الميت]

- ‌[باب الكفن]

- ‌[باب الصلاة على الميت]

- ‌[باب حمل الجنازة والدفن]

- ‌[باب التعزية والبكاء على الميت]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[باب زكاة الإبل]

- ‌[باب صدقة البقر]

- ‌[باب صدقة الغنم]

- ‌[باب حكم الخلطة]

- ‌[باب زكاة الزرع والثمار]

- ‌[باب زكاة الذهب]

- ‌[باب زكاة المعدن]

- ‌[باب حكم الركاز]

- ‌[باب زكاة التجارة]

- ‌[باب صدقة الفطر]

- ‌[باب إخراج الزكاة والنية فيه]

- ‌[باب قسم الصدقات]

- ‌[باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم]

- ‌[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]

- ‌[باب صدقة التطوع]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[باب النية في الصوم]

- ‌[باب ما يفسد الصوم وما يوجب الكفارة]

- ‌[باب قضاء رمضان]

- ‌[باب ما يستحب وما يكره للصائم]

- ‌[باب صوم التطوع]

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج]

- ‌[باب مواقيت الحج]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌[باب محظورات الإحرام]

- ‌[باب الفدية في الحج]

- ‌[باب جزاء الصيد]

- ‌[باب دخول مكة وصفة العمرة]

- ‌[باب صفة الحج]

- ‌[باب ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي]

- ‌[باب الأضحية]

- ‌[باب العقيقة]

- ‌[باب الذبائح]

- ‌[باب الصيد]

- ‌[باب ما يحل وما يحرم من الحيوان]

الفصل: ‌[باب سجود السهو]

والثانية عند: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77] وفي الفرقان عند: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]، وفي النمل عند:{الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26]، وفي {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] عند: {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15] وفي حم السجدة عند: {وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38] وفي آخر النجم، وفي:{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] عند: {لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] ، وآخر اقرأ، ويكره اختصار السجود، وهو أن يجمع آيات السجدات فيقرأها في ركعة، وقيل: أن يحذف آيات السجدات في قراءته، وكلاهما مكروه؛ لأنه محدث، وفيه إخلال بالترتيب.

فصل:

وسجود الشكر مستحب عند تجدد النعم، لما روى أبو بكرة قال:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه شيء يسر به خر ساجدًا» ، وصفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطها، ولا يسجد للشكر في الصلاة؛ لأن سببه ليس منها، فإن فعل بطلت، كما لو سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى.

[باب سجود السهو]

وإنما يشرع لجبر خلل الصلاة، وهو ثلاثة أقسام: زيادة، ونقص، وشك.

والزيادة ضربان: زيادة أقوال، تتنوع ثلاثة أنواع:

أحدها: أن يأتي بذكر مشروع في غير محله، كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس، والتشهد في القيام، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، ونحوه فهذا لا يبطل الصلاة بحال؛ لأنه ذكر مشروع في الصلاة، ولا يجب له سجود؛ لأن عمده غير مبطل، وهل يسن السجود لسهوه؟ فيه روايتان:

إحداهما: يسن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» .

والثانية: لا يسن؛ لأن عمده غير مبطل، فأشبه العمل اليسير.

ص: 273

الثاني: أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها، فإن كان عمدًا بطلت صلاته؛ لأنه تكلم فيها، وإن كان سهوًا، وطال الفصل، بطلت أيضًا، لتعذر بناء الباقي عليها، وإن ذكر قريبًا أتم صلاته، وسجد بعد السلام.

فإن كان قد قام، فعليه أن يجلس لينهض عن جلوس؛ لأن القيام واجب للصلاة، ولم يأت به قاصدًا لها، والأصل فيه، ما روى أبو هريرة قال: «صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، فصلى ركعتين ثم سلم، فقام إلى خشبة معروضة في المسجد، فوضع يده عليها كأنه غضبان، شبك بين أصابعه، ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، وخرج السرعان من أبواب المسجد، فقالوا: قصرت الصلاة، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه، وفي

ص: 274

القوم رجل في يديه طول، يقال له: ذو اليدين، فقال له: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة؟ قال: لم أنس ولم تقصر، فقال: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم. قال: فتقدم فصلى ما ترك من صلاته، ثم سلم، ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع رأسه فكبر» متفق عليه.

