الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويكره الوصال وهو أن يصوم يومين لا يفطر بينهما، لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا تواصلوا قالوا: إنك تواصل. قال: إني لست كأحد منكم إني أُطعم وأُسقى» متفق عليه. فإن أخّر فطره إلى السحر جاز، لما روى أبو سعيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر» أخرجه البخاري.
[باب صوم التطوع]
وهو مستحب، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى: «كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، الصيام جنة، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه» . متفق عليه، وأفضله ما روى عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً» متفق عليه.
ويستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، لما روى أبو هريرة قال:«أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث؛ صيام ثلاث أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» ، متفق عليه. ويستحب أن يجعلها أيام البيض، لما روى أبو ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة» وهذا حديث حسن، ويستحب صوم الاثنين والخميس، لما روى أسامة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين ويوم الخميس فسئل عن ذلك فقال: إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس» . رواه أبو داود. ويستحب الصيام في المحرم، لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم» رواه مسلم، وهذا حديث حسن. ويستحب صيام عشر ذي الحجة، لما روى ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيامٍ العملُ الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» وهذا حديث حسن صحيح. وصوم يوم عرفة كفارة سنتين وهو التاسع من ذي الحجة، وصوم عاشوراء كفارة سنة، وهو العاشر من المحرم، لما روى أبو قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» وقال في صيام يوم عاشوراء: «إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده» رواه مسلم.
ولا يستحب لمن
بعرفة أن يصوم؛ ليتقوى على الدعاء؛ لما روى ابن عمر قال: «حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه، ومع أبي بكر فلم يصمه، ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، فأنا لا أصومه ولا آمر به، ولا أنهى عنه» ، حديث حسن، ومن صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال - وإن فرقها - فكأنما صام الدهر؛ لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام شهر رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله» رواه مسلم.
فصل:
ويكره إفراد الجمعة بالصيام. لما روى أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةَ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ» متفق عليه. وإفراد يوم السبت بالصوم؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» وهذا حديث حسن صحيح. فإن صامهما معًا لم يكره لحديث أبي هريرة، ويكره إفراد أعياد الكفار بالصيام لما فيه من تعظيمها، والتشبه بأهلها، ويكره صوم الدهر؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: فكيف بمن صام الدهر؟ قال: «لا صام ولا أفطر» حديث حسن؛ ولأنه يشبه التبتل المنهي عنه. ويكره إفراد رجب بالصوم؛ لما فيه من تشبهه برمضان، وقد روي عن خرشة قال: رأيت عمر يضرب أكف الناس حتى يضعوها في الطعام. يعني في رجب. ويقول: إنما هو شهر كانت الجاهلية تعظمه، ثم يقول: صوموا منه، وأفطروا، وروى سعيد بن منصور أوله بمعناه، ولم يقل فيه:" صوموا منه وأفطروا ". وقال أصحابنا: يكره صوم يوم الشك وهو اليوم الذي يُشَكُّ فيه هل هو من شعبان أو من رمضان إذا كان صحوًا، ويحتمل أنه محرم؛ لقول عمار:«من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم» - رواه أبو داود والترمذي نحوه، وصححه والمعصية حرام.
وكذلك استقبال رمضان باليوم واليومين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتقدمن أحدكم رمضان بصيام يوم أو يومين إلا أن يكون رجلا كان يصوم صيامًا فليصمه» متفق عليه. وما وافق هذا كله عادة فلا بأس بصومه لهذا الحديث، وقد دل هذا الحديث بمفهومه على جواز التقدم بأكثر من يومين. وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إِذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنِ الصِّيَامِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ» وهذا حديث صحيح، فيحمل الأول على الجواز، وهذا على نفي الفضيلة جمعًا بينهما.
فصل:
ويحرم صوم العيدين عن فرض أو تطوع، فإن صامهما فقد عصى ولم يجزآه عن فرض؛ لما روى أبو عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فقال: «هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما، يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر
تأكلون من نسككم.» متفق عليه، ولا يجوز صيام أيام التشريق؛ لما روى نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل» رواه مسلم. وفي صيامهما للفرض روايتان:
إحداهما: يحرم لهذا الحديث.
والثانية: يجوز لما روي عن ابن عمر وعائشة أنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي» رواه البخاري. وقسنا على صوم المتعة صوم كل فرض لأنه في معناه.
فصل:
ومن دخل في صيام تطوع فله الخروج منه، ولا قضاء عليه، وعنه: عليه القضاء؛ لأنه عبادة فلزمت بالشروع كالحج.
والأول: المذهب؛ لما روت عائشة قالت: «قلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية أو جاءنا زَوْرٌ، وقد خبأت لك شيئًا: قال ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئته به فأكل ثم قال: قد كنت أصبحت صائمًا» رواه مسلم؛ ولأن كل صوم لو أتمه كان تطوعًا؛ لا يلزمه إتمامه، وإن خرج منه لم يلزمه قضاؤه، كما لو اعتقده من رمضان فبان من شعبان، وإن كان الصوم مكروهًا، فالفطر منه مستحب؛ لما روي عن جويرية بنت الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة فقال:«أصمت أمس؟ قالت: لا، قال: أتريدين أن تصومي غدًا؟ قالت: لا، قال: فأفطري» متفق عليه، وسائر التطوعات من الصلاة، والاعتكاف وغيرهما كالصوم، إلا الحج والعمرة.
وعنه: أن الصلاة أشد فلا يقطعها، ومال إليها أبو إسحاق والجوزجاني؛ لأن الصلاة ذات إحلال وإحرام، فأشبهت الحج، والأول المذهب؛ لأن ما جاز ترك جميعه جاز ترك بعضه كالصدقة والحج والعمرة يخالفان غيرهما؛ لأنه يمضي في فاسدهما فلا يصح القياس عليهما، ومن دخل في واجب كقضاء، أو نذر غير معين، أو كفارة؛ لم يجز له الخروج منه؛ لأنه تعين بدخوله فيه، فصار كالمتعين، فإن خرج منه لزمه أكثر مما كان عليه.
فصل:
ويستحب تحري ليلة القدر؛ لقول الله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3] ، وهي في رمضان؛ لأن الله تعالى أخبر أنه أنزل فيها القرآن، وأنه أنزله في
شهر رمضان، فيدل على أنها في رمضان. وأرجاه الوتر في ليالي العشر الأواخر؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» وفي لفظ: «فاطلبوها في العشر الأواخر في الوتر منها» متفق عليه. وقال أبي بن كعب: إنها ليلة سبع وعشرين، «أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها ليلة صبيحتها تطلع الشمس ليس لها شعاع. فعددنا وحفظنا» . هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم إلى قوله ((شعاع)) ، فهذا أصح علاماتها، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنها ليلة بلجة سمحة لا حارة ولا باردة، تطلع الشمس صبيحتها بيضاء لا شعاع لها» ، من " المسند "، وروى أبو سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«قد أُرِيتُ هذه الليلة ثم أنسيتها، وقد رأيتني أسجد في صبيحتها في ماء وطين، قال أبو سعيد: فأمطرت تلك الليلة، وكان المسجد على عريش فوكف المسجد، فأبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف علينا وعلى جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين.» متفق عليه، والحديثان يدلان على أنها تتنقل في ليالي الوتر من العشر؛ لأن كل واحد منهما يدل على وجود علامتها في ليلة، فينبغي أن يجتهد في ليالي الوتر من العشر كله، ويكثر من الدعاء لعله يوافقها، ويدعو بما روي «عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو؟ قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» رواه الترمذي وقال: حديث صحيح.