الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويكمل نصاب التجارة بالأثمان؛ لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فهما جنس واحد وتخرج الزكاة من قيمة العروض لا من أعيانها؛ لأن زكاتها تتعلق بالقيمة لا بالأعيان، وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة منه كسائر الأموال. وقدر زكاته ربع العشر؛ لأنها تتعلق بالقيمة فأشبهت زكاة الأثمان، وفيما زاد على النصاب بحسابه لذلك، ويخرج عنها ما شاء من عين أو ورق لأنهما جميعاً قيمة.
فصل:
وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من الربح؛ لأن حول الربح حول الأصل، وله إخراجها من المال؛ لأنها من مؤنته وواجبة لسببه، ويحسبها من نصيبه؛ لأنها واجبة عليه فتجب عليه كدينه، ويحتمل أن تحسب من الربح؛ لأنها من مؤنة المال فأشبهت أجرة الكيال. وفي زكاة حصة المضارب وجهان. فمن أوجبها لم يجوز إخراجها من المال؛ لأن الربح وقاية رأس المال فليس عليه إخراجها من غيره حتى يقبض، فيؤدي لما مضى كالدين، ويحتمل جواز إخراجها منه؛ لأنهما دخلا على حكم الإسلام، ومن حكمه وجوب الزكاة وإخراجها من المال.
فصل:
وإذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في إخراج زكاته فأخرجاها معاً، ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه؛ لأنه انعزال عن الوكالة بشروع موكله في الإخراج، وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر، ضمن الثاني نصيب الأول، علم بإخراجه أو لم يعلم؛ لأن الوكالة زالت بزوال ما وكل فيه، فأشبه ما لو وكله في بيع ثوب ثم باعه الموكل، ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم؛ لأن المالك غيره.
فصل:
ومن اشترى شقصاً للتجارة بمائتي درهم، فحال الحول وقيمته أربعمائة فعليه زكاة أربعمائة، ويأخذه الشفيع بمائتين؛ لأن الشفيع يأخذه في الحال بالثمن الأول، وزكاته على المشتري؛ لأنها زكاة ماله، ولو وجد به عيباً رده بالثمن الأول وزكاته على المشتري.
[باب صدقة الفطر]
وهي واجبة على كل مسلم، لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض
رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى، والحر والمملوك من المسلمين، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير)) ، فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة» . متفق عليه.
وتجب على المكاتب عن نفسه للخبر، ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته فطرته كالحر، ولا تجب على كافر، ولا على أحد بسببه، فلو كان للمسلم عبد كافر أو زوجة كافرة لم تجب فطرتهما، لقوله:«من المسلمين» ، ولأنها زكاة، فلم تلزم الكافر كزكاة المال، وتجب على الصغير للخبر والمعنى، ويخرج من حيث يخرج نفقته؛ لأنها تابعة لها. ولا تجب على جنين، كما لا تجب على أجنة السائمة، ويستحب إخراجها عنه؛ لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين، وإن ملك الكافر عبداً مسلماً، لم تجب فطرته؛ لأن العبد لا مال له والسيد كافر.
وعنه: على السيد فطرته؛ لأنه من أهل الطهرة فلزم سيده فطرته كما لو كان مسلماً.
فصل:
ولا تجب إلا بشرطين:
أحدهما: أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته صاع؛ لأن النفقة أهم فتجب البداءة بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم «ابدأ بنفسك» رواه مسلم. وفي لفظ: «وابدأ بمن تعول» رواه الترمذي. فإن فضل صاع واحد أخرجه عن نفسه، فإن فضل آخر، بدأ بمن تلزمه البداءة بنفقته، على ما نذكره في بابه إن شاء الله لأنها تابعة للنفقة، فإن فضل بعض صاع ففيه روايتان:
إحداهما: يلزمه إخراجه، لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه. ولأنه لو ملك بعض العبد لزمته فطرته، فكذلك إذا ملك بعض المؤدى لزمه أداؤه.
والثانية: لا يلزمه؛ لأنه عدم ما يؤدي به الفرض فلم يلزمه، كمن عليه الكفارة إذا
لم يملك إلا بعض الرقبة. فإن فضل صاع وعليه دين يطالب به، قدم قضاؤه؛ لأنه حق آدمي مضيق وهو أسبق، فكان أولى، فإن لم يطالب به فعليه الفطرة؛ لأنه حق توجهت المطالبة به فقدم على ما لا يطالب به، ولا يمنع الدين وجوبها لتأكدها بوجوبها على الفقير من غير حول.
فصل:
الشرط الثاني: دخول وقت الوجوب، وهو غروب الشمس من ليلة الفطر، لقول ابن عمر:«فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان» . وذلك يكون بغروب الشمس، فمن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبداً أو أيسر بعد الغروب، لم تلزمه فطرتهم، وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم؛ لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهار.
فصل:
والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر، ولأن المقصود إغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم» رواه سعيد بن منصور. وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم في اليوم كله، فإذا قدمها قبل ذلك بيومين جاز؛ لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين، ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه، وإن عجلها لأكثر من ذلك لم يجز؛ لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد، وإن أخرها [عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر، وأجزأت لحصول الغنى بها في اليوم، وإن أخرها] عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء؛ لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين.