وإن انتقض وضوؤه أو دخل في صلاة أخرى، أو تكلم من غير شأن الصلاة، كقوله: اسقني ماء فسدت صلاته، وإن تكلم مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين، ففيه ثلاث روايات:

إحداهن: لا تفسد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا ثم أتموا صلاتهم.

والثانية: لا تفسد صلاة الإمام؛ لأن له أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتفسد صلاة المأموم؛ لأنه

ص: 275

لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر؛ لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم، وإجابته واجبة، ولا بذي اليدين؛ لأنه تكلم سائلًا عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه، فعذر، بخلاف غيره، واختارها الخرقي.

والثالثة: تفسد صلاتهم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس» اختارها أبو بكر، والأول أولى.

النوع الثالث: أن يتكلم من صلب الصلاة، فإن كان عمدًا أبطل الصلاة إجماعًا لما رويناه، ولما روى زيد بن أرقم، قال:«كنا نتكلم في الصلاة؛ يكلم الرجل صاحبه، حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام» متفق عليه. وإن تكلم ناسيًا، أو جاهلًا بتحريمه ففيه روايتان:

إحداهما: يبطلها، لما روينا، ولأنه من غير جنس الصلاة، فأشبه العمل الكثير.

والثانية: لا يفسدها، لما «روى معاوية بن الحكم السلمي، قال: بينما أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه! ما شأنكم تنظرون إلي؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم لكي أسكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، فوالله ما كهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن» رواه مسلم. فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لجهله، والناسي في معناه.

ص: 276

وإن غلب بكاء، فنشج بما انتظم حروفًا لم تفسد صلاته، نص عليه؛ لأن عمر رضي الله عنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف، وإن غلط في القراءة وأتى بكلمة من غيره لم تفسد صلاته؛ لأنه لا يمكنه التحرز منه.

وإن نام فتكلم احتمل وجهين:

أحدهما: لا تفسد صلاته؛ لأنه عن غلبة، أشبه ما تقدم.

والثاني: أنه ككلام الناسي، وإن شمت عطاسًا، أفسد صلاته لحديث معاوية، وكذلك إن رد سلامًا، أو سلم على إنسان؛ لأنه من كلام الآدميين، فأشبه تشميت العاطس، وإن قهقه بطلت صلاته؛ لأن جابرًا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«القهقهة تنقض الصلاة، ولا تنقض الوضوء» رواه الدارقطني.

والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدًا؛ لأنه أقل ما ينتظم منه الكلام، وقد «روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفخ في الصلاة، وتنحنح فيها» ، وهو محمول على أنه لم يأت بحرفين، أو لم يأت بحرفين مختلفين.

فصل:

الثاني: زيادة الأفعال، وهي ثلاثة أنواع:

أحدهما: زيادة من جنس الصلاة، كركعة أو ركوع أو سجود، فمتى كان عمدًا أبطلها، وإن كان سهوًا سجد له؛ لما «روى ابن مسعود، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا، فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: يا رسول الله، هل زيد في الصلاة شيء؟ قال: لا قالوا: إنك صليت خمسًا، فانفتل وسجد سجدتين، ثم سلم، ثم قال: إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين، وفي لفظ: فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين» رواه مسلم.

ومتى قام الرجل إلى ركعة زائدة، فلم يذكر حتى سلم، سجد للحال، وإن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم، وإن ذكر في الركعة، جلس على أي حال كان، فإن كان قيامه قبل التشهد تشهد ثم سجد ثم سلم، وإن كان بعده سجد ثم سلم، وإن كان تشهد ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه، ثم سجد وسلم.

ص: 277

فصل:

وإذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه؛ لما «روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فزاد أو نقص، ثم قال: إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني» ، «وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نابكم أمر فليسبح الرجال، وليصفح النساء» ، وفي لفظ:«التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء» متفق عليه.

