المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب غسل الميت] - الكافي في فقه الإمام أحمد - جـ ١

[ابن قدامة]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة الكتاب]

- ‌[كتاب الطهارة]

- ‌[باب حكم الماء الطاهر]

- ‌[باب الماء النجس]

- ‌[باب الشك في الماء]

- ‌[فصل في اشتباه الماء النجس بالطاهر]

- ‌[أقسام الحيوان]

- ‌[فصل في أقسام الحيوان الطاهر]

- ‌[باب الآنية]

- ‌[التطهر من آنية الذهب والفضة]

- ‌[فصل في استعمال آنية أهل الكتاب]

- ‌[فصل في حكم ثياب الكفار]

- ‌[فصل في حكم طهارة الميتة]

- ‌[باب السواك وغيره]

- ‌[باب فرائض الوضوء وسننه]

- ‌[باب المسح على الخفين]

- ‌[فصل في مدة المسح على الخفين]

- ‌[فصل في نواقض المسح على الخفين]

- ‌[فصل في المسح على العمامة]

- ‌[فصل في المسح على الجبيرة]

- ‌[باب نواقض الطهارة الصغرى]

- ‌[باب آداب التخلي]

- ‌[باب ما يوجب الغسل]

- ‌[فصل فيما يحرم على الجنب]

- ‌[باب صفة الغسل من الجنابة]

- ‌[باب التيمم]

- ‌[فصل في فرائض التيمم]

- ‌[فصل فيما يباح بالتيمم]

- ‌[فصل في شرائط التيمم]

- ‌[فصل في مبطلات التيمم]

- ‌[فصل فيما يجوز التيمم به]

- ‌[فصل في حكم فاقد الطهورين]

- ‌[باب الحيض]

- ‌[باب النفاس]

- ‌[باب أحكام النجاسات]

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[باب أوقات الصلوات]

- ‌[باب الأذان]

- ‌[باب شرائط الصلاة]

- ‌[باب ستر العورة]

- ‌[باب استقبال القبلة]

- ‌[باب اشتراط دخول الوقت لصحة الصلاة]

- ‌[باب النية في الصلاة]

- ‌[باب صفة الصلاة]

- ‌[باب صلاة التطوع]

- ‌[باب سجود السهو]

- ‌[باب ما يكره في الصلاة]

- ‌[باب صلاة الجماعة]

- ‌[باب صفة الأئمة]

- ‌[باب موقف الإمام والمأموم في الصلاة]

- ‌[فصل في حكم المرور بين يدي المصلي]

- ‌[باب قصر الصلاة]

- ‌[باب الجمع بين الصلاتين]

- ‌[باب صلاة المريض]

- ‌[باب صلاة الخوف]

- ‌[باب صلاة الجمعة]

- ‌[باب صلاة العيدين]

- ‌[باب صلاة الكسوف]

- ‌[باب صلاة الاستسقاء]

- ‌[كتاب الجنائز]

- ‌[باب غسل الميت]

- ‌[باب الكفن]

- ‌[باب الصلاة على الميت]

- ‌[باب حمل الجنازة والدفن]

- ‌[باب التعزية والبكاء على الميت]

- ‌[كتاب الزكاة]

- ‌[باب زكاة الإبل]

- ‌[باب صدقة البقر]

- ‌[باب صدقة الغنم]

- ‌[باب حكم الخلطة]

- ‌[باب زكاة الزرع والثمار]

- ‌[باب زكاة الذهب]

- ‌[باب زكاة المعدن]

- ‌[باب حكم الركاز]

- ‌[باب زكاة التجارة]

- ‌[باب صدقة الفطر]

- ‌[باب إخراج الزكاة والنية فيه]

- ‌[باب قسم الصدقات]

- ‌[باب ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم]

- ‌[باب من لا يجوز دفع الزكاة إليه]

- ‌[باب صدقة التطوع]

- ‌[كتاب الصيام]

- ‌[باب النية في الصوم]

- ‌[باب ما يفسد الصوم وما يوجب الكفارة]

- ‌[باب قضاء رمضان]

- ‌[باب ما يستحب وما يكره للصائم]

- ‌[باب صوم التطوع]