فصل:
ولا يشترط لوجوبها الغنى بنصاب ولا غيره، لما روى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أدوا صدقة الفطر صاعاً من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير، حر أو مملوك، غني أو فقير، أما غنيكم فيزكيه الله، وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى» ، ولأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة.
فصل:
ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين، لما روى ابن عمر قال:«أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد. ممن تمونون» . فيجب على الرجل فطرة زوجته وعبده وزوجة عبده؛ لأن نفقتهم عليه، فإن كان له عبد آبق فعليه فطرته؛ لأنها تجب بحق الملك والملك لم يزله الإباق. قال أحمد: ولا يعطي عنه، إلا أن يعلم مكانه، وذلك لأنه يحتمل أنه قد مات أو ارتد فلم تجب الفطرة مع الشك، فإن علم حياته بعد ذلك لزمه الإخراج لما مضى، وإن كانت له زوجة ناشز لم تلزمه فطرتها؛ لأنه لا تلزمه نفقتها. وقال أبو الخطاب: تلزمه قطرتها كما يلزم السيد فطرة الآبق. وإن كان لزوجته خادم تلزمه نفقته لزمته فطرته. وإن كان العبد لسادة فعليهم فطرته؛ لأن عليهم نفقته، وعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقته؛ لأنها تابعة لها فتقدرت بقدرها.
وعنه: على كل سيد فطرة كاملة؛ لأنها طهرت فوجب تكميلها ككفارة القتل. ومن نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده لما ذكرناه، ومن نفقتها على اثنين من أقاربه، أو الأمة التي نفقتها على سيدها: وزوجها، فطرته عليهما كذلك. ومن تكفل بمؤنة شخص فمانه شهر رمضان فالمنصوص عن أحمد أن عليه فطرته لدخوله في عموم قوله:«ممن تمونون» .
واختار أبو الخطاب: أنه لا تلزمه فطرته كما لا تلزمه نفقته، وحمل الخبر على من تلزمه المؤنة بدليل وجوبها على الآبق، ومن ملكه عند الغروب ولم يمنهما، وسقوطها عمن مات أو أعتق قبل الغروب وقد مانه.
فصل:
على الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها؛ لأنه كالمعدوم. وإن كانت أمة ففطرتها على سيدها لذلك، ويحتمل أن لا تجب فطرتهما؛ لأن من تجب عليه النفقة معسر فسقطت، كما لو كانت الزوجة والسيد معسرين، ومن لزمت فطرته غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه ففيه وجهان:
أحدهما: يجزئه لأدائه ما عليه.
والثاني: لا يجزئه؛ لأنها تجب على غيره فلا يجزئ إخراجها بغير إذن من وجبت عليه، كزكاة المال.
فصل:
والواجب في الفطرة صاع من كل مخرج، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، ولما
روى أبو سعيد قال: «كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من زبيب، فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال: إن مداً من هذا يعدل مدين. قال أبو سعيد: فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه» . متفق عليه.
ومن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها؛ لأنها المنصوص عليها فأيها أخرج أجزأه، سواء كانت قوته أو لم تكن لظاهر الخبر. ويجزئ الدقيق والسويق من الحنطة والشعير لقول أبي سعيد، «لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من دقيق، ثم شك فيه سفيان بعد، فقال: دقيق أو سلت» . رواه النسائي. ولأنه أجزاء بحب يكال أو يدخر، فأشبه الحب. ويجزئ إخراج صاع من أجناس إذا لم يعدل عن المنصوص؛ لأن كل واحد منها يجزئ منفرداً فأجزأ بعض من هذا وبعض من هذا، كما لو كان العبد لجماعة، وقال أبو بكر يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام هذه الخمسة لظاهر قوله: صاعاً من طعام. قال: والأول أقيس. وفي الأقط روايتان:
إحداهما: يجزئ إخراجه مع وجود غيره؛ لأنه في الخبر.
والثانية: لا يجزئ إلا عند عدم الأصناف. قال الخرقي: إن أعطى أهل البادية الأقط أجزأ إذا كان قوتهم، وذلك لأنه لا يجزئ في الكفارة ولا تجب الزكاة فيه، فإن عدم الخمسة أخرج ما قام مقامها من كل مقتات من الحب والتمر، وقال ابن حامد: يخرجون من قوتهم أي شيء كان، كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام.
فصل:
والأفضل عن أبي عبد الله رضي الله عنه إخراج التمر. لما روى مجاهد قال: قلت لابن عمر: إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر. قال: إن أصحابي قد سلكوا طريقاً وأنا أحب أن أسلكه، فآثر الاقتداء بهم على غيره. وكذلك أحمد. ثم بعد التمر البر؛ لأنه أكثر نفعاً وأجود.
فصل:
ولا يجزئ الخبز لأنه خارج من الكيل والادخار، ولا حب معيب ولا مسوس، ولا قديم تغير طعمه، لقول الله تعالى:{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267] . ولا تجزئ القيمة؛ لأنه عدول عن المنصوص.