وإذ سبح به اثنان، لزمه الرجوع إليهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر، وأمر بتذكيره ليرجع، فإن لم يرجع بطلت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمدًا، وليس لهم اتباعه لبطلان صلاته، فإن اتبعوه بطلت صلاتهم، إلا أن يكونوا جاهلين، فلا تبطل؛ لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة، وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم، وذكر القاضي رواية أخرى: أنهم يتابعونه استحبابًا، ورواية ثالثة: أنهم ينتظرونه، اختارها ابن حامد، وإن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يرجع؛ لأن قولهما: إنما يفيد الظن، واليقين أولى.

وإن سبح به واحد لم يرجع نص عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع بقول ذي اليدين وحده، وإن سبح به من يعلم فسقه لم يرجع؛ لأن خبره غير مقبول، وإن افترق المأمومون طائفتين سقط قولهم؛ لتعارضه عنده، وإن نسي التشهد الأول، فسبحوا به، بعد انتصابه قائمًا، لم يرجع، ويتابعونه في القيام، لما «روى زياد بن علاقة قال: صلى بنا المغيرة بن شعبة، فلما صلى ركعتين، قام ولم يجلس، فسبح به من خلفه، فأشار إليهم قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم، وسجد سجدتين وسلم، وقال: هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه الإمام أحمد.

وإن رجع بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه؛ لأنه خطأ، فإن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع، فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه؛ لأنه ترك واجبًا تعين عليهم، فلم يجز لهم اتباعه في تركه، وإن ذكر التشهد قبل انتصابه فرجع إليه بعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة لزمهم الرجوع؛ لأنه رجع إلى واجب، فلزمهم متابعته، ولا عبرة بما فعلوه قبله.

النوع الثاني: زيادة من غير جنس الصلاة، كالمشي والحك، والتروح، فإن كثر متواليًا أبطل الصلاة إجماعًا، وإن قل لم يبطلها، لما «روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها» متفق عليه.

وروي عنه أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة، ولا فرق بين العمد والسهو فيه؛ لأنه من غير جنس الصلاة، ولا يشرع له سجود لذلك، واليسير: ما شابه فعل

ص: 278

النبي صلى الله عليه وسلم فيما رويناه، ومثل تقدمه وتأخره في صلاة الكسوف، والكثير: ما زاد على ذلك مما عد كثيرًا في العرف؛ فيبطل الصلاة، إلا أن يفعله متفرقًا.

النوع الثالث: الأكل والشرب، متى أتى بهما في الفريضة عمدًا بطلت؛ لأنهما ينافيان الصلاة، والنافلة كالفريضة.

وعنه: لا يبطلها اليسير، والأولى أولى؛ لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة، كالعمل الكثير، وإن فعلها سهوًا وكثر ذلك بطلت الصلاة؛ لأنه عمل كثير، وإن قل فكذلك؛ لأنه من غير جنس الصلاة، فسوى بين عمده وسهوه كالمشي.

وعنه: لا يبطل؛ لأنه سوى بين قليله وكثيره في العمد، فعفي عنه في السهو كالسلام، فعلى هذا يسجد له؛ لأنه تبطل الصلاة بعمده، وعفي عن سهوه، فيسجد له كجنس الصلاة.

ومن ترك في فيه ما يذوب كالسكر، وابتلع ما يذوب منه، فهو أكل، وإن بقي في فمه أو بين أسنانه يسير من بقايا الطعام يجري به الريق فابتلعه، لم تبطل صلاته؛ لأنه لا يمكنه التحرز منه، وإن ترك في فيه لقمة، لم يبلعها لم تبطل صلاته؛ لأنه عمل يسير، ويكره؛ لأنه يشغل عن خشوعها وقراءتها، فإن لاكها فهو كالعمل، وإن كثر أبطل، وإلا فلا.