- ‌[كتاب الاعتكاف]

- ‌[كتاب الحج]

- ‌[باب مواقيت الحج]

- ‌[باب الإحرام]

- ‌[باب محظورات الإحرام]

- ‌[باب الفدية في الحج]

- ‌[باب جزاء الصيد]

- ‌[باب دخول مكة وصفة العمرة]

- ‌[باب صفة الحج]

- ‌[باب ما يفسد الحج وحكم الفوات والإحصار]

- ‌[باب الهدي]

- ‌[باب الأضحية]

- ‌[باب العقيقة]

- ‌[باب الذبائح]

- ‌[باب الصيد]

- ‌[باب ما يحل وما يحرم من الحيوان]

الفصل: ‌[باب غسل الميت]

أهله» رواه أبو داود. وإن شك في موته انتظر به حتى يتيقن موته، بانخساف صدغيه، وميل أنفه وانفصال كفيه، واسترخاء رجليه، ولا بأس بالانتظار بها قدر ما يجتمع لها جماعة، ما لم يخف عليه، أو يشق على الناس. ويسارع في قضاء دينه، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه» وهذا حديث حسن. فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه، لما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فسأل: هل عليه دين؟ قالوا: نعم، ديناران فلم يصل عليه. فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله فصلى عليه» . رواه النسائي. وتستحب المسارعة في تفريق وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له.

[باب غسل الميت]

وهو فرض على الكفاية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقة: «اغسلوه بماء وسدر» متفق عليه. وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك. وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل، ولأنه حق للميت فقدم وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه. فإن لم يكن له وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه، ثم جده، ثم ابنه وإن نزل، ثم الأقرب فالأقرب من عصباته، ثم الرجال من ذوي الأرحام، ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه. وأولاهم بغسل المرأة أمها، ثم جدتها، ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب، ثم الأجنبيات.

ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف، لحديث أبي بكر. ولقول عائشة: لو استقبلنا ما أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه. رواه أبو داود. وفي غسل الرجل امرأته روايتان:

أشهرهما: يباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: «لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك» رواه ابن ماجه. وغسل علي فاطمة رضي الله عنهما، فلم ينكره منكر، فكان إجماعاً، ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج.

والأخرى: لا يباح؛ لأنهما فرقة أباحت أختها وأربعاً سواها، فحرمت اللمس، والنظر كالطلاق. وأم الولد كالزوجة في هذا؛ لأنها محل استمتاعه، فإن طلق الرجل

ص: 353

زوجته فماتت في العدة، وكان الطلاق بائناً، فهي كالأجنبية محرمة عليه، وإن كانت رجعية، وقلنا: إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا.

فصل:

ولا يصح غسل الكافر لمسلم؛ لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة، ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافراً وإن كان قريبه، ولا يتولى دفنه، إلا أن يخاف ضياعه فيواريه. قال أبو حفص العكبري: يجوز ذلك، وحكاه قولاً لأحمد رضي الله عنه لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال:«قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات. قال: اذهب فواره» رواه أبو داود والنسائي. ولنا أنه لا يصلي عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي، والخبر يدل على مواراته وله ذلك: لأنه يتغير بتركه ويتضرر ببقائه. قال أحمد رضي الله عنه في مسلم مات والده النصراني -: فليركب دابته وليسر أمام الجنازة، وإذا أراد أن يدفن رجع، مثل قول عمر رضي الله عنه.

ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا، ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها؛ لأن أحدهما محرم على صاحبه في الحياة، فلم يجز له غسله كحال الحياة. فإن مات رجل بين نساء، أو امرأة بين رجال، أو خنثى مشكل فإنه ييمم، في أصح الروايتين، لما روى واثلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجل» أخرجه تمام في " فوائده ".

وعنه: في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء، يغسلها، وعليها ثياب ويصب عليها الماء صباً، والأول أولى؛ لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة، بل ربما كثرت، فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة. ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه؛ لأن عورته ليست عورة، وتوقف عن غسل الرجل الجارية، قال الخلال: القياس التسوية بين الغلام والجارية، لولا أن التابعين فرقوا بينهما، وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواز، جرياً على موجب القياس.

