الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل:
ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة، لما روى ابن عمر «أن عمر قال: يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: " نعم، إذا توضأ أحدكم فليرقد» متفق عليه. ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع، ويغسل فرجه، فأما الحائض فلا يستحب لها شيء من ذلك، لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها، ولا يصح منها.
[باب صفة الغسل من الجنابة]
باب الغسل من الجنابة وهي على ضربين: كامل، ومجزئ.
الضرب الأول: الكامل، يأتي فيه بتسعة أشياء: النية، وهو أن ينوي الغسل للجنابة، أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل، كقراءة القرآن، واللبث في المسجد ثم يسمي، ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء. ثم يغسل ما به من أذى، ويغسل فرجه وما يليه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بها أصول شعره، ويخلله بيده، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ثم يدلك بدنه بيده، وإن توضأ إلا غسل رجليه، ثم غسل قدميه آخرا، فحسن. قال أحمد رضي الله عنه: الغسل من الجنابة على حديث عائشة، يعني قولها: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه، وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يخلل شعره بيديه، حتى إذا ظن أنه
قد أروى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده» .
وقالت ميمونة: «وضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا، ثم تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه، وذراعيه، ثم أفاض على رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيده» . متفق عليهما.
الضرب الثاني: المجزئ، وهو أن ينوي، ويعم بدنه وشعره بالغسل، والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا، ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفا، لحديث عائشة، ولا يجب نقضه إن كان مضفورا؛ لما روت أم سلمة قالت:«قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين» رواه مسلم، ولا ترتيب الغسل، لأن الله تعالى قال:{وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه، والبداءة بغسل الشق الأيمن، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في طهوره، ولا موالاة فيه، لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة.
فصل:
فأما غسل الحيض، فهو كغسل الجنابة سواء إلا أنه يستحب لها أن تأخذ شيئا
من المسك أو طيب أو غيره، فتتبع به أثر الدم، ليزيل [زفورته] لما روت عائشة رضي الله عنها: «أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض، فقال:" خذي فرصة من مسك، فتطهري بها " فقالت: كيف أتطهر
بها؟ فقالت عائشة: قلت: تتبعي بها أثر الدم» . رواه مسلم. فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب، فإن لم تجد فالماء كاف.
وهل عليها نقض شعرها للغسل منه؟ فيه روايتان:
إحداهما: لا يجب، لأنه غسل واجب أشبه الجنابة.
والثانية: يجب، ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته، وإنما عفي عنه في الجنابة، لأنه يتكرر فيشق النقض فيه، بخلاف الحيض.
فصل:
والأفضل تقديم الوضوء على الغسل، للخبر الوارد، فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى:[ {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] ولم يأمر بالوضوء معه] ، ولأنهما عبادتان من جنس: صغرى وكبرى، فدخلت الصغرى في الكبرى في
الأفعال دون النية، كالحج، والعمرة.
وعنه: لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ، لأنهما نوعان يجبان بسببين، فلم يدخل إحداهما في الآخر، كالحدود. وإن نوى إحداهما دون الأخرى، فليس له غيرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وإنما لكل امرئ ما نوى» .
فصل:
ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا، ويتوضآ من إناء واحد، لأن «النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وزوجته من إناء واحد، يغرفان منه جميعا» ، متفق عليه. وقال ابن عمر:«كان الرجال والنساء يتوضؤون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد» ، رواه أبو داود، ويجوز للمرأة التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة، وللرجل التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة ما لم تخل به.
فإن خلت به، ففيه وجهان:
إحداهما: يجوز أيضا، لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت: «أجنبت فاغتسلت من جفنة، ففضلت فيها فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منه، فقلت: إني
اغتسلت منه فقال: " إن الماء ليس عليه جنابة» رواه أبو داود، ولأنه ماء لم ينجس، ولم يزل عن إطلاقه، فأشبه فضله الرجل.
والثانية: لا يجوز للرجل التطهر به، لما روى الحكم بن عمرو قال:«نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة» ، حديث حسن. قال أحمد رحمه الله: جماعة من الصحابة كرهوه ذكر منهم ابن عمر وعبد الله بن سرجس، وخص ما خلت به، لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت ههنا، وهي ههنا، فأما إذا خلت به فلا تقربنه.
ومعنى الخلوة: أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح.
وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل.
وإنما تؤثر خلوتها في الماء اليسير، لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير، فهذا أولى.
ولا يخرج الماء الذي خلت به المرأة عن إطلاقه. بل يجوز للنساء التطهر به من الحدث والنجاسة،