فصل:

القسم الثاني: النقص، وهو ثلاثة أنواع:

أحدها: ترك ركن، كركوع أو سجود، فإن كان عمدًا أبطل الصلاة، وإن كان سهوًا فله أربعة أحوال:

أحدها: لم يذكره حتى سلم، وطال الفصل، فتفسد صلاته، لتعذر البناء مع طول الفصل.

الثاني: ذكره قريبًا من التسليم، فإنه يأتي بركعة كاملة؛ لأن الركعة التي ترك الركن منها، بطلت بتركه، والشروع في غيرها، فصارت كالمتروكة.

الثالث: ذكر المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة الأخرى، فإنه يعود فيأتي بما تركه، ثم يبني على صلاته، فإن سجد سجدة، ثم قام قبل جلسة الفصل فذكر، جلس للفصل، ثم سجد ثم قام، وإن ترك السجود وحده، سجد ولم يجلس؛ لأنه لم يتركه، ولو جلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل؛ لأنه نوى بجلوسه النفل، فلم يجزئه

ص: 279

عن الفرض، كمن سجد للتلاوة لم يجزئه عن سجود الصلاة، ويسجد للسهو، فإن لم يعد إلى فعل ما تركه، فسدت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمدًا، إلا أن يكون جاهلًا.

الحال الرابع: ذكر بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى، فتبطل الركعة التي ترك ركنها وحدها، ويجعل الأخرى مكانها، ويتم صلاته، ويسجد قبل السلام.

وإن ترك ركنين مع ركعتين، أتى بركعتين مكانها.

وإن ترك أربع سجدات من أربع ركعات، وذكر وهو في التشهد سجد سجدة، تصح له الركعة الرابعة، ويأتي بثلاث ركعات، ويسجد للسهو، وعنه: أن صلاته تبطل؛ لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد به.

وإن ذكر وهو في التشهد أنه ترك سجدة من الرابعة، سجد في الحال، ثم تشهد وسجد للسهو، فإن لم يعلم من أي الركعات تركها، جعلها من ركعة قبلها، ليلزمه ركعة، وإن ذكر في الركعة أنه ترك ركنًا لم يعلم أركوع هو أم سجود؟ جعله ركوعًا، ليأتي به، ثم بما بعده كيلا يخرج من الصلاة على شك.

النوع الثاني: ترك واجبا غير ركن عمدًا، كالتكبير غير تكبيرة الإحرام، وتسبيح الركوع والسجود؛ بطلت صلاته إن قلنا بوجوبه، وإن تركه سهوًا سجد للسهو قبل السلام؛ لما «روى عبد الله بن مالك ابن بحينة قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فقام في الركعتين، فلم يجلس، فقام الناس معه، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه، كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم» متفق عليه. فثبت هذا بالخبر، وقسنا عليه سائر الواجبات، وإن ذكر التشهد قبل انتصابه قائمًا، رجع فأتى به، وإن ذكر بعد شروعه في القراءة، لم يرجع لذلك؛ لأنه تلبس بركن مقصود، فلم يرجع إلى واجب، وإن ذكره بعد قيامه، وقبل شروعه في القراءة لم يرجع أيضًا لذلك، لما «روى المغيرة بن شعبة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائمًا جلس، فإن استتم قائمًا لم يجلس وسجد سجدتي السهو» رواه أبو داود.

وقال أصحابنا: وإن رجع في هذه الحال لم تفسد صلاته، ولا يرجع إلى غيره من الواجبات؛ لأنه لو رجع إلى الركوع لأجل تسبيحة لزاد ركوعًا في صلاته، وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع.

ص: 280

النوع الثالث: ترك سنة، فلا تبطل الصلاة بتركها عمدًا ولا سهوًا، ولا سجود عليه؛ لأنه شرع للجبر، فإن لم يكن الأصل واجبًا فجبره أولى، ثم إن كان المتروك من سنن الأفعال لم يشرع له السجود؛ لأنه يمكن التحرز منه، وإن كان من سنن الأقوال ففيه روايتان:

أحدهما: لا يسن له السجود كسنن الأفعال.

والثانية: يسن؛ لقوله عليه السلام: «إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» .