فصل:

وينبغي أن يكون الغاسل أميناً، لما روي عن ابن عمر أنه قال: لا يغسل موتاكم إلا المأمونون. ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل، ويذيع ما يرى من قبيح، وعليه ستر ما يرى من قبيح؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من غسل ميتاً ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» رواه ابن ماجه بمعناه. وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها، ليترحم عليه، ويرغب في مثل طريقته. وإن كان مغموصاً عليه في

ص: 354

السنة والدين، مشهوراً بذلك، فلا بأس بإظهار الشر عنه، لتحذر طريقته، ويستحب ستر الميت عن العيون، ولا يحضره إلا من يعين في أمره؛ لأنه ربما كان فيه عيب يستره في حياته، وربما بدت عورته فشاهدها.

فصل:

ويجرد الميت عند تغسيله، ويستر ما بين سرته وركبتيه، وروى ذلك الأثرم عنه، واختاره الخرقي وأبو الخطاب؛ لأن ذلك أمكن في تغسيله، وأبلغ في تطهيره، وأشبه بغسل الحي، وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه، ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك. بدليل أنهم قالوا: لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا؟ رواه أبو داود. والظاهر أن النبي أمرهم به وأقرهم عليه.

وروى المروذي، وعنه: أن الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه، ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه. ولأنه أستر للميت. ويستحب أن يوضع على سرير غسله، متوجهاً، منحدراً نحو رجليه، لينصب ماء الغسل منه، ولا يستنقع تحته فيفسده، ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية، إناء كبير فيه ماء، بعيداً عن الميت، وإناء وسطاً، وإناء يغترف به من الوسط، ويصب على الميت، فإن فسد الماء الذي في الوسط كان الآخر سليماً؟ ويكون بقربه مجمر فيه بخور لتخفى رائحة ما يخرج منه.

فصل:

والفرض فيه ثلاثة أشياء: النية. لأنها طهارة تعبدية، أشبهت غسل الجنابة. وتعميم البدن بالغسل؛ لأنه غسل فوجب فيه ذلك، كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة. وفي التسمية وجهان بناء على غسل الجنابة. ويسن فيه ثمانية أشياء:

أحدها: أن يبدأ فيحني الميت حنياً لا يبلغ به الجلوس، ويمر يده على بطنه فيعصره عصراً دقيقاً ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل، أو بعد التكفين فيفسده، ويصب عليه الماء وقت العصر صباً كثيراً، ليذهب بما يخرج، فلا تظهر رائحته.

والثاني: أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته؛ لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى، ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة، وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين، ينجيه بإحداهما ثم يلقيها، ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن، لما روي أن علياً رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص.

ص: 355

الثالث: أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه، لما روت أم عطية أنها قالت:«لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» متفق عليه. ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت، ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء؛ لأنه لا يمكنه إخراجه، فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه، لكن يلف على يده خرقة مبلولة، ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه وأنفه، ويتتبع ما تحت أظافره - إن لم يكن قلمها - بعود لين كالصفصاف، فيزيله ويغسله، كما يفعل الحي في وضوئه وغسله.

الرابع: أن يغسله بسدر مع الماء، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اغسلوه بماء وسدر» وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته: «اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور» متفق عليه. وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر، وذكره الخرقي.

وقال القاضي وأبو الخطاب: يغسل الأولى بماء وسدر، ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه، كيلا يسلب طهوريته، ولا يجعل فيه سدر صحيح. ولا فائدة في ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانه ما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي.

الخامس: أن يضرب السدر، ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة.

السادس: أن يبدأ بشقه الأيمن، لقوله عليه السلام:«ابدأن بميامنها» فيغسل يده اليمنى، وصفحة عنقه، وشق صدره، وجنبه، وفخذه، وساقه، وقدمه، ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه، ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك.