فصل:

القسم الثالث: الشك، وفيه ثلاث مسائل:

إحداهن: شك في عدد الركعات، ففيه ثلاثة روايات:

إحداهن: يبني على غالب ظنه، ويتم صلاته، ويسجد بعد السلام؛ لما روى ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسجد سجدتين متفق عليه، وللبخاري: " بعد التسليم» .

الثانية: يبني على اليقين، لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثًا أو أربعًا؟ فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى أربعًا كانتا ترغيمًا للشيطان» رواه مسلم.

والرواية الثالثة: يبني الإمام على غالب ظنه، والمنفرد على اليقين؛ لأن للإمام من يذكره إن غلط، فلا يخرج منها على شك، والمنفرد يبني على اليقين؛ لأنه لا يأمن الخطأ، وليس له من يذكره، فلزمه البناء على اليقين، كيلا يخرج من الصلاة شاكًا فيها، وهذا ظاهر المذهب.

المسألة الثانية: شك في ركن من الصلاة، فحكمه حكم تاركه؛ لأن الأصل عدمه.

ص: 281

المسألة الثالثة: شك فيما يوجب سجود السهو، من زيادة أو ترك واجب، ففيه وجهان:

أحدهما: لا سجود عليه؛ لأن الأصل عدم وجوبه، فلا يجب بالشك.

والثاني: إن شك في زيادة لم يسجد؛ لأن الأصل عدمها، وإن شك في ترك واجب لزمه السجود؛ لأن الأصل عدمه، وإنما يؤثر الشك إذا وجد في الصلاة، فإن شك بعد سلامها لم يلتفت إليه؛ لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع؛ لأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط، وهكذا الشك في سائر العبادات بعد فراغه منها.

فصل:

وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به، ولأنه شرع لجبر واجب، فكان واجبًا كجبرانات الحج، وجميعه قبل السلام؛ لأنه من تمامها وشأنها، فكان قبل سلامها كسجود صلبها، إلا في ثلاثة مواضع:

أحدها: إذا سلم من نقصان في صلاته سجد بعد السلام؛ لحديث ذي اليدين.

الثاني: إذا بنى على غالب ظنه سجد بعد السلام لحديث ابن مسعود.

الثالث: إذا نسي السجود قبل السلام سجده بعده؛ لأنه فاته الواجب فقضاه، وعن أحمد: أن جميعه قبل السلام، إلا أن ينساه قبل أن يسلم.

وعنه: ما كان من زيادة فهو بعد السلام؛ لحديث ذي اليدين، وما كان من نقصان أو شك كان قبله؛ لحديث ابن بحينة وأبي سعيد، فمن سجد قبل السلام جعله بعد فراغه من التشهد؛ لحديث ابن بحينة: فيكبر للسجود والرفع منه، ويسجد سجدتين كسجدتي صلب الصلاة، ويسلم عقيبها، وإن سجد بعد السلام كبر للسجود والرفع منه؛ لحديث ذي اليدين، ويتشهد ويسلم، لما «روى عمران بن حصين: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها، فسجد سجدتين، ثم تشهد وسلم» وهذا حديث حسن، ولأنه سجود يسلم له، فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة، فإن نسي السجود فذكره قبل طول الفصل سجد وإن تكلم.

وقال الخرقي: يسجد ما لم يخرج من المسجد، وإن تكلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم.

وإن نسيه حتى طال الفصل، أو خرج من المسجد، على قول الخرقي، سقط؛ وعنه: يعيد الصلاة.

ص: 282

وقال أبو الخطاب: إن ترك المشروع قبل السلام عامدًا بطلت صلاته؛ لأنه ترك واجبًا فيها عمدًا، وإن ترك المشروع بعد السلام عمدًا أو سهوًا لم تبطل صلاته؛ لأنه ترك واجبًا ليس منها، فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج.