السابع: أن يغسله وتراً للخبر، فيغسله ثلاثاً فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس، أو إلى سبع لا يزيد عليها؛ لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي، ويمر في كل مرة يده، ولا يوضئه إلا في المرة الأولى، إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه؛ لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة، ولو غسله ثلاثاً ثم خرج منه شيء غسله إلى خمس، فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع، فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل، ويسد مخرج النجاسة بالقطن، فإن لم يستمسك فبالطين الحر، ويغسل موضع النجاسة، ويوضأ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل انتهى إلى سبع. واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث؛ لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده، ويوضأ وضوءه للصلاة.

الثامن: أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافوراً ليشده ويبرده ويطيبه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ويستحب أن يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون، ويسدل من ورائها، لما روت أم

ص: 356

عطية قالت: «ضفرنا شعرها ثلاثة قرون، وألقيناه من خلفها، تعني: ابنة النبي صلى الله عليه وسلم» . متفق عليه.

فصل:

وكره أحمد رضي الله عنه تسريح الميت؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت: علام تنصون ميتكم؟ يعني: لا تسرحوا رأسه بالمشط. ولأنه يقطع شعره وينتفه. والماء البارد في الغسل أفضل من الحار؛ لأن البارد يشده، والحار يرخيه، إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به، أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الأشنان، إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ.

فصل:

ويستحب تقليم أظافر الميت، وقص شاربه؛ لأن ذلك سنة في حياته، ويترك ذلك معه في أكفانه؛ لأنه من أجزائه، وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه، ليجمع بين أجزائه، وفي أخذ عانته، وجهان:

أحدهما: يستحب إزالتها بنورة أو حلق؛ لأن سعد بن أبي وقاص جز عانة ميت، ولأنه من الفطرة، فأشبه تقليم الأظفار.

والثاني: لا يستحب؛ لأن فيه لمس العورة، وربما احتاج إلى نظرها، وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب.

فصل:

والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه، لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«والسقط يصلى عليه» رواه أبو داود، ولأنه ميت مسلم أشبه المستهل، ودليل أنه ميت: ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوماً، ثم علقة مثل ذلك، ثم مضغة مثل ذلك، ثم يبعث الله إليه ملكاً فينفخ فيه الروح» متفق عليه. ومن كان فيه روح ثم خرجت فهو ميت، ويستحب تسميته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم» . فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسماً يصلح لهما كسعادة وسلامة، ومن له دون أربع أشهر لا يغسل، ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه.

فصل:

والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل رواية واحدة. وفي الصلاة عليه روايتان:

ص: 357

إحداهما: يصلى عليه، اختارها الخلال لما روى عقبة «أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف» . متفق عليه.

والثانية: لا يصلى عليه، وهي أصح، لما روى جابر «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم» . رواه البخاري. وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد، بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين، والخيرة في تكفين الشهداء إلى الولي، إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح. لما روى ابن عباس «أن رسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد، وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم» . رواه أبو داود. وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها؛ «لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما، فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما، وكفن في الآخر رجلاً آخر» . قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد، وإن حمل وبه رمق، أو أكل أو طالت حياته، غسل وصلي عليه؛ لأن سعد بن معاذ غسله النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وكان شهيداً، وإن قتل وهو جنب غسل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد:«ما بال حنظلة بن الراهب؟ إني رأيت الملائكة تغسله قالوا: إنه سمع الهائعة، فخرج ولم يغتسل» . رواه الطيالسي. وإن سقط من دابته، أو تردى من شاهق، أو وجد ميتاً لا أثر به، غسل وصلي عليه؛ لأنه ليس بقتيل الكفار، والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه، فلا يسقط الغسل الواجب بالشك.

ومن عاد عليه سلاحه فقتله فهو كقتيل الكفار؛ لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم.

وقال القاضي: يغسل ويصلى عليه؛ لأنه ليس بقتيل الكفار، ومن قتل من أهل العدل في المعترك فحكمه حكم قتيل المشركين.

وأما أهل البغي فقال الخرقي، يغسلون ويصلى عليهم؛ لأنهم ليس لهم حكم الشهداء.

وأما المقتول ظلماً كقتيل اللصوص، والمقتول دون ماله ففيه روايتان:

إحداهما: يغسل ويصلى عليه؛ لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه؛ لأنه ليس بشهيد المعترك أشبه المبطون.

ص: 358