فصل:

فإن سها سهوين محل سجودهما واحد، كفاه أحدهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين» ، ولأن السجود إنما أخر ليجمع السهو كله، ولولا ذلك فعله عقيب السهو؛ لأنه سببه، وإن كان أحدهما قبل السلام والآخر بعده ففيه وجهان:

أحدهما: يجزئه سجود واحد لذلك، ويسجد قبل السلام؛ لأنه أسبق وآكد، ولم يسبقه ما يقوم مقامه فلزمه الإتيان بخلاف الثاني.

والثاني: يأتي بهما في محلهما؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لكل سهو سجدتان» رواه أبو داود.

فصل:

وليس على المأموم سجود لسهوه، فإن سها إمامه فعليه السجود معه، لما روى ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس على من خلف الإمام سهو، فإن سها إمامه فعليه وعلى من خلفه» رواه الدارقطني، ولأن المأموم تابع لإمامه، فلزمه متابعته في السجود وفي تركه.

ويسجد المسبوق مع إمامه في سهوه الذي لم يدركه، فإن كان السجود بعد السلام لم يقم المسبوق حتى يسجد معه.

وعنه: لا سجود عليه هاهنا، والأول المذهب، فإن قام ولم يعلم، فسجد الإمام رجع فسجد معه إن لم يكن استتم قائمًا، وإن استتم قائمًا مضى، ثم سجد في آخر صلاته قبل سلامه؛ لأنه قام عن واجب، فأشبه تارك التشهد الأول، وإن سجد مع الإمام ففيه روايتان:

إحداهما: يعيد السجود؛ لأن محله آخر الصلاة، وإن سجد مع إمامه تبعًا، فلم يسقط المشروع في محله كالتشهد.

ص: 283

والثانية: لا يسجد؛ لأنه قد سجد وانجبرت صلاته، وإن لم يسجد مع إمامه سجد وجهًا واحدًا.

وإن ترك الإمام السجود، فهل يسجد المأموم؟ فيه روايتان:

إحداهما: يسجد لأن صلاته نقصت بسهو إمامه، ولم يجبرها فلزمه جبرها.

والثانية: لا يسجد؛ لأنه إنما يسجد تبعًا، فإن لم يوجد المتبوع لم يجب التبع.

فصل:

والنافلة كالفريضة في السجود؛ لعموم الأخبار، ولأنها في معناها، ولا يسجد لسهو في سجود السهو؛ لأنه يفضي إلى التسلسل، ولا في صلاة جنازة؛ لأنه لا سجود في صلبها، ففي جبرها أولى، ولا يسجد لفعل عمد؛ لأن السجود سجود للسهو، ولأن العمد إن كان لمحرم أفسد الصلاة، وإن كان في غيره فلا عذر عليه، والسجود إنما شرع في محل العذر.

فصل:

ومن أحدث عمدًا بطلت صلاته؛ لأنه أخل بشرطها عمدًا، وإن سبقه الحدث أو طرأ عليه ما يفسد طهارته، كظهور قدمي الماسح، وانقضاء مدة المسح، ومن به سلس لبول؛ بطلت صلاته.

وعنه فيمن سبقه الحدث: يتوضأ ويبني، وهذه الصور في معناها، والمذهب الأول؛ لأن الصلاة لا تصح من محدث في عمد ولا سهو، وله أن يستخلف من يتم بهم الصلاة.

وعنه: ليس له ذلك؛ لأن صلاته باطلة، والمذهب الأول؛ لأن عمر رضي الله عنه حين طعن أخذ بيد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فأتم بهم الصلاة، فلم ينكره أحد فكان إجماعًا، وإن لم يستخلف، فاستخلف الجماعة لأنفسهم، أو صلوا وحدانًا جاز.

قال أصحابنا: وله استخلاف من لم يكن معه في الصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة أبي بكر، ولم يكن معه، فأخذ من حيث انتهى إليه أبو بكر، فإن كان مسبوقًا ببعض الصلاة، فتمت صلاة المأمومين قبله، وجلسوا يتشهدون، وقام هو فأتم صلاته، ثم أدركهم فسلم بهم، ولا يسلمون قبله؛ لأن الإمام ينتظر المأمومين في صلاة الخوف، فالمأمومون أولى بانتظاره.

ص